هكذا تحتل المرأة آخر معاقل الرجل على الشاشة

أفلام لمقاتلات إناث لا يمكن هزيمتهن

جينيفر لورانس في «ألعاب الجوع» - أنجيلينا جولي في «لارا كروفت»
جينيفر لورانس في «ألعاب الجوع» - أنجيلينا جولي في «لارا كروفت»
TT

هكذا تحتل المرأة آخر معاقل الرجل على الشاشة

جينيفر لورانس في «ألعاب الجوع» - أنجيلينا جولي في «لارا كروفت»
جينيفر لورانس في «ألعاب الجوع» - أنجيلينا جولي في «لارا كروفت»

«ربما أستطيع إنقاذ اليوم، لكنك تستطيعين إنقاذ العالم»، يقول الضابط ستيف (كريس باين) لووندر وومان (غال غادوت) قرب نهاية الفيلم. في الواقع، لا هو أنقذ اليوم ولا هي أنقذت العالم، لكن كلاهما نتيجة حلم تبثه العقول البشرية في رغبة تبدو صادقة لتحقيق ما عجزت السياسة عن تحقيقه.
«ووندر وومان» هو فيلم كوميكس وفيلم من بطولة امرأة وفيلم قوّة وأكشن وفانتازيا كما هو فيلم عن الحرب العالمية الثانية، ولو ضمن الصناعة غير الواقعية. وهذا وحده يستدعي الاهتمام. فالأفلام الحربية تاريخياً، ووصولاً إلى فيلم كريستوفر نولان المنتظر «دنكيرك» (الذي سنراه معروضاً في الشهر المقبل) هي من بطولة رجال. في أحيان قليلة تم وضع مجندات أنثويات كما الحال في «جي. آي. جين» و«بضعة رجال جيدين» و«شجاعة تحت النار» و«ماش» و«وداعاً أيها السلاح».
إنهن على خط النار، لكن المحاربات بينهن قليلات والعاملات في المكاتب في مواقع الحرب هن الوجه الأنثوي السائد في هذه الأفلام وفي سواها. إن لم تكن المرأة سكرتيرة الكولونيل أو مسؤولة عن فرع مدني ما، فإنها في الغالب ممرضة كما حال كايت بكنسال في «بيرل هاربر» (مايكل باي، 2001) وهيلين هايز في «وداعاً للسلاح» (فرانك بورزاج، 1932) وسانتا بيرغر في «صليب من حديد» (سام بكنباه، 1977).
هي التنويعة المطلوبة لكي لا يبدو الفيلم خشناً أكثر من اللزوم. الحب المهدد بالفقدان لدى الجندي الذي عليه أن يعود إلى رحى القتال بعد لقائه الأخير مع من يحب، أو مجموعة النساء اللواتي سيدخلن البهجة والكوميديا (عوض القتال والعنف) إلى الفيلم على طريقة مورين أوهارا في «سواحل طرابلس» (بروس همبرستون، 1942) وجوان بوندل وآن سذرن ومرغريت سوليفان في «صرخة خراب» (رتشارد ثورب، 1943).
لكنها المرة الأولى (أو من المرات النادرة إذا ما فلت فيلم من الذاكرة) التي نرى فيها بطلة أنثى تقاتل فعلياً خلال مواقع الحرب العالمية الأولى أو الثانية. صحيح أن إميلي بْـلْـنت شهدت مواقع قتال عدة في «حافة الغد» مع توم كروز (دوغ ليمان، 2014) لكن ذلك الفيلم كان من النوع الخيالي العلمي الذي يحارب فيه البشر مخلوقات غازية وردت من الفضاء.
نوستالجيا
إنها من بدع مجلات DC Comics إذ ولدت على صفحاتها في السابع من شهر أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1941، الشهر الذي أعلن فيه هتلر أن روسيا باتت «مكسورة» على حافة السقوط بعدما وجه هتلر جنوده صوبها. بعد شهرين على وجه التحديد (السابع من ديسمبر (كانون الأول)، من ابتداع «ووندر وومان» أغارت الطائرات اليابانية على بيرل هاربر. مؤلفا الشخصية، ويليام مولتون مارستن وهاري ج بيتر، قررا جعلها امرأة من سلالة الأساطير الإغريقية ولو أنها، شكلاً وملامح، تنتمي بقوة إلى مفهوم وسلوكيات المرأة الغربية كما إلى كامل ملامحها.
المرأة المقاتلة تنطلق
على الشاشة الصغيرة
