أسبوع الموضة الرجالي في لندن لربيع وصيف 2018... خصوبة خيال بروح رياضية

انسحاب البيوت الكبيرة منه ونتائج الانتخابات أثرت عليه

TT

أسبوع الموضة الرجالي في لندن لربيع وصيف 2018... خصوبة خيال بروح رياضية

أهي الانتخابات البريطانية التي لم يكن للشارع البريطاني شاغل سواها في الأسبوع الماضي، أم هي المخاوف من الخروج من الاتحاد الأوروبي التي لا تزال مهيمنة، أم هي فقط حالة من البرود تسللت لقلوب عشاق الموضة؟ في كل الحالات، فإن هذا البرود تسلل إلى أسبوع الموضة الرجالي هذا الموسم، حيث لم يتمتع بنفس الضجة والإثارة اللتين حظي بهما في السنوات الماضية. فمنذ خمس سنوات، عندما أطلق الأسبوع لأول مرة كان القطاع الرجالي بدأ يشهد ازدهارا غير مسبوق يحركه عشاق الموضة والمصممون الشباب على حد سواء. هذا الازدهار جعل الكل يتحمس ويتفق على أنه حان الوقت لكي يُصبح له أسبوعه الخاص عوض أن يبقى يوما يتيما يتشبث بذيل أسبوع الأزياء النسائي. فقبل خمس سنوات كان عبارة عن يوم واحد وضائع في آخر يوم من أسبوع الموضة النسائية، حين تكون أغلب وسائل الإعلام والمشترون قد غادرت إلى ميلانو. ثم انطلق بقوة أثارت حسد نيويورك التي ما لبثت هي الأخرى أن أطلقت أسبوعا رجاليا.
في لندن، تم جس النبض بثلاثة أيام في البداية، سرعان ما امتدت لخمسة أيام نظرا لحجم الإقبال عليه، ليس من قبل المصممين البريطانيين فحسب، بل أيضا مصممين من عواصم أخرى مثل «تومي هيلفيغر» و«بيلستاف» وتوم فورد وآخرين. فلندن تبقى في النهاية مركزا تجاريا عالميا مهما لا بد أن يسجلوا فيه تواجدهم، إما من خلال عروض أزياء أو بافتتاح محال رئيسية. وهكذا مرت خمس سنوات ولا تزال مبيعات الأزياء والإكسسوارات الرجالية تتنامى بسرعة تفوق نمو قطاع الأزياء النسائية حسب كل الدراسات، ومع ذلك نلاحظ أن سحر عروض الأزياء بدأ يتبخر بالتدريج.
دار «بيربيري» التي كانت من أهم بيوت الأزياء البريطانية المشاركة فيه، وبالتالي تضفي عليه الكثير من البريق بجذبها شخصيات مهمة لا ترى مناصا من حضوره بسبب قوتها الإعلانية، قررت في العام الماضي أن تنسحب من الأسبوع الرجالي والاكتفاء بعرضين في السنة يقدم فيها مديرها الفني كريستوفر بايلي اقتراحاته للرجل والمرأة على حد سواء.
لكن انسحاب بيوت كبيرة لم يكن سلبيا بالكامل، وكانت له في المقابل إيجابيات تتمثل في منح مساحة أكبر للشباب، وهو ما كان واضحا طوال الخمسة أيام. كان هناك جنون يستحضر لندن في الثمانينات ويُحيي الأمل بأن تعود العاصمة البريطانية إلى أيام زمان حين كان الابتكار الفني يأتي قبل التسويق وحين كانت سباقة في إطلاق توجهات، أقرب إلى الصرعات أحيانا، تُطوعها باقي العواصم العالمية بأسلوب واقعي وتجاري. ورغم أنهم لا يزالون ملتزمين بقواعد التسويق، فإنه تم التخفيف من القيود على شطحاتهم الفنية. فهي البهار الذي يعطي أسابيع لندن ككل نكهتها ولذتها. التحدي أمام المصممين الشباب ليس في التقيد بالأسلوب التجاري بقدر ما هو ضرورة التفكير في تصاميم تنجح في كسب الزبون الشباب وخدمته لمواسم كثيرة وليس لموسم واحد أو اثنين على الأكثر. وهذا يحتاج إلى رؤية مستقبلية واضحة عليه تجسيدها في قطعة أساسية ترتبط باسمه وتبقى مع زبونه مدة طويلة، بينما يستطيع هو أن يجددها في كل موسم من خلال التفاصيل فقط.
