«التباس» دراغي يتلاعب باليورو

الاقتصاد الأوروبي مبشر خلال العام الحالي

دراغي لدى وصوله إلى مقر المجلس الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
دراغي لدى وصوله إلى مقر المجلس الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
TT

«التباس» دراغي يتلاعب باليورو

دراغي لدى وصوله إلى مقر المجلس الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
دراغي لدى وصوله إلى مقر المجلس الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

بعد أن دفعت تصريحات لرئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي العملة الأوروبية الموحدة (يورو) لأعلى مستوى لها في عام، بعد أن فهمت على أنها تفتح الباب أمام تعديل سياسات البنك الجامدة منذ نحو عقد، عادت مصادر بالمركز الأوروبي أمس لتؤكد أن السوق بالغت في تفسير تصريحات دراغي، مما أدى إلى تراجع اليورو والعائد على سندات المنطقة أمس.
وعقب كلمته أول من أمس، في مؤتمر للمركزي الأوروبي بالبرتغال، فهم المستثمرون والمراقبون أن دراغي يلمح لأن واضعي السياسات النقدية بالبنك مستعدون للبدء في سحب الحوافز الطارئة للاقتصاد التي سيطرت على صنع السياسات لنحو 10 سنوات، وأنه قد يفتح الباب أمام تعديل سياسة البنك التحفيزية الجريئة، وهو ما أذكى توقعات في السوق بأن المركزي سيقلص برنامجه التحفيزي بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل.
وقال دراغي في كلمته: «سيصبح انتهاج سياسة ثابتة أكثر ملائمة، ويستطيع البنك المركزي التجاوب مع التعافي من خلال تعديل معايير سياسته، ليس بهدف تشديدها، وإنما للإبقاء عليها بشكل عام من دون تغيير». كما أكد أن سياسات التحفيز للبنك المركزي الأوروبي تعمل بشكل جيد، وستنتهي بشكل تدريجي مع تسارع أداء الاقتصاد، لكنه حذر في الوقت ذاته من أن أي تغيرات في سياسة البنك، التي تتضمن أسعار فائدة سلبية ومشتريات ضخمة من السندات، ينبغي أن تكون تدريجية، حيث لا تزال هناك حاجة إلى دعم نقدي كبير، وسيعتمد تعافي التضخم أيضاً على أوضاع مالية عالمية مواتية.
ويطبق المركزي الأوروبي برنامجاً لشراء الأصول بقيمة 60 مليار يورو شهرياً، في مسعى لتحفيز النمو والتضخم في منطقة اليورو. وأشار دراغي إلى أن تعديلات لهذه البرامج يجب أن تكون تدريجية، وعندما تبدو ديناميكية الاقتصاد آمنة بشكل كافٍ.
ودفع فهم التصريحات على أنها توحي بإمكانية تعديل سياسات اليورو إلى أعلى مستوى له في عام، لكن تصريحات لمسؤولين بالمركزي، عصر أمس، لـ«رويترز»، أوضحت أن السوق بالغت في تفسير تصريحات دراغي.
وقالت مصادر مطلعة على فكر دراغي إنه كان يريد التلميح لتقبل فترة من ضعف التضخم، وليس تشديد السياسة النقدية قريباً، في التصريحات التي أدلى بها الثلاثاء، وتسببت في اضطراب الأسواق. وامتنع البنك المركزي الأوروبي عن التعليق بشكل أكثر مباشرة.

