مقهى «زبدية»... ملاذ عشاق الأصالة في القاهرة

تأسس عام 1927 وجدرانه تزدان بلوحات وصور عن مصر في زمن المماليك

TT

مقهى «زبدية»... ملاذ عشاق الأصالة في القاهرة

منذ 90 عاما يقبع مقهى «زبدية» في شارع الأزهر، يستقبل زوار حي الجمالية التاريخي وجامع الحسين. يعتبر المقهى بطرازه التراثي المميز وشعار الملكية المصرية الذي يزين واجهته، أحد معالم منطقة الحسين التي تستأثر بروح القاهرة القديمة، كما وصفها المستشرقون الأجانب.
يعد المقهى ملاذا لعشاق التاريخ والأصالة وأجواء القاهرة الروحانية، ويجتذب الزوار أيضا إلى جانب عدد من البازارات والمحال والمقاهي الشعبية المنتشرة في أرجاء الحي.
بمجرد دخولك للمقهى سيتجلى أمامك تاريخ القاهرة في عصور الفاطميين والأيوبيين والمماليك، وستشعر بأنك تجلس بين الوكالات والأسواق الشعبية والخانقاوات والتكايا، وكأنك عدت لزمن السلاطين.
يروي الشاب محمد زبدية صاحب المقهى لـ«الشرق الأوسط» تاريخ تأسيسه قائلا: «يعود تاريخ المقهى إلى عام 1927، حين أسسه جد والدي في نفس موقعه الحالي، وتوارثناه عنه وحاولنا قدر استطاعتنا الحفاظ على شكله مع كل تجديد له. فمنذ تأسيسه وهو يحمل شعار المملكة المصرية، وكان المقهى مفضلا لحاشية الملك فاروق. كانت المشروبات الأساسية به الشاي والقهوة وعصائر الفاكهة الطازجة، وبمرور الزمن تغير مزاج الزبائن وتطورت المشروبات، فأدخلنا عليها مشروبات عصرية كالمياه الغازية وأنواع أخرى من «الكوكتيل»، فضلا عن أنواع ونكهات «الشيشة» التي يفضلها العرب والأجانب على السواء».
حافظ محمد زبدية على تراث المقهى ومقتنياته من الصور الفوتوغرافية القديمة، ففي كلّ ركن ستجد لوحة زيتية أو صورة بالأبيض والأسود تجسد مشاهد من الحياة اليومية في القاهرة في القرن السابع عشر أو الثامن عشر. لوحات تجسد السقائين يحملون قِربا تملؤها المياه، أو تصور المسحراتي وهو يطوف في حارات القاهرة بطبلة صغيرة وحوله الأطفال يرتدون العمائم والقفاطين، وصور تجسد المقاهي القديمة حيث كان الزبائن يجلسون على الحصير يدخنون النارجيلات ويحتسون الشاي في أكواب صغيرة. أيضا صور للحوانيت والخانات القديمة وغيرها التي تعكس مظاهر الحياة في قرون مضت.
وقد كتب المستشرق الإنجليزي إدوارد لين، واصفا المقاهي في العصر العثماني: «إن القاهرة بها أكثر من ألف مقهى. والمقهى غرفة صغيرة ذات واجهة خشبية على شكل عقود، وتقوم على طول الواجهة، ما عدا المدخل، مصطبة من الحجر أو تفرش بالحصر، ويبلغ ارتفاعها قدمين أو ثلاث، وعرضها كذلك تقريبا، وفي داخل المقهى مقاعد خشبية على جانبين أو ثلاثة».
وعن أهم المشاهير أو زوار المقهى، يشير: «يتردد على المقهى عدد كبير من الكتاب والصحافيين، وعدد من الفنانين ورجال الأعمال والسفراء العرب». يجوب زبدية أرجاء المقهى بخفة ورشاقة مستجيبا لطلبات رواد المقهى من دون تأخير، فهو يعمل عقب ساعة الإفطار في شهر رمضان وحتى وقت الإمساك عن الطعام قبل أذان الفجر، ويقول: «في شهر رمضان يكون ضغط العمل في تلك الفترة، كثير من زوار القاهرة لا يشعرون بأجواء رمضان الروحانية إلا في حي الحسين والجمالية».
يحرص محمد زبدية على أن يقدم الشاي كما اعتاد جده تقديمه منذ بدايات القرن العشرين لزبائنه، فهو يقدمه في إبريق مزركش وأكواب صغيرة، حتى يرتشفه الزبون على مهل ومن دون عجلة ويظل ساخنا. ويقول: «يعشق المصريون الشاي بأنواعه وطرق تقديمه المختلفة، فهناك (الكشري)، حيث يوضع الشاي على السكر ثم يصب الماء المغلي فوقهما. أو الشاي (البنور) وهو الشاي العادي الذي يُعدّ أثناء غلي الماء في الإبريق. أما الشاي (الميزة) فيعني كوب الشاي باللبن، ويتميز بكثرة اللبن فيه، أما (البربري) فهو اسم الشاي باللبن، ولكن كمية اللبن تكون قليلة، أما الشاي (البوستة) فهو الشاي الذي يقدم من دون سكر».
يفخر زبدية بأنّ المقهى محطة أساسية للسائحين وكبار زوار القاهرة وعشاقها، حيث ستجد أمام المقهى سيارات سياحية وأخرى دبلوماسية فاخرة، ويقول: «المقهى مدرج في دليل القاهرة السياحي، وهو مزار أساسي للسياح القادمين من أوروبا وأميركا الذين يعشقون أجواء القاهرة التراثية كما قرأوا عنها في كتب التاريخ»، ويشير إلى أنّهم «عادة ما يفضلون تناول المشروبات المصرية المميزة، وأهمها الشاي بالنعناع الأخضر، والجنزبيل، والسحلب بنكهاته المتنوعة بالكريمة والفواكه، أو بالشوكولاته وغيرها».
يكتظ حي الحسين بكثير من المقاهي التي يحتفظ كل منها بروح ومذاق خاص، وربما لم يحظ مقهى «زبدية» بشهرة واسعة كالتي حصل عليها مقهى الفيشاوي الذي يجذب مشاهير العالم، وكتب عنه في الروايات وكتبت عنه مقالات في الصحف المصرية والعالمية؛ إلا أنّه ينفرد بمذاق خاص بين مقاهي القاهرة تحديدا ومصر عامة. يقع المقهى في موقع متميز حيث يمكن الترجل منه إلى مزارات أخرى، منها: خان الخليلي، وجامع الحسين، وشارع المعز، وقبة ووكالة الغوري، والجامع الأزهر، والبيوت الأثرية، مثل: بيت الهراوي، وبيت الست وسيلة، وبيت السحيمي، ومتحف جاير أندرسون، أو بيت الكريتلية، وغيرها من المزارات التي يعبق كل حجر فيها برائحة التاريخ. كما أنّه يعكس صورة المقهى الحديثة، فهو لم يعد ملاذا للعاطلين من دون عمل أو أصحاب المعاشات من كبار السن، بل أصبح مكانا للشباب والفتيات للترويح عن النفس ولقاء الأصدقاء.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.