«داعش» يلفظ أنفاسه الأخيرة

TT

«داعش» يلفظ أنفاسه الأخيرة

قال المنسق الأوروبي لشؤون محاربة الإرهاب، جيل دو كيرشوف: إن «انهيار» تنظيم داعش لا يعني النهاية، مشيراً إلى أن تأثيره سيستمر على شبكة الإنترنت من أجل تجنيد عناصر جدد في أوروبا الغربية.
وأشار دو كيرشوف، في تصريحات أمس لصحيفة «لوسوار» البلجيكية، إلى إن «التنظيم الإرهابي يتراجع بسرعة على الأرض، لكنه قد يزدهر بالقدر نفسه في العالم الافتراضي، ومن هنا يتعين على أوروبا أن تعد أجوبة مناسبة»، وفق كلامه.
وحذر من مغبة نشوء ما سماه «الخلافة الافتراضية» على شبكة الإنترنيت والتي «قد تنجو من الانهيار المحدق الذي يواجهه تنظيم (داعش) حالياً».
ولم يستبعد المسؤول الأوروبي، الذي يتولى منصبه منذ عام 2007، إمكانية حصول نوع من الاندماج بين تنظيمي «داعش والقاعدة، ولجوء هاتين المنظمتين إلى شكل جديد من العمل الإرهابي. وفي مواجهة ذلك يتعين، برأي دو كيرشوف «الاستثمار أكثر في مجال الوقاية وتخفيض مساحات الدعاية على شبكات الإنترنيت وتطوير خطاب معاكس للتطرف العنيف يأتي ذلك».
من جهته، قال الدكتور هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»: إن «خسارة (داعش) لأرض في العراق وسوريا تعتبر النهاية، أي أن التنظيم سيتحول إلى شرذمة من الفلول المتناثرة ثم سرعان ما يتلاشي نهائيا، لكن سيظل هناك بعض النتوءات منه تحدث خربشات في مواقع التواصل الاجتماعي مثل ما يحدث من عمليات دهس فردية أو طعن بسكين، أو عمل تفجير بقنابل بدائية الصنع، ثم بعد ذلك يتم القبض على هؤلاء حتى يختفوا نهائيا، وفي نهاية الأمر سيكون (داعش) مجرد فكرة لجماعة من (الخوارج) الجدد، أي فكرة نظرية فقط، وتعد في التاريخ مجرد مثل إبراهيم بن عواد، أي (البغدادي) مر من هنا، ظهر واختفى هو وأنصاره، وهم على خلاف من القاعدة، الذين لم يتمسكوا بالأرض أو أعلنوا (خلافة) من قبل، أما «القاعدة» فعبارة عن جماعات متحركة في بؤر صراع في العالم الإسلامي تتعامل حسب البيئة أو الظروف، وهو ما قاله أيمن الظواهري قبل شهر تقريبا: (إننا لا نتمسك بالأرض، لكننا في حرب عصابات كر وفر، لأنه لا يوجد طاقة لنا في مقاومة القصف الجوي؛ لأننا لو تمسكنا بالأرض سنهلك جميعا بفعل القصف)». ويضيف السباعي، خبير الحركات الأصولية: «إنهم اليوم أشبه بـ(حلاوة الروح)، وخطأ (داعش)، هو تمسكهم بالأرض دون تمتعهم بدفاعات جوية أو حضانة شعبية جوية، أي أن أهل السنة كانوا أيضا على الخط نفسه يكرهونهم ويحاربونهم». وحسب خبراء، يسعى تنظيم داعش إلى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليكرس وجودا ودولة افتراضية، بعد الهزيمة التي مُني بها، ولإيهام أتباعه أنه لا يزال موجودا على الأرض، في وقت تسعى فيه دول عدة إلى محاربة المحتوى المتطرف.
وقبل أسابيع بث التنظيم الإرهابي رسالة صوتية يائسة إلى أتباعه يدعوهم فيها إلى «الثبات» بعد سلسلة من الهزائم التي مُني بها في العراق. ودعا «داعش» أتباعه إلى الدفاع عن مواقعه في العراق وسوريا، وفي بقية معاقله في ليبيا واليمن والصومال وتونس. رسالة «داعش» اليائسة كانت بصوت «أبي الحسن المهاجر»، وأشارت إلى الفلبين حيث يخوض التنظيم الإرهابي معارك في مدينة مراوي ضد القوات الحكومية.
