«أنصار الشريعة» في ليبيا... إلى أين؟

شكوك تحيط بمصير التنظيم المتشدد

عناصر من «أنصار الشريعة» في ليبيا قبل أن يحل نفسه («الشرق الأوسط»)
عناصر من «أنصار الشريعة» في ليبيا قبل أن يحل نفسه («الشرق الأوسط»)
TT

«أنصار الشريعة» في ليبيا... إلى أين؟

عناصر من «أنصار الشريعة» في ليبيا قبل أن يحل نفسه («الشرق الأوسط»)
عناصر من «أنصار الشريعة» في ليبيا قبل أن يحل نفسه («الشرق الأوسط»)

عاد الحديث عن تنظيم أنصار الشريعة لواجهة الأحداث بشمال أفريقيا، فقد جاء بيان حل الفرع الليبي لهذه الجماعة المصنفة دوليّاً، باعتبارها حركة إرهابية مفاجئاً للمختصين في الظاهرة الإرهابية، من حيث توقيته، ومن جهة مضمونه. فمن الواضح أن لغة البيان اتسمت بشحنة رمزية كبيرة، جعلت من قرار نهاية التنظيم المعلن يوم السبت 27 مايو (أيار) 2017 فرصة للتأكيد على استمرارية المرجعية المؤسسة لـ«أنصار الشريعة» من خلال الدعوة لتبني تطبيق الشريعة من جهة، ومواجهة الغرب والجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر من جهة ثانية.
وجاء بيان حل الفرع الليبي، بصيغة مقتضبة، في ثلاث صفحات، مركزاً على خمس نقاط تظهر الآيديولوجية التي دافع عنها التنظيم منذ ظهوره الرسمي سنة 2012، كما تظهر النقاط المشار إليها، «أطروحة» التنظيم المنحل لطبيعة الصراع في ليبيا ما بعد القذافي.
ويقول القرار صادر عن تنظيم أنصار الشريعة إنه «بعد هذه المسيرة الحافلة والتضحيات التي قدمت فيها (أنصار الشريعة) جل قادتها وكوادرها.. ها نحن نعلن للأمة والمجاهدين عامة وأهلنا في ليبيا خاصة عن حل جماعة أنصار الشريعة بليبيا رسميّاً»، وبرر هذه الخطوة بالتأكيد أننا «نكون قد أفسحنا الطريق لغيرنا من أبناء هذه الأمة الصادقين لحمل الأمانة من بعدنا»، وهو ما يجعل من الموت التنظيمي المعلن فرصة جديدة للحياة بالنسبة لمثل هذه الحركات.
فسر بعض المختصين في الجماعات الإرهابية بشمال أفريقيا، هذه الخطوة بربطها بعاملين أساسيين. يهم الأول، ما شهده التنظيم من تراجع ناتج أساساً عن تقدم قوات الجنرال خليفة حفتر في بنغازي المعقل الأساسي للتنظيم، بينما يشكل عامل مقتل زعيم التنظيم محمد الزهاوي نهاية 2014م، ومبايعة قائد جديد ويدعى أبو خالد المدني الجانب الثاني للتراجع الحاد لـ«أنصار الشريعة»، وعلاقتها بالحاضنة الشعبية، والقدرة على التجنيد، وكذا الحصول على الموارد المالية التي كان بعضها يأتي من الليبيين بالخارج.
صحيح أن التنظيم واجه صعوبات جمة، وتحول بعض عناصره لتعزيز صفوف «داعش» ليبيا، إلا أن وجاهة ما يقدمه التفسير أعلاه لا تحول دون التأكيد على أن لمثل هذه التنظيمات قدرةً كبيرةً ومقدرةً على فهم التوازنات المحلية والإقليمية والدولية، وأن صياغة بيان حل التنظيم تشير لذلك، وتستحضر الطابع الدولي للصراع القائم اليوم بليبيا، كما أن التنظيم واعٍ بأن الاقتتال الليبي لم يعد شأناً حزبياً ولا يعني السيطرة من عدمه على بنغازي معقل جماعة «أنصار الشريعة»، فرغم ما أشار إليه من مساندته التامة لثوار بنغازي، فإن إعلان حل التنظيم في الواقع يروم من ورائه «أنصار الشريعة»، سحب صفة الإرهابية عن مجموع الجماعات التي تحارب الغرب والقوات الموالية لحفتر.