الكثير من المصممين باتوا يُدركون هذا ويحاولون قدر الإمكان تحقيقه، بدءا من كريغ غرين، غرايس وايلز بونر، تشارلز جيفري، إدوارد كراتشلي ويليام هودج إلى أسماء لصيقة بالتفصيل الكلاسيكي مثل «هاكيت» و«دانهيل» و«إي.توتز» و«جيفز أند هوكس» وغيرهم.
من المشاركات المهمة هذه الدورة عرض «توبمان» الذي كان واضحا أن مصممها يريد أن يغري الرجل بمقاطعة التصاميم الضيقة وتبني بنطلونات واسعة تستحضر حقبة الثمانينات. لم يقدم عرضا ضخما أو اقتراحات كثيرة، بل اقتصر على عرض بسيط صاحبه معرض للمصور الفوتوغرافي نيك أوفورد وفيلم للمخرج ماكس واليس. فقد أراده المصمم غوردن ريتشاردسون أن يكون بمثابة حوار مفتوح بين محال «توبمان» والجيل الجديد من الزبائن الذين يتسوقون منه، وأغلبهم في العشرينات من العمر. هذه الشريحة هي التي تُعول عليها صناعة الموضة في الوقت الحالي؛ لأنها برهنت على أنها تعشق التسوق، ولا ترى في تغيير إكسسواراتها وتجديد أزيائها حرجا. وأضاف المصمم ريتشاردسون شارحا بأنه من خلال دراسة طريقة الرجل في التسوق تبين أنه «يريد أن يثير الانتباه والإعجاب على حد سواء»، ولا يريد أن يبقى كلاسيكيا بالمعنى العادي. وبحكم أنه لاحظ أيضا أن زبائنه مدمنون على بنطلونات الجينز الضيقة، رغب في أن يقدم لهم اقتراحات مختلفة حتى لا يصابوا بالملل، أو على الأقل يعرفون أن هناك خيارات أخرى أمامهم. ترجمته لهذه الخيارات تجسدت في بنطلونات فضفاضة مع قمصان واسعة تصل إلى الركبة، وبدلات مستوحاة من الأزياء الرياضية بألوان صارخة مع بعض الطبعات قال المصمم إنه استوحاها من أعمال الرسام وفنان الغرافيك الأميركي روبرت روشنبورغ، الذي استبق ظهور حركة البوب آرت.
مساء يوم السبت الماضي كان عرض غرايس وايلز بونر من أهم العروض بالنظر إلى الازدحام خارج قاعة العرض. فالمصممة الشابة كانت الفائرة بجائزة «إل في آم آش» لعام 2016، وبالتالي كان الكل يريد أن يرى ما ستقدمه بعد حصولها على الدعم من المجموعة. ولم تخيب الآمال. فقد أكدت أنها واحدة من المصممين الشباب الذين يتمتعون بقدرة عجيبة على نسج أزياء تناسب الجنسين، ومزجها بإيحاءات لا يعرف الناظر إن كانت من أفريقيا أم أوروبا أم جزر الكاريبي، فهي تتشابك في خطوط متناغمة تجعل من الصعب التفريق بينها. والأهم من هذا، فإن تصاميمها تلمس وترا حساسا بداخل شاب يريد أن يتمرد على المتعارف عليه ورغبته تكسير التابوهات الاجتماعية التي تفرق بين الجنسين. فأزياؤها تلعب على الذكوري والأنثوي إلى جانب التصاميم الـ«سبور».
الأسلوب «السبور» أخذ ترجمة حرفية في عرض المصمم ليام هودجز، الذي اختار عنوانا لتشكيلته «الضجيج». تفسيره أن الإنسان بطبعه مسالم ووديع، لكن ظروف الحياة ومتطلباتها هي التي تجعله يُكشر عن أنيابه حتى يحصل على مُبتغاه. الصراع بالنسبة له هو أن نتعلم كيف نتعامل مع الضجيج «بما في ذلك المعلومات التي نحصل عليها، وعلينا أن نُغربلها لكي نكون مُبتكرين وليس مُقلدين وتابعين». وأضاف: «مهم جدا أن لا نخلط بين الوداعة والقوة فحتى الدببة الصغيرة لها أنياب عند الحاجة»، مفسرا ظهور دب ضخم في العرض إلى جانب رسمات أسنان وأنياب ودببة على بعض القطع. المهم أن ترجم فكرته هو الآخر في تشكيلة تلعب على النعومة والقوة. نعومة الأقمشة، بما فيها الدينم الذي استعمله لأول مرة، والخطوط المنسدلة بينما تجلت القوة في التفصيل وبعض الرسمات والعبارات السياسية. ورغم أن كل ما في التشكيلة يصرخ بأنها لشاب في مقتبل العمر، صرح المصمم بأنه يريدها أن تكون «أزياء يمكنني أن ألبسها عندما أكبر في السن وليس أزياء لكبار السن كما نراها حاليا». وإذا كان المصمم روض بعض جموحه في هذه التشكيلة فإنه لم يروض الجانب الـ«سبور» الطاغي عليها، سواء من حيث الخطوط أو الألوان. فقد اعترف بأنه استوحاها من شركة «فيلا» الرياضية، ومن أعمال مديرها الفني الأول بييرلويجي رولانا وشغفه بصناع التماثيل الأميركيين، وهو ما ظهر في طريقة الحياكة التي تظهر من الجوانب والأربطة والسحابات وما شابه من تفاصيل تغلب على منتجات «فيلا» الرياضية.
من جهته، لعب إدوارد كراتشلي أيضا على مفهوم الذكورة والأنوثة من خلال تشكيلة غلبت عليها الأشكال الواسعة والأقمشة الناعمة والألوان والنقشات الصاخبة. وكأن هذا لا يكفي أرسل مجموعة من الأزياء النسائية ربما ليبرهن أنه قادر على ذلك أو ربما لجس النبض والتوسع قريبا.
بالنسبة لدار «دانهيل» الدار البريطانية التي ارتبط اسمها منذ تأسيسها بالـ«جنتلمان الإنجليزي» فكان عرضها يوم الجمعة الماضي مهما لأسباب عدة. أهمها أنه الأول لمصممها الجديد مارك ويستون القادم من دار «بيربري». ولم يخيب الظن فيه، لأن تشكيلته كانت تعبق بالتفصيل الإنجليزي الذي لا يعلى عليه، وغلب على بدلات بسترات مزدوجة ومعاطف تشيسترفيلد، التي ظهرت أول مرة في 1830 وارتبطت بالطبقات الارستقراطية عموما. لكن الجميل في ويستون أنه كان واعيا أن الزمن تغير، بما فيه ذوق الطبقات الأرستقراطية الشابة؛ لهذا لم ينس أن يطعم كل قطعة بلمسة عصرية.
* التنسيق بين دور الأزياء لتقليص النفقات
- أهم ما شهدته ساحة الموضة الرجالية مؤخرا مزج بعض دور الأزياء عروضها مع بعض لتقليص النفقات والجهود.
في لندن مثلا كانت دار «بيربري» تخطف الأضواء من الأسماء الصغيرة نظرا لتاريخها وإمكاناتها في تنظيم عرض ضخم بتكاليف عالية لا يقدر عليها المصممون الشباب.
بعد أن انسحبت من البرنامج الرجالي إثر قرارها تقديم عرض رجالي نسائي مرتين في العام، أصبح بإمكان هؤلاء الشباب أن يفردوا عضلاتهم ويأخذوا مساحة أكبر من الانتباه. والنتيجة أن الكثير من المصممين شعروا ببعض الارتياح الذي تجسد في إطلاقهم العنان لخيالهم واستعمالهم لغتهم الخاصة بعد أن كانوا يحاولون التخفيف من لكنتها في السنوات الماضية تلبية للتعليمات ومقتضيات السوق.
كانت التعليمات تدعوهم لمراعاة جانب التسويق، بمعنى أن تكون أزياؤهم واقعية لكي يسهل بيعها، وهو ما كان. بيد أنهم في عامهم الخامس، يلاحظ أنهم إما اكتسبوا ثقة أو أنهم يشعرون بأنه ليس هناك ما سيخسرونه؛ لهذا أطلقوا العنان لخيالهم، وفي حالات البعض الآخر شطحاتهم الفنية؛ الأمر الذي أعاد إلى الأذهان أجواء لندن في السبعينات والثمانينات. الفترة التي شهدت بزوغ نجم المتمردة فيفيان ويستوود والعبقريين جون غاليانو وألكسندر ماكوين. والفترة التي كان دور الموضة فيها تأريخا لثقافة العصر وترجمة لنبض الشارع من خلال أساليب تجتاح العالم، مثل موجة البانكس في السبعينات، أو الموجة التي تمزج الذكوري بالأنثوي وما شابه.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
TT

