جناية الانغلاق ووأد الحداثة

التطرف عزلة وانقلاب ممنهج

إجراءات أمنية في محيط برج إيفل بعد أن نجح الإرهاب في استهداف باريس (أ.ف.ب)
إجراءات أمنية في محيط برج إيفل بعد أن نجح الإرهاب في استهداف باريس (أ.ف.ب)
TT

جناية الانغلاق ووأد الحداثة

إجراءات أمنية في محيط برج إيفل بعد أن نجح الإرهاب في استهداف باريس (أ.ف.ب)
إجراءات أمنية في محيط برج إيفل بعد أن نجح الإرهاب في استهداف باريس (أ.ف.ب)

تختنق، ربما حتى تحتضر، كل دعوة إصلاحية أو ديمقراطية في سبيل الحداثة والتحديث والتقدم الإنساني وسط دخان وسياقات الخطر الأصولي والإرهابي، وما يستتبعه من خطورة الوضع الأمني وصعود العمليات التطرف العنيف، بل قد تتراجع القيم الحداثية والإنسانية أمام هذا الخطر مؤقتا أو دائما. وتمكن ملاحظة ذلك التراجع بسهولة بعد أن غدا الإرهاب هاجس العالم وشاغله، وتتصاعد تأثيراته السلبية على المناخات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أشهر من أن يعرف، من قوانين أشكروفت الأميركية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وصولا إلى المواقف الراهنة من اللاجئين والمهاجرين إلى الإسلاموفوبيا ونزوعات وصعود اليمين في الغرب، والنزعات الطائفية في كل مكان، فضلا لإزاحة مقولات الحداثة والحوار الحضاري والتقدمي لصالح هيمنة خطاب التحدي والطوارئ والصراع والاستقطاب في كل مكان.
بينما كانت النازية ومعاداة السامية التحدي الأبرز في النصف الأول من القرن العشرين، وكانت الحرب الباردة أبرز تحديات نصفه الثاني، يبدو الإرهاب والتطرف العنيف التحدي العالمي الأول والأبرز منذ بدايات هذا القرن وربما لعقود مقبلة بشكل واضح، منذ أن داهم العالم بعملياته الانتحارية في الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، وصولا للحظة الداعشية، وسياقات ما بعد الثورات العربية التي وجدت فيها الكثير من تنظيمات التطرف، وكثير من الأنظمة الداعمة أو الموظفة لها، فرصتها لإنهاك خصومها والتمكين لأمارات التطرف المتشظية في أكثر من مكان، وهو التهديد الذي وصفته الأمم المتحدة بـ«غير المسبوق» في أغسطس (آب) سنة 2015.
وليس أدل على مبلغ الخطورة ذاك من حالة الاستنفار الأمني، العالمي والإقليمي والوطني، لصد أخطاره الداهمة واستباقها، ويكفي أن نشير مثالا على ذلك، أنه في يوم واحد أغلقت فرنسا مساء الجمعة، صباح السبت مطار باريس الدولي تحسبا لخطر عملية إرهابية أخيرة، بعد أن نجح الإرهاب الداعشي في استهدافها بعدد من جرائمه التي راح ضحيتها العشرات خلال العامين الماضيين، وفي اليوم نفسه أحبطت قوات الأمن السعودي قبل ذلك بساعات عملية أمنية استهدفت الحرمين الشريفين، وقبضت على مجموعتين إرهابيتين قبل تنفيذها، أو ما نفذه الإرهاب من عمليات انتحارية راح ضحيتها عدد من رجال الشرطة والأمن المصري في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) الماضي، كما ما زالت معارك الموصل مشتعلة، وكذلك سوريا وليبيا.
* التطرف أصل... والإرهاب نتيجة
يطن العالم بضجيج الإرهاب، مخاطره وخططه وعملياته، هواجسه ومفاجأته، ما بين عناصره وتنظيماته لخلاياه النائمة وذئابه المنفردة، ولكن الإرهاب ليس الوجه الوحيد للتطرف والتشدد، وإن أدى وبرر كل منها للآخر، بل هو وفقط الصورة السائدة والمنتج الأخير له، ولكن التطرف تجلى في تعبيرات وتماثلات مختلفة بدءا من الفتاوى والتحريض، لحركات إعادة الخلافة والتكفير والعزلة والصدام الشعوري والمجتمعي، التي كان لها أيضا عظيم الأثر في إنتاجه خلال العقود الخمسة الأخيرة، وما زال بعضها يمارس السياسة ويدعي الاعتدال، لكنه يتفق مع تنظيمات الإرهاب في غاياتها، بل وخطاباتها وأوصافها لمعارضيها ومعارضيه بالصحوات والتكفير الديني والتخوين السياسي للأنظمة التي تناهضها أو أسقطتها، شأن حركة الإخوان المسلمين وموقفها من النظام المصري بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي حراك يونيو سنة 2011، ويصف إعلامها - قبائل سيناء بـ«الصحوات»، كما جاء في برنامج تحت عنوان «تسريب سيناء» في 20 أبريل (نيسان) الماضي، أذاعته قناة إخوانية تبث من تركيا - وهو التعبير الذي وصفت به «داعش»، أو «قاعدة العراق» سابقا، مناهضيها ومحاربيها من أبناء القبائل، بما فيهم تيار الإخوان نفسه الذي انصاع لخريطة الطريق الأميركية بعد سقوط صدام حسين، لكن بعض أصوات وإعلام إخوان مصر انتبهوا فقط لمصطلح «داعش» في وصف خصومهم دون ما وراءه، كما لم يدينوا بصراحة يوما أيا من ضحايا الإرهاب وعملياته، مكتفين والإعلام المساند لهم - كقناة «الجزيرة» القطرية - بتوظيف عمليات الإرهاب لصالحهم في نزع هيبة الدولة المصرية وشرعيتها وسعيا لإسقاطها.
من هنا نرى أن العمل الإرهابي ليس غير نتيجة أخيرة وغاية قصوى تؤدي إليها أفكار التشدد والغلو وتؤسس له أدبياته وآيديولوجياته، لتتجلى مقولاته وفتاواه وخططه في عمليات انتحارية أو عمليات دهس عدمية، وهو ما يوقد نزعات التطرف المضاد والإسلاموفوبيا التي عادت معدلاتها للارتفاع في السنتين الأخيرتين بدرجة أعلى من موجتها السابقة في السنوات الأولى عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
التطرف عزلة، والتشدد استعلاء، وليست الجماعات الأصولية والغلواء - قديما وحديثا - إلا جيتوهات مجتمعات صغيرة معزولة عن المجتمع الكبير، تعاني هم الهوية ورعب الخوف عليها، نافرة من سياقات الواقع والتاريخ.
مثل هذه التعبيرات التي صاغها الراحل سيد قطب لم تكن إلا ترجمة لمشاعره وطليعته المقاتلة التي تستهدف تحقيق الحلم والهدف الكبير في «الانقلاب» حسب تعبيراته وتعبيرات ملهمه الراحل الأستاذ المودودي، حتى يعود التاريخ عن حركته نحو المستقبل ماضيا، بل ويكون المستقبل محددا سلفا، رغم أن الغيب كتاب مفتوح لا يعلمه إلا الله، ويتطلب إعدادا وتوكلا وتدبيرا.
من هنا، تنتاب التطرف بارانويا التميز والرسالية والاصطفاء، فيرى في تحقيق انقلابه استئنافا لحياة المسلمين وللحياة الإسلامية بشكل عام، حسب تعبيرات تقي الدين النبهاني مؤسس «حزب التحرير»، الذي وقف حياة المسلمين على ضرورة استعادة «الخلافة»، التي هي شأن تاريخي غير إيماني وغير عقدي، التي ركز في استهدافها على الانقلاب وعلى استثمار مراكز القوى والقوة من أجل ذلك، دون اعتبار في ذلك منه أو من غيره من قادة الجماعات الأصولية والمتطرفة للأمة أو للشعب، فالديمقراطية دين يكفّر صاحبه المؤمن به أو الداعي له، أو من يجوّز حتى اقتباسها - حسب تعبير أمير «حزب التحرير» الثاني عبد القديم زلوم، أو تعبيرات غيره من قادة ومنظري السلفية الجهادية، مثل المقدسي وأبي قتادة أو منظري «داعش» بالطبع، فالديمقراطية عند هؤلاء جميعا دين يناقض دين الإسلام، واختيار الأمة يكون عبر الأوصياء عليها فقط ممن يحددهم قادة هذه الجماعات، ولو كانوا غفلا مجهولين عند عمومها أو عند غيرهم من الفصائل والجماعات، كما فعلت «داعش» وحدها حين أعلنت خليفتها وخلافتها، وهو ما انتقدها عليه منظرو القاعدة والسلفية الجهادية، فضلا عن سائر المسلمين.
ولعل المحاولة الفاشلة لتفجير الحرمين الجمعة الماضي دلالة على هذه العزلة التي يحيا داخلها المتطرفون وجماعاتهم، وقد سبقت مرات كثيرة استهدف الإرهاب فيها كذلك الحرمين ومساجد ومزارات مختلفة للهدف ذاته، ليس فقط في المملكة العربية السعودية، لكن في غيرها مثل استهداف المساجد والمزارات في العراق - سنية وشيعية على السواء - أو المعابد الدينية كالمعابد والكنائس في تونس وفي ليبيا وفي باكستان وغيرها خلال الأعوام الماضية.
* التطرف إعاقة للأمة تاريخياً
كان التطرف والغلو منذ أول ظهوره مع الفتنة الكبرى التي اشتعلت ضد الخليفة الثالث عثمان بن عفان إعاقة للأمة، مجتمعا ودولة، وخصما عنيفا من قوتها؛ فمع صحوته - أو فتنته - الأولى توقفت الفتوحات، وانتشر التكفير والتخوين وانقسم المسلمون وتفرقت فرقهم وشيعهم وكان فشلهم الذريع، وعطبت في عثرته الدعوة لدين الله، وركبه المستفيدون والمتآمرون من كل صوب وحدب فبلغوا فيه مبلغهم في إضرار المسلمين أو السيطرة عليهم واستهداف عقلائهم ورموزهم، فلم يسلم منهم البيت الحرام ولا الحجر الأسود، كما لم يسلم منه أمير المؤمنين علي وسبط رسول الله الحسين، ولم يسلم منه عبد الله بن خباب بن الأرت، ولا جنين كان في بطن زوجته... كما لم يسلم منهم مفسر كالطبري فقتلوه، ولا مجاهد كصلاح الدين استهدفوه، ولا وزير مصلح عالم ناصر للسنة كنظام الملك اغتالوه!
وكان الأثر والمعاناة عربيا وإسلاميا من ويلات الانغلاق وتيارات العنف الديني، كانت أسبق وأعمق بكثير من معاناة العالم الراهنة، فمعاناة منطقتنا بدأت مبكرا قبل عقود من عولمة الإرهاب، مع صعود القاعدة في تسعينات القرن الماضي، أو «داعش» خلال السنوات الأولى الماضية عقب زلزال الانتفاضات العربية، وكان خطابها النظري - القطبي والمودودي والنبهاني وغيره - الذي أسس لتيارات الانقلاب الإسلامي والمجابهة والتكفير فيما بعد حائط صد قويا في وجه موجات الحداثة والتحديث التي كانت وجدت طريقها قبله بعقود كذلك، فكانت مواجهتهم الحادة لكل تمكين للتعددية والمواطنة، وحقوق المرأة، وتعلم اللغات، وإقامة الحكم الرشيد، كما كانت مواجهتهم العنيفة لكل تجديد فكري ونظري يناقض مسلماتهم، من مدنية الدولة والقوانين إلى نقد مقولات الخلافة التاريخية أو العثمانية، أو الدعوة لتعليم البنات والترجمة والتثاقف وغيرها من أمور، ويمكننا أن نشير مثالا على ذلك إلى عشرات الحالات والأمثلة التي عانت من هذا التغول والتسلط الأصولي وقمعها، بدءا من علي عبد الرازق ومعركة «الإسلام وأصول الحكم»، مرورا بطه حسين ومعركة «في الشعر الجاهلي»، ووصولا لكل الحالات الشبيهة في حالنا الراهن والسابق.
كذلك، نجحت الانغلاقية الأصولية في وأد أفكار تحديثية مبكرة، نعود إلى بذورها الآن، لنبدأ من جديد، ويكفي أن نذكر أن بلدا كمصر عرفت حزبا يحمل اسم الحزب الديمقراطي سنة 1918، أو عرفت جماعة لحقوق البشر في عشرينات القرن الماضي، وأخرى للدفاع عن حقوق الإنسان في ثلاثينات القرن الماضي، وكانت تشهد حراكا ثقافيا أعظم مما تشهده الآن، بعدد مجلاته وإصداراته وترجماته، وكذلك تواصلا ثقافيا أعمق وألصق، وأسرع مما نشهده الآن في عصر الإنترنت والشبكة العنكبوتية.
عن هذا التواصل يكفي أن نذكر أنه في العقد الأول من القرن العشرين كنا نقرأ لكتّاب من الهند كأبي الكلام أزاد في مجلة كـ«المنار» المصرية، أو نقرأ افتتاحية جريدة «السياسة» اليومية بقلم الشاعر والفيلسوف العراقي الراحل جميل صدقي الزهاوي، وغير هذا كثير، مما تراجع حتى تلاشى مع الصعود الأصولي والانغلاقي الفكري والحركي ثم العنيف منذ ثلاثينات القرن الماضي على الخصوص، وتحديدا بعد الثورة الفلسطينية سنة 1935 التي أعطت للتيارات الماضوية والأصولية - شأن الإخوان المسلمين - شرعية الضور القوي والمقاومة وأزاحت من الواجهة كل دعوات الحداثة والتحديث ليسود الانغلاق والتراجع كل المساحات فيما بعد وصولا لثورات الضباط في الخمسينات وهيمنة الآيديولوجيات القومية الاندماجية والبعثية، وإزاحة كل مختلف وآخر عن الحضور، وهو ما تكرر شبه به كبير بعد الثورات العربية عام 2011 بفعل إصرار تيارات الآيديولوجية السلطوية والأصولية الانغلاقية على سرقتها والانفراد بغنائمها وحدها.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».