الشرطة الفرنسية تسعى لكشف دوافع المعتدي على مسجد «الصحابة»

الهيئات الإسلامية في فرنسا تدين محاولة الاعتداء... ودعوات لتعزيز حماية أماكن العبادة

تواجد أمني من الشرطة الفرنسية عقب محاولة الدهس أمام مسجد جنوب العاصمة باريس مساء أول من أمس (رويترز)
تواجد أمني من الشرطة الفرنسية عقب محاولة الدهس أمام مسجد جنوب العاصمة باريس مساء أول من أمس (رويترز)
TT

الشرطة الفرنسية تسعى لكشف دوافع المعتدي على مسجد «الصحابة»

تواجد أمني من الشرطة الفرنسية عقب محاولة الدهس أمام مسجد جنوب العاصمة باريس مساء أول من أمس (رويترز)
تواجد أمني من الشرطة الفرنسية عقب محاولة الدهس أمام مسجد جنوب العاصمة باريس مساء أول من أمس (رويترز)

ما زالت دوافع الرجل الذي حاول بسيارته رباعية الدفع الاعتداء على المصلين الخارجين من مسجد «الصحابة» في مدينة كريتيه، وهي ضاحية تقع جنوب شرقي باريس، غير واضحة ولم يعرف ما إذا كان العمل ذا طابع إرهابي أم جرمي يخضع للحق العام. وما عرف حتى مساء أمس نقلا عن النيابة العامة في مدينة كريتيه أن الرجل، وهو أرمني عاطل عن العمل عمره 43 عاما، يعاني من «اضطرابات نفسية» وأنه «دخل مستشفى العلاجات النفسية مرتين في عامي 2006 و2007 لإصابته بمرض انفصام الشخصية». وأضافت النيابة العامة، في بيان أمس، أن هذا الشخص «ما زال يتناول الأدوية».
وتأتي محاولة الاعتداء بعد أسبوعين من صدم رجل على متن شاحنة صغيرة مصلين عند خروجهم من المسجد بعيد الفطر أمام مسجد فينسبري بارك في شمال شرقي لندن ما أوقع عشرة جرحى. ومهما تكن الدوافع التي يسعى التحقيق القضائي الذي فتح أمس لجلائها، فإن المصلين الذين يرتادون مسجد كريتيه وهو أحد أكبر المساجد في فرنسا وقادر على استيعاب 4 آلاف مؤمن، نجوا من اعتداء واسع كان سيسقط عشرات الضحايا وكان سيزيد من قلق الجالية المسلمة في فرنسا التي أصبحت تخاف على سلامة أبنائها ومصالحها بعد تصاعد الأعمال المعادية للإسلام في العامين الأخيرين.
ووفق رواية مديرية شرطة باريس، في البيان الذي أصدرته أمس، فإن رجلا على متن سيارة رباعية الدفع صدم مرارا الحواجز التي وضعت لحماية مسجد كريتيه وعندما لم يتمكن من تجاوزها واصل سيره وصدم رصيفا للمارة قبل أن يلوذ بالفرار. وقد أوقف السائق وهو مالك السيارة «دون حوادث» في منزله ووضع قيد التوقيف الاحترازي. وقال مصدر قريب من التحقيق إن قوات الأمن قامت بتفتيش منزله مساء الخميس وإن الموقوف «أشار بشكل مبهم إلى الاعتداءات» الإرهابية الجهادية التي تشهدها فرنسا منذ عام 2015 والتي أوقعت 239 قتيلا.
من جانبه، قال رئيس اتحاد الجمعيات المسلمة في كريتيه كريم بن عيسى لوكالة الصحافة الفرنسية إن الصلاة «كانت قد انتهت وكنا في طريقنا للخروج عندما رأينا هذه السيارة تتوجه نحو المسجد». وبحسب بن عيسى، فإن المصلين «اضطروا إلى تفادي السيارة. لو حصل ذلك بعد ثوان قليلة لكان الأمر أسوأ من ذلك بكثير»... ولحسن الحظ، فإن أحدا لم يصب في هذا الحادث. وسارع وزير الداخلية وشؤون العبادة الفرنسي جيرار كولومب الذي كان مؤخرا ضيفا على مسجد باريس الكبير في إفطار رمضاني، إلى إصدار بيان إدانة، معتبرا أنه سيكون على التحقيق أن يحدد الدوافع «الحقيقية» للمعتدي. ولهذا الغرض، فإن المعتدي خضع أمس لاختبارات نفسية لمعرفة ما إذا كان يعي ما يقال له وما فعل. وعقب ذلك ستقرر النيابة ما إذا كان سيتم الاستماع له أم لا. ونقل عن مصادر للشرطة قولها إن الرجل المعني «لا يمتلك كافة قواه العقلية» وإنه تلفظ بعبارات «مشوشة» في إشارته إلى الاعتداءات التي ضربت ملهى اباتاكلان قبل عامين.
بيد أن كريم بن عيسى رفض مسبقا هذه القراءة، ونبه من الحديث عن رجل «مختل عقليا»، مؤكدا أن ما حصل «محاولة اعتداء لا لبس فيها». وكشف بن عيسى أن الجاني جاء قبل يوم واحد إلى المكان ووضع إكليلا من الزهر على نصب ضحايا الأطفال الأرمن مقابل مسجد الصحابة وأنه بذلك كان يعاين المكان لارتكاب اعتدائه. ووصف المسؤول المسلم ما حصل بأنه «بالغ الخطورة».
من جانبه، قال رئيس المرصد الوطني لمكافحة معاداة الإسلام عبد الله بن زكري لوكالة الصحافة الفرنسية: «ما حدث للتو في كريتيه يبرر المخاوف التي عبرت عنها بعد الهجوم قرب مسجد فينسبري في لندن». ودعا بن زكري إلى «يقظة أكبر من جانب مسؤولي المساجد»، كما دعا السلطات إلى «تشديد الحماية لدور العبادة»..
أما الدكتور دليل بو بكر، عميد مسجد باريس الكبير فقد وصف الحادث بأنه «هجوم إجرامي» و«عمل معاد للإسلام».
وفي سياق التنديدات، صدر بيان عن «التجمع المناهض لكره المسلمين» يعبر عن «الأسف» لكون السلطات تسعى للتخفيف من خطورة محاولة الاعتداء، ويتساءل عما إذا كان وصف العمل الإرهابي محصورا فقط بالمجموعات الإرهابية التي تدعي العمل باسم الإسلام.
وليست تلك المرة الأولى التي يتعرض فيها مسجد كريتيه الكبير للاعتداء، إذ سبق أن عمد أشخاص إلى تلطيخ جدران وباحة المسجد بالحبر الأحمر عقب مقتلة خريف عام 2015، وبحسب ليلي شارف، فإن الاعتداء «ليس جديدا بل الجديد طريقة التنفيذ». وبحسب شارف وهي مسؤولة في «التجمع» فإن ما حصل في فينسبارك قد يكون شجع الجاني في كريتيه على الاحتذاء به.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