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

في مجموعته من خط «الريزورت لعام 2020» أثار مصمم دار «كارولينا هيريرا» ويس غوردن موجة من الاستياء والغضب في المكسيك. اتُهم حينها بالسرقة الفنية والثقافية، لأنه استلهم من تطريزات تراثية مكسيكية بشكل شبه حرفي من دون أن يطلب الإذن من أصحابها ولا أشار إليهم. وصل الأمر إلى تدخل حكومي، جاء على لسان وزيرة الثقافة المكسيكية آليخاندرا فراوستو التي وجَهت رسالة تتهم فيها دار «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي وتطالبها بتفسير علني لاستخدامها رسوماً منسوخة من تراث الشعوب الأصلية المكسيكية، وما إذا كان هؤلاء سيستفيدون بأي شكل من الأشكال.

جاءت كل إطلالة وكأنها لوحة مرسومة بالأزهار والورود (كارولينا هيريرا)

كان رد المصمم سريعاً وهو أن فكرة الانتحال لم تكن تخطر بباله، وأن ما قصده كان تكريم الثقافة المكسيكية والاحتفال بها، مُعترفاً أنه لا ينفي أن «المكسيك بالفعل حاضرة بقوة في هذه المجموعة. لكن حرصي على إبراز هذا التراث هو دليل على المحبة التي أكنّها لهذا البلد ولإبداعاته الحرفية التي طالما أعجبت بها وكانت من أهم مصادر إلهامي».

ريزورت 2025

مرت أربع سنوات وأشهر عديدة، وها هو يؤكد أن قوله لم يكن لمجرد التبرير للخروج من ورطة غير محسوبة. هو فعلاً يحب الثقافة المكسيكية، وإلا ما عاد إليها في عرضه الجديد من خط «الريزورت لعام 2025». الاختلاف هذه المرة أنه اتخذ كل التدابير التي تقيه أي جدل أو هجوم. فالعرض كما تشرح الدار «رحلة من الاستكشاف تُعززها العلاقة الممتدة على مدى عقود طويلة بينها وبين المكسيك».

استلهم المصمم ألوانه من غروب الشمس في مكسيكو سيتي والطبيعة المحيطة (كارولينا هيريرا)

عُرضت التشكيلة في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي. اختار لها المصمم غروب الشمس توقيتاً، ومتحف أناهواكالي، مكاناً.

اختيار متحف «اناكاهوالي» مسرحاً للعرض له دلالته. فهو يحتوي على قطع أثرية تعود إلى ما قبل كولومبوس وتحيطه مناظر خلابة تشكلها النباتات المحلية مما جعله مثالياً لعرض يزخر بالتاريخ والفن والجمال. يُعلَق المصمم غوردن «إن مكسيكو سيتي لها مكانة رائدة كمركز عالمي للفنون والإبداعات المعمارية وتجارب الطهو والثقافة، فضلاً عن المهارة العالية التي يتمتع بها الحرفيون المحليون».

اختار المصمم مزيجاً من الألوان التي تتناغم مع بعضها رغم تناقضها (كارولينا هيريرا)

كان واضحاً أنه اتبع هنا مبدأ «ابعد عن الشر وغني له». اكتفى بألوان الطبيعة المستلهمة تحديداً من غروب الشمس والصخور الركانية في مكسيكو سيتي والمناطق المجاورة لها، و تعاون مع أربع فنانات مكسيكيات، ليُرسِخ احتفاءه بالمهارة الفنية والثقافة المكسيكي من دون أن يتعرَض لأي هجوم أو انتقاد.

وهكذا على طول الفناء الأمامي للمتحف الذي تم بناؤه على حجر بركاني منحوت، تهادت العارضات وهن يتألق في تصاميم تراقصت فيها الألوان الزاهية مثل الأزرق والأخضر العشبي، والعنابي، والأصفر الساطع، إلى جانب قطع بالأبيض والأسود. لم يخف المصمم ويس غوردن أنها لوحة رسمها وطرَزها بالتعاون مع فنانات مكسيكيات لهن باع وشغف في مجالات متنوعة، ساهمت كل منهن بضخها بالألوان والديناميكية الجريئة التي تتميز بها الفنون المكسيكية، وهن:

الفنانة ناهنو Nähñu

فنانات برعن في التطريز لهن يد في تشكيل مجموعة من التصاميم (كارولينا هيريرا)

وهي خبيرة تطريز تعود أصولها إلى نانت في تينانجو دي دوريا في ولاية هيدالغو. تفنّنت في ابتكار ثماني قطع قطنية مطرزة مع تدرجات لونية متباينة ظهرت في قمصان وفساتين وسراويل. وتعليقاً على هذا الموضوع، علَقت الفنانة: «تمنحني الأقمشة مساحة للتعبير عن أسلوبي الإبداعي وحالتي المزاجية في مختلف الأوقات. فعندما أشعر بالسعادة أستخدم ألواناً حيوية، بينما أعتمد الألوان الداكنة للتعبير عن شعوري بالحزن». وأضافت ابنتها بيبيانا هيرنانديز، التي ساهمت هي الأخرى في هذه الإبداعات: «نجحنا في هذا المشروع بالتعبير عن أسلوبنا المميز في عالم التطريز. فهو الذي يفسح لنا المجال لإبراز مواهبنا والتعبير عن مشاعرنا المختلفة في الوقت ذاته».

