الخوف العربي من الأسئلة

الخوف العربي من الأسئلة
TT

الخوف العربي من الأسئلة

الخوف العربي من الأسئلة

تلك المراجعات الكبرى، أو، بكلمة أدق، غربلة ما ورثناه، ونعيش فيه منذ مئات السنين، وسنظل، لا تزال غائبة عن تاريخنا وثقافتنا ومناهجنا التربوية والتعليمية، رغم كل المآسي الكبرى التي مرت علينا، ولا تزال تطرق رؤوسنا حتى لا تترك لنا فسحة صغيرة للتفكير السليم.
نعم، هناك، منذ ما سميناه عصر النهضة العربية، جهود فكرية وثقافية جبارة، ولكنها جهود فردية لم تنجح في تحقيق اختراقات فكرية وثقافية كبرى في التاريخ العربي المعاصر، المسيج بإرث الماضي، والمتجذر في الواقع الصلد، الذي تكرس بنيانه المنيع، ليس بسبب القمع فقط، ولكن عبر التهادن معه والقبول به باعتباره قدراً مكتوباً، وعبر القناعات الزائفة، التي تقدم باعتبارها حقائق أبدية لا تقبل المراجعة، وعبر الاطمئنان الوهمي، الذي يصور على أنه إيمان واع بما هو موجود. أهو الخوف، أم إننا استعذبنا ذلك الشعور الجميل بالطمأنينة لقناعاتنا وأفكارنا التي تنتمي في جوهرها للأساطير أكثر من انتمائها للواقع؟
نحن لم نطرح علامات استفهام كبرى على هذا الموجود، ولم نسائل شرعيته، ومن أين استمدها، وقد لا ندركه أساساً لأنه غُلف عبر الزمن بهالات سحرية تعمي الأبصار، وتغيّب الجوهر، بل تكسوه بطبقات من دخان حتى لا يبين. هناك دخان كثيف يلفنا حتى لا نكاد نتبين مواطئ أقدامنا، وأين نحن واقفون، وإلى أين سنتجه في هذا العالم المملوء بالمنعطفات والحفر.
والمشكلة الكبرى، غير المنظورة تماماً، هي أن جزءاً كبيراً من هذا الموجود، ربما أكبر مما نتصوره، الذي يعيد إنتاج نفسه دائماً في تاريخنا وثقافتنا العامة وحتى الأدبية، هو جزء شفاهي ينتقل من جيل لجيل، ومن لسان للسان. واستناداً إلى هذا الجزء، بني كثير من تصوراتنا ومفاهيمنا حول أنفسنا والعالم، والماضي والحاضر، والتاريخ والواقع، وبالتالي أحكامنا، التي اعتبرناها قاطعة لا تقبل النقد والمراجعة. ومن يفعل ذلك، تطاله اللعنات الدينية والاجتماعية والثقافية. وتاريخنا المعاصر، منذ بداية القرن العشرين في الأقل، مليء بالأمثلة على ذلك.
وقد تضخمت مع الزمن هذه المفاهيم والتصورات إلى درجة الأسطورة، التي سكنت أرواحنا وأفئدتنا وعقولنا، وصار من الصعوبة إعادتها إلى مكانها الطبيعي: المخيال الإنساني.
والسؤال، كيف نستطيع أن نسحب أنفسنا من فضاء الأسطورة؟ سؤال قد يبدو طرحه متأخراً جداً، ولكن لا بد منه. وقد طرحته أمم أخرى على نفسها منذ قرون، ونجحت في الإجابة عليه. إنه سؤال ضروري ضرورة الحياة، لكنه لا يمكن أن ينبثق إلا من خلال حراك ثقافة حية، تراجع مسلماتها بين مرحلة وأخرى، وبين فينة وأخرى، لا تركن إلى شيء، ولا تكتفي باللجوء إلى شماعة خارجية، فهي تعرف أن العلة دائماً في الداخل، ولذلك تتقدم دائماً في بيئة تخضع كل شيء للشك الخلاق، وصولاً لمعيار نقدي صارم هو أول ما يفاخر به الفكر والثقافة الغربيان منذ ديكارت وحتى الآن. طرح مثل هذه الأسئلة ليس الهدف منه زعزعة قناعات معينة، وإنما لمحاكمة مثل هذا القناعات من أجل امتلاكها من جديد بشكل واعٍ بعيد عن الهوى، على العكس تماماً مما نحن فاعلون بهمة وإصرار عجيبين.
كان الشاعر الإنجليزي دبليو. إتش. أودن يقول: «الأجوبة ليست صعبة أبداً. طرح الأسئلة هو الأمر الصعب».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.