صندوق النقد: «متأخرات الضرائب» تفقد تونس 6 % من الناتج المحلي

«التهرب» يهدر نحو ربع ميزانية الدولة

صندوق النقد: «متأخرات الضرائب» تفقد تونس 6 % من الناتج المحلي
TT

صندوق النقد: «متأخرات الضرائب» تفقد تونس 6 % من الناتج المحلي

صندوق النقد: «متأخرات الضرائب» تفقد تونس 6 % من الناتج المحلي

قدر صندوق النقد الدولي خسارة الاقتصاد التونسي لنسبة 6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي نتيجة المتأخرات الضريبية والجمركية والسياسة غير المتكافئة في توزيع الأعباء الضريبية بين التونسيين. وأشار الصندوق إلى مجموع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التونسية لزيادة موارد الدولة الذاتية المطلوبة لتمويل النفقات ذات الأولوية مثل التعليم والصحة والاستثمارات العامة. ودعا إلى تعديلات جديدة على مستوى توجيه الدعم لأصحابه من الفقراء وضمان إشراك المؤسسات والمهن الحرة في تحصيل الضرائب لفائدة الدولة.
وأصدر الصندوق هذه المعطيات مباشرة، إثر منح تونس قسطا ثانيا من القرض المتفق بشأنه، وهو مقدر بنحو 314.4 مليون دولار، من إجمالي قرض بلغت قيمته 2.9 مليار دولار بسعر فائدة في حدود اثنين في المائة، وهو قرض مخصص لتمويل برنامج للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن معظمه أدرج في ميزانية الدولة لضمان صرف الأجور وتصريف الشأن العام.
ومن بين الإجراءات التي يمكن اللجوء إليها للتقليص من نسبة الخسارة على المستوى الاقتصادي، دعا الصندوق إلى زيادة الضرائب على السلع والخدمات التي يستهلكها الأغنياء بشكل غير متناسب، خصوصا على مستوى استهلاك المواد الأساسية المدعومة من الدولة، إضافة إلى توسيع القاعدة الضريبية لتشمل خدمات المهن الحرة وعدم إثقال كاهل الإجراء لوحدهم بالأعباء الضريبية.
ويخضع الإنفاق الاجتماعي لمتابعة دقيقة من قبل صندوق النقد الدولي والحكومة التونسية، وذلك عبر ضمان حد أدنى للإنفاق الاجتماعي يتم تعديله مرتين سنويا. ودعا آخر تقرير أعده خبراء الصندوق إلى المحافظة على الحماية الاجتماعية ورواتب التقاعد والخدمات الصحية.
وبشأن ظاهرة التهرب الضريبي في تونس، أكد صادق جبنون، الخبير الاقتصادي التونسي، أن التهرب الضريبي تقدر قيمته المالية بما لا يقل عن سبعة مليارات دينار تونسي سنويا (نحو 3 مليارات دولار)، وهذا يمثل نحو 23 في المائة من ميزانية الدولة.
وأشار إلى مساهمة الأجراء (العاملون بأجر) بنسبة 70 في المائة من مداخيل الضرائب في تونس، في حين لا تساهم المهن الحرة إلا بنسبة 10 في المائة، وهو ما يعد مظلمة على مستوى العدالة الضريبية.
وتابع قوله: «تونس من أكثر الدول التي تعاني من الضغط الجبائي (الضريبي)، الذي بلغ نسبة 22 في المائة، والحد الأقصى الذي لوحظ على مر تاريخ تونس المعاصر هو 24 في المائة... وفي حال تجاوزه، فإن الأمر يتحول إلى ثورة اجتماعية على غرار ثورة علي بن غذاهم (1864) وثورة الخبز (1984) وثورة 2011».
وتركز السياسة الضريبية في تونس ضغطها الجبائي على الأجراء لتبلغ نسبة مساهمتهم في الضريبة 70 في المائة، أمام قلة مساهمة القطاعات الأخرى مثل الشركات والأعمال الحرة على غرار الأطباء والمحامين والصيادلة. وقد نظموا احتجاجات قوية خلال فترة مناقشة ميزانية 2017، مطالبين الدولة بعدم مراجعة سلم الضرائب، وهو ما أدى إلى توسع دائرة التهرب الجبائي وتراجع مداخيل الضرائب التي توظف لاحقا لخلق الثروة والتقليص من التفاوت الجهوي على مستوى التنمية والتشغيل.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»