حكاية «داعش»: نهاية «دولة الخرافة»

بلغ التنظيم في عام 2014 قمة قوته... ونهايته في الباديتين العراقية والسورية

حكاية «داعش»: نهاية «دولة الخرافة»
TT

حكاية «داعش»: نهاية «دولة الخرافة»

حكاية «داعش»: نهاية «دولة الخرافة»

أتى تدمير تنظيم «داعش» للجامع النوري الكبير في مدينة الموصل، قاعدة شمال العراق، قبل وصول القوات العراقية إليه، ليعلن رسمياً نهاية «دولة» التنظيم التي كان أعلن عنها من على منبر الجامع نفسه في التوقيت ذاته تقريباً من عام 2014. إذ استطاع النفاذ من التعقيدات الدولية المحيطة بالمنطقة لينطلق في مغامرة «الدولة» التي سماها خصومه «دولة الخرافة» السائرة «عكس السير»، وذلك قبل أن يفرض المنطق نفسه، ويعود إلى مرحلة التنظيم، تمهيداً للاختباء تحت الأرض في منطق «حرب العصابات»... و«الذئاب المنفردة».
تشير كل المعطيات إلى أن تنظيم داعش المتطرف دخل في أطواره الأخيرة، كقوة ذات تأثير. إذ إن تمويله الهائل يكاد ينضب جراء التضييق الدولي والإقليمي عليه، وكذلك قدرته على استقطاب المقاتلين واستثمار الموارد الطبيعية، جراء الحملات العسكرية التي يشنها عليه أكثر من طرف دولي وإقليمي ومحلي. وبالتالي، بات مصطلح «دولة الخرافة» أقرب إلى الواقع الذي عاشه التنظيم خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، عبد الرحمن الحاج أن قدرة «داعش» على استقطاب الأجانب ضعفت إلى حد كبير، مشيراً إلى أن قدراته العسكرية تراجعت وموارده المالية أيضاً، كما قتل عدد من قادته العسكريين الذين لعبوا دوراً في تمدده. ويوضح الحاج لـ«الشرق الأوسط» أن أبرز الخيارات التي يلجأ إليها التنظيم اليوم تتمثل في «الانكفاء نحو المناطق الحيوية بالنسبة للتنظيم، ومحاولة تأخير الانكسار الكامل، ولهذا لن يدافع بشراسة عن مناطق ليست مهمة له كمدينة الرقة، فيما قد يستميت في بعض المناطق الأخرى، كالعراق الذي يعتبره حاضنة»، لأن قيادييه السياسيين من العراق. أما الخيار اللاحق فهو الذهاب نحو البادية، كما حصل سابقاً في العراق، حيث تكون ملاحقة قيادييه أكثر صعوبة في المناطق الصحراوية، كما فعل في العراق في وقت سابق.

إعادة تموضع شاملة
التنظيم بدأ فعلياً في إعادة تموضع شاملة، ففي سوريا، أخلى مناطق واسعة في جنوب شرقي سوريا والقلمون الشرقي، موجهاً قواته باتجاه البادية السورية، حيث تخوض قوات المعارضة معارك ضده، بموازاة استكمال انسحاباته من قرى ريف محافظة حلب الشرقي، حيث يخوض النظام هجمات ضده. وهو ما يشير إلى أن التنظيم ينفذ «إعادة تموضع» في سوريا، بالنظر إلى أن بعض المناطق التي انسحب منها، لم تشهد عمليات عسكرية عليه، وتطرح أسئلة عن مرحلة «ما بعد الرقة».
ويحول التنظيم المتطرف قواته باتجاه البادية السورية التي تمتد من جنوب الرقة شمالاً، باتجاه ريف محافظة حماة الشرقي وريف محافظة حمص الشرقي وشرق محافظة ريف دمشق وريف محافظة دير الزور المتصل بالحدود العراقية، وأيضاً المنطقة الصحراوية العراقية. ويقوم النظام السوري بملاحقته في تلك المنطقة الخالية، إذ انسحب التنظيم من أكثر من 7 آلاف كيلومتر مربع إثر المعارك مع النظام وحلفائه.
و«إعادة التموضع» في العلم العسكري، تعني أن الوضع الميداني والعملياتي لم يعد لصالح القوة العسكرية، فتجبر على إعادة تموضع لخوض معركة دفاعية، وانتشار جديد. ويؤكد خبراء أن استعادة الرقة السورية وتلعفر والموصل في العراق «لا تعني عسكرياً انتهاء التنظيم عسكرياً، بالنظر إلى أنه سيكون قد هُزم، لكنه سيعود إلى تطبيق الاستراتيجية المفضلة له وهي (سمكة الصحراء)، أي أنه سيذوب في بادية الشام وصحراء الأنبار ويستغل الطبيعة القاسية للمنطقة تحضيراً لشن حرب عصابات على كل من يعاديه».
وحقاً، انحسر نفوذ «داعش» في سوريا إلى أقل من ربع المساحة الجغرافية للبلاد، إثر الهجمات المتواصلة ضده التي أبعدته عن معظم المدن والمراكز الحيوية إلى البادية السورية، بينما يتواصل تراجعه إثر المعارك المتواصلة ضده في معقله في الرقة، وفي البادية، تحت غطاء جوي دولي. ويقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن مواقع سيطرة «داعش» في سوريا تراجعت إلى نسبة تتراوح بين 22 و25 في المائة من مساحتها، وتتركز في معظمها في مناطق خالية في البادية. ويشير إلى أن التنظيم «خسر كثيراً من مناطق نفوذه إثر إغلاق الحدود التركية بعد حادثة شارلي إيبدو في فرنسا، وافتقاده إلى المقاتلين الأجانب الذين شكلوا رأس الحربة في عديد التنظيم العسكري، فضلاً عن الإنشاءات الحيوية التي كانت توفر له المال، إضافة إلى الضربات الجوية الأميركية والروسية التي استنزفته، وأفقدته السيطرة على شريط حدودي حيوي في تل أبيض وغيرها من المواقع الجغرافية الحيوية».

