مؤسسة الفيلم العربي تنتقل إلى الفعل وتحضّر لأولى دوراتها

ماذا لو أن السينما العربية بات لديها جائزة سنوية على غرار «البافتا» البريطانية والأوسكار الأميركي والاتحاد الأوروبي؟
ماذا لو تم منح السينمائيين الفرصة لتكوين مؤسسة خالصة ومهنية ورسمية لهم بحيث ينضمون تحت لوائها ويقومون في نهاية كل عام بمنح جوائزهم في كل فروع العمل السينمائي؟
أكاديمية عربية للسينما؟ لمَ لا؟ أليس هذا هو المطلب الذي كان ينشد التبلور والتحقق من قبل سنوات كثيرة؟ ألا تستحق السينما العربية أن تجتمع تحت مظلة أكاديمية سينمائية خاصة بها تعمل على حفظها ودفعها وانتشارها عبر إنشاء جائزة سنوية ممنوحة من قٍبل العاملين فيها؟
تفكير جاد
في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وخلال دورة مهرجان دبي السينمائي الأخيرة تم الإعلان عن هذا التأسيس. مجموعة من السينمائيين العرب في مؤتمر صحافي شمل فريق التأسيس ومن بينهم المنتج اللبناني، وأحد المؤسسين بول بابودجيان، والمنتج المصري محمد حفظي، ورئيس الهيئة الملكية الأردنية للأفلام جورج ديفيد، والمنتجة التونسية درة بوشوشة، حيث تم الإعلان عن تشكيل هذه المؤسسة ودعوة السينمائيين للانضمام إليها. مما قاله بول بابودجيان حينها: «هذه المؤسسة لا تستطيع أن تقوم بواجبها حيال السينما العربية من دون انضمام العاملين في كل المجالات إليها». وأضاف جورج ديفيد: «نرى أن دور المؤسسة هو أهم مرحلة تطوير شامل يمكن للسينما العربية أن تحققه وفي هذا الوقت تحديداً».
الجمهور المتابع الذي امتلأت به القاعة كان يشهد شيئاً يبدو من الخارج كما لو أنه تكرار لمشاهد مشابهة سابقة إعلان قيام مؤسسات ثقافية (وأحياناً سياسية)، تحت عناوين مهمّة تبشر بمرحلة جديدة أو بسلسلة إجراءات من شأنها تحقيق ما هو غائب من إنجازات. مجموعة صادقة تلتقي. تتحدث ثم تفترق ويكون ذلك آخر ما يُسمع منها.
لكن الوضع هذه المرّة كان مختلفاً جداً هذه المرة. الدعوة بذاتها لا تشبه دعوات تنظيم حلقة لنقاد السينما حيث يتبارى الأعضاء كل يريد شد الحبل لناحيته، ولا لمهرجان جديد محاط بكل الآمال المنوطة من دون خبرات ولا تلك اللقاءات التي تتكل على كلمات مثل: «العمل على…» و«التأكيد على ضرورة...».
هذه المرّة كانت الفكرة أكبر من أن تهزمها الوعود والقائمون بها من داخل الجسم السينمائي في شتى الدول العربية، ومن بين أكثرهم نجاحاً ومصداقية.
وباشرت المؤسسة اتصالاتها من مطلع العام الحالي. كثفت جهودها لإقناع السينمائيين، بالانضمام. بعضهم اعتاد التحفظ على مثل هذه الدعوات من باب «لننتظر ونرَ»، أو تبعاً لاعتقاد راسخ بأنه لا شيء مفيد يمكن انتظاره من مؤسسات عربية ما، لكن البعض الغالب اقتنع بالفكرة وتحمّس لها بسبب وضوحها ومنطقيتها والرغبة في تحقيقها.
بعد ستة أشهر تم للمؤسسة الدعوة للقاء كبير آخر في مهرجان «كان» السينمائي حضره مخرجون ومنتجون ونقاد بعضهم اعتلى المنصة للحديث، والبعض استوى على مقاعد المشاهدين يسأل أو يناقش. اللقاء كان استكمالاً للقاء الأول إنما مع بعض النتائج التي تم تحقيقها منذ ذلك الحين.
ففي غضون تلك الأشهر أصبح للمؤسسة كيان فعلي وجسم من الملتحقين والأعضاء وبضع خطوات عايشها فريق إدارتها الحالي بثبات ورغبة واعية في إتمام العمل.
تغييب
اليوم ينتقل كل شيء من محيط البحث والاستعداد إلى نطاق الفعل. فقد أعلن مجلس إدارة مؤسسة «الفيلم العربي» عن بدء استقبال طلبات المشاركة في الدورة الأولى من جوائز الفيلم العربي لعام 2018.
جوائز الدورة الأولى، كما جوائز الدورات اللاحقة، ستُمنَح في 18 فئة هي:
أفضل فيلم روائي
أفضل فيلم غير روائي
أفضل مخرج روائي
أفضل مخرج غير روائي
فيلم قصير
فيلم طلابي
ممثل
ممثلة
كاتب سيناريو
مدير تصوير
مونتير
مصمم ديكور
مصمم أزياء
مصفف شعر
ماكياج
ملحن موسيقي
مصمم صوت
ثم جائزة تكريمية لأحد السينمائيين العرب عن مجمل أعماله.
على ذلك التوزيع المهم للجوائز تبعاً للحقول المذكورة، هناك غياب مؤسف للممثلين والممثلات المساندين. غياب غير موجود في جل الجوائز السنوية الفرنسية أو البريطانية أو الأميركية. وغير مبرر هنا لأن الممثلين المساندين أكثر من مجرد عنصر لا اختلاف في أهميته فبعضهم يقضي حياته في الأدوار الصغيرة والمساندة ويستحق دعماً نوعياً كهذا.
في المقابل، مفهوم سبب غياب جوائز مثل أفضل أنيميشن أو أفضل فيلم أجنبي. الأول ليس بالوفرة ما سيجعل الجائزة محجوبة أو ممنوحة لفيلم واحد مشترك، والثاني لأن الأفلام الأجنبية من الكثرة والوفرة بحيث لا معنى لمنحها مثل هذه الجائزة.
أسئلة مجازة
الأفلام التي يحق لها دخول سباق هذا «الأوسكار» العربي عليها أن تكون قد شهدت عروضها ما بين الأول من أغسطس (آب) العام الماضي و31 من الشهر نفسه من العام الحالي.
وهذا ليس الشرط الوحيد، إذ إنه يُشتَرَط أن يكون المنتجون والموزعون والمؤسسات العربية المنتجة أعضاء في «مؤسسة الفيلم العربي» لأجل تقديم أفلامهم للمشاركة. وأيضاً أن يكون المخرج إما عربياً أو من أصل عربي.
والدول العربية المؤهلة تبلغ 22 دولة من بينها 16 دولة تنتج سنوياً أفلاماً، من بينها السعودية ومصر والعراق والأردن ولبنان وسوريا وتونس والمغرب والجزائر.
البارز هنا، ومن دون معرفة الموعد المحدد لإعلان الجائزة ومكانه، هو أن إقفال الاشتراك يأتي باكراً بعض الشيء بالمقارنة مع الجوائز المشابهة للمؤسسات الدولية. جائزة «غولدن غلوبس» تقبل الأفلام حتى مطلع شهر ديسمبر، الأوسكار حتى نهاية الشهر نفسه، «البافتا» كذلك.
ثم بما أن المناسبة سوف تقام، على الأرجح، في الشهر الأول أو الثاني من كل سنة، فلِمَ الإقفال المبكر للترشيحات؟ لمَ لا يتم استيعاب الأفلام حتى مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) على الأقل؟
هذا يوحي بأن إقامة حفل توزيع الجوائز سيكون باكراً ربما قبل الشهر الثاني عشر من العام. لكن الواقع أنه لن يكون كذلك، بل يبدو أنه سيتم في الشهر الأول أو الثاني من العام التالي. هذا ما يجعل مسألة إلحاق أفلام عُرِضَت في النصف الثاني من العام الأسبق (2016) مسألة تستحق النظر، وإن كانت بادرة تفيد السينمائيين الذين لم يتسنَّ لهم تقديم عمل خلال العام الحالي.
ولذلك ينبع السؤال عن جوائز عام 2019. هل ستكون، بطبيعة الحال، حكراً على أفلام 2018 أو أنها ستضم أيضاً أفلاماً من منتصف 2017؟
مهما يكن، فإن الخطوات انتقلت من التفكير إلى التدبير ومن المساعي الأولى إلى سلسلة الإنجازات. والمؤسسة جادة وقادرة على أن تحقق ما تأخرت السينما العربية عن اللحاق به منذ أن بدأت تنتج أفلاماً في الثلاثينات من القرن الماضي.
الإفادات المنتَظَرَة تبدو لا نهائية، وجمعيها ينضوي تحت إنجاز كيان إداري جامع ينظم العمل ويشجع على الإنتاج بمبادرات ومكافآت ويؤسس لمرجعية واحدة لهذه السينما العربية المتفرقة دوماً، ثم منح أفضل ما تنتجه من أعمال وتقدمه من خبرات جوائز تكون الأكثر مصداقية من سواها.