دعا التنظيم الإرهابي المتطرف «داعش» أنصاره إلى الرد على الوسوم أو «الهاشتاغ» التي أطلقها المغردون في «تويتر» العربي بعد هزيمة التنظيم في الموصل أكبر معاقله، التي أعلن فيها خلافته المزعومة قبل سنوات. وتأتي دعوة «داعش» بعد معارك عنيفة في الموصل قادها الجيش العراقي بدعم من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والتي أدت إلى دحر التنظيم من مدينة الموصل بعد هرب قياداته، وأنباء عن مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي.
ونشر موقع «تيرور مونيتور» المتخصص في أخبار الجماعات المتطرفة، دعوة وجهها «داعش» إلى أنصاره بعد هزيمته في الموصل. حيث دعا التنظيم أتباعه إلى الرد على وسمي «وسقطت دولة الخرافة»، ووسم «نهاية داعش». ومنذ بدء الهجوم على العراق في 9 يونيو (حزيران)، نشطت حسابات عدة على موقع «تويتر» تدعي أنها تمثل «داعش» في العراق وسوريا، وتنقل مباشرة آخر تطورات عمليات التنظيم، بالإضافة إلى نشر صور عن تحركاته. ورغم أن «داعش» لم يتبن هذه الحسابات رسميا، إلا أن الكثير من داعمي المجموعة على الإنترنت روجوا لها باعتبارها حسابات رسمية خاصة بالتنظيم في المنطقة. وأطلق مسلحو «داعش» حملة على وسائل التواصل الاجتماعي. وينشر التنظيم، وبخاصة على موقع «تويتر»، صورا وبيانات لإبراز قوته العسكرية وتقدمه الميداني في العراق.
خسائر متتالية وهزائم متلاحقة مُني بها «داعش» خلال العام 2015، فعلى أرض سوريا والعراق وصل «داعش» إلى ذروة تمدده في منتصف العام 2014، ليحتل مساحات قاربت مساحة بريطانيا، بدأت بعدها سلسلة هزائمه على مختلف الجبهات، بدءا بمدينة تل أبيض على الحدود السورية التركية، مرورا بمدينة تكريت العراقية ومصفاة نفط بيجي، وانتهاء بمدينة سنجار الاستراتيجية؛ ما شكّل منعطفا كبيرا ونقطة تحول في وضع «داعش»، واليوم تدور المعارك لتحرير مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار العراقية. في حين اعتبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الخميس، أن استعادة السيطرة على جامع النوري في المدينة القديمة بغرب الموصل إعلان «بانتهاء دويلة الباطل الداعشية». وقال العبادي في بيان بعيد إعلان القوات العراقية السيطرة على جامع النوري الذي شهد الظهور العلني الوحيد لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي: إن «تفجير الدواعش لجامع النوري ومنارة الحدباء وإعادته اليوم إلى حضن الوطن، إعلان بانتهاء دويلة الباطل الداعشية». وقد كانت السيطرة على الأراضي هي المبدأ الذي تأسس عليه تنظيم داعش. إنه تنظيم له حكومته وولاته ومجالسه. ولكن لكي يظل يعمل، من المتوقع أن يتخلى عن هذا التوجه، ويعني أي تحوّل في استراتيجية التنظيم أمرين، هما: التوسع خارج سوريا والعراق، وكذلك تبني مفهوم أن يكون دولة بلا دولة.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.