السبعينات كانت العقد الذي انتقلت فيه المسلسلات التلفزيونية من تقديم شخصياتها النسائية في قوالب كوميدية (مثل حلقات «رودا» و«مسحورة» و«أليس» و«كارول بارنت شو»، إلى شخصيات تقاتل وتقارع كالرجال وأمضى. لجانب «ووندر وومان»، وعلى وجه التحديد، انطلق مسلسلان ناجحان في مهام قتال أنثوية أولهما «ذا بيونك وومان» الذي بثت حلقته الأولى في مطلع سنة 1976 والأخيرة في منتصف سنة 1978 وقامت ببطولتها لندساي واغنر. الثاني كان «ملائكة تشارلي» الذي عرض من سنة 1976 إلى سنة 1981 ودار حول أربع نساء يقمن بمهام صعبة. لا «بيونك وومان» ولا «ملائكة تشارلي» حاربن في مواقع قتال عسكرية؛ لذلك فإن «ووندر وومان» هو، في المقام الأول، فيلم منفرد في صياغته. يمكن تبويبه بالتساوي فيلما فانتازيا وفيلما حربيا.
بالنسبة للجمهور الإسرائيلي، كون بطلة الفيلم غال غادوت ولدت هناك، ينظر المشاهدون إلى دورها هنا كتكملة لدورها في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قبل نحو عقد ونصف. لكن الجمهور العالمي لا يكترث لهذه العلاقة حتى ولو عرف بها. ما يكترث إليه هو أن هذه المرأة لديها من القوة والتصميم بحيث تستحق الإعجاب، كما لديها الرسالة المناوئة للأشرار النازيين التي لا تزال تُـلقى فيما لا يقل عن عشرة أفلام رئيسية جديدة في كل عام.
مثل بطلة «ألعاب الجوع» (جنيفر لورنس) تستخدم ووندر وومان القوس والسهم لمحاربة أعدائها. هذه النوستالجيا الآتية، مثل «ووندر وومان» من عمق التاريخ، ترن صدىً طيّـبا آخر بين مشاهدي اليوم، ولو أن عليهم تصديق أن السهم أسرع من الرصاصة وأكثر دقة. لكن طالما أن القتل مشاع بين الأعداء فإن القلة ستتوقف لتتساءل حول الطريقة التي يتم بها القتل.
لقد اكتسبت الحرب ضد النازية موقعاً عزيزاً بين أفلام الحروب. فلا يوجد خلاف بين مختلف الوجهات السياسية اليوم على أنها كانت حربا شريرة قادها جنون العظمة والرغبة في احتلال العالم. لا أحد يسعى لتزيين صورة هتلر أو غوبلز حتى بين الذين ينظرون إلى التاريخ نظرة حيادية على أساس أنها تتيح للناظر موقعاً يستطيع من خلاله النظر إلى كامل الصورة.
طريق مفتوح
ما تضيفه شخصية ووندر وومان إلى هذا الوضع هو أنها امرأة كاملة وناضجة (عمرها بضع آلاف سنة فقط) تجد الوقت الكافي لكي تتعلم شؤون الإنسان لأول مرة بعدما تركت موطنها في مجاهل الأمازون.
لكن من غير الإنصاف القول: إن ووندر وومان هي الأنثى الوحيدة التي اهتمت السينما بتقديمها من حكايات الكوميكس الشعبية. الأفضل، الاعتراف بأن نجاح الفيلم (212 مليون دولار أميركياً ونحو 170 مليون دولار عالميا حتى الآن) هو المنفرد بين نجاحات أفلام «السوبر هيرو» المعروفة.
لقد كانت هناك محاولات سابقة لتقديم المرأة الحديدية والأنثى المعجزة إلى جمهور السينما. لكن حدث أن جمهور السينما لم يشتر الفكرة. مثلاً في العام 1984 أقدمت هوليوود على تحقيق فيلم «سوبرغيرل» المأخوذ عن شخصية تتبع مدار «سوبرمان» (قامت هيلين سلاتر بالدور). المشروع بدا رابحاً لأن فيلمَي «سوبرمان» الأول والثاني أنجزا انطلاقة قوية للشخصية الرجالية؛ ما جعل شركة كولمبيا تعتقد أن نجاح النسخة الأنثى سيكون تلقائياً.
شخصية أخرى من بنات الكوميكس منحتها هوليوود الفرصة هي شخصية «كاتوومان» الآتية فرعا من سلسلة «باتمان». لعبتها على الشاشة سنة 2004 الممثلة هالي بيري من إخراج واحد وقّـع باسم Pitof الذي كان هذا الفيلم ثاني وآخر فيلم له نسبة لقرار المشاهدين عدم الاكتراث له.
