كوربين... من المقاعد الخلفيّة للبرلمان إلى النجم السياسي الأول

«المرشح» الذي ملأ الدنيا وشغل الناس

كوربين أثناء حملته الانتخابية
كوربين أثناء حملته الانتخابية
TT

كوربين... من المقاعد الخلفيّة للبرلمان إلى النجم السياسي الأول

كوربين أثناء حملته الانتخابية
كوربين أثناء حملته الانتخابية

أثار الصعود المتسارع لشعبيّة حزب العمّال البريطاني المعارض، وأداؤه المبهر في الانتخابات العامة المبكرة الأخيرة دهشة المتابعين داخل بريطانيا المؤيدين والمعارضين معاً، وعبر العالم. فبينما كانت رئيسة الوزراء الحاليّة تتمتع بأغلبيّة مريحة في البرلمان السابق يمنحها صلاحية الاستمرار وحزبها الحاكم - حزب المحافظين - في السلطة حتى نهاية العقد تقريباً، اختارت أن تدعو لانتخابات مبكرة، مستفيدة من تراجع شعبية حزب العمال المعارض إلى مستويات متدنيّة قياسية وفق استطلاعات الرأي. كانت وجهة نظر فريق مستشاريها - الذين أقيلوا قبل أيام - بأن الفرصة التاريخيّة سانحة حينها للقضاء المبرم على حزب العمال ودفنه إلى الأبد بالاستفادة من صراع الأجنحة داخله، وصراع البقاء الذي كان يعيشه جيريمي كوربين، زعيم الحزب.
لكن حساب الحقل وفق فريق ماي التي خرجت من عباءة التاتشرية النيوليبرالية لم يوافق حساب البيدر. فخلال أسابيع قليلة من انطلاق الحملات الانتخابيّة، بدأت استطلاعات الرأي التي تحدثت عن تقدم المحافظين بأكثر من 20 نقطة مئوية تحولت تدريجياً لمصلحة العمال حتى وصلت في الأيام الأخيرة للانتخابات إلى ما يشبه نقطة التعادل. وسرّب أعداء كوربين داخل حزبