مدفع رمضان في القدس... على الموعد دائماً

إرث إسلامي منذ عهد العثمانيين لم تتنازل عنه عائلة صندوقة

مدفع رمضان في القدس
مدفع رمضان في القدس
TT

مدفع رمضان في القدس... على الموعد دائماً

مدفع رمضان في القدس
مدفع رمضان في القدس

يترك رجائي صندوقة، 55 عاماً، عائلته مرتين كل يوم، على مائدة الفطور والسحور، ليتفرغ للمهمة الأهم في حياته «ضرب مدفع رمضان في القدس». وضرب المدفع في القدس إرث إسلامي قديم تتوارثه عائلة صندوقة منذ العهد العثماني، وهو المدفع الفلسطيني الوحيد الذي يسمع صوته في الأراضي الفلسطينية.
ويقول صندوقة لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 120 عاماً، ونحن نضرب المدفع، لقد كان جدي يطلق باروداً، وكذلك نحن، قبل أن تحوله إسرائيل إلى مدفع قنابل صوتية».
ويجد رجائي متعة كبيرة في ضرب المدفع، على الرغم من أنه تحول إلى قنابل صوتية، قائلاً إنه يستمتع بإسماع صوته لكل الصائمين في المدينة العربية الإسلامية المحتلة. ويجد صندوقة في الأمر تأكيداً على إسلامية وعروبة المدينة. ويعاني صندوقة دائماً من عقبات إسرائيلية جديدة، في محاولة لإسكات صوت المدفع العربي، ويقول: «دائماً هناك عقبات، هناك طلبات وتحذيرات، ورقابة أمنية شديدة». وقبل أعوام قليلة، خضع صندوقة إلى دورة على ضرب المدفع، واضطر لاستصدار تصاريح مختلفة، كما طلب منه نقل المدفع إلى منطقة أخرى داخل مقبرة باب الساهرة.
وبالنسبة إليه، فإنه لم يكن بحاجة لكل ذلك؛ يقول: «أجبروني على الدورة، رغم أني محترف. أنا أضرب المدفع من أكثر من 25 عاماً، ثم جاءوا وأجبروني على دورة ضرب مدفع»، وأضاف: «دائماً هناك عقبات. لكن كل شيء يسير كما أردنا له... المدفع لم يتوقف».
ويستخدم صندوقة اليوم مدفعاً منذ العهد الأردني، وهو المدفع الذي استبدل بآخر عثماني نقل إلى المتحف الإسلامي.
واختبر صندوقة حتى عام 2001 إطلاق البارود عبر المدفع الجديد، وقال: «كان شيئاً ممتعاً للغاية، على الرغم من أنه أكثر إرهاقاً، كنت أنظف المدفع كل يوم، وأزوده بالبارود، ثم أشعل الفتيل متزامناً مع صوت الآذان. أما اليوم، فنحن نطلق مفرقعات صوتية تزودنا بها السلطات الإسرائيلية، يوماً بيوم».
وكانت إسرائيل قد أبلغت صندوقة في عام 2001 أنه ممنوع من استخدام البارود لأسباب أمنية، وأن السلطات ستزوده يومياً بقنابل صوتية بدل ذلك، على أن يخضع لرقابة إسرائيلية كذلك، وهو الأمر الذي لم يعجب صاحب المدفع، لكنه وافق عليه لأنه كما قال لم يرد لصوت المدفع أن يصمت للأبد، ولا ينوي اليوم أو غداً لهذا المدفع أن يسكت.
ويقول إنه مستعد لتدريب أي شخص على إطلاقه، لكنه متمسك بأن يبقى الأمر في عهدة آل صندوقة، وأضاف: «هذا إرث عائلي، وتقليد قديم، وأنا لا أريد لهذه العادة أن تنقطع يوماً».
ولذلك قام صندوقة بتدريب أبنائه، وضم اثنين منهم للدورة المتخصصة في إطلاق المدفع الرمضاني، وهو يخطط لأن يواصل أبناؤه ما بدأه جده قبل أكثر من 100 عام.
ويقول صندوقة إن جده، الحاج أمين صندوقة، كان يطلق المدفع أثناء العهد العثماني. ومن ذلك الوقت، لم يتوقف هذا المدفع سوى 18 يوماً عام 1987 مع بداية الانتفاضة الأولى، عندما أجبر الإسرائيليون رجائي على التوقف، بحجة أن البارود المستخدم يشكل خطراً على الأمن، وهو ما عادوا له مع بداية الانتفاضة الثانية، ثم أجبروه على استبدال البارود نهائياً بقنابل الصوت. ويسمح لرجائي اليوم بإطلاق المدفع مرتين؛ مع آذان الفجر وآذان المغرب فقط.
وقال: «قبل ذلك، كنا نطلقه في كل المناسبات الدينية، مرتين في فترة الفجر، مع الإمساك ومع الآذان، ومرة في موعد الإفطار، وفي الأعياد، عيد الفطر والأضحى والمولد النبوي والإسراء والمعراج ومناسبات مختلفة. لكن اليوم، هذا كله ممنوع. مسموح مرتين في اليوم في رمضان فقط، تحت رقابة شديدة». ولم يحدث أن تأخر رجائي عن موعده يوماً.
ويقول إنه يذهب قبل آذان الفجر بنحو نصف الساعة، ليكون مستعداً، وقبل الإفطار بنحو نصف الساعة كذلك، مضيفاً: «لا أريد لهذا المدفع أن يسكت، ولا أريد له أن يتأخر».



الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
TT

الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)

أفصح مختصون في نشاط صناعة واستيراد الشماغ السعودي عن بلوغ هذا الزي التقليدي الرسمي أعلى مواسم البيع السنوية، مسجلاً مبيعات تُقدَّر بنحو 900 مليون ريال سنوياً، كاشفين عن توجهات المستهلكين الذين يبرز غالبيتهم من جيل الشباب، وميلهم إلى التصاميم الحديثة والعالمية، التي بدأت في اختراق هذا اللباس التقليدي، عبر دخول عدد من العلامات التجارية العالمية على خط السباق للاستحواذ على النصيب الأكبر من حصة السوق، وكذلك ما تواجهه السوق من تحديات جيوسياسية ومحلية.
ومعلوم أن الشماغ عبارة عن قطعة قماش مربعة ذات لونين (الأحمر والأبيض)، تُطوى عادة على شكل مثلث، وتُلبس عن طريق وضعها على الرأس، وهي لباس تقليدي للرجال في منطقة الخليج العربي وبعض المناطق العربية في العراق والأردن وسوريا واليمن، حيث يُعد جزءاً من ثقافة اللبس الرجالي، ويلازم ملابسه؛ سواء في العمل أو المناسبات الاجتماعية وغيرها، ويضفي عليه أناقة ويجعله مميزاً عن غيره.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، الرئيس التنفيذي لـ«شركة الامتياز المحدودة»، فهد بن عبد العزيز العجلان، إن حجم سوق الأشمغة والغتر بجميع أنواعها، يتراوح ما بين 700 و900 مليون ريال سنوياً، كما تتراوح كمية المبيعات ما بين 9 و11 مليون شماغ وغترة، مضيفاً أن نسبة المبيعات في المواسم والأعياد، خصوصاً موسم عيد الفطر، تمثل ما يقارب 50 في المائة من حجم المبيعات السنوية، وتكون خلالها النسبة العظمى من المبيعات لأصناف الأشمغة المتوسطة والرخيصة.
وأشار العجلان إلى أن الطلب على الملابس الجاهزة بصفة عامة، ومن ضمنها الأشمغة والغتر، قد تأثر بالتطورات العالمية خلال السنوات الماضية، ابتداءً من جائحة «كورونا»، ومروراً بالتوترات العالمية في أوروبا وغيرها، وانتهاء بالتضخم العالمي وزيادة أسعار الفائدة، إلا أنه في منطقة الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، فإن العام الحالي (2023) سيكون عام الخروج من عنق الزجاجة، وسيشهد نمواً جيداً مقارنة بالأعوام السابقة لا يقل عن 20 في المائة.
وحول توجهات السوق والمستهلكين، بيَّن العجلان أن غالبية المستهلكين للشماغ والغترة هم من جيل الشباب المولود بين عامي 1997 و2012، ويميلون إلى اختيار التصاميم والموديلات القريبة من أشكال التصاميم العالمية، كما أن لديهم معرفة قوية بأسماء المصممين العالميين والماركات العالمية، لافتاً إلى أن دخول الماركات العالمية، مثل «بييركاردان» و«إس تي ديبون» و«شروني 1881» وغيرها إلى سوق الأشمغة والغتر، ساهم بشكل فعال وواضح في رفع الجودة وضبط المواصفات.
وأضاف العجلان أن سوق الملابس كغيرها من الأسواق الاستهلاكية تواجه نوعين من المشكلات؛ تتمثل في مشكلات جيوسياسية ناتجة عن جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، ما تسبب في تأخر شحن البضائع وارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع الأسعار بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، بينما تتمثل المشكلات المحلية في انتشار التقليد للعلامات العالمية والإعلانات المضللة أحياناً عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
من جهته، أوضح ناصر الحميد (مدير محل بيع أشمغة في الرياض) أن الطلب يتزايد على الأشمغة في العشر الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، ويبدأ الطلب في الارتفاع منذ بداية الشهر، ويبلغ ذروته في آخر ليلتين قبل عيد الفطر، مضيفاً أن الشركات تطرح التصاميم الجديدة في شهر شعبان، وتبدأ في توزيعها على منافذ البيع والمتاجر خلال تلك الفترة.
وأشار الحميد إلى أن سوق الأشمغة شهدت، في السنوات العشر الأخيرة، تنوعاً في التصاميم والموديلات والماركات المعروضة في السوق، وتنافساً كبيراً بين الشركات المنتجة في الجودة والسعر، وفي الحملات التسويقية، وفي إطلاق تصاميم وتطريزات جديدة، من أجل كسب اهتمام المستهلكين وذائقتهم، والاستحواذ على النصيب الأكبر من مبيعات السوق، واستغلال الإقبال الكبير على سوق الأشمغة في فترة العيد. وبين الحميد أن أكثر من نصف مبيعات المتجر من الأشمغة تكون خلال هذه الفترة، مضيفاً أن أسعارها تتراوح ما بين 50 و300 ريال، وتختلف بحسب جودة المنتج، والشركة المصنعة، وتاريخ الموديل، لافتاً إلى أن الشماغ عنصر رئيسي في الأزياء الرجالية الخليجية، ويتراوح متوسط استهلاك الفرد ما بين 3 و5 أشمغة في العام.