هل تنجح ليبيا في أن تصبح «حارس أوروبا» لوقف المهاجرين؟

عندما تسلم حرس السواحل الليبي الدفعة الأولى من زوارق دورية ترقبها منذ مدة طويلة من إيطاليا الشهر الماضي كان اثنان من الزوارق الأربعة يعانيان من مشاكل ميكانيكية، وتعطل الثالث في الطريق إلى طرابلس.
وعندما وصل وزير الداخلية الإيطالي لتسليم الزوارق رسميا في قاعدة بحرية بالعاصمة الليبية شكا حرس السواحل من أن الزوارق قديمة، وأن مساحة سطحها غير كافية لاستيعاب من يتم إنقاذهم من المهاجرين.
يقول أيوب قاسم المتحدث، باسم حرس السواحل الليبية: «إنهم يريدون منا أن نقوم بدور شرطي أوروبا، لكن في الوقت نفسه هذا الشرطي يحتاج إلى موارد... وأنا أتحدى أن يعمل أحد في هذه الظروف».
وخلال السنوات الأربع الأخيرة عبر نصف مليون فرد البحر المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا، أغلبهم من دول أفريقية جنوبي الصحراء دفعوا لمهربين مبالغ مالية لنقلهم عبر الصحراء إلى ليبيا، ومنها إلى أوروبا في زوارق متهالكة، ويقدر أن 13 ألفا منهم غرقوا في البحر.
ومع تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين تريد الحكومات الأوروبية وقف تدفق هؤلاء الحالمين بسواحل أوروبا، والقضاء على المهربين. إلا أنه بعد أكثر من أربعة أشهر من إطلاق إيطاليا والاتحاد الأوروبي حملة جديدة لحل الأزمة توضح روايات المهاجرين ورجال الإنقاذ والمسؤولين أن هذه الحملة فشلت تقريبا في تحقيق أي شيء.
وعندما يقع مهاجرون في قبضة السلطات الليبية يتم نقلهم إلى مراكز إيواء تخضع من الناحية الاسمية لسيطرة الحكومة، ويبلغ عدد المقيمين فيها نحو ثمانية آلاف. وقد تعهد الأوروبيون بتقديم التمويل لتحسين الأوضاع في المخيمات، لكن رغم ذلك لا يزال التكدس قائما في بعضها لدرجة أن المهاجرين يضطرون للنوم وهم جلوس، فيما يتكدس المئات منهم خلف بوابة حديدية مغلقة على مراتب متجاورة في قاعة واحدة ليس بها مصدر للتهوية.
يقول شاب من غينيا يقيم في المركز منذ مارس (آذار) عندما اعترض حرس السواحل الليبي زورقا يقل نحو 120 مهاجرا آخرين قبل انطلاقهم في رحلة إلى إيطاليا «إنهم يحبسوننا ويسجنوننا ويطلبون منا المال، ويضربون الناس، ولا يحبون ذوي البشرة السوداء».
ويعد الطريق البحري من الساحل الليبي أحد طريقين رئيسيين سلكتهما أكبر موجة من المهاجرين إلى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. أما الطريق الآخر الذي يتجه بحرا من تركيا إلى اليونان فقد أغلق تقريبا العام الماضي بعد توقيع اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة، غير أن سيل المهاجرين من ليبيا ازداد، حيث قطع منذ بداية العام 70 ألفا هذه الرحلة، فيما لقي نحو 2000 فرد مصرعهم هذا العام.
وعلى النقيض من تركيا ما زال الأوروبيون يعتبرون ليبيا مكانا خطيرا، لا يودون إعادة المهاجرين إليه، ولذلك فإن من يصل منهم إلى المياه الدولية ينتهي به الحال في إيطاليا في العادة. ووسط هذه الأجواء المليئة بالفوضى واستغلال البشر ازدهرت شبكات تهريب البشر في ليبيا خاصة في ظل الاضطرابات التي أعقبت الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي عام 2011، وازداد نشاطها بشدة بعد 2014 عندما انتشر الصراع وأصبح في ليبيا حكومتان: واحدة في طرابلس والثانية في الشرق.