تضعضع في صفوفه
وإثر الضربات، يعاني التنظيم من «تضعضع» في صفوفه، وفقدان السيطرة على قواته الموجودة في الميدان العسكري، إثر انقطاع تواصلهم مع القيادة. وحسب كلام مصدر سوري معارض في شرق سوريا لـ«الشرق الأوسط»، فإن «داعش»، ومنذ اغتيال قيادييه الكبار، «فقد السيطرة بين القيادة المركزية والقادة الميدانيين، وخسر كثيراً من نقاط القوة العسكرية والإعلامية، وهو ما أدى إلى فقدانه ميزة أساسية امتاز بها في البداية وأسهمت في توسيع سيطرته».
ووفق المصدر نفسه، فإن التنظيم «تمدد في خواصر رخوة حين كانت القوات المتحاربة في سوريا تتقاتل، وبدأ ينحسر بفعل الهدنات والاتفاقات التي حيدت المعارك الجانبية ودفعت الأطراف لتركيز جهودها على التنظيم»، لافتاً إلى أن الدعم الدولي من التحالف لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، والدعم الروسي للنظام السوري «أسهما في إضعافه بشكل كبير في الميدان».
ويذكر أن التنظيم استطاع عام 2014 تشكيل 8 ولايات توزعت على 9 محافظات سورية هي دمشق وحمص وحلب والرقة ودير الزور وحماة والحسكة وريف دمشق والسويداء، بالإضافة لوجود جيش مبايع له في حوض اليرموك بريف محافظة درعا الغربي، ووصلت مساحة سيطرته لنحو 90 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية بنسبة نحو 50 في المائة من مساحة البلاد. إلا أنه عاد في العام الثالث ليخسر مساحات واسعة من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته تبلغ عشرات آلاف الكيلومترات، حيث خسر آخر منافذه مع العالم الخارجي، بعد دخول تركيا في عملية «درع الفرات»، وعشرات القرى والبلدات والمدن من ريفي حلب الشرقي والشمالي الشرقي لحلب، ولم يتبقّ له سوى قرى متناثرة في ريف حلب الجنوبي الشرقي، بالقرب من طريق حلب - خناصر - أثريا.
كذلك خسر المساحة الممتدة من معبر تل كوجر على الحدود السورية - العراقية في مثلث الحدود السورية - العراقية - التركية، وصولاً إلى ريف الشدادي الجنوبي وإلى الغرب من منطقة مركدة، وصولاً إلى ضفاف الفرات الشرقية، فضلاً عن مساحات واسعة من ريف الرقة الجنوبي الغربي وكامل الريف الغربي للرقة ومساحات واسعة من البادية السورية بما فيها منطقة اللجاه بريف درعا الشمالي الشرقي، مروراً بتدمر والقريتين والبادية السورية، وصولاً إلى جنوب محطة «التي تو» بريف دير الزور الجنوبي الشرقي، إضافة لخسارته كامل وجوده في محافظة حلب باستثناء وجوده في ريف حلب الجنوبي الشرقي.

