مصر «تسيطر» على 1350 صفحة إلكترونية «حرضت على العنف»

الحكومة تقرر منح فرص عمل لمصابي العمليات الإرهابية عقب مطالبة البرلمان

TT

مصر «تسيطر» على 1350 صفحة إلكترونية «حرضت على العنف»

في إطار الجهود الأمنية التي تبذلها وزارة الداخلية في مصر لمتابعة الصفحات التحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت الداخلية سيطرتها على 1350 صفحة إلكترونية حرضت على العنف.
وقالت الداخلية إنه على مدار عام في ملاحقة الصفحات الإرهابية التي تحرض على العنف، تم ضبط 234 قضية تحريض على العنف والإرهاب بإجمالي 238 متهما. بينما أكد مصدر أمني أن «هذه الحسابات تخص أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية ومناصرين لتنظيم داعش الإرهابي، يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لترويج الأفكار الإرهابية المتطرفة».
يأتي هذا في وقت أقرت الحكومة فيه أمس، تخصيص نسبة من الوظائف العامة في المسابقات التي يتم الإعلان عنها لمصابي العمليات الإرهابية من المدنيين، وذلك عقب مطالبات مجلس النواب (البرلمان).
وقال مصدر أمني، إن «عملية ملاحقة التحريض الإلكتروني من عناصر الجماعات الإرهابية لا تعني التجسس على الحسابات الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، وإن عمليات تتبع بعض الأشخاص لا تتم إلا بناء على الموافقات القانونية».
وكانت جماعة الإخوان الإرهابية، وتنظيمات متطرفة أخرى، قد نشرت شائعات عبر مواقعها الإلكترونية، تزعم قيام الأجهزة الأمنية في مصر بمراقبة حسابات المصريين الخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باستخدام قواعد البيانات المتوفرة لديها، وأضاف المصدر الأمني: «نلاحق العناصر الإرهابية وكتائب جماعة الإخوان عبر الإنترنت»، موضحا أن «إدارة مباحث الإنترنت بوزارة الداخلية ثبت لها من خلال حسابات تخص عددا من أعضاء جماعة الإخوان، ومناصرين لتنظيم داعش الإرهابي، أنهم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي في ترويج الأفكار الإرهابية، وتلقين اللجان النوعية للتنظيمات الإرهابية التعليمات، والتي تستهدف قوات الجيش والشرطة والمنشآت المهمة والحيوية».
ويرى مراقبون أن «مخاطر جرائم الإنترنت تكمن في تداول المعلومات الخاصة بتكدير الأمن العام والدعوة إلى القيام بأعمال الإرهاب والعنف والشغب، واستهداف رجال الشرطة والجيش والقضاء والتحريض عليهم، واستهداف مؤسسات الدولة، ونشر الشائعات المغرضة وتحريف الحقائق بسوء نية، وتلفيق التهم والتشهير والإساءة للسمعة والسب والقذف».
وأضاف المراقبون: «فضلا عن التلقين الإلكتروني الذي يقوم على حشد المؤيدين والمتعاطفين مع الإرهابيين الذين يستخدمون المنابر الإلكترونية، للتواصل مع أعوانهم للتخطيط للأعمال الإرهابية والتعريف بطرق تصنيع المتفجرات والقنابل».
وسبق أن نجحت وزارة الداخلية خلال الثلاث سنوات الماضية في إغلاق 3343 صفحة إخوانية وإرهابية على «فيسبوك» تحرض على العنف والشغب، كما تم ضبط 254 متهما وراء التحريض على العنف وإثارة القلق خلال الآونة الأخيرة.
وخاطبت وزارة الداخلية مواقع «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، لإغلاق حسابات حركة «حسم» التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، وإلغاء الفيديوهات التي تحرض على العنف والإرهاب واغتيال رجال الشرطة.
في نفس السياق، قال المصدر الأمني نفسه، إن «التحقيقات التي تمت مع بعض أعضاء جماعة الإخوان الذين يستخدمون صفحاتهم للتحريض ضد مؤسسات الدولة، أسفرت عن اعترافهم بقيامهم بوضع المشاركات التي تحرض ضد مؤسسات الدولة، وكذلك نشر أخبار مغلوطة وكاذبة».
في سياق آخر، أبلغ مجلس الوزراء أمس البرلمان المصري بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، لوضع آليات تطبيق الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 13 من قانون الخدمة المدنية، المتعلقة بتخصيص نسبة من الوظائف في المسابقات، لمصابي العمليات الأمنية من الجيش والشرطة والمدنيين.
وكانت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب قد أوصت في يونيو (حزيران) الماضي بتوفير فرص عمل لمصابي العمليات الأمنية من أفراد الجيش والشرطة (الجنود الذين يقضون فترة خدمتهم العسكرية في الجيش أو الشرطة)، والمدنيين لمن تسمح حالتهم الصحية بذلك.
وقتل المئات من عناصر الجيش والشرطة والمدنيين خلال السنوات الماضية، منذ عزل جماعة الإخوان الإرهابية عن السلطة في عام 2013. وخلفت هذه الأحداث مئات الأسر والأطفال بلا عائل أو داعم لها.
وقال رضا البلتاجي عضو مجلس النواب في مصر، إن المواطنين الأبرياء الذين تعرضوا للإصابة أو القتل بسبب العمليات الإرهابية الغاشمة، سواء كانوا من رجال الجيش والشرطة أو المواطنين المدنيين، يستحقون كل الاحترام والتقدير والتكريم بمختلف صوره، لما بذلوه من عطاء من أجل الوطن، ومن صور التكريم دعمهم ومساندة أسرهم ورفع العوز والحاجة عنهم.
وأكد مراقبون أن «المجتمع المصري تعرض ولا يزال لموجة عاتية من العنف والإرهاب، والتي خلفت كثيرا من الضحايا من جنود الجيش والشرطة والمدنيين». بينما قالت مصادر برلمانية إن «هذا الإجراء الحكومي يأتي لتخفيف الأعباء عن مصابي الإرهاب، خاصة ضحايا ثورة (30 يونيو) عام 2013، التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد مرسي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.