اتهام بريطاني لـ«باركليز» بقضية «تسهيلات قطرية مالية»

بنك باركليز (رويترز)
بنك باركليز (رويترز)
TT

اتهام بريطاني لـ«باركليز» بقضية «تسهيلات قطرية مالية»

بنك باركليز (رويترز)
بنك باركليز (رويترز)

وجّه مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا اليوم (الثلاثاء) اتهامات جنائية لبنك «باركليز» وأربعة من كبار مسؤوليه التنفيذيين السابقين بسبب مدفوعات لمستثمرين قطريين خلال عملية لجمع تمويل طارئ بقيمة 12 مليار جنيه إسترليني (15 مليار دولار) في العام 2008، لم يتم الإفصاح عنها.
واتهم المكتب البنك بالتآمر لارتكاب جرائم احتيال، والتورط في مساعدات مالية غير قانونية ليصبح أول بنك يواجه اتهامات جنائية بسبب إجراءات نفذها إبان الأزمة المالية العالمية، كما اتهم المسؤولين التنفيذيين السابقين جون فارلي وروجر جينكينز وتوماس كالاريس وريتشارد بوث بعد أن أجرى تحقيقات في عملية جمع تمويل ثنائية شملت قرضا بقيمة ثلاثة مليارات دولار من البنك للبلد الخليجي الثري.
ويواجه الرئيس التنفيذي السابق فارلي، ومسؤول الضرائب السابق جينكينز، والرئيس التنفيذي السابق لوحدة إدارة الثروة كالاريس، والرئيس السابق للمؤسسات المالية في أوروبا بوث، اتهامات بالتآمر لارتكاب عمليات احتيال عن طريق تمثيل زائف خلال عملية لزيادة رأس المال في العام 2008.
وانصب اهتمام المكتب على الاتفاقات التجارية بين «باركليز» ومستثمرين قطريين خلال عمليتي زيادة رأس المال في يونيو (حزيران) وأكتوبر (تشرين الأول) من العام 2008 في ذروة الأزمة المالية العالمية. واستثمرت شركة قطر القابضة التابعة لجهاز قطر للاستثمار، الصندوق السيادي لدولة قطر، وشركة «تشالنجر» للاستثمار نحو 5.3 مليار جنيه إسترليني في «باركليز»، وذلك حسبما نقلت عدة وكالات للأنباء ووسائل اعلام عالمية مختلفة، منها "رويترز" ووكالة الصحافة الفرنسية وشبكة الاخبار العالمية (سي ان ان) وهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) وغيرها من وسائل الإعلام.
وأجرت السلطات تحقيقات بشأن ما إذا كانت مدفوعات كان «باركليز» قدمها لقطر في الوقت نفسه تتسم بالنزاهة، وجرى تنفيذها وفق إجراءات الإفصاح المناسبة. وشملت تلك المدفوعات مبلغا بقيمة 322 مليون جنيه استرليني «لاتفاقات خدمات استشارية» وقرضا بمليارات الدولارات. وحققت قطر في ذلك الوقت مكاسب كبيرة من استثماراتها وتظل أكبر مساهم في «باركليز» بحصة تبلغ نحو 6 في المائة.
وبجمعه أموالا من قطر، تفادى مصرف «باركليز» فرض الحكومة البريطانية خطة إنقاذ في وقت لم يكن أمام منافسيه «رويال بنك أوف اسكوتلالند» وبنك «لويدز» سوى تلقي الدعم المالي بضخ الحكومة مليارات الجنيهات في رأس مالهما.
وفي أول رد فعل لـ«باركليز»، أعلن المصرف أنه «يدرس الموقف الذي سيتخذه على ضوء هذه التطورات»، وهو ينتظر «تكشّف معطيات جديدة حول الاتهامات التي وجهها مكتب مكافحة جرائم الاحتيال»، والتي تأتي بعد تحقيقات أجراها على مدار خمس سنوات بشأن الكيفية التي أفلت بها البنك من ملاقاة مصير «لويدز وآر.بي.إس» وتجنب خطة إنقاذ مالي حكومي.
والأسماء الأربعة المتهمة هم أبرز مصرفيين يواجهون اتهامات في بريطانيا بشأن ارتكاب مخالفات جنائية إبان الأزمة المالية العالمية التي حصلت في العام 2008 ويواجهون أحكاما بالسجن لمدد تصل إلى عشرة أعوام إذا ثبتت إدانتهم. وسيمثل المتهمون أمام محكمة وستمنستر في لندن في 3 يوليو (تموز) المقبل، بحسب ما أوضح البيان.
وكانت وكالة «بلومبيرغ» أشارت إلى أن البنك قد يدفع غرامة تتراوح ما بين 100 و200 مليون جنيه إسترليني، خصوصاً أنها واحدة من أكبر قضايا الاحتيال، وتتابعها وزارة المالية البريطانية عن كثب. كما ذكرت، أن البنك يخطط للاعتراف بهذه الواقعة؛ كونه لم يفند الأسباب الحقيقية لحصوله على هذه المبالغ.
وفي التداولات، برز تداول سهم «باركليز» بانخفاض نسبته 0.7 في المائة إلى 205.45 بنس في بورصة لندن التي شهدت بالإجمال استقرارا، كما لم يسجل المؤشر ستوكس الأوروبي لقطاع البنوك تغيرا يذكر.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