حمص.. فرصة المعارضة الضائعة

تشتت الكتائب وغياب قيادة مركزية تسببا في سقوط {عاصمة الثورة}

حمص.. فرصة المعارضة الضائعة
TT

حمص.. فرصة المعارضة الضائعة

حمص.. فرصة المعارضة الضائعة

خسرت فصائل المعارضة السورية بعد خروج آخر مقاتليها من أحياء حمص القديمة ضمن اتفاق مع النظام أشرفت الأمم المتحدة على تنفيذ بنوده، فرصة ثمينة لإضعاف النظام السوري في عاصمته السياسية دمشق ودفعه للانكفاء إلى حاضنته الطائفية في الساحل.
فحمص تقع في منتصف سوريا وتربط جغرافيا بين العاصمة دمشق والساحل حيث تقطن غالبية علوية تؤيد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ما يعني أن احتفاظ المعارضة بها كان من شأنه قطع طرق الإمدادات العسكرية القادمة من العراق، وعزل العاصمة، ما يؤدي تدريجيا إلى إجبار النظام على التراجع نحو الساحل، تمهيدا لمحاصرته في معقله الأخير وإسقاطه نهائيا. وسقوطها في يد النظام يعني طوق نجاة جديدا للرئيس السوري بشار الأسد.
تمتلك حمص أهمية استراتيجية بحكم موقعها في المنطقة الوسطى على مسافة 160 كيلومترا تقريبا شمال العاصمة دمشق. وهي كبرى المحافظات السورية من حيث المساحة وفي المرتبة الثالثة من حيث عدد السكان بعد دمشق وحلب، ولها حدود مع لبنان من الغرب والعراق والأردن من الشرق. وقد خرجت مساحات واسعة من المدينة عن سيطرة النظام بعد اتجاه المعارضة إلى العمل العسكري. لكن بعد اقتحامات متتالية شنتها القوات النظامية ضد أحياء المدينة، تراجعت كتائب المعارضة إلى الأحياء القديمة، التي جرى محاصرتها نظاميا ما يقارب السنتين، ليصار أخيرا إلى إجلاء المعارضة من المدينة ضمن اتفاق مع النظام بإشراف الأمم المتحدة، فتعود حمص إلى سيطرة النظام. لعل النظام السوري أدرك منذ المعارك الأولى التي اندلعت في حمص خطورة السيناريو الذي تسعى إليه المعارضة انطلاقا من حمص، فسعى إلى إجهاضه عبر استراتيجيتين: الأولى تقضي بقطع الإمدادات عن بؤر المعارضة في المدينة تمهيدا لفصلها بعضها عن بعض ومحاصرتها وإجبارها على الاستسلام، بحسب ما يؤكد المحلل العسكري السوري عبد الناصر العايد لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «الاستراتيجية النظامية الثانية اعتمدت على تغذية الصراعات داخل القوى العسكرية المعارضة التي انشغلت بالنزاعات الداخلية، مما جعل التعاون بينها شبه مستحيل، فإذا ما هاجمت القوات النظامية مجموعة ما ترفض المجموعات القريبة التدخل لإنقاذها».
وعلى الأرجح، فإن افتقاد كتائب المعارضة السورية في حمص قيادة مركزية تدير العمليات العسكرية بشكل متوازن وفعال، «ساعد النظام على استعادة حمص بسرعة أكبر»، وفق ما يقول المحلل العسكري عبد الناصر العايد في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن «المعارضة تعاني مشكلة التشتت وعدم وجود استراتيجية موحدة تحافظ على التنسيق بين المناطق الخاضعة للمعارض».
ويزيد سقوط حمص بيد النظام من شرذمة كتائب المعارضة وتشتتها، فبعد أن كانت المعارك الميدانية تحصل في وسط البلاد، باتت تتركز أكثر في الأطراف التي لا تشكل خطرا كبيرا على النظام السوري. وهو ما سيساهم في تراجع مستوى التنسيق بين فصائل المعارضة، التي تقاتل أساسا وفق استراتيجيات متضاربة ترضي الجهات الممولة أكثر مما تلتزم استراتيجية محددة للمعارضة.
ويشدد العايد على أن «احتفاظ المعارضة بحمص كان من شأنه أن يحرم النظام من طريق إمداداته الواصل بين الساحل ودمشق، مما سيؤدي إلى إضعافه في العاصمة حيث عمقه السياسي، وإجباره إلى الانكفاء نحو عمقه الطائفي في الساحل»، لافتا إلى أن «تراجع النظام نحو الساحل سيعد هزيمة عسكرية له تمهد لإسقاطه».
وفي السياق ذاته، لا يقلل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس - الجنوب، خطار بودياب خلال تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» من أهمية حمص وعدها «عقدة طرق مهمة لوصل دمشق بالساحل، مما جعلها معركة مصيرية بالنسبة للنظام السوري»، موضحا أن «المعارضة ارتكبت خطأ كبيرا حين تلهت بحروب جانبية ولم تركز على استهداف النظام في مركزه الرئيس بالعاصمة عبر استثمار معارك حمص وما سواها».
وفي حين، يوضح بودياب أن «سقوط حمص يمثل انتكاسة للمعارضة»، يشير في الوقت نفسه إلى أن «الصراع في سوريا يخرج عن القواعد الكلاسيكية، فهو ليس حرب جيوش كما أنه ليس حرب عصابات، النزاع بين الأطراف في سوريا مزيج من الاثنين، مما يعني أن الحرب باتت طويلة الأمد ودخلت مرحلة الاستنزاف»، انطلاقا من ذلك فإن «سيطرة أي طرف على مدينة أو بلدة، ستقابلها سيطرة مضادة من الطرف الثاني في إطار حرب مواقع لا نهاية لها».
ويأخذ بودياب على المعارضة السورية «عدم وجود قيادة عسكرية موحدة تخطط لإدارة العمليات وتشرف على التنفيذ»، داعيا إياها إلى الدخول في مرحلة «المساءلة والنقد الذاتي»، لافتا إلى «تصريحات أدلى بها قائد جبهة حمص العقيد فاتح حسون، مبديا استعداده للمساءلة بعد سقوط حمص».
وكانت وكالة «الأناضول» التركية قد نقلت عن العقيد حسون أنه «مستعد مع الكوادر العاملة معه للمساءلة الشرعية والقضائية أمام أي لجنة تابعة للمعارضة»، وذلك لـ«تبيان الحقائق وتشجيعا لبدء مرحلة جديدة من العمل الثوري». وأشار حسون إلى أن «المساءلة من الممكن أن تتضمن الإمكانات القتالية التي تسلمتها جبهة حمص من سلاح وذخيرة وعتاد حربي، وكذلك الأمر بالنسبة للإمكانات المالية التي تسلمتها، وأيضا بالنسبة للإمكانات الطبية والإغاثية، وذلك من جانب الجهات الداعمة للمعارضة».
كما أبدى استعداده مع كوادره للمساءلة أيضا بـ«خصوص العمليات والمعارك القتالية المنفذة تحت إشراف الجبهة، وأيضا التواصل الداخلي والخارجي مع مختلف الجهات أو أي موضوع آخر متعلق». وكشف عن أنه «تقدم بطلب رسمي بهذا الخصوص إلى رئيس الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة أحمد طعمة»، لكن «لم يتلق ردا عليه حتى اليوم»، على حد قوله.
وعلى الأرجح، فإن الوقت الذي قد تقضيه المعارضة في تحديد المسؤوليات عن سقوط حمص سيستغله النظام في تثبيت سيطرته على المدينة التي تبدلت توازناتها الديموغرافية على المستوى الطائفي، فغدت الأقلية العلوية التي كانت تقطن في عدد من الأحياء، مثل النزهة والزهراء، الغالبية السكانية في المدينة بعد نزوح عدد كبير من السنة إثر القصف النظامي الذي استهدف مناطقهم. ويسهل هذا التغير الطائفي في حمص على النظام السوري تنفيذ خطته البديلة التي من المحتمل أن يلجأ إليها في حال شعر بالخطر، وتقضي بحسب تقارير صادرة عن مراكز أبحاث دولية بإنشاء دولة علوية تمتد من شمال دمشق إلى الساحل وتتخذ من حمص قاعدة أساسية لها.
في هذا الإطار، لا ينفي العايد أن «حمص باتت مجالا حيويا للعلويين بعد سيطرة النظام عليها»، مستبعدا في الوقت نفسه أن «يلجأ النظام إلى سيناريو الدويلة العلوية، لأن إيران أهم حلفائه لا تريد ذلك».
ويوضح أن «النظام الإيراني لا يريد للعلويين أن ينعزلوا عن محيطهم، على العكس هو يسعى إلى اندماجهم مع هذا المحيط بشكل وظائفي، بحيث يكونون أداة تأثير في الأحداث وذريعة لتوسيع النفوذ»، مضيفا: «كان يمكن لإيران أن تدفع حزب الله في لبنان إلى إقامة دويلة خاصة به، لكنها تفضل أن يبقى عنصرا فاعلا يملك حرية الحركة في البيئة السياسية اللبنانية لتحقيق مزيد من النفوذ لصالحها».
وسواء عمد النظام إلى استخدام حمص كقاعدة لدولته البديلة أم لم يعمد، فإن سيطرته على المدينة ستؤمن له موقعا عسكريا متقدما يحمي من خلاله حاضنته الاجتماعية ويتجه لخوض معاركه في مناطق أخرى.
ورغم خروج مقاتليها من آخر معاقلهم في حمص القديمة، فإن المعارضة السورية لا تزال تسيطر على نحو 85 في المائة من الريف الشمالي لمدينة حمص، حيث المسافة الفاصلة بين حماه وحمص. وتعد مناطق تلبيسة والرستن والغنطو ودير فول والدار الكبيرة وعز الدين والعامرية أهم مناطق الريف الشمالي الخاضعة لسيطرة المعارضة، مما يجعلها هدفا دائما لقصف القوات النظامية، بحسب ما أكد الناشط المعارض سليم قباني لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «هذه المناطق تستهدف بقذائف الطائرات النظامية بشكل دوري، مما يتسبب في أضرار فادحة في ممتلكات المدنيين»، كما لفت إلى «وقوع اشتباكات متقطعة بين كتائب المعارضة المتحصنة داخل هذه المناطق والقوات النظامية بين الحين والآخر على جبهات العامرية وتلبيسة والرستن».
وفي حين يرى مراقبون أن المعركة الثانية للقوات النظامية ستكون في الريف الشمالي لحمص لطرد مقاتلي المعارضة من مناطقه، يعرب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، عن اعتقاده أن النظام لا يسعى إلى هذه المعارضة بسبب نفاد المخزون البشري لديه، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن «النظام لا يملك العدد الكافي من الجنود لتغطية جميع الجبهات».
ويرجح عبد الرحمن أن «يعمد النظام إلى عقد المصالحة مع مقاتلي المعارضة في الريف الشمالي وربما اتفاق تسوية يشبه ذلك الذي أبرم لخروج العناصر المقاتلة من حمص القديمة»، مشيرا إلى أن عدد مقاتلي المعارضة المتمركزين في الريف الشمالي الحمص كبير جدا. وأوضح أن «عدد الذين وصلوا إلى هناك بعد اتفاق حمص كان 1800، مما يعني أن عدد الذين يتحصنون هناك يمكن إحصاؤه بالآلاف».
وتتنوع انتماءات مقاتلي المعارضة الموجودين في ريف حمص الشمالي، بحسب ما يؤكد عبد الرحمن، بين «الجيش الحر» و«الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، وجبهة «ثوار سوريا»، إضافة إلى عناصر من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
ومن الممكن أن يؤدي هذا التنوع العقائدي بين فصائل المعارضة في الريف الشمالي إلى اندلاع صراعات بينها أسوة ببقية المناطق، إذ حذرت بعض التقارير من «إمكانية وقوع نزاعات بين مقاتلي حمص الذين خرجوا من أحياء المدينة القديمة بموجب الهدنة الأخيرة، والمجموعات العسكرية التابعة للمعارضة في الريف الشمالي». كما أشارت التقارير إلى وجود «حساسيات لا يمكن إخفاؤها، خصوصا في ظل اتهام مقاتلي حمص نظراءهم في الريف الشمالي بالتخاذل عن نصرتهم، وعدم القيام بأي عمل من أجل فك الحصار الذي فرضه النظام على الأحياء الحمصية التي كان مقاتلو المعارضة يتحصنون فيها طوال السنتين الماضيتين». ورغم أن مقاتلي الريف الشمالي استقبلوا ضيوفهم القادمين من حمص المحاصرة بحفاوة كبيرة، لكن هناك مخاوف جدية من انقلاب الموقف، خصوصا أن عدد الخارجين من حمص تجاوز الألف مقاتل، بموجب الخطة التي قام النظام بفرضها على مقاتلي المعارضة في المنطقة، مما يعني أن انقساما ما سيبرز في الريف الشمالي بين الذين كانوا يتمركزون في القرى وهؤلاء الذين خرجوا ضمن اتفاق حمص، فضلا عن الصراعات العقائدية بين الفصائل المقاتلة، التي من الممكن أن تتحول إلى صراعات مفتوحة في أي لحظة.
وكان لافتا أن المجلس العسكري التابع للجيش السوري الحر ببلدة «الدار الكبيرة» في الريف الشمالي أصدر قرارا عشية تنفيذ اتفاق الهدنة منع فيه «دخول أي شخص إلى البلدة لحين انتهاء وصول المجاهدين من حمص المحاصرة، وذلك حرصا على تأمينهم وراحتهم»، في خطوة تهدف إلى تجنب الاحتكاك بين المقاتلين الموجودين في المنطقة والقادمين إليها من أحياء حمص القديمة.
النكتة سلاح الحمصيين ضد الموت
* احتلت مدينة حمص مكانة رمزية قبل اندلاع أزمة سوريا وبعدها، فـ«عاصمة الثورة»، وفق ما يحلو لناشطين ومعارضين تسميتها، باعتبار أنها احتضنت احتجاجات شعبية مبكرة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لطالما عرفها العالم على أنها «عاصمة النكتة». ولم يتردد أهلها في المطالبة قبل سنوات بإطلاق لقب «العاصمة العالمية للضحك» على مدينتهم، ثالث أكبر مدينة في سوريا وأغناها حضارة وتاريخا وتراثا.
وإذا كان المصريون، على سبيل المثال، يروون الدعابات والطرائف عن أهالي الصعيد، والفرنسيون عن البلجيكيين، والبرازيليون عن البرتغاليين، فلأهالي حمص النصيب الأكبر من النكت والدعابات المتداولة من قبل السوريين واللبنانيين وحتى الأردنيين.
ومع انطلاق الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الأسد، حافظ الحمصيون على حس الطرافة. وبادر عدد منهم إلى تصوير طرائف ابتكروها ردا على اتهامات النظام باحتضان المدينة، قبل «عسكرة الثورة» مجموعات مسلحة، تظهرهم وهم يستخدمون الخضار والفواكه والمفرقعات النارية ردا على القصف النظامي. كما عمدوا إلى تصوير أفلام ساخرة وتقديم نماذج لأسلحة مصنوعة من رشاشات المياه والقساطل.
وبعد دخول الجيش النظامي إلى المدينة، أنشأ الحماصنة مجموعات طريفة على مواقع التواصل الاجتماعي، حملت إحداها تسمية «مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات». حتى إن انسحاب مقاتلي المعارضة، الأسبوع الماضي من حمص القديمة، لم يمر مرور الكرام، إذ كتب لاعب كرة القدم الحمصي المعروف عبد الباسط الساروط على صفحته الشخصية باللغة المحكية على موقع «فيسبوك»: «أبو عبدو زلمة نظامي أول ما طلع عالباص عطاه للشوفير عشرة ليرات وطلب منو كرت باص. صار يضحك الشوفير وقلو لأبو عبدو صار الكرت بخمسين ليرة. أبو عبدو اندهش وقال: يا إلهي كم لبثنا!».
ولأهل حمص تاريخ طويل في ميدان الفكاهة والمزاح، وثمة مؤلفات عدة ترصد نشأة «أدب النكتة» في المدينة. وتتناقل مراجع وتقارير عدة رواية مفادها أن القائد المغولي تيمورلنك بعد تنفيذ قواته هجوما على مدينة حلب أدى إلى تدميرها بالكامل، توارد الخبر إلى مسامع أهالي حمص، الذين علموا أن دورهم آت، فقرروا التظاهر بالجنون ولجأوا إلى قرع الطبول وارتداء ملابس غريبة وراحوا يفتعلون حركات غريبة ويقهقهون بطريقة هستيرية، مرددين أن كل من يشرب من مياه نهر العاصي تصيبه لوثة الجنون.
وتضيف الرواية أن قائد المغول لما رأى حالهم، ظن أن المدينة ممسوسة وطالب قواته بإكمال طريقها والزحف مباشرة على دمشق، لتبقى المدينة بفضل خفة دم أهلها وذكائهم، بمأمن عن بطش المغول.
عبد الباسط الساروت: من حراسة المرمى إلى حماية حمص
* لم يكن حارس مرمى منتخب سوريا لكرة القدم عبد الباسط الساروط يعتقد يوما أن الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ستصل إلى عمق مدينته حمص منتصف عام 2011 وتحوله إلى رمز من رموز حراك الشعب السوري.
بين ليلة وضحاها، انتقل الساروط من ملعب كرة القدم إلى واجهة المظاهرات الشعبية التي انطلقت باكرا في حمص، حيث قاد بعضها وصدحت حنجرته بشعارات وأناشيد مناهضة للنظام، باتت جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للمدينة، التي تعد وفق ناشطين «عاصمة الثورة»، ولم يتردد ناشطون كثيرون في تلقيبه بـ«بلبل الثورة».
ولم تكن مشاركة حارس كرة القدم، المتحدر من عشيرة «الحديدين» والمولود عام 1992، مشاركة عابرة أم رمزية، إذ تمكن بفضل شعبيته و«الكاريزما» التي يتمتع بها، من أن يصبح من أبرز محركي الشارع الحمصي والأكثر تأثيرا فيه. وكان لظهوره مع الممثلة العلوية فدوى سليمان، إثر محاولة النظام افتعال أحداث ذات طابع طائفي في المدينة، دورا أساسيا في التخفيف من حدة الاحتقان والتشنج.
ومع «عسكرة» الحراك الشعبي الذي لاقاه النظام السوري بالقتل والقمع، لم يعد النشاط السلمي مثمرا، مما دفع الساروط للانخراط في العمل العسكري الميداني، من خلال تأسيس كتيبة تضم عشرات المقاتلين وعرفت باسم «كتيبة البياضة»، لكن عددا كبيرا من عناصرها قضى مطلع العام الحالي بعد محاولتهم كسر الحصار وإدخال المساعدات الغذائية إلى المحاصرين في حمص، من خلال نفق حفروه، وتمكن النظام من كشف مخططهم والإيقاع بهم لدى محاولتهم التسلل إلى حمص القديمة، ولم ينج إلا عدد قليل منهم، بينهم الساروط.
وكتب الساروط، ليلة مقتل عناصر الكتيبة، على صفحته الشخصية على «فيسبوك»: «عرس جماعي لـ62 بطلا نالوا الشهادة في ظروف لا تصدق، كانوا يحملون على أعناقهم هم 3000 نسمة في حمص المحاصرة، وكانوا آخر أمل لفك هذا الحصار اللعين، رحمكم الله يا أبطال، عذرا يا رجولتي لا أستطيع منع نفسي عن البكاء».
وعمد النظام السوري، في مواجهة نفوذ الساروط المتصاعد، إلى تشويه سمعته حينا وترغيبه حينا آخر. فخصص جائزة مالية لمن يعتقله مرة، ومرة أخرى اتهمه بالسعي لإقامة «إمارة سلفية» في حمص. ويروي الساروط في فيلم وثائقي أعده المخرج طلال ديركي بعنوان «العودة إلى حمص»، أن النظام حاول استمالته من خلال وسطاء تعهدوا بتسوية وضعه مقابل أن يتخلى عن موقفه الداعم للمعارضة ويعود مجددا إلى صفوف المنتخب السوري. وقابل هذه المساعي بالرفض المطلق، متمسكا بمواقفه وبحراكه الميداني.
وبقي الساروط في حمص القديمة طيلة الفترة الماضية ولم يتركها إلا بعد اتفاق حمص، التي غادرها ومقاتلو المعارضة منتصف الأسبوع الماضي من المدينة، في إطار تسوية مع النظام السوري أشرفت الأمم المتحدة على تطبيقها.
وكتب الساروط على صفحته على «فيسبوك»: «حمص تمرض لكن لا تموت، العالم تآمر علينا لخروجنا من حمص المحاصرة، ولكن لن يستطيع العالم أن يحاربنا لدخولها لأن مقومات الحياة عادت ومخزون جسدنا الاحتياطي سيعود وسنعود بقوة بإذن الله ونستفيد من أخطائنا بإذن الله وسنترك المسميات والغايات والتسييس للذين أرادوه».



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.