وضعه في العراق
أما في العراق، فلم يعد «داعش» يسيطر سوى على 6.8 في المائة من مساحة العراق بعدما كان استولى على 40 في المائة من البلاد عام 2014. ووفق العميد يحيى رسول المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في مؤتمر صحافي في بغداد، فإن «المساحة المسيطر عليها (من التنظيم) لغاية 31 مارس (آذار) 2017 تبلغ 6.8 بالعشرة من مساحة العراق بعدما كانت تبلغ 108.405 ألف كلم مربع، أي 40 في المائة من مساحة العراق بعد تمدده في العاشر من يونيو (حزيران) 2014». ويرى الحاج أن انكسار التنظيم في العراق وسوريا «سيؤثر عليه بالتأكيد، لكن أي انتصار قد يحققه في المناطق الأخرى قد يفتح له باب التجنيد مجدداً»، مشيراً إلى أن العمليات التي يقوم بها في الغرب تهدف إلى التأثير على المضطهدين اجتماعياً واستقطابهم إلى دائرته. ولا يسقط احتمال انتقال التنظيم إلى دول أخرى مثل إيران ومصر وليبيا، لافتاً إلى أن العملية الأخيرة التي نفذها في طهران «توضح وجود مسار في هذا الاتجاه يهدف إلى تجنيد السنة الإيرانيين المضطهدين من النظام الإيراني، وعملية طهران تشي بأنه بدأ التواصل مع هؤلاء».
ويرى الباحث في شؤون الجماعات المتشددة حسن أبو هنية أن «داعش» سيتجه لتطبيق الاستراتيجية التي طبقها تنظيم القاعدة في العراق في عام 2008. ويقول: «هناك نموذج سابق في العراق 2008، حيث نفذ تنظيم القاعدة خيارين؛ أولهما هو العودة إلى حرب العصابات وإعادة التموضع في الصحراء والقرى البعيدة، بينما يتمثل الخيار الثاني في إعادة التموضع في المدن المكتظة من خلال الوجود الأمني على شكل خلايا نائمة، وهو ما سهل اقتحام الموصل في عام 2014 لدى إعلان دولته المزعومة في العراق والشام».
ويشير أبو هنية إلى أن عودة «القاعدة» في ذلك الوقت إلى الصحراء «قلصت العمليات الانتحارية، لكن لم تلغها، رغم انخفاضها للنصف، ذلك أن القدرة التشغيلية للتنظيم حافظت على مستوى عملياتي لها، حيث تواصلت الاغتيالات والتفجيرات العمليات الانتحارية والانتقامية». ويضيف: «انطلاقاً من تلك التجربة، فإن خيارات (داعش) اليوم واضحة، مثل خيارات (القاعدة)، وقد أعلن عنها في وقت سابق المتحدث باسم (داعش) أبو محمد العدناني في آخر خطاب له قبل مقتله، حين أشار إلى أن التنظيم جاء من الصحراء، وسيعود إليها». ويؤكد أبو هنية أن «داعش» عراقي في الأساس «مر في تجربة بناء قامت على يد أبو مصعب الزرقاوي، وكانت تلك تجربة استثنائية، لكن اليوم باتت له نواة صلبة في قلب المنشأ في العراق»، مشدداً على أن «البنية الصلبة له هي البنية العراقية، بينما استخدم قضية الخلافة بهدف التحشيد واستقطاب 35 ألف مقاتل أجنبي إليه».