ومنذ العام الماضي سعى الاتحاد للتعاون مع الحكومة الليبية الجديدة المدعومة من الأمم المتحدة، وبدأ تدريب حرس السواحل على متن سفن تابعة للاتحاد الأوروبي في أكتوبر (تشرين الأول). وفي فبراير (شباط) الفائت وقعت إيطاليا مذكرة تفاهم مع طرابلس، سرعان ما أقرها التكتل وخصص لتنفيذها 90 مليون يورو.
لكن طارق شنبور، أحد كبار مسؤولي حرس السواحل، أكد أن أوروبا لم تقدم دعما ملموسا يذكر، وقال بهذا الخصوص: «نحن نجتمع للتحدث ونتخذ قرارات ونبرم اتفاقات، لكن لا شيء ينفذ على الأرض». وليس للحكومة الليبية نفوذ يذكر خارج العاصمة أو حتى سلطة على بعض الوزارات داخلها. وقد قوبلت سلطتها في شرق البلاد بالرفض، كما أنها تفتقر لوجود محسوس في جنوب البلاد، حيث يجلب المهربون المهاجرين عبر الصحراء.
يقول مسؤول أوروبي مشترطا عدم الكشف عن هويته: «حتى الآن يمكننا أن نقول إننا كاتحاد أوروبي حققنا الكثير.. الفكرة أننا نريد حلولا في الأجل القصير لكن لا توجد حلول قصيرة الأجل».
وفي الوقت الذي يدرس فيه المسؤولون عن رسم السياسات في أوروبا الخطط الأطول أجلا لتحسين الأمن على الحدود الجنوبية لليبيا، وثني التجمعات السكانية عن نشاط التهريب وتقديم المساعدات في الدول التي ينطلق منها المهاجرون، فإن المسؤولين الليبيين يخشون أن تتزايد الأعداد داخل ليبيا بشدة، ويقولون إنهم لا يملكون الطاقة الاستيعابية لاستضافة المهاجرين في بلد يعاني من أزمة اقتصادية شديدة، وما زال به ما يقرب من 250 ألف نازح داخليا. وقد ساعد التمويل الأوروبي في زيادة قبول المهاجرين الذين يتم الإمساك بهم في ليبيا لفكرة إعادتهم إلى بلادهم الأصلية، غير أنه من المستبعد أن يتجاوز هذا العدد عشرة آلاف هذا العام.
ويتم احتجاز المهاجرين الذين يمسك بهم حرس السواحل الليبي في عرض البحر في غارات ليلية داخل مراكز إيواء، سواء مراكز رسمية تديرها الحكومة من الناحية الاسمية، أو مراكز أخرى تديرها جماعات مسلحة مختلفة.
وبينما يقول مهاجرون إن من يديرون هذه المراكز يجمعون المال من المهاجرين، أو من أسرهم من أجل إطلاق سراحهم ويعيدون بيعهم إلى مهربين أو يستأجرونهم لأداء أعمال، يقول عامل سابق بأحد المراكز في طرابلس إن الانتهاكات الجنسية متفشية في المراكز، والأوضاع أسوأ بكثير في مراكز غير رسمية وفي غرب ليبيا وجنوبها تديرها فصائل مسلحة أو حتى المهربون أنفسهم. كما يقول مهاجرون
آخرون إن مقاطع فيديو أو مقاطع صوتية لهم أثناء تعذيبهم تنقل إلى أسرهم لابتزاز تحويلات مالية، وإنهم اضطروا لبناء المركز بأنفسهم، مؤكدين وفاة عدد منهم لإصابتهم بأمراض لم تجد من يعالجها.
لكن العاملون بمراكز احتجاز يقولون إنهم لا يملكون الموارد الضرورية، ويضطرون في بعض الأحيان لاستخدام القوة مع المهاجرين الذين يتملكهم اليأس أو من يجمح منهم. وقد رفض محمد بشر، رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس، التقارير عن الانتهاكات والقتل، وقال إن المهاجرين محتجزون حماية لهم، مبرزا أنه «في ضوء الوضع الأمني داخل الدولة الليبية فإنهم لا يمكنهم مغادرة مراكز الاحتجاز لأنهم لا يملكون وثائق الهوية. وربما يواجهون الأسوأ إذا ما رحلوا».