أكثر من سنة ومليارات الدولارات لإعادة إعمار الموصل

القوات العراقية تقترب من السيطرة على ضفة دجلة... وأعداد مسلحي «داعش» تتناقص

عناصر من قوات مكافحة الإرهاب يتقدمون في غرب الموصل أمس (أ.ف.ب)
عناصر من قوات مكافحة الإرهاب يتقدمون في غرب الموصل أمس (أ.ف.ب)
TT

أكثر من سنة ومليارات الدولارات لإعادة إعمار الموصل

عناصر من قوات مكافحة الإرهاب يتقدمون في غرب الموصل أمس (أ.ف.ب)
عناصر من قوات مكافحة الإرهاب يتقدمون في غرب الموصل أمس (أ.ف.ب)

في وقت اقتربت فيه القوات العراقية من ضفة نهر دجلة لتعلن إتمام السيطرة على غرب مدينة الموصل، قدرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار المدينة بمليارات الدولارات، مشيرة إلى أنها قد تستغرق أكثر من سنة.
وقالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق ليز غراند، إن إصلاح البنية التحتية للموصل سيتكلف ما يزيد على مليار دولار بعد استعادتها من تنظيم داعش. وأضافت في مقابلة مع وكالة «رويترز» أن «تقييماً مبدئياً أظهر أن عملية إحلال الاستقرار التي تتضمن إصلاح شبكات البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء وإعادة فتح المدارس والمستشفيات، ستتكلف أكثر من ضعفي التقديرات الأولية».
وكشفت أن «الأضرار أكبر بكثير مما كان متوقعاً وأسوأ كثيراً في النصف الغربي من المدينة عن الشرق» الذي تمت استعادته قبل 6 أشهر. ولفتت إلى أن «إحلال الاستقرار في شرق الموصل قد يتم خلال شهرين، لكن الأمر سيستغرق أكثر من عام في الغرب وستتكلف عملية إعادة البناء في الأجل الطويل مليارات الدولارات».
وأوضحت أن «جميع أجزاء المدينة تعرضت لأضرار خفيفة أو متوسطة أثناء الهجوم، لكن 6 أحياء دمرت بالكامل تقريباً، وسيستغرق الأمر سنوات حتى تعود إلى الحياة الطبيعية». وأضافت: «بالنسبة إلى الأسر التي جاءت من أحياء تعرضت لأضرار متوسطة، أتوقع أن يحاول كثير منهم العودة، وسيبذلون قصارى جهدهم في إعادة البناء».
ورغم انحسار المعارك في آخر مستطيل من المدينة القديمة في غرب الموصل، فإنها تشتد يوماً بعد يوم، خصوصاً مع تحصن من تبقوا من مسلحي «داعش» بين المدنيين، فيما واصلت القوات العراقية تقدمها لانتزاع آخر مساحة من الموصل من سيطرة التنظيم.
ونشرت قوات الشرطة الاتحادية، أمس، وحدات من قناصتها على سطح عمارة الشواف لتأمين تقدم القطعات العسكرية وسط منطقة النجفي، آخر معقل للتنظيم في هذا المحور، بينما واصلت المدفعية والطائرات المسيرة استهداف مسلحي «داعش» ومقراتهم داخل ما تبقى من أزقة المدينة القديمة الخاضعة لسيطرتهم.
وكشف بيان لقيادة الشرطة الاتحادية أن قواتها «قتلت أثناء التقدم 57 إرهابياً و4 قناصين، ودمرت 3 مواقع للتنظيم، وعثرت على 17 حزاماً ناسفاً، وفجرت عجلة مفخخة واحدة، وعثرت على 5 صواريخ قاذفة، و3 قواعد لإطلاق صواريخ، وأبطلت مفعول 3 منازل مفخخة، ودمرت دراجة نارية واحدة، وفككت 31 عبوة ناسفة، واستولت على أسلحة أخرى مختلفة».
وأوضح قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد جودت في بيان أن قواته بذلت ما في وسعها من الخطط العملياتية والتكتيكات القتالية لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين، رغم لجوء التنظيم إلى التهرب من المواجهة واعتماد أساليب التخفي والتحصن بين العوائل وجعلها دروعاً بشرية.
وقال علي كاظم، وهو أحد أفراد الشرطة الاتحادية الذين شاركوا في معارك أمس، لـ«الشرق الأوسط»: «قتلنا العشرات من مسلحي (داعش) الذين كانوا يتخذون من المدنيين دروعاً بشرية، وتمكنا من إنقاذ المدنيين. تسيطر قطعاتنا حالياً على شارع السرجخانة حتى الوصول إلى ضفة دجلة. لم يتبق سوى القليل ونعلن النصر».
وفي الوقت ذاته، تواصل قوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب والرد السريع تقدمها للوصول إلى ضفة النهر؛ إذ لا تتجاوز المسافة الفاصلة بين القوات وضفة دجلة مائتي متر مربع، بينما تشير إحصاءات الأجهزة الأمنية إلى وجود نحو 150 مسلحاً من «داعش» في تلك المساحة، مشيرين إلى أن «الأجانب يشكلون غالبية هذه القوة، وجميعهم يرتدون أحزمة ناسفة وبينهم نساء وأطفال».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.