خبراء: اليوان مرشح ليشارك في تشكيل احتياطي البنوك المركزية الكبرى من العملات الصعبة

وزير الخزانة الأميركي يحث بكين على تسريع إصلاحات السوق المتعلقة بالنقد

أوراق نقدية من فئة 100 يوان إلى جانب ورقة من 100 دولار أميركي («الشرق الأوسط»)
أوراق نقدية من فئة 100 يوان إلى جانب ورقة من 100 دولار أميركي («الشرق الأوسط»)
TT

خبراء: اليوان مرشح ليشارك في تشكيل احتياطي البنوك المركزية الكبرى من العملات الصعبة

أوراق نقدية من فئة 100 يوان إلى جانب ورقة من 100 دولار أميركي («الشرق الأوسط»)
أوراق نقدية من فئة 100 يوان إلى جانب ورقة من 100 دولار أميركي («الشرق الأوسط»)

قال خبراء إن العملة الصينية التي يتسع استخدامها وراء الحدود الوطنية، قد تدخل لاحقا في سلة العملات الأجنبية التي تشكل احتياطي البنوك المركزية الكبرى، لكن سيتعين على بكين تكثيف إصلاحاتها المالية لتحقيق ذلك.
وتخضع عمليات تحويل اليوان الصيني لرقابة مشددة من السلطات الشيوعية الحريصة على تفادي تدفق رؤوس الأموال عشوائيا، كما لا تسمح بتقلب سعر صرف العملة الوطنية إلا ضمن هامش محدود.
لكن بكين لا تخفي نيتها في أن يكون لعملتها يوما دور متزايد عالميا على وقع الإصلاحات الطموحة لتحرير المعاملات المالية في البلاد.
وهذه الإصلاحات التي ليس لديها أي جدول زمني محدد لإنجازها، يتأخر تطبيقها مما يثير استياء واشنطن. وكان «التقدم على أجندة الإصلاحات في الصين» مدرجا على جدول أعمال مباحثات في بكين بين وزير الخزانة الأميركي جاكوب ليو ورئيس الوزراء الصيني لي كيكيانغ.
وقال ليو: «من المهم أن تؤكد الصين بوضوح التزامها باعتماد معدلات صرف تحددها الأسواق ونظام تحويل أكثر شفافية».
وقد حث وزير الخزانة الأميركي قادة الصين على تسريع إصلاحات السوق المتعلقة بعملة الرنمينبي منخفضة القيمة.
وقال لو قبيل محادثات مع رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانغ: «من المهم أن تثبت الصين التزاما متجددا بالتحرك نحو سعر صرف يحدد تبعا لآليات السوق بشكل أكبر وسياسة أكثر شفافية بشأن سعر الصرف». وأضاف أنه من الضروري أيضا بالنسبة للصين، أن «تفي بتعهداتها الثنائية وتعهداتها مع مجموعة العشرين، وهو ما يساعد على توفير وضع يحظى فيه الجميع بنفس المزايا ويشجع على تجارة عالمية أكثر توازنا»، في إشارة إلى مجموعة العشرين التي تضم أكبر الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
وقال: «ينبغي علينا مواصلة جهودنا لإزالة الحواجز أمام التجارة الثنائية والاستثمار اللذين يحفظان علاقتنا الاقتصادية عبر تحقيق كل ما هو ممكن من أجل الشعب في بلدينا». وقبل إجراء محادثات منفصلة مع نائب رئيس الوزراء الصيني وانغ يانغ، حث لو الحزب الشيوعي الحاكم في الصين على تطوير الاقتصاد في الدولة «بشكل عادل ومتوازن ومتسق مع قوانين التجارة الدولية».
ووعدت الصين بتحرير تدريجي وحذر لسعر الصرف، ورفضت الاتهامات المتكررة لها بأنها أبقت عملتها منخفضة القيمة بشكل مصطنع لكي تعزز الصادرات. وتركزت جهود بكين خصوصا على هونغ كونغ لتجعل منها «مركز أوف شور» للمبادلات باليوان.
وفي نيسان (أبريل) أعلن عن اتفاق يسمح للمستثمرين من الصين القارية باستخدام اليوان للاستثمار في بورصة هونغ كونغ. والمنطقة الحرة التي جرى تدشينها العام الماضي في شنغهاي ستشكل «مختبرا» لحرية تحويل اليوان كما قالت السلطات.
وقال أسوار براساد، الأستاذ في جامعة كورنل في الولايات المتحدة: «من الواضح أن العملة الوطنية مزدهرة. والمسيرة واضحة جدا فيما يتعلق بتدويلها».
وذكر براساد الذي تولى في الماضي رئاسة دائرة الصين في صندوق النقد الدولي: «إذا استمرت الصين في تطبيق الإصلاحات المالية والاقتصادية سيصبح اليوان عملة احتياط دائمة ومهمة» في باقي العالم. وأضاف أن بعض البنوك المركزية منها البنك المركزي في نيجيريا وتشيلي وكوريا الجنوبية واليابان لديها عملة صينية في خزائنها مما يدل على أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية لهذه الدول مع العملاق الآسيوي. وبسبب مراقبة بكين لعملتها فإن اليوان أكثر استقرارا من معظم العملات الأجنبية العالمية. فقد تحسن سعر صرف اليوان بشكل ملحوظ في 2013 أمام الدولار قبل أن يتراجع في الأشهر الأخيرة.
ويؤكد المحللون أن ذلك يعود لمحاولة البنك المركزي التصدي لعمل صناديق المضاربة والمراهنة على تحسين سعر اليوان.
ولا يمكن لسعر الصرف أن يتغير كل يوم إلا بمعدل اثنين في المائة ارتفاعا أو انخفاضا عن السعر الذي يحدده يوميا البنك المركزي. وقال جيانغ شو المحلل لدى إنداستريال بنك الصيني، إنه «معدل متوسط يعكس الاتجاه الذي تريده الحكومة ونياتها».
وقال براساد إنه بالتالي لا يمكن للصين أن تتنافس مع استقلالية وشفافية المؤسسات الأميركية، ويمكن لليوان أن يصبح أداة «تنويع» لاحتياطي العملات، لكن من المستبعد أن يصبح «عملة احتياطي».
وكان تراجع قيمة اليوان منذ بداية العام موضع استياء من قبل بعض الشركاء التجاريين الرئيسين للصين الذين اعتبروا أن العملة كانت قبل هذا التراجع مسعرة أقل من قيمتها الحقيقية ما كان يعود بالفائدة على الصادرات الصينية.
وفي نيسان (أبريل) قالت الخزانة الأميركية: «حتى وإن كانت هناك نية واضحة (من قبل الحكومة) في زيادة تقلبات اليوان في الاتجاهين إلا أن التطورات الأخيرة تثير قلقا جديا».
أما بكين فترى أن هذه التقلبات «أمر طبيعي». وقال غوان تاو، المسؤول في الإدارة المكلف سوق العملات «في تاريخ المال لم نر أبدا عملة تتحسن بانتظام دون أن تتراجع قيمتها إطلاقا». وقال براساد، إن «اليوان يجذب. الاقتصاد الصيني قد يلحق بركب الولايات المتحدة خلال 10 إلى 15 سنة، لذلك توقعوا استثمارات طويلة الأمد باليوان». من جهة أخرى، تعتزم الحكومة الصينية تخصيص 86 مليار يوان (عشرة مليارات يورو) لاستثمارها في إنشاء مطار جديد بالعاصمة بكين، وذلك وفقا لما ذكرته الصحيفة الرسمية للحزب الحاكم أمس (الثلاثاء).
ونقلت صحيفة «رينمين ريابو» من تقرير لوزارة البيئة الصينية، أن من المنتظر أن يبلغ عدد المسافرين عبر المطار الجديد 72 مليون راكب سنويا كما ينتظر أن يصل حجم البضائع المشحونة عبره إلى مليوني طن سنويا.
يذكر أن النقاش حول إنشاء مطار جديد في العاصمة الصينية مطروح منذ أكثر من تسع سنوات.
وكان مطار العاصمة الحالي والواقع شمال شرقي بكين شهد الكثير من أعمال التوسعة منذ إنشائه في عام 1958 وتبلغ طاقته الاستيعابية حاليا 80 مليون راكب.
وتجاوز عدد المسافرين عبر هذا المطار في العام الماضي هذه الطاقة الاستيعابية، إذ وصل إلى 83 مليون راكب، الأمر الذي أدى إلى حدوث تأخيرات في مواعيد الرحلات. ومن المنتظر أن يقع المطار الجديد على مسافة 46 كيلومترا جنوب بكين وعلى حدود مقاطعة هيباي.
وتتوقع الحكومة الصينية إمكانية ارتفاع المسافرين جوا عبر بكين في العام المقبل إلى 113 مليون راكب، كما تتوقع ارتفاع هذا العدد إلى 142 مليون راكب في عام 2020.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن من المنتظر أن يجري افتتاح المطار الجديد في عام 2018.
من جانب آخر، أعلن مكتب الإحصاء الوطني في الصين أمس (الثلاثاء) ارتفاع حجم تجارة التجزئة في البلاد في شهر نيسان (أبريل) الماضي بنسبة 9.‏11 في المائة إلى 97.‏1 تريليون يوان (97.‏322 مليار دولار).
كان معدل نمو تجارة التجزئة في الصين خلال الربع الأول من العام الحالي حتى 31 مارس الماضي 12 في المائة. يذكر أن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين يسعى إلى إصلاح هيكل نمو الاقتصاد الصيني بهدف زيادة الاعتماد على الإنفاق الاستهلاكي المحلي كمحرك للنمو، وليس على الصادرات أو مشروعات البنية الأساسية.
كان مكتب الإحصاء دعا الحزب في وقت سابق إلى ضرورة «إيجاد قوة دفع للاقتصاد بتعميق الإصلاح وتعديل الهيكل الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة الشعب». وقفز الإنفاق الاستهلاكي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام الحالي إلى 9.‏64 في المائة مقارنة بـ8.‏63 في المائة في الربع الأول من عام 2013. يذكر أن الحزب يستهدف تحقيق معدل نمو قدره 5.‏7 في المائة العام الحالي في الوقت الذي يحاول فيه تقليل اعتماد النمو الاقتصادي على الصادرات والاستثمار في مشروعات البنية التحتية.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.