فيرجينيا فيرونيكا آرسي آرسي

من الطبيعة والثقافة المحلية استلهمت الفنانات المتعاونات تطريزاتهن (كارولينا هيريرا)

هي أيضاً فنانة متخصصة في التطريز. أبدعت للدار تطريزات مستوحاة من جمال الطبيعة المحيطة بمدينتها، سان إيسيدرو بوين سوسيسو، بولاية تلاكسالا، التي تشتهر بامتداد منحدرات جبلها البركاني المعروف باسم لا مالينشي.

اكتسبت فيرجينا مهارة التطريز من والدها وهي في سن الـ15، وتعهدت منذ ذلك الحين أن تحافظ على هذه الحرفة وتعمل على تطويرها كلغة فنية لما تُشكله من جزء هام من هوية المجتمع. وتبرز أعمالها في ثلاثة فساتين من الدانتيل المطرز.

جاكلين إسبانا

خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض كان حاضراً في هذه التشكيلة (كارولينا هيريرا)

مساهمتها تجلّت في تخصصها في خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض، والذي يشكل جزءاً رئيسياً من النسيج الثقافي في سان بابلو ديل مونتي بولاية تلاكسالا.

عشقت جاكلين هذا النوع من الخزف منذ طفولتها، فعملت على استكشاف مزاياه الإبداعية بعد إنهاء دراستها في مجال الهندسة الكيميائية. وقالت في هذا الصدد أن خزف تالافيرا «يشكل في منطقتنا إرثاً عريقاً نحرص باستمرار على الحفاظ عليه واستخدامه كزينة في المناسبات الخاصة فقط. ولذا، وقع عليه اختياري لاستخدامه في أعمالي الفنية عموماً، وفي هذه التشكيلة خصوصاً».

استلهمت الفنانة من الخزف ألوانه ومن الطبيعة المكسيكية أشكالها (كارولينا هيريرا)

كان دورها أن تبتكر تفاصيل ومجوهرات من الخزف المرسوم يدوياً لتزين بها قطع أزياء وأقراط، كما تشرح: «بصفتي متخصصة بخزف تالافيرا، ألتزم بالحفاظ على إرث هذا الخزف المتوارث عبر الأجيال، والاحتفاء بجوهره والعمل على تطويره من خلال وضعه في أروع الإبداعات».

ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»

تعاونت الدار مع ورشات مكسيكية لإبداع إكسسوارات لافتة بألوانها (كارولينا هيريرا)

تعاونت الدار أيضاً مع ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»، التي تتخذ من أواكساكا دي خواريز بمدينة أواكساكا مقراً لها. وتعتبر مركز الأعمال الحرفية في المكسيك، إذ تتعاون الورشة مع أبرز الفنانين لإعادة ابتكار بعض القطع التقليدية برؤية عصرية. لهذا المشروع عملت الورشة مع حدادين متخصصين في النحاس ومطرزين ورسامين لتزيين الخيكارا، وهي أوعية تقليدية مصممة من قشور القرع المجففة، تُستخدم فيها الألوان وفن التطريز وأنماط المقرمة وغيرها من المواد.

تقول مؤسسة الورشة نيبرا: «أستمد إلهامي من الطبيعة من حولي، بما تحمله من نباتات وأزهار حسب المواسم التي تظهر فيها، إضافة إلى ألوان غروب الشمس». لهذه التشكيلة، نجحت نيبرا وفريقها في ابتكار مجموعة من المجوهرات الملونة يدوياً تشبه أعمالها فن الخيكارا.

لمسات كارولينا هيريرا

حافظت التشكيلة على أسلوبها الراقص على نغمات من الفلامينكو (كارولينا هيريرا)

لم تكتف «كارولينا هيريرا» بهذه التعاونات. عرضت أيضاً مجموعة مصغرة من ألبسة الجينز بالتعاون مع شركة «فرايم دينم»، إلا أن مصممها وبالرغم من شغفه بالثقافة المكسيكية، لم يتجاهل جينات الدار الأساسية، التي ظهرت في أزياء المساء والسهرة. فهذه حافظت على أسلوبها المعروف بأناقتها الكلاسيكية الراقصة على نغمات من الفلامنكو، إضافة إلى تلك الفخامة التي تعتمد فيها دائماً على الأقمشة المترفة والأحجام السخية، والورود المتفتحة.