فورد: الأكراد سيدفعون ثمن ثقتهم بالأميركيين... وأوباما لم يترك لترمب الكثير من الخيارات

قال في حديث إلى «الشرق الأوسط» إن إيران و«حزب الله» أنقذا الأسد... ويريدان سحق المعارضة السورية

فورد: الأكراد سيدفعون ثمن ثقتهم بالأميركيين... وأوباما لم يترك لترمب الكثير من الخيارات
TT

فورد: الأكراد سيدفعون ثمن ثقتهم بالأميركيين... وأوباما لم يترك لترمب الكثير من الخيارات

فورد: الأكراد سيدفعون ثمن ثقتهم بالأميركيين... وأوباما لم يترك لترمب الكثير من الخيارات

قال آخر سفير اميركي لدى سوريا روبرت فورد في حديث إلى «الشرق الأوسط» في لندن، إن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم يترك الكثير من الخيارات للرئيس دونالد ترمب كي يغير قواعد اللعبة لتقليص نفوذ إيران في سوريا، لافتا إلى أن الإيرانيين سيدفعون الأميركيين إلى الانسحاب من شرق سوريا كما انسحبوا من بيروت العام 1983 والعراق.
وقال فورد إن الأكراد سيدفعون غالياً ثمن ثقتهم بالأميركيين، وإن الجيش الأميركي يستخدمهم فقط لقتال «داعش» ولن يستعمل القوة للدفاع عنهم ضد قوات النظام السوري أو إيران وتركيا. وقال: «ما نفعله مع الأكراد غير أخلاقي وخطأ سياسي». وكان فورد غادر دمشق في 2012، لكن بقي مبعوث أميركا إلى سوريا إلى أن استقال في 2014 وأصبح باحثاً في «مركز الشرق الأوسط» للأبحاث في واشنطن ومدرساً في جامعة ييل. وهنا نص الحديث الذي أجري في لندن أول أمس:
* لنبدأ بنقطة مفصلية، هي زيارتك إلى حماة في يونيو (حزيران) 2011. لماذا ذهبت؟ هل تعتقد أن القرار كان حكيماً؟
- السؤالان مشروعان. لماذا ذهبت؟ الجواب سهل. توفرت لدينا معلومات أن حماة محاصرة والجيش يطوق المدينة وكنا قلقين من حصول عنف في المظاهرة في اليوم التالي. ذهبت الخميس كي أكون شاهداً على العنف إذا حصل كي أعرف من بدأه لأن السؤال في واشنطن سيكون: من بدأ العنف؟ المتظاهرون أم الحكومة؟ في حال سألوني من واشنطن وقلت إني لا أعرف لأني في دمشق لن يقبلوا جوابي. كما أني اعتقدت أنه لو أرسلت دبلوماسيين من السفارة لن يكون ذلك مؤثراً كما لو أني ذهبت بنفسي.
كما أن زيارتي تتضمن رسالة إلى الحكومة السورية أننا نأخذ المسألة جدياً ويجب ألا ترسلوا الجيش إلى المدينة. لحماة تاريخ مأساوي كما هو معروف. لم أطلب موافقة من الخارجية الأميركية. فقط قلت إنني ذاهب. أرسلت إلى جيفري فيلتمان (مساعد الوزير) الأربعاء وقلت إنني ذاهب إلى حماة الخميس والمظاهرات يوم الجمعة.
* أبلغت الحكومة السورية؟
- أرسلنا مذكرة قلنا فيها إننا سنرسل سيارة دبلوماسية مع أربعة دبلوماسيين. لم نقل إنني سأكون بين الدبلوماسيين. والترتيبات مع الخارجية السورية، تتضمن وجوب إبلاغهم قبل 48 ساعة وفي حال لم تعترض نمضي في تنفيذ ما قلنا. لذلك، سافرت مع أني لم أتوقع أن يسمح لنا بالدخول إلى حماة.
* أيضا كان هناك السفير الفرنسي اريك شوفالييه؟
- نعم في سيارة مختلفة.
* هل كان قراراً حكيماً؟
هناك جانبان. إيجابي وسلبي. إيجابي، زيارتي أظهرت للسوريين أننا مهتمون بقضايا حقوق الإنسان. إلى الآن، عندما ألتقي بسوريين يقولون لي: ذهبت إلى حماة، شكراً. أيضاً، عرفت الكثير عن المعارضة من الزيارة. قبل ذلك، لم نكن نعرف كم هم منظمون. لديهم أمنهم الخاص، قيادة موحدة، وهيئة إغاثة اقتصادية للعائلات. هذا لم يكن سبب ذهابنا، لكني تعلمت.
وهناك سلبيتان لذهابي. الأولى، الحكومة السورية استعملت زيارتي لدعم دعايتها أن الثورة السورية مؤامرة خارجية. الثانية، أحد طلابي في جامعة ييل يكتب أطروحة عنها: زيارتي وأعمالي الأخرى في سوريا في 2011. شجعت الحركة الاحتجاجية لتنمو، لكن الأميركيين لم يكونوا على استعداد لإرسال الجيش لمساعدة السوريين. ما يعني، أننا أعطينا السوريين أملاً زائفاً.