وعلى كل يبدو أن هذا التحول المفاجئ، لا تتحكم فيه هزائم التنظيم العسكرية، بالقدر الذي يعني أنه نتاج عوامل متداخلة، بعضها داخلي ليبي، يتجلى في الضغوطات الشعبية التي مورست على التنظيم لترك أفكاره المتطرفة في بيئة قبلية لا تحتمل مثل هذه الأفكار. وبعضها الآخر ضغوطات أجنبية، ترى أن مساندتها لثوار بنغازي وحكومة التوافق الحالية، لا بد أن يكون بعيداً عن التنظيمات التي صنَّفَتْها الولايات المتحدة والأمم المتحدة ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، وأنصار الشريعة واحدة من هذه الجماعات المرتبطة بـ«القاعدة».
يعود الظهور الرسمي للتنظيم لسنة 2012، مستفيداً من فكر تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وانتشار المعسكرات التي تديرها جماعة إرهابية أخرى. وهو ما مكَّن «أنصار الشريعة في ليبيا»، من بناء نواة مستقلة سرعان ما كبرت عقب بداية المواجهة مع نظام القذافي. وترجع المصادر الأميركية وللمرة الأولى وجود معسكرات خاصة بهذا التنظيم منذ 6 أغسطس (آب) آب 2012. كما أن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر هذه الجماعة هي المسؤولة عن مقتل السفير الأميركي على أثر الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي في سبتمبر (أيلول) من السنة نفسها.
لم يكن هذا التنظيم جزءاً فقط من «ثوار ليبيا»، بل عمد منذ بدايته لتشبيك علاقاته بالتنظيمات الإرهابية السورية، حيث درب وأرسل العشرات من المقاتلين الليبيين للانضمام لجماعة «النصرة» بقيادة الجولاني. ورغم ذلك ظل التنظيم إلى اليوم مرتبطاً بشكل وثيق بمدينة بنغازي شرق ليبيا. حيث يمكن القول إن إنشاء «تنظيم أنصار الشريعة» الليبي يعود لأواخر عام 2011، وإن كان ظهوره العلني تم في «الملتقى الأول لأنصار الشريعة» ببنغازي، صيف 2012، وقد سعى التنظيم للتقرب والتعاون مع «سرايا راف الله الشحاتي» و«كتيبة شهداء 17 فبراير»، للحفاظ على مكانته شرقاً، خصوصاً ببنغازي. ولم يكن عمل «أنصار الشريعة» عسكريّاً فقط، بل شمل الجانب الدعوي والاجتماعي والتعليمي والأمني.
وامتدَّ التنظيم وتوسعت قاعدته لتصل إلى سرت، حيث نشط التنظيم بهذه المدينة منذ يونيو (حزيران) 2013. واستغلالاً للفراغ الذي تركه تفكك الدولة بليبيا، نظم «أنصار الشريعة»، عدة فعاليات دعوية، بالتعاون مع المؤسسات الرسمية من مثل «مكتب الأوقاف» المحلي، و«جامعة سرت»، ومع هيئات خاصة مثل إذاعة «راديو التوحيد»، و«شركة خدمات التنظيف» ومع «مؤسسة البينة» وهي جمعية دعوية.
وهذا المجهود الدعوي مكن «أنصار الشريعة» من المشاركة في ممارسة «الحسبة» بالمدينة والإشراف على دوريات أمنية، وشارك في الوساطة في حل النزاعات بين القبائل والعشائر، في سرت ومصراتة، كما شارك في أعمال اجتماعية ودعوية وقضائية أخرى، أظهرت أن التنظيم بمدينة سرت عنصر أساسي ويحظى بقاعدة شعبية مهمة.
