الصناعة البريطانية... تباطؤ في المؤشرات وتباين في التوقعات

الضغوط المتزايدة قد تدفع بنك إنجلترا للتروي قبل رفع الفائدة

عمال يقومون بالفحص النهائي لسيارات نيسان في مصنع بسندرلاند شمال إنجلترا (رويترز)
عمال يقومون بالفحص النهائي لسيارات نيسان في مصنع بسندرلاند شمال إنجلترا (رويترز)
TT

الصناعة البريطانية... تباطؤ في المؤشرات وتباين في التوقعات

عمال يقومون بالفحص النهائي لسيارات نيسان في مصنع بسندرلاند شمال إنجلترا (رويترز)
عمال يقومون بالفحص النهائي لسيارات نيسان في مصنع بسندرلاند شمال إنجلترا (رويترز)

تظهر البيانات الخاصة بشهر يونيو (حزيران) تباطؤاً في قطاع التصنيع البريطاني، إلا أن القراءات المختلفة تبين مدى الغموض الذي يكتنف المراكز الاقتصادية والخبراء حول مستقبل الصناعة في المملكة المتحدة، وهي إحدى الدول الصناعية السبع الكبرى على مستوى العالم، خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وبالأمس، أظهرت مؤشر «ماركت سي آي بي إس» لمديري المشتريات في قطاع الصناعات التحويلية في بريطانيا، أن وتيرة نمو المصانع البريطانية تباطأت في يونيو بأكثر من المتوقع، مع تسجيل طلبيات التصدير أقل وتيرة نمو في خمسة أشهر، مما قد يدفع المسؤولين في بنك إنجلترا المركزي لإعادة التفكير قبل رفع أسعار الفائدة.
ونزل المؤشر إلى 54.3 من 56.3 في القراءة المعدلة نزولياً لشهر مايو (أيار)، ليسجل أدنى مستوى في ثلاثة أشهر، وبما يقل عن جميع التوقعات في استطلاع «رويترز» لآراء خبراء اقتصاد والتي أشارت إلى قراءة 56.5.
ولم يسجل الاقتصاد البريطاني نموا يذكر في أول ثلاثة أشهر من العام، فيما تعرض المستهلكون لضربة مزدوجة بسبب تسارع التضخم الناجم بشكل أساسي عن هبوط الجنيه منذ اقتراع الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وأيضا تباطؤ نمو الأجور. كما سجلت طلبيات التصدير أقل وتيرة نمو منذ يناير (كانون الثاني) في الشهر الماضي.
وقال روب دوبسون كبير الاقتصاديين لدى «آي إتش إس ماركت»: «في حين أن بيانات المسح تعزز أدلة على أن الاقتصاد قد يكون أظهر نموا قويا في الربع الثاني، إلا أن هناك شكوكا أكبر بشأن إمكانية الحفاظ على هذا الأداء في النصف الثاني من العام».
وأضاف دوبسون: «لا تزال طلبيات التصدير ضعيفة بشكل محبط؛ رغم أن المنافسة الحالية تتلقى دعماً من سعر صرف الإسترليني الضعيف».
وعلى خلاف دوبسون، فإن آندرو ويشارت، المحلل الاقتصادي في مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» البريطانية للاستشارات الاقتصادية، قال في نهاية الأسبوع الماضي، إنه من المحتمل أن يكون التباطؤ الحالي في ناتج قطاع التصنيع البريطاني «مؤقتا» خلال الشهور المقبلة، مشيرا إلى أن ردود شركات التصنيع جاءت إيجابية بشكل كاسح في مسح الاتجاهات الصناعية لاتحاد الصناعة البريطاني خلال يونيو الماضي.
وكان مؤشر إجمالي الطلبيات لدى قطاع التصنيع قد ارتفع خلال الشهر الماضي إلى موجب 16، وهو أعلى مستوى له منذ 3 عقود تقريبا، بحسب تقرير اتحاد الصناعة البريطاني الصادر في 22 يونيو، وهو ما يزيد أيضا على أعلى مستوى له قبل الأزمة الاقتصادية عندما سجل موجب 11 نقطة.
وأشار المحلل الاقتصادي ويشارت، إلى أن النمو القوي للمؤشر خلال يونيو جاء بفضل ارتفاع الطلب الخارجي، الذي أشار إلى أن تراجع الجنيه الإسترليني ما زال يعزز الطلب الخارجي على شركات التصنيع البريطانية.
ويبدو التضارب في الرأي بين دوبسون وويشارت كبيرا، وبالتالي في توقع كل منهما لاتجاه النمو خلال النصف الثاني من العام على وجه الخصوص. لكن ما يدعم رؤية دوبسون بشكل أكبر هو التخوفات من آثار دخول مفاوضات «بريكست» إلى نفق مظلم، مع إصرار الاتحاد الأوروبي على تأجيل أي مفاوضات بشأن التجارة الحرة مع بريطانيا إلى ما بعد إتمام الانفصال، وكذلك حظر إجراء بريطانيا لأي اتفاقات ثنائية مع دول أخرى إلا بعد إتمام الانفصال أيضا... وهو وضع يربك الاقتصاد البريطاني من جهة، وربما يؤدي إلى تباطؤ كبير في الصناعة من جهة أخرى.
وأشارت البيانات الأخيرة الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، إلى استمرار استقرار ناتج قطاع التصنيع خلال أبريل (نيسان) الماضي. والواقع أن النمو السنوي لناتج قطاع التصنيع توقف خلال أبريل الماضي.
ورغم ذلك، فإن ويشارت يؤكد أن مسح اتحاد الصناعة البريطاني يشير إلى تعافي نمو قطاع التصنيع خلال الشهور المقبلة. وأضاف أنه رغم تراجع توقعات ناتج قطاع التصنيع، فإنها ما زالت متناغمة مع ارتفاع وتيرة نمو قطاع التصنيع ربع السنوي إلى 1.5 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقابل 0.3 في المائة خلال الربع الأول.
وقبل نحو أسبوعين، حذر اتحاد الصناعيين البريطانيين، وهو أكبر تجمع بريطاني لأرباب العمل، من تباطؤ الاقتصاد البريطاني في السنوات المقبلة بسبب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد وتداعيات «بريكست»، تزامناً مع بدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبحسب التوقعات الأخيرة للاتحاد، فإن الاقتصاد البريطاني سيسجل نموا بنسبة 1.6 في المائة هذا العام، قبل أن تتراجع هذه النسبة إلى 1.4 في المائة في 2018، وبلغت نسبة نمو الاقتصاد البريطاني 1.8 في المائة عام 2016.



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.