نجاح «ووندر وومان» قد يفتح الطريق أمام سيل من الشخصيات النسائية المولودة في صفحات مجلات الكوميكس الشعبية، التي إما رأت النور على نحو جزئي أو لم تره بعد مطلقاً.
هناك «ميرا» ملكة قارة أتلانتيس التي طمرتها بحار الأرض لكي تظهر فوق أحد الكواكب البعيدة. لدى ميرا قدرات غيبية وملموسة. مثلاً تستطيع أن تحول بركة ماء إلى بحر مليء بالوحوش. وهذا بعض قدراتها الخارقة فقط.
«راڤن» امرأة مقاتلة أخرى تتمتع بالقدرة على البقاء على قيد الحياة لأن ما من جرح يصيبها إلا وتستطيع مداواته قبل طرفة عين. وفي مقابل «ذا هَـلْـك» (The Hulk) الذي يتحوّل إلى رجل ضخم للغاية كلما تعذر عليه قبول ظلم يقع على أحد، هناك She‪ - ‬Hulk. هذه الشخصية الناجحة اليوم بين المدمنين على متابعة مجلات الكوميكس وشخصياتها تشكل مشكلة إذا ما تقرر نقلها إلى الشاشة؛ كون المحاولتين السابقتين لتقديم الشخصية ذاتها لم تحقق نجاحاً يذكر. الآن نراها بصفتها إحدى شخصيات «ذا أفنجرز» كما يؤديها مارك روفالو الذي يجمع بين دفتيه مجموعة من الأبطال الخارقين، رجالاً ونساء بينهم «الأرملة السوداء» التي تقوم سكارلت جوهانسن بدورها. هذه الشخصية تظهر أيضاً في سلسلة «كابتن أميركا» لجانب شخصية نسائية قوية أخرى هي «الساحرة القرمزية» التي تضطلع بها إليزابيث أولسن.
المرأة العصرية
لكن مخزن الشخصيات النسائية المحاربة ينتمي إلى سلسلة أفلام X‪ - ‬Men ففيه شخصية رافن (تؤديها جنيفر لورنس) وشخصية جين غراي (صوفي تيرنر) وشخصية ستورم (ألكسندرا شِـب) من بين أخرى.
على الورق، هناك شخصيات نسائية أخرى في سلسلة «رجال إكس» من بينهن شخصية «روغ» وشخصية «باورغيرل» وشخصية «كيتي برايد» وكل منهن لديها نمطها المختلف من القدرات؛ إذ لم تترك السينما فعلاً عجيباً غير محتمل إلا وضمته إلى شخصياتها الرجالية منها والنسائية.
أي تحليل إضافي للنجاح الذي ينجزه «ووندر وومان» لا يمكن إلا وأن يصب في صالح النظرة التي تقول: إن نجاحه هو نجاح للمرأة العصرية. هذا على اعتبار أن المرأة العصرية في الغرب وصلت إلى قدر شبه كامل من الاستقلالية وعرفت كيف تشق طريقها في موازاة القدرات الرجالية. صحيح أنها لا تحمل الحديد ولا نشاهدها تعمل داخل مصانع الصلب ولا على أسطح العمارات المشادة في المدن، لكنها لم تكن أساساً ترغب في مثل هذه الأشغال «الرجالية»، بل سعت إلى الوصول إلى قمة نشاطاته مباشرة. لذلك هي «خيالاً في الأساس» ذات قدرات قتالية لا حد لها. ولذلك؛ هي لا تهاب الرجال بل تقارعهم وتستطيع أن تتحلى بكل خصائص تم منحها للأبطال الرجال من قبل وفوقها، بالطبع، بعض النعومة شرط ألا تمارسها إلا في أوقات محدودة؛ حتى لا تخون ذاتها وتقع في الحب.
المنحى الشامل لطلاق الشخصيات النسائية من عقال اجتماعي واقعي، كان بدأ منذ عقود وتأكد قبل سنوات قريبة وفي أفلام بوليسية - تشويقية عادة مثل «لارا كروفت» (بطولة أنجلينا جولي) و«لوسي» (سكارلت جوهانسن) و«هانا» (سواريز رونان) وقريباً سنراها على هذا النحو في «أتوميك بلوند»، حيث تقود تشارليز ثيرون حملة على أعداء الولايات المتحدة في برلين.
في هذا الشأن ربما يستفيد هذا الفيلم من العودة إلى التاريخ كما الحال في «ووندر وومان».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».