«رسالة القرآن»... ترجمة محمد أسد للمصحف الشريف

جدّ مؤخّراً في سيرة المستشرق النمساوي المسلم محمد أسد، صدور تعريب قامت به هذا العام دارة الملك عبد العزيز، لكتاب من تأليف الباحث النمساوي غنثر فندهاغر، أستاذ دراسات الأنثروبولوجيا في جامعة فيينا 2011، الذي يتخصّص أكثر من غيره من الأوروبيين في سيرة محمد أسد.
ومحمد أسد، الذي يُعدّ أفضل من أَسّس للعلاقات الحديثة بين العالم الإسلامي وأوروبا، ولد سنة 1900 في أسرة يهوديّة متعصّبة، وبعد سنوات من البحث عن اتّجاه وهُويّة، صار مراسلاً لكبرى الصحف الألمانيّة، متجوّلاً في بلاد الشرق الأدنى، في رحلات قادته إلى القدس الشريف، ليعتمر الإيمان قلبه، بعد أن اكتشف المعاني السامية للإسلام. وبعد أن أدّى فريضة الحج عام 1927 وأقام ست سنوات في المدينة المنوّرة ضيفاً على الملك عبد العزيز، استأنف رحلاته عام 1932 مروراً بالهند ثم باكستان فأميركا وسويسرا والمغرب والبرتغال، وأخيراً إسبانيا التي توفي فيها عام 1992، ودفن في مقبرة المسلمين في الأندلس.
ومن مجموعة كتب، ألّف ثلاثة من أنفس ما كتبه غربي في الفكر الإسلامي، وهي «الإسلام في مفترق الطرق 1932»، وكتابه الشهير «الطريق إلى مكة 1952»، و«منهاج الحكم في الإسلام 1987». لكن موجب هذا المقال، هو استذكار مسعاه لترجمة معاني القرآن الكريم، التي أنجز جزأها الأول عام 1974، وأتمّ جزأها الثاني عام 1980، وصدرت عن دار الأندلس في جبل طارق، بتمويل من رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، مطبوعة في دبلن، وتوزّعها مكتبة E.L.Brill في لندن، وتقع في مجلّد واحد من ألف صفحة.
ويذكر أن الرابطة حجبته بعد صدوره بسبب بعض الملحوظات على الترجمة، وقد طوى النسيان هذا العمل الجليل طيلة العقود الأربعة الماضية، علماً بأن الحجب وقع في أثناء حياة محمد أسد، وهو بكامل قواه الذهنيّة.
ومع البحث عن الأسباب وعن الترجمة، عثر كاتب هذه السطور على مقال للمفكّر الدكتور إبراهيم عوض، كتبه عام 2006 ونُشر في «مُدوّنة ملتقى أهل التفسير»، وهو دراسة نقديّة طويلة ضمّنها ملحوظاته على الترجمة، تتعلّق في معظمها بالمصطلحات والألفاظ اللغويّة الإنجليزيّة، التي اجتهد محمد أسد، بحسن نيّته وبمقدار فهمه اللغوي، في استخدامها، كما أجرى فيها مقارنة مع ترجمات أخرى، وكان مما تضمّنه اعتراضه على ترجمة لفظ الجلالة إلى (God) وترجمة كلمة (طه) إلى (O,man) مع أنه ثبت أن للكمة جذوراً سيريانيّة، اللغة التي يفهمها محمد أسد.
ويظهر من المدوّنة، أن تلك الدراسة المعمّقة، قد تناولها في حينه عدد من المفكّرين السعوديين الذي اتفقوا مع ما ذهب إليه الدكتور عِوَض، أو اختلفوا ودافعوا عن اجتهادات محمد أسد، ومنهم عبد العزيز الرفاعي - وهو من أصدقاء محمد أسد - وسلمان العودة وغيرهما، وإن هذا المقال الذي يحرّره كاتب غير متخصّص في الترجمة والتفاسير، لا يتّجه لتزكية الترجمة التي صدرت عن محمد أسد بعد جهده المضني الذي دام نحو عشرة أعوام، كما أن من المعروف أن هناك العشرات من الترجمات المتفق والمختلف عليها، ولكن المرء يحزن أن يرى جهده يضيع وينسى، خاصة وقد صدر منه عن اجتهاد، وبإيمان لا تصل إليه شكوك.
والسؤال هو: أليس بمقدور الرابطة، وهي التي تحتضن أئمّة أعلاماً في الفكر الإسلامي، أن تقوم بإصدار ملحق لهذا العمل، أو بإعادة طبع الترجمة مذيّلة بهوامش توضيحيّة لبعض اجتهاداته في التفسير، خاصة أنه ما زال يوجد كثير من المترجمين يختلفون في بعض المفردات؟
وهل يكون الشهر الكريم مناسبة لرفع الحجب عنه والإفادة منه؟.
بقي أن يُسجل التقدير للأستاذ خالد محمد القصيبي، الذي عثر على هذه الترجمة في مكتبته الخاصة، كانت مهداة إليه من الدكتور غازي القصيبي، وأطلع كاتب المقال عليها.
* إعلامي وباحث سعودي