* أمل زائف؟
- هل تعرف قصة هنغاريا في 1956؟ في الحرب الباردة. (الرئيس دوايت) أيزنهاور والرئيس السوفياتي (نيكيتا) خرتشوف. وقتذاك، تظاهر الهنغاريون في بودابست. قبل ذلك، كانت هناك دعاية أميركية لمساعدة الشعوب والتظاهر ضد الشيوعية في أوروبا الشرقية بما فيها هنغاريا. الغرب كان متعاطفاً معهم. الهنغاريون انتفضوا في نوفمبر (تشرين الثاني) في 1956 خلال أزمة قناة السويس. بالطبع، الأميركيون لم يقوموا بأي شيء. الهنغاريون سحقوا بالجيش السوفياتي وكان هناك ضحايا واعتقالات واختفاء. بالنسبة إلى الهنغاريين، كانت تجربة مريعة. بعض الناس يقولون إن الزيارة التي قمت بها و(السفير) شوفالييه، كانت كما حصل في هنغاريا: أعطينا الناس أملا ثم تركناهم. لم تكن أبدا نياتنا. وكما تعرف أنني كنت أقول دائما في دمشق، إن الجيش الأميركي لم يأت. تناقشت كثيراً مع معارضين. قلت للجميع: بعد حرب العراق، لن يأتي الجيش الأميركي لمساعدتكم. قلت للناس في حماة: ابقوا سلميين. لو حصل عنف لن يأتي الجيش الأميركي.
بعض الناس سمع رسالتي، لكن ليس كل شخص. ما يعني كان هناك تشجيع حتى لو لم يكن مقصودا. جوابي، لا أظن أن السوريين تظاهروا وانتفضوا لأنهم أرادوا مساعدة أميركا بل خروج الأسد من السلطة. تظاهروا في الشوارع ليس بسبب أميركا، بل بسبب ما شاهدوه في مصر وتونس.
* بعد ذلك وفي أغسطس (آب) حصل نقاش في البيت الأبيض، ثم أعلن الرئيس باراك أوباما أنه على الأسد أن يتنحى. ماذا حصل؟
- لم أتأكد في اللقاء، لكن اتصلوا بي من واشنطن لإبلاغي في دمشق. النقاش استمر أسابيع قبل ذلك. وكنت ضد تصريح أوباما.
* لماذا؟
- إذا ذهبت إلى السجلات، تجد أن آلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي كان في واشنطن في نهاية يوليو (تموز) بداية أغسطس، وعقد مؤتمرا صحافياً مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون. فيلتمان أبلغني بالإيميل أن كلينتون ستعلن أنه على الأسد أن يتنحى. قلت: لا تقوموا بذلك. لن يغير أي شيء هنا في دمشق، وسيعقد عملي في دمشق الذي هو معقد بما يكفي، أيضا أن المتظاهرين سيعتقدون أن الأميركيين سيقومون بشيء وهم لن يقوموا بشيء. قلت له: رجاء أبلغ الوزيرة بعدم قول ذلك. وفعلاً، لم تقل ذلك. غيروا خطابها قبل ساعة من المؤتمر الصحافي.
لكن الضغط السياسي على أوباما في واشنطن كان رهيباً. كان هناك انتقاد من الجمهوريين والديمقراطيين، وانتقاد من السوريين الأميركيين، انتقاد من دول عربية ودول أوروبية ومن الإعلام الأميركي. فيكتوريا نولاند الناطقة باسمه، كانت تسأل يومياً: هل الأسد شرعي؟
كان هناك عشرات اللقاءات. أرسلوا لي في دمشق جدول أعمال اللقاء عشية خطاب أوباما. بعد اللقاء، مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض اتصل بي. حاول الاتصال على التليفون الآمن، لكن لم يكن يعمل في دمشق. كان معطلاً. ثم اتصل بي على هاتف عادي غير آمن. قال: روبرت، تتذكر الموضوع الذي كنا نناقشه في شكل منتظم؟ قلت: نعم. قال: أجرينا لقاءات أخرى ونعتقد أن الموضوع حول القرار الخاص سنقوم به. هل تعرف عن ماذا أتحدث؟ قلت: نعم. قال: ماذا تعتقد؟ قلت: لن يغير أي شيء هنا في الحكومة. قد يغير الحركة الاحتجاجية، لكن قطعاً لن يؤدي إلى تغييرات كبيرة سياسيا. لم أستطع القول: إن الأسد لن يتنحى لأني أعرف أن المخابرات السورية تسمع اتصالي.