نفى التنظيم سنة 2015 مبايعته «داعش»، واعتبر أن العناصر الليبية التي قدمت البيعة للبغدادي لم تكن يوماً في صفوفه. ففي رده على ما أوردته مجلة «دابق» التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، أوضح البيان أن المبايعين لتنظيم البغدادي بمدينة سرت ليسو قيادات ولا أعضاء بتنظيم أبو خالد المديني. كما نفى البيان الصادر في 25 سبتمبر 2015 أية صلة لأنصار الشريعة بحكومة الإنقاذ الوطني، ووصفها بـ«المرتدة»، وفي السياق ذاته اعتبر أن «البرلمانات والمجالس التشريعية محاربة لله ورسوله وهذا هو الكفر المبين المخرج من الملة».
من جهة أخرى ظهر تنظيم «أنصار الشريعة» سنة 2014 بمدينة درنة، حيث عقد الملتقى الأول لأنصاره تحت شعار «خطوة لبناء دولة الإسلام». وهو ما اعتبر في حينه توسعا جديدا للتنظيم عسكريا ودعويا وسياسيا، إلا أن التنظيم تأثر بالمواجهات العنيفة بالشرق الليبي عموما وفقد قيادات بدرنة من مثل القائد العسكري لكتيبة «البتار» عبد الحميد عبد الله الشاعري الذي قتل سنة 2015. وتوالت بعد ذلك نكسات، فقد فيها التنظيم خيرة قياداته خصوصاً ببنغازي، من أمثال «أبو حفص الليبي» الذي اغتيل في غارة جوية لسلاح الجو الليبي بتاريخ 27 يوليو (تموز) 2016 في منطقة القوارشة بمدينة بنغازي. ويتهم هذا الأخير بكونه وراء محاولة اغتيال القنصل الإيطالي في ليبيا، وكذا الهجوم على مقر القنصلية البريطانية في بنغازي.
ونشير هنا أن التنظيم لا يزال صامدا وقويا بدرنة، واستطاع مقاتلو تحالف أنصار الشريعة ومجلس «شورى مجاهدي درنة»، الحفاظ على سيطرتهم على المدينة إلى اليوم، على الرغم من الهجمات الكبيرة التي تتلقاها المدينة من قوات حفتر، ومن القوات الجوية المصرية في مناسبات عدة. وهو ما يطرح سؤال يتعلق بمصير مقاتليه بالمدينة بعد الحل.
عموماً يمكن اعتبار قرار حل تنظيم أنصار الشريعة، انحسارا للفكر المتطرف لـ«القاعدة» داخل ليبيا. فلم يكن خفياً على أحد أن التنظيم المنحل كان قريباً من تنظيم أيمن الظواهري آيديولوجياً وعسكرياً. وتظهر الورقة التصورية التي نشرها زعيم التنظيم محمد الزهاوي سنة 2012، ما يشبه الوحدة الفكرية بين التنظيمين. حيث نجد أن من مبادئ «أنصار الشريعة» الليبية، الاعتقاد بأن «الديار إذا علتها شرائع الكفر وكانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي ديار كفر، ولا يلزم هذا تكفيرَ ساكني الديار لغياب دولة الإسلام وتغلب المرتدين وتسلطهم على أزمة الحكم في بلاد المسلمين، ولا نقول بقول الغلاة: «الأصل في الناس الكفرُ مطلقاً»، بل الناس كلٌ بحسب حاله منهم المسلم ومنهم الكافر. ونؤمن أن العلمانية على اختلاف راياتها وتنوع مذاهبها هي كفر بواح مناقض للإسلام مخرج من الملة.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية
جامعة محمد الخامس



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.