* تعافٍ أوروبي

وجاءت كلمات دراغي التي أربكت الأسواق، عقب ساعات من إعلانه أن الرأي المضاد لمنطقة اليورو قد تلاشى على مدار العام الماضي منذ استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن «توقعات التعافي الاقتصادي تحسنت، والنداءات بزوال الاتحاد الأوروبي أصبحت بالكاد همسات»، ومشدداً على أن سياسة البنك النقدية لعبت دوراً في ذلك.
ولا تزال منطقة العملة المنفردة تواجه المشكلات التي نتجت عن الأزمة المالية، ولم تزد الإنتاجية، خصوصاً مع تقدم عمر السكان. وقال دراغي إن المسألة الأساسية الآن مع معطيات موقف اقتصادي أفضل هي «كيف تجعل هذا النمو مستديماً، يعتمد بشكل أقل على التحفيز النقدي».
وكشف البنك المركزي الأوروبي، خلال اجتماعه الاستثنائي في تالين عاصمة إستونيا بداية الشهر الحالي، عن ثقة أكبر في اقتصاد دول منطقة اليورو.
وبالفعل، فإن منطقة اليورو تشهد عدداً من المؤشرات الجيدة خلال الفترة الأخيرة. وفي ألمانيا، الدولة الأولى اقتصادياً في منطقة اليورو وعمودها الفقري، ارتفع مؤشر الثقة في مناخ الأعمال الألماني لأعلى معدل له، بحسب ما أظهره مؤشر معهد «إيفو» للأبحاث الاقتصادية، الذي صدر مطلع الأسبوع، حيث ارتفع إلى 115.1 نقطة في يونيو (حزيران) الحالي، مقارنة بـ114.6 نقطة في مايو (أيار) الماضي.
وقال المعهد إن قطاع الأعمال الألماني يرى أن مناخ الأعمال تحسن بصورة كبيرة، كما أظهر تفاؤلاً حيال الستة أشهر المقبلة. وأوضح رئيس المعهد كليمنس فوست أن «هناك شعوراً بالتفاؤل بين المديرين التنفيذيين الألمان»، مضيفاً: «لقد تحسن الطلب وطلبات الأعمال بصورة كبيرة، وما زالت خطط الإنتاج تركز على التوسع».
وفيما يتعلق بقطاع الجملة، ارتفع مؤشر الثقة في مناخ الأعمال لأعلى مستوى له منذ عام 2010. وكان المعهد قد رفع الأسبوع الماضي من توقعاته لنمو الاقتصاد الألماني عام 2017 لنسبة 1.8 في المائة، و2 في المائة لعام 2018، بناء على زيادة طلب المستهلكين ونشاط قطاع البناء والصادرات.
أما فرنسا، وهي ثاني اقتصادات منطقة اليورو قوة، فتوقع تقرير صادر عن «المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية» الفرنسي (آنسي)، الأسبوع الماضي، نمو الاقتصاد الفرنسي بأقوى وتيرة له منذ عام 2011.
وبحسب التقرير ربع السنوي، فإنه من المتوقع نمو اقتصاد فرنسا خلال العام الحالي بمعدل 1.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهو أعلى معدل نمو منذ 2011. وكان الاقتصاد الفرنسي قد سجل نمواً بمعدل 1.1 في المائة خلال العام الماضي.
ووفقاً لهذه التوقعات، فإن النشاط الاقتصادي في فرنسا سيعود إلى النمو بوتيرة تقترب من متوسط وتيرة نمو اقتصادات منطقة اليورو، وذلك بعد 3 سنوات من النمو بوتيرة أقل من وتيرة نمو الاقتصادات المجاورة.
ويتوقع المعهد نمو الاقتصاد الفرنسي بمعدل 0.5 في المائة خلال الربعين الثاني والثالث من العام الحالي، ثم بمعدل 0.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي خلال الربع الأخير من العام. وذكر المعهد أن نمو النشاط الاقتصادي وسياسات خفض نفقات العمالة ستعزز التوظيف في فرنسا. وبحسب المعهد، فإنه من المتوقع ارتفاع عدد العاملين في فرنسا بمقدار 220 ألف عامل خلال العام الحالي، وهو ما سيدفع معدل البطالة إلى التراجع بمقدار 0.6 نقطة مئوية، إلى 9.4 في المائة، بنهاية العام.
كما يتوقع المعهد أن يكون معدل التضخم بنهاية العام 1.1 في المائة، في حين أنه من المحتمل استمرار معدل التضخم الرئيسي، الذي لا يشمل أسعار الغذاء والطاقة الأشد تقلباً، عند مستوى منخفض قدره 0.8 في المائة بنهاية العام الحالي، مقابل 0.4 في المائة في نهاية العام الماضي.
وفي إيطاليا أيضاً، قال الاتحاد الممثل للشركات في إيطاليا (كونفيندوسترا) أمس إنه يتوقع نمو ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بوتيرة أسرع خلال هذا العام، ولكن حذر من أن رأس المال الأجنبي يتراجع بسبب عدم الاستقرار السياسي والديون المرتفعة.
وأشار الاتحاد، في أحدث توقعاته، إلى أن إجمالي الناتج المحلي سوف يرتفع بنسبة 1.3 في المائة هذا العام، و1.1 في المائة العام المقبل. وكان الاتحاد قد توقع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 0.8 و1 في المائة للعامين على التوالي.
وما زال الاقتصاد الإيطالي ينمو بوتيرة أبطأ من بقية دول منطقة اليورو، ولكن من المتوقع أن يقضى على فجوة معدلات النمو في 2017 و2018، إلى 0.7 نقطة مئوية، مقارنة بـ1.4 نقطة عام 2015.
ويذكر أن إيطاليا عانت من ركود عميق عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008، وقال الاتحاد إنه مقارنة ببداية الأزمة، فإن إجمالي الناتج المحلي تراجع بنسبة 7 في المائة، كما أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مطلق تضاعف 3 مرات تقريباً، ليصل إلى 4.6 مليون شخص.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.