قال: هل ستكون في وضع آمن لو قمنا بالفعل؟ قلت: أكيد سأكون على ما يرام. كرر قوله: هل أنت متأكد. قلت: بسبب حق النقض (الفيتو) الروسي، لن تكون هناك مشكلة ولن تتعرض حياتي لخطر. أضفت: أنت تعرف أن هذا الموقف سيعقد في النهاية تحقيق الهدف الذي جئت إليه، أي الحديث مع الحكومة. قال: نحن نفهم ذلك.
هذا الخطأ الذي قمت به. كان يجب أن أقول: لا، يجب ألا يقول أوباما ذلك. لكن لأني أعرف أن هناك ضغطاً سياسيا في واشنطن، قلت له: نعم سأكون في وضع آمن، امضِ بالقرار.
* مسؤول أميركي قال لي إنه كان في الاجتماع وعارض أن يقول أوباما إن على الأسد تنفيذ قراره عسكرياً بوجوب التنحي؟
- كان يجب أن أقول للمسؤول الرفيع: إذا لم تكونوا قادرين على تنفيذ التصريح، يجب التزام الصمت.
* بعد ست سنوات، هل توقعت أن يبقى الأسد في الحكم رغم كل ما جرى وحصل في البلاد؟
- نهاية 2013. كنت أعتقد أن حرب الاستنزاف ستكون قاسية على النظام وسيفاوضون على صفقة. بعضهم سيطلبون عفواً ويذهبون إلى الجزائر أو روسيا أو كوبا وسيكون هناك حكومة ائتلافية تضم ربما (رئيس مكتب الأمن القومي) علي مملوك أو (رئيس المخابرات العامة) محمد ديب زيتون تحت قيادة شخص مثل (نائب الرئيس السابق) فاروق الشرع مع المعارضة والمستقلين.
لكن، لأن الجيش النظامي السوري سيكون ضعيفاً، فإن النظام سيقبل بإنقاذ نفسه مقابل التخلي عن عائلتي الأسد ومخلوف.
* هل كنت فعلاً تعتقد أن النظام سيفاوض على نهايته؟
- نعم. هذا أكبر خطأ سياسي ارتكبته. لم أكن أتوقع أن ترسل إيران و«حزب الله» آلاف المقاتلين. لم أكن أتوقع أن يضحي «حزب الله» بسمعته في العالم العربي لأجل الأسد. كنت أعتقد أنهم سيفاوضون على ائتلاف سياسي أولا. هذا أكبر خطأ سياسي ارتكبناه. لم نكن نتوقع ذلك مطلقاً.
* هل كنت تظن أن عسكرة الحراك كان قراراً صحيحاً؟
- إلى حين تركت دمشق في مارس (آذار) كنت أطالب بالحوار السياسي. بل إنني كنت أعتقد أنه بسبب موقفي في خريف 2011، سأتعرض لمشاكل في الكونغرس. سأقول لك كيف بدأ الحديث عن العسكرة. حتى عندما أغلقت السفارة وعدت إلى واشنطن في مارس 2012، كنا نقول: الحوار والحوار ولا عنف. وكنا نتمسك بمبادرة كوفي أنان (المبعوث الدولي الأسبق) ذات النقاط الست. وهي لم تكن تدعو للعنف وقف التفاوض. طبعاً، فشلت.
ثم، فريد (هوف المبعوث الأميركي) ذهب إلى الكونغرس لتقديم شهادته. في ذاك النقاش بينما كان يتحدث، سئل من عضو في الكونغرس عن العنف: هل تعتقد أنه مبرر للسوريين والحركة الاحتجاجية والمعارضة استخدام العنف؟ فريد قال: عندما يأتي شخص إلى منزلكم ليعتقلك ثم ستعذب وتقتل، الأمر الطبيعي أن تستخدم العنف ضد الهجوم على عائلتك. هذا أمر مفهوم.
كانت تلك المرة الأولى لمسؤول أميركي ليقول: إنه «أوكي» لاستخدام العنف ضد النظام. فوجئنا عندما سمعناه يقول ذلك. بدا أننا تجاوزنا خطاً أحمر. هذا جعل الكونغرس سعيداً لأنهم سمعوا ما أرادوا سماعه. لكن، من جهة أخرى، لم يكن ممكنا الاستمرار بالقول: لا للعنف، فقط الحوار خصوصاً مع استمرار التصعيد و«البراميل المتفجرة» والكيماوي. هذا بعض حمص التي دمرت.
* استقلت من منصبك في نهاية فبراير (شباط) 2014. قبل ذلك كان هناك نقاش في واشنطن حول تسليح المعارضة و«الجيش الحر» في نهاية 2012؟
- عندما تجاوز فريد هوف الخط، بدا لي أنه علينا القيام بما يمكن به للضغط على النظام وخصوصاً بعد فشل خطة أنان. وفي مايو (أيار) فشلت بعثة المراقبين الدوليين روبرت مود. وقتذاك، ذهبت إلى واشنطن وزرت (مدير وكالة الاستخبارات المركزية) ديفيد بترايوس في مايو 2012. كنت أعرفه من العراق وعملنا سوية. قلت: يجب بذل جهد أكبر في سوريا ويجب الانتباه إلى تسلل الإرهابيين من العراق. ويجب أن نفكر بمساعدة المعتدلين والضغط على النظام ووقف تقدم المتطرفين. هذا يعني، يجب مساعدة المعتدلين. بترايوس نظر إلي. هو ذكي وليس غبياً. لم يقل الكثير، فقط قال: دعني أتحدث إلى جماعتي في «سي أي إيه» حول هذا الأمر.