لا حروب مدنية
وعن الاستراتيجية التي سيتبعها التنظيم، يتوقع أبو هنية أن التنظيم «سيتخلى عن حروبه المدنية، لأنها باتت مكلفة عليها، وسيستعيض عنها بحرب العصابات والحروب الهجينة. لكنه في هذا الوقت سينتظر خللاً آخر، كما حصل إبان حكومة المالكي، وسينتظر تفكك التحالفات السياسية لإعادة استنهاض نفسه»، لافتاً إلى أن «المنطقة حبلى بالخلل، وأسباب استنهاض التشدد ذلك أن مرحلة ما بعد (داعش) ستكون أسوأ من مرحلة ما قبله على صعيد البنية التحليلية المسببة لقيامه، ومنها التهميش».
ويضيف أبو هنية: «الأمور معقدة. يشكل (داعش) الآن نوعاً من الفضيلة بالنسبة للأقطاب السياسية التي اتفقت على محاربته، فهو يحصر الصراعات والعداءات به. وإذا اختفى، ستنفجر كلها دفعة واحدة»، لافتاً إلى أن هناك أسباباً كثيرة «من بينها وجود الحشد الشعبي بعد مرحلة القضاء على (داعش)، في وقت لا توجد فيه حلول حقيقية في سوريا، وهناك تنازع، مما يعني أن الظروف الموضوعية لاستنهاض نفسه في سوريا والعراق لا تزال حاضرة وتزداد سوءاً». ويتابع الخبير الأردني: «أميركا خلقت مناخاً معقداً بعد غزو العراق في 2003، أسهم إلى حد كبير في نشوء التطرف، وباتت الجهادية العالمية جزءاً من بنية العراق بعد الغزو، حيث يستثمر المتطرفون بخطاب المظلومية السنية لجلب المقاتلين». ومع ذلك، يؤكد أبو هنية أن «التنظيم عراقي، وستبقى قيادته عراقية في إعادة تموضعه الجديد، حتى لو لم يبقَ أبو البغدادي زعيماً له». ويرى عبد الرحمن الحاج أن التنظيمات المتشددة الأخرى تنظيمات «نخبوية»، فيما أن التنظيم حاول أن ينقل نفسه من منطق النخبة إلى الشعبوية، لأنه لم يكن يشترط إيماناً معقداً، بل مجرد الولاء.

«داعش»... صعود وهبوط
أسس أول أشكال التنظيم المتطرف في عام 2004، عندما أنشأ الأردني «أبو مصعب الزرقاوي» تنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، وقاد حملة دموية ضد الحكومة العراقية والقوات الأميركية، نفذت سلسلة من التفجيرات الانتحارية بواسطة شاحنات محملة بالمتفجرات أدت لمقتل الآلاف.
وفي يونيو 2006، قتل الزرقاوي في غارة جوية أميركية قرب بعقوبة عاصمة محافظة ديالى شمال بغداد، وحل مكانه في قيادة التنظيم «أبو أيوب المصري» الذي أعلن تأسيس «الدولة الإسلامية في العراق» في محاولة لاسترضاء سنّة العراق الذين بدأوا في ملاحقة عناصر «القاعدة» في العراق من خلال «الصحوات» التي ساعد الأميركيون في تشكيلها. لكن «المصري» قتل في أبريل (نيسان) 2010 عندما فجر حزاماً ناسفاً كان يرتديه بعد وقوعه في كمين نصبته القوات الأميركية والعراقية، وتولى قيادة التنظيم من بعده العراقي «أبو بكر البغدادي».
ودخل التنظيم بقوة على ملف الأزمة السورية، مستغلاً حالة الفوضى القائمة في المنطقة، فأعلن في 9 مايو (أيار) 2013 عن اندماج «الدولة الإسلامية في العراق» وفرع القاعدة في سوريا «جبهة النصرة» لتشكيل «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام).
كان عام 2014 فترة ذهبية للتنظيم، فقد احتل في 4 يناير (كانون الثاني) مدينة الفلوجة التي تقع على بعد 43 ميلاً إلى الغرب من العاصمة العراقية بغداد بعد عدة أيام من القتال. وفي المقابل استولى التنظيم في 14 يناير على مدينة الرقة السورية بعد معارك مع جماعات سورية معارضة أخرى وتحولت المدينة إلى مقر قيادة التنظيم.
ومع اتضاح خطورة المشروع، طردت المعارضة السورية في 20 يناير التنظيم من مدينة حلب وريف حلب الغربي. وبعدها انفصلت «النصرة» عن التنظيم. وأعلن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في 3 فبراير (شباط) فك الارتباط بـ«داعش» وأن لا صلة للقاعدة بهذه الجماعة ولم تستشر القاعدة في تأسيسها.
وفي 10 يونيو، احتل التنظيم مدينة الموصل بعد فرار آلاف الجنود العراقيين منها. وفي اليوم التالي احتل التنظيم مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين وفر نحو 50 ألف مدني من المدينة.
منتشياً بانتصاراته هذه، خرج البغدادي من مخبئه، وأعلن تسجيلاً مصوراً للناطق باسم التنظيم «أبو محمد العدناني» في 29 يونيو إقامة «الخلافة الإسلامية» وتنصيب البغدادي «خليفة للمسلمين» وحذف كلمتي العراق والشام من اسمها وإلغاء الحدود بين العراق وسوريا. وفي 4 يوليو (تموز)، ظهر البغدادي علناً لأول مرة ملقياً خطبة في الجامع النوري في الموصل للإعلان الرسمي.
بعدها بدا الحراك لوقف زحف التنظيم الذي «كسر الحدود» بين العراق وسوريا، فأعطى الرئيس الأميركي باراك أوباما في 7 أغسطس (آب) الإذن بشن غارات جوية لوقف زحف التنظيم إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، ولكسر الحصار الذي فرضه مسلحو التنظيم على جبل سنجار الذي فر إليه آلاف الإيزيديين هرباً من عمليات القتل الجماعي. وتكرر الأمر نفسه في 19 سبتمبر (أيلول) لوقف زحف التنظيم نحو بلدة عين العرب (كوباني) السورية الشمالية التي حاصرها لمدة 4 أشهر وكانت فيهما بداية نهايته العسكرية.

مرحلة القصف الجوي
في 22 سبتمبر 2015 بدأت الولايات المتحدة ودول عربية في مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات والأردن والبحرين بحملة قصف جوي على أهداف التنظيم في سوريا، كانت أولى نتائجها فك الحصار عن مدينة عين العرب وتراجع التنظيم فيها. لكن التنظيم لم يعترف بتراجعه، فباشر حملة ذبح واسعة النطاق للرهائن الغربيين والعرب.
ويذكر أنه في 17 مايو 2015 سقطت مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار العراقية في يد التنظيم رغم تدخل الطيران الأميركي ومشاركته في المعارك إلى جانب القوات العراقية. وفي 21 مايو سقطت مدينة تدمر السورية الأثرية بيد التنظيم بعد معارك مع النظام السوري، وهكذا بات التنظيم يسيطر على نصف مساحة سوريا بما في ذلك كل الحدود بين سوريا والعراق بعد الاستيلاء على معبر التنف بين البلدين. وفي اليوم التالي، 22 مايو سجل أول هجوم انتحاري للتنظيم في السعودية أدى إلى سقوط أكثر من 20 شخصاً خلال صلاة الجمعة.
في المقابل، يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 استعاد مسلحو البيشمركة الأكراد مدينة سنجار بشمال العراق من قبضة التنظيم بمساعدة طيران التحالف، وشهدت العاصمة الفرنسية باريس هجمات دامية أسفرت عن مقتل 129 شخصاً وتبناها التنظيم. ويوم 28 ديسمبر (كانون الأول) استعادت القوات العراقية مدينة الرمادي من قبضة التنظيم ورفعت العلم العراقي فوقها.
كعادته مع كل ضربة يتعرض لها، بدأ التنظيم بالمشاغبة، فدمر في 20 يناير 2016 دير مار إيليا، أقدم دير بالعراق، ويوم 22 مارس نفذ سلسلة هجمات في العاصمة البلجيكية بروكسل أسفرت عن مقتل 30 شخصاً.
وتواصل مسلسل الهزائم الداعشية، ففي 26 يونيو، أعلن الجيش العراقي استعادة مدينة الفلوجة وتحريرها بالكامل. ثم في 8 أغسطس طردت ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري التنظيم من مدينة منبج بعد معارك استمرت 73 يوماً. ويوم 25 أغسطس دخلت تركيا على خط وراثة مناطق نفوذ التنظيم، فأطلقت عملية عسكرية باسم «درع الفرات» ودخلت مدينة جرابلس الحدودية وطردت التنظيم منها بسرعة.
وفي 30 أغسطس من العام نفسه، تلقى التنظيم ضربة موجعة، إذ قتل الناطق باسم التنظيم «أبو محمد العدناني» في غارة جوية أميركية قرب مدينة الباب السورية، وبعدها بأسبوعين قتل «خليفته» وائل عادل سليمان الملقب بـ«أبو محمد فرقان»، مسؤول الدعاية في التنظيم وإنتاج الأفلام الدعائية بغارة أخرى.
كان عام 2017 الأسوأ على التنظيم، حيث بانت نقاط ضعفه، وعزل عن الحدود التركية. وفي 23 فبراير منه أعلنت تركيا السيطرة على مدينة الباب وطرد التنظيم منها بعد معارك دامية قتل فيها عشرات الجنود الأتراك. وفي 14 أبريل، قتل «مفتي» التنظيم في غارة جوية بالموصل. ويوم 21 يونيو، فجر «داعش» الجامع النوري في الموصل ومئذنته «الحدباء» الشهيرة، إيذاناً بدخول القوات العراقية آخر معاقله فيها.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.