سد في لبنان على فالق زلازل يثير جدلاً

منطقة بسري في لبنان (أ.ف.ب)
منطقة بسري في لبنان (أ.ف.ب)
TT

سد في لبنان على فالق زلازل يثير جدلاً

منطقة بسري في لبنان (أ.ف.ب)
منطقة بسري في لبنان (أ.ف.ب)

في منطقة بسري اللبنانية في قضاء جزين جنوباً، تعتزم الحكومة اللبنانية بناء سد بغية توفير مياه الشفة للعاصمة بيروت مما يثير جدلا وانتقادات بين السكان وناشطين بيئيين يعترضون على المشروع كونه سيقام على أراض زراعية واسعة يمر منها فالق زلزالي، وعلى الرغم من تطمينات الحكومة والبنك الدولي الذي يساهم في تمويل المشروع، تتسع دائرة الاعتراضات.
ويروي عامر مشموشي (50 عاما)، أحد أبناء بلدة بسابا المجاورة لبسري، نقلا عن والديه أن منزل العائلة انهار خلال زلزال في ضرب المنطقة عام 1956. ويقول: «كان أخي طفلا وسحبوه من تحت الأنقاض»، مضيفاً: «كيف تبني سدا في منطقة زلازل؟ ليست لدينا منازل مقاومة للزلازل».
وعلى بعد كيلومترين من موقع السد المرتقب، يمر فالق روم الذي كان سببا لزلزال 1956 بقوة ست درجات على مقياس ريختر، ودمر آلاف المنازل وقتل فيه نحو 135 شخصا من أهالي المنطقة. ويرفع الناشطون وأهالي المنطقة الصوت عاليا ليس فقط خشية احتمال انهيار السد أمام أي زلزال، بل أيضاً خوفاً من أن يكون السد نفسه ونتيجة ثقل المياه، سبباً لتحريك فالق روم.
وفي قرية باتر المجاورة، يقول الناشط البيئي ورئيس «التجمع للحفاظ على التراث اللبناني» رجا نجيم: «كيفما نظرنا إلى تاريخ المنطقة وجغرافيتها، سنرى أن وديانها جميعها ناتجة عن أنها منطقة زلزالية بامتياز». ويضيف: «ممنوع أن يفكروا حتى في بناء أي منشأة سواء كانت سدا أو غيره، وهناك خطر، وهذا المشروع يستحيل أن يتم».
وعلى الرغم من هذه المواقف، فإن مجلس الإنماء والإعمار التابع للحكومة اللبنانية، والبنك الدولي الذي يمول الجزء الأكبر من المشروع، يؤكدان اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي أي مخاطر زلزالية.
وأكد البنك الدولي ردا على أسئلة لوكالة «الصحافة الفرنسية» إجراء الدراسات اللازمة حول «المخاطر الزلزالية»، والتي تم على أساسها «تصميم السد بطريقة تتماشى مع الممارسات الدولية»، حتى أنه سيكون مقاوما لهزات تفوق بقوتها زلزال عام 1956.
ويؤكد المهندس المسؤول عن المشروع لدى مجلس الإنماء والإعمار إيلي موصلي أن «الإجراءات التي اتخذت في موضوع مخاطر الزلازل كبيرة جدا»، مشيراً إلى قدرة السد على مقاومة الزلازل «بقوة تصل إلى ثماني درجات بمقياس ريختر، وهو مقياس عال جدا»، مقللاً من احتمال أن يكون السد نفسه سببا لتحرك أي فالق زلزالي، مشيراً إلى أن هذا الأمر لم يثبت علميا. ويلفت إلى أن فالق يمونة «الأنشط من فالق روم والأكبر منه، يمر في منطقة سد القرعون»، أكبر سدود لبنان في شرق البلاد، موضحاً أن «المواقع الجيولوجية الطبيعية للفوالق تمر بين الجبال، أي في مجرى الأنهر حيث تبنى السدود».
ويعاني لبنان، وخصوصا بيروت ذات الكثافة السكانية العالية، من نقص في المياه. ويقدر العجز في إمدادات المياه للعاصمة، بحسب مجلس الإنماء والإعمار، بـ90 مليون متر مكعب سنويا. ولذلك تأمل الحكومة اللبنانية أن يؤمن مشروع سد بسري مياه الشفة لـ1.6 مليون نسمة في منطقة بيروت الكبرى، وبالتالي ترى فيه «منفعة عامة على الصعيد الوطني».
وتعتزم الحكومة البدء بتنفيذ المشروع على مياه نهر الأولي خلال الأشهر المقبلة. وتعمل من أجل ذلك على اقتطاع أراض من 15 قرية في محيطه. وتبلغ كلفة المشروع 617 مليون دولار بينها 474 مليونا من البنك الدولي. ويحتاج تنفيذه بالكامل إلى تسع سنوات. ومن المفترض أن يتحول سد بسري إلى ثاني سدود لبنان. وستصل قدرة استيعابه إلى 125 مليون متر مكعب ستتجمع في بحيرة تصل مساحتها إلى نحو 450 هكتارا.
وبالإضافة إلى الخوف من خطر الزلازل، يثير المشروع غضب المزارعين. وفي قرية مرج بسري، يشير مشموشي إلى منطقة زراعية واسعة أمامه تضم جزءا من أراضيه، ويقول: «كل هذه الأراضي ستطمرها مياه بحيرة السد». ويتساءل: «المصلحة العامة لبيروت أن تقضوا على الفلاحين والمزارعين؟ هذه الأراضي موارد رزقنا، منها تعلمت ومنها أخي تعلم».
وستأخذ البحيرة مكان الأراضي المزروعة اليوم بالفاصوليا وأشجار الحمضيات والزيتون والرمان والصنوبر والخيام المخصصة للفراولة. وتتضمن خطة مجلس الإنماء والإعمار تعويض مالكي الأراضي التي يجري استملاكها لبناء السد.
ويتساءل أبو سالم (50 عاما) الذي يعمل منذ 25 عاما في زراعة الفاصوليا في إحدى هذه الأراضي: «أنا مزارع، ليس لدي مكان ثان أذهب إليه، أعلت أولادي وعلمتهم من الزراعة. إذا ذهبنا من هنا، أين نعيش؟».
ويقول نجيم «هذا الإنتاج الزراعي يعيل عائلات كاملة»، مضيفاً: «ليست هناك منفعة عامة في أن تضر منطقة لتخدم أخرى». وتلقي إشكالية ثالثة بظلالها على المشروع، وهي الآثار الموجودة في منطقة مرج بسري.
وتقع في المنطقة التي ستبنى عليها منشأة السد كنيسة مار موسى الأثرية التي لها قيمة معنوية وتراثية كبيرة بالنسبة لسكان المنطقة. وقرر القيمون على المشروع فكها و«نقلها إلى مكان آخر بالتنسيق مع البطريركية المارونية». كما أنه في أحد وديان بسري، ترتفع فوق الأرض أربعة أعمدة أثرية يعتقد أنها «رومانية»، فيما سقط عمود آخر في مجرى النهر إلى جانبها.
ويقول موصلي: «يتوقع أن يكون هناك شيء ما تحت الأعمدة، قد يكون معبدا». لكنه يؤكد أن هناك وقتاً كافياً للتنقيب عنها، ما يقارب «خمس سنوات قبل أن تبدأ البحيرة بتجميع المياه» بعد عامين على الانتهاء من بناء المنشأة. أما عامر مشموشي، فيقف قرب تلك الأعمدة، ويقول: «المنطقة كلها آثار»، مضيفاً: «ظلمتنا الدولة، نرفض هذا السد، ونطالب البنك الدولي بوقف تمويله».



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.