* ثم قدم اقتراحا لتسليح المعارضة؟
- بعد شهرين تحدثت إلى كلينتون وأجريت لقاءات مع «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي أي إيه). وكان هناك اتفاق حول ما يجب فعله. يجب مساعدة المعتدلين.
* بالسلاح؟
- نعم، بالسلاح. في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) تحدثت إلى كلينتون حول الأمر. توقعت أن ترفض ذلك ولن نسلح المعارضة لأن هذا تغيير كبير في سياستنا ونريد الحوار و«بيان جنيف» وحل تفاوضي وهيئة انتقالية وطنية. كنت أتوقع أن يكون اللقاء صعباً مع كلينتون، لكن الواقع أنها وافقت فوراً لوضع حد لـ«جبهة النصرة» ودعم المعتدلين بالسلاح والمساعدات لدعم المواطنين كي نضغط على النظام ليقبل «بيان جنيف».
تعرف ماذا قالت؟
* ماذا؟
- قالت أيضا: سيكون لنا نفوذ أكثر على المعارضة لقبول حل تفاوضي سياسي. كان الاجتماع مع كلينتون سهلاً. لم أكن أعرف التفاصيل. هناك صحافي أميركي قال: كلينتون التقت بترايوس في يونيو وتحدث معها عن الأمر قبل أن تلتقي به. إذن، لم يخبرني أي منهما عن الأمر.
* أوباما رفض توصية كلينتون وبترايوس بتسليح المعارضة؟
- لم يرفض، بل وضع التوصية في الدرج. في الثقافة الأميركية يعني ذلك الرفض.
* البرنامج السري لـ«سي أي إيه» بدأ بعد ذلك؟
- يجب أن أكون حذرا. لا أستطيع التحدث عن البرنامج السري. ما يمكن قوله: النقاش استمر في مناسبات عدة في الأشهر اللاحقة إلى العام 2013. وقتذاك، ظهرت تقارير أن النظام استعمل السلاح الكيماوي بكميات صغيرة في محافظة حلب وريف دمشق. وكانت هناك تقارير أن «القاعدة» و«النصرة» تزداد انتشاراً. و(جون) كيري حصل على موافقة أوباما في 2013. أول لقاء له كان عن سوريا. وتحدثت معه حول تسليح المعارضة ورفض أوباما. كيري قال: يجب القيام بذلك. قلت: الرئيس لم يوافق. ذهب إلى أوباما وتحدث عن الأمر. وعاد وقال لي: لدي موافقة من أوباما لتقديم مساعدات غير قاتلة للمعارضة. غذاء واتصالات ودواء ولباس، لكن ليس سلاحاً. سألت: ماذا عن السلاح؟ كيري قال: السلاح، لا. لكن طلب مني البدء فوراً. ثم أعلن كيري في اجتماع لـ«أصدقاء سوريا» في روما مع رئيس «الائتلاف» معاذ الخطيب. أول دفعة وصلت في نهاية مارس (آذار) وجاءت من الكويت.
* ماذا عن التسليح؟ متى بدأ؟
- أول تقرير صحافي في «واشنطن بوست» حول برنامج «سي أي إيه» ظهر في سبتمبر (أيلول) 2013. سأقول فقط إن مصادري الصحافية كانت ممتازة. لم أقرأ في المقال شيئا بدا خطأ بالنسبة إلي. ثم المقالات بدأت تظهر بعد سبتمبر. ثم بن رودس (مسؤول البيت الأبيض) قال بعد استخدام الكيماوي في 2013، إن الرئيس أوباما قرر «اتخاذ خطوات إضافية» من دون تحديدها.
* لكن الأسد بقي إلى 2017؟
- لا، توقعت أن الجيش (النظامي) سينكمش ويعود إلى خطوط دفاعية ثم في حرب الاستنزاف، فإن بعض الجنود سيترك ثم سيحصل التفاوض. حصل بعض الشيء. بل إنهم تركوا الحدود في 2012. كنا نعتقد أنه كلما زاد سوء الوضع العسكري، فإن بعض الناس ضمن النظام سيقولون: دعونا نبدأ بالتفاوض.
* هل وضعتم قائمة بالمقبولين بأي حل؟
- وضعنا قائمة، لثلاث دوائر في النظام: الحلقة الضيقة، الدائرة الثانية، والدائرة الثالثة. طلبت من المعارضة إعداد قائمة. ليس مهماً إذا كان للأميركيين قائمة. المهم هو أن يكون للمعارضة قائمة. تحدثت لمعارضين لتقديم «قائمة سوداء» لأشخاص تعتقدون بوجوب رحيلهم. انزعجت كثيرا، لأن المعارضين يسافرون كثيرا وعندما نطلب القائمة، كانوا يقولون: نريدكم أن تتدخلوا ونريد حظراً جوياً. كنت أقول: نحن لا نتحدث عن حظر جوي، بل حل تفاوضي مع النظام.
* لم تكن واشنطن تريد تغيير النظام بل حلاً تفاوضياً؟
- في 2013، قلت للمعارضة السورية: يجب أن تكونوا منفتحين إزاء الأسد. إذا أقنعتم الأسد بتغيير رئيس المخابرات الجوية والعسكرية والأمن السياسي والاستخبارات العامة. إذا تغير رئيس المصرف المركزي ووزير المال، ثم يُعين مستقلون بدلاً منهم من دون سيطرة الأسد يمكن قبول بقائه. يا إلهي!. كانوا يقولون: هذا مستحيل.
* إذن، كانت واشنطن تقبل بقاء الأسد في 2013 على عكس التصريحات؟
- نعم. لأن مفاوضات جنيف كانت لا تحقق أي تقدم. توقعت أن مفاوضات جنيف محكومة بالفشل خصوصاً بسبب الدعم الإيراني. لم أكن أتوقع الدعم الروسي. ومع الدعم الإيراني توقعت بقاء الأسد، لذلك تركت منصبي.
* في سبتمبر 2013، شاركت في مفاوضات كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف حول الاتفاق الكيماوي. هل كانت صفقة: الأسد يبقى مقابل تخليه عن الكيماوي؟
- لا، بالعكس. حصل لقاء بين كيري ولافروف حول الكيماوي وكنت حاضراً. الموضوع لم يكن الكيماوي بل مفاوضات جنيف والانتقال السياسي. نحن طلبنا اللقاء وقبل الروس حصول اللقاء. كيري قال: لا نريد انهيار الدولة. هذا ليس هدفنا. فقط نريد حكومة انتقالية ومستعدون للتفاوض. لافروف قال بطريقة مهينة وعامل كيري كطفل: جون، ما نريد للجيش السوري والجيش الحر أن يعملوا سوية لمحاربة الإرهابيين مثل «النصرة» والإرهابيين. كيري قال: سيرغي. هذا ما نريده أيضا. لافروف: إذن متفقون. كيري: لكن لا يمكن فعل ذلك بوجود الأسد ويجب أن تكون هناك هيئة انتقالية عبر التفاوض. لكن لا يمكن توقع «الجيش الحر» أن يضم الجيش السوري من دون تغيير في الحكومة. هذا مستحيل. لافروف: إذا حاولت تغيير الأسد، فإن كل النظام سينهار. قلنا: حسنا، هذا الأمر يخص التفاوض بحيث نحقق الهدف من دون ذلك. لافروف: إذا كنت تعتقد أننا سنأخذ الأسد ونعرض اللجوء، أنت مخطئ. كيري قال: لا نريد ذلك بل نريد حلا تفاوضيا وانتقالياً.
* هل اعتقدت أن لافروف كان يستخدم كيري؟
- نعم. قلت لكيري بعد توقيع الاتفاق الكيماوي: الحكومة السورية ستغش. أنت تعرف أنهم سيخدعوننا. هم (في دمشق) ليس نزيهين، ودائما يغشون. كيري قال: هذا يعود للروس. إن الروس سيمنعون النظام وأهم شيء هو نظام التحقيق والرقابة. وكيري قال: الروس وافقوا على عملية شفافة للتحقيق. قلت لكيري: تفاصيل التحقق أمر مهم لأن النظام السوري سيغش.
* ماذا تغير؟
- في بداية 2013 توقعت ذهاب الأسد ثم حصلت معركة القصير ودخل «حزب الله» في شكل كبير وغير دينامية الحرب ثم استعملوا الكيماوي وهي إشارة للضغط العسكري. وفي نهاية 2013، ماذا حصل؟ رئيس أركان «الجيش الحر» سليم إدريس والأركان تلاشوا وظهرت «أحرار الشام» و«النصرة». و«الجيش الحر» في الجنوب لم يحقق أي تقدم. والكيماوي استعمل. والإيرانيون يرسلون ميليشيات أكثر. والعراقيون يأتون إلى سوريا. كان هناك ركود كبير.
في المقابل، لم يكن هناك تصعيد أميركي. لذلك، فإن الموقف الإيراني سيتقدم. قد يتراجع الأسد، لكن سيبقى في دمشق والساحل. كنا نعتقد أن في وضع الركود فإن الأسد سيحتفظ بدمشق والساحل وحمص وحماة، لكنه لن يأخذ حلب ولن يذهب شرقاً. أي، كنا نتوقع تقسيم أمر واقع. الذي لم نكن نتوقعه، في 2014 و2015. المزيد من الإيرانيين والعراقيين والأفغان و«حزب الله» ثم روسيا ترسل قواتها الجوية.
* خطأ بالحسابات؟
- نعم كان علينا توقع ذلك. كان خطأ جسيماً. لم نكن نتوقع الركود لأنه لصالح الأسد.
* لماذا لم تغير واشنطن حالة الركود؟
- الأسد ربح. إنه منتصر، أو هو يعتقد ذلك. ربما خلال عشر سنوات سيأخذ كل البلاد. لن يحاسب النظام على السلاح الكيماوي والقتال والتعذيب و«البراميل المتفجرة» واللاجئين والنازحين. لا محاسبة. ربما الأسد لن يزور باريس أو لندن، لكن لن يذهب أحد إلى دمشق لأخذ مسؤولي النظام إلى (محاكمة في) لاهاي؟ لا أحد. ربما سيأخذ النظام بعض الوقت كي يستعيد درعا. عاجلا أو آجلا سيذهب إلى إدلب. سيساعده الروس وسيذهب إلى القامشلي ويعقد اتفاقا مع إيران وتركيا لتدمير الأكراد.
* ماذا عن الأميركيين؟ لن يحموا الأكراد؟
- هل تعتقد أن الأميركيين سيحاربون في القامشلي؟
* الأميركيون يدعمون الأكراد لتحرير الرقة من «داعش»؟
- هل سمعت مسؤولا أميركيا أو قرأت تصريحا أميركيا يقول: سندافع عن «غرب كردستان» بعد هزيمة «داعش»؟
* لا؟ ماذا يعني؟
- هل هذا بالصدفة؟ لن يدافعوا عن الكرد ضد قوات الأسد.
* يستخدمون الكرد لتحرير الرقة من «داعش» فقط؟
- نعم. لذلك، أعتقد أن ما نقوم به مع الأكراد ليس فقط غباء سياسيا، بل غير أخلاقي. الأميركيون استخدموا الأكراد لسنوات طويلة خلال حكم صدام حسين. هل تعتقد أن الأميركيين سيعاملون «الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب» في شكل مختلف عما عامل (وزير الخارجية الأسبق) هنري كيسنجر الأكراد العراقيين (عندما تخلى عنهم). بصراحة، مسؤولون أميركيون قالوا لي ذلك. الأكراد السوريون يقومون بأكبر خطأ لدى ثقتهم بالأميركيين.
* تعتقد أن المسؤولين الأميركيين يستخدمون الكرد؟
- نعم بطريقة تكتيكية ومؤقتة ولن يستخدموا الجيش الأميركي للدفاع عن «غرب كردستان» كإقليم مستقل في مستقبل سوريا.
* لكن لأول مرة الجيش الأميركي دافع عن حلفائه في «البادية السورية» ومعسكر التنف ضد حلفاء إيران؟
- لماذا فعلوا ذلك؟ ليس لدفع الأسد للوصول إلى حل سياسي وتفاوضي بل للدفاع عن مقاتلي المعارضة الذين يقاتلون «داعش». هناك فرق بين محاربة «داعش» والسعي للحصول على تنازل من الأسد حول مستقبل سوريا. الأمر الأخير، إدارة ترمب لن تقوم بذلك.
* قيل إن لإدارة ترمب أولويتين: محاربة «داعش» وتقليص نفوذ إيران وإن السيطرة على شرق سوريا ستحقق الأمرين؟
- هناك بعض المسؤولين في واشنطن يعتقدون بذلك، لكن الأميركيين سيعرفون قريبا أن إيران ستصعد وأن أميركا لن يكون لديها الصبر والقوة العسكرية للقيام بتصعيد مقابل.
* ماذا يعني؟
- سينسحب الأميركيون. كما تعرف انسحبنا من بيروت في 1983 وانسحبنا من العراق أيضا.
* هل تعتقد أن «الهلال الإيراني» سيتراجع؟
- هناك «هلال إيراني» وهو موجود ولا يمكن هزيمته شرق سوريا. النفوذ الإيراني يأتي في سوريا من غرب سوريا ومطار دمشق والعلاقة بين طهران ودمشق والدعم الذي تقدمه إيران إلى النظام في دمشق.
* كيف يمكن هزيمة «الهلال الإيراني»؟
- عبر فرض حل تفاوضي على الأسد والمعارضة. لكن إيران وروسيا تقدمان الدعم للنظام وهو أخذ حلب وتدمر. لأول مرة منذ 2012، قوات الأسد على حدود العراق وليس الأكراد.
* إنها قوات تابعة لإيران؟
- صحيح، أفغانيون وإيرانيون وعراقيون....
* ما هو هدف إيران؟
- الإيرانيون يريدون إنهاء المعارضة السورية مرة واحدة وللأبد. الحل العسكري فقط. هم يفضلون طريقاً يمر بغرب كردستان والرقة ثم حلب ثم إلى لبنان. إذا استسلم الأكراد السوريون سيكون الأمر مقبولاً. لكن شرط الاستسلام الكامل وأخذ التعليمات من دمشق وإلا فإن الأكراد سيدمرون وسيكون الأتراك سعيدين بذلك ويتعاونون مع إيران ضد الأكراد.
* ما هو الهدف النهائي لترمب؟
- يريد تقليص النفوذ الإيراني هكذا سمعت من أحد مستشاري ترمب قبل أسابيع، لكن لا يعرف أن اللعبة انتهت. تأخروا كثيراً. أوباما لم يترك لإدارة ترمب الكثير من الخيارات لتحقيق هدفها.



اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.


أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
TT

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لحكمين قضائيين صادرين عن محكمتي استئناف طرابلس وبنغازي، يقضيان بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى بلدية مصراتة.

ويأتي هذا الجدل بعد سبعة أعوام من توقيع اتفاق المصالحة بين المدينتين، الذي أنهى سنوات من الصراع والتهجير القسري، الذي تعرض له سكان تاورغاء عقب أحداث عام 2011.

وتضع هذه الشكاوى، حسب مراقبين، مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء الليبي محل تساؤلات، في بلد لا يزال يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مستمراً منذ أكثر من عقد. فقد شهدت ساحات القضاء في طرابلس وبنغازي على مدى شهرين صدور حكمين؛ أولهما عن محكمة استئناف طرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قضى بوقف تنفيذ قرار حكومة «الوحدة» في الشق المستعجل من الدعوى، أعقبه حكم ثانٍ صادر مطلع الأسبوع الحالي عن محكمة استئناف بنغازي، قضى بإلغاء القرار نهائياً وقبول الطعن المقدم ضده.

في المقابل، التزمت حكومة الدبيبة الصمت إزاء هذه الأحكام، وباشرت عملياً إجراءات تُفسَّر على أنها تمهيد لتنفيذ قرار الضم، كان آخرها توجيه وزارة الصحة التابعة لحكومة الوحدة في 18 ديسمبر (كانون الأول) طلباً إلى إدارة الصحة في تاورغاء لتسليم مهامها إلى نظيرتها في مصراتة.

هذا السلوك، حسب رؤية عضو مجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني، مثّل «تجاهلاً صريحاً لأحكام القضاء وتقويضاً لمبدأ الفصل بين السلطات»، محذراً من أنه يقود إلى ما وصفه بأنه «تعزيز للشعور بانزلاق الدولة نحو الفوضى». ورأى الشيباني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أي إجراء لاحق لصدور هذين الحكمين يُعد مخالفة قانونية واضحة لأحكام القضاء».

وأوضح النائب الليبي أن بلدية تاورغاء «كيان إداري قائم بذاته منذ عقود»، ومعترف بها منذ عهد النظام السابق، قبل أن تُلغى بقرار إداري في المرحلة الانتقالية، التي أعقبت فبراير (شباط) 2011، ثم أعيد الاعتراف بها عام 2015 عبر مجلس تسييري، رغم ظروف التهجير القاسية التي عاشها سكانها، وفق تعبيره.

مبنى مهجور في مدينة تاورغاء غرب ليبيا (الشرق الأوسط)

وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان اتفاق المصالحة التاريخي بين مصراتة وتاورغاء، الذي أُبرم برعاية دولية منتصف عام 2018، ونجح في طي عداء استمر قرابة ثماني سنوات، ومهّد لعودة النازحين إلى مدينتهم الواقعة على بُعد نحو 240 كيلومتراً شرق طرابلس.

غير أن قرار ضم تاورغاء إلى مصراتة، الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أعاد إشعال التوتر، بعدما نص على تحويل تاورغاء إلى فرع بلدي تابع لمصراتة، وهو ما قوبل برفض واسع من الأهالي، الذين عدوا الخطوة انتقاصاً من استقلاليتهم الإدارية، وتهديداً لحقوقهم القانونية المكتسبة، ودفعهم للجوء للقضاء.

ويستند الطاعنون في قرار حكومة «الوحدة» إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات كانت قد اعتمدت تاورغاء بلديةً مستقلة، بموجب قرارات تنظيم الانتخابات البلدية التي انطلقت عام 2014، في حين صدر قرار ضمها إلى بلدية مصراتة في يوم إجراء الانتخابات نفسها، وفق ما يوضحه لـ«الشرق الأوسط» المحامي زياد أبو بكر هيركة، أحد مقدمي الطعن أمام محكمة استئناف طرابلس، الذي عبّر عن استغرابه من عدم امتثال السلطة التنفيذية للأحكام القضائية.

كما أوضح الشيباني أن إدراج تاورغاء ضمن البلديات المشمولة بانتخابات المجالس البلدية يمثل «اعترافاً رسمياً بتوافر مقومات البلدية من حيث السكان والجغرافيا والبنية الاجتماعية والاقتصادية»، لافتاً إلى أن عدد سكانها يتجاوز 50 ألف نسمة.

من جهته، يرى الناشط الليبي عياد عبد الجليل أن الإشكال «ليس مع مدينة مصراتة، التي تم تجاوز الخلاف معها عبر المصالحة، بل مع الحكومة التي تتجاهل المطالب المشروعة لأهالي تاورغاء، بالحفاظ على بلديتهم المستقلة»، عاداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تجاهل الأحكام القضائية «يعكس استمرار ممارسات تُقوّض استقلالية المؤسسات القضائية».

وفي انتظار ما ستسفر عنه التطورات القضائية، يترقب أهالي تاورغاء حكماً جديداً من محكمة في طرابلس بشأن موضوع الطعن، للفصل النهائي في مصير قرار الضم.

ويقول النائب الشيباني إنهم «ينتظرون صدور الحكم لإحالته إلى رئاسة مجلس النواب، من أجل مخاطبة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإجراء الاقتراع البلدي في تاورغاء»، محذراً من أن «أي تدخل أمني لمنع هذا الاستحقاق سيقابل بمواقف واضحة».

في المقابل، يلوّح المحامي هيركة بما وصفه أنه «مسار قانوني مواز»، مشيراً إلى أن «إصرار الحكومة على عدم تنفيذ الأحكام القضائية قد يدفع إلى تحريك دعوى جنحة مباشرة ضد رئيس الحكومة بشخصه، لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ».

ورغم هذا المشهد المتوتر، ترى نادية الراشد، العضوة السابقة في المؤتمر الوطني العام، بارقة أمل في صدور الحكمين المتطابقين من بنغازي وطرابلس، عادّةً أن ذلك «يعكس وحدة الموقف القانوني، ويؤكد اختصاص القضاء بعيداً عن العبث السياسي»، مضيفة أن هذه الأحكام «تثبت أن القانون، متى أُتيح له المجال، قادر على تصحيح المسار وحماية استقلالية القضاء».


مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
TT

مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

قال المهندس بدر باسلمة، مستشار الرئيس اليمني، إن المشهد اليمني يمرّ بمحاولة جادة لـ«هندسة عكسية» تستعيد من خلالها الدولة زمام المبادرة، بدعم إقليمي وثيق، وبما يرسّخ منطق القانون والمؤسسات.

ووصف باسلمة القرارات الرئاسية الأخيرة، المتعلقة بالأوضاع في المحافظات الشرقية، بأنها «خطوة مفصلية» تنطوي على دلالات سياسية عميقة تمسّ جوهر بقاء الدولة، على حدّ تعبيره.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأوضح بدر باسلمة، في تصريح خاص، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه القرارات تمثل انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة الرئاسي من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل» والمبادرة، بما يفضي إلى تحصين مركزية القرار السيادي ومنع تفتت الدولة.

وشدّد على أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يشكّل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، مشيراً إلى أن هذا الدعم لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى «ضبط إيقاع» المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول.

ويرى باسلمة أن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، تمرّ بمخاض سياسي دقيق قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة، ويؤسس لنموذج «الدولة الاتحادية» المقبلة.

من «إدارة التوازنات» إلى «سيادة المؤسسات»

ووفقاً للمهندس بدر باسلمة، فإنه «لا يمكن قراءة القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في سياقها الإداري الروتيني فحسب، بل تمثل خطوة مفصلية تنطوي على دلالات سياسية عميقة تتصل بجوهر بقاء الدولة».

وأضاف أن أهمية هذه القرارات تكمن في كونها تُجسّد انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل والمبادرة»، وعَدَّ ذلك «رسالة سياسية بليغة إلى الداخل والخارج مفادها أن الدولة، بمفهومها الدستوري والشرعي، هي صاحبة الكلمة الفصل في إدارة مؤسساتها السيادية، وأنها يجب أن تظل مظلة وطنية جامعة، لا ساحة لتقاسمها أو توظيفها خارج إطار المشروع الوطني الجامع».

ولفت باسلمة إلى أن هذه الخطوة تمثل «بمعناها الأعمق، عملية تحصين لمركزية القرار السيادي، ومنع انزلاق الدولة نحو التفكك أو تحولها إلى جُزر إدارية وأمنية معزولة».

الدور السعودي حجر الزاوية

وأكد بدر باسلمة أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يمثل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، موضحاً أن هذا الدعم «لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى ضبط إيقاع المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول».

وأضاف أن أهمية هذا الدور تتجلى في ترسيخ «قاعدة ذهبية مفادها أن الشراكة لا تعني الاستحواذ»، مشيراً إلى أن الدعم الموجَّه لمجلس القيادة الرئاسي يستهدف خفض التصعيد ومنع فرض سياسات «الأمر الواقع» بقوة السلاح، ولا سيما في المناطق ذات الحساسية الاستراتيجية مثل حضرموت والمهرة.

وتابع أن المملكة، من خلال هذا النهج، «تعيد رسم الخطوط الحمراء التي تضمن بقاء جميع الأطراف تحت مظلة الدولة»، وتدفع القوى السياسية نحو طاولة الحوار بوصفه الخيار الوحيد، بدلاً من «مغامرات غير محسوبة قد تُهدد الأمن الإقليمي والنسيج الاجتماعي اليمني».

المحافظات الشرقية... ملامح الدولة المقبلة

ويقول بدر باسلمة إن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، باتت، اليوم، تمثّل «الرقم الصعب» في المعادلة اليمنية، وتعيش مخاضاً سياسياً قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة.

وأضاف باسلمة أن «القراءة المتفحصة للمشهد تشير إلى تنامي الوعي المجتمعي والسياسي في هذه المحافظات، باتجاه رفض التبعية المطلقة أو الاستقطاب الحاد»، موضحاً أن ما يجري في حضرموت «لا يندرج في إطار حراك مناطقي عابر، بل يندرج في سياق تأسيس لنموذج الدولة الاتحادية المقبلة».

وأشار إلى أن هذه المحافظات تسعى لانتزاع حقوقها في إدارة شؤونها وتأمين أراضيها، «من خلال تشكيلات وطنية، مثل قوات درع الوطن، وذلك تحت مظلة الشرعية الدستورية»، لافتاً إلى أن المؤشرات الراهنة توحي بأن خيار «الضم والإلحاق القسري» تراجع لصالح مسار يتجه نحو صيغة توافقية تضمن للأقاليم خصوصيتها الإدارية والأمنية ضمن يمن موحد واتحادي.

مسلَّح من أنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي» (أ.ف.ب)

وختم باسلمة حديثه بالقول إن «اليمن يشهد، اليوم، محاولة جادة لـ(هندسة عكسية) للمشهد، فبدلاً من أن تفرض الفصائل واقعها على الدولة، تسعى الدولة، بدعم إقليمي وثيق، إلى استعادة زمام المبادرة وفرض منطق القانون والمؤسسات».

وأضاف أن هذه العملية «تمثل معركة نفَس طويل تتطلب قدراً عالياً من الحكمة السياسية»، مؤكداً أن «الرابح فيها هو مَن ينحاز لمنطق الدولة ومصالح المواطنين»، مستنداً في ذلك إلى «الشرعية الدولية والغطاء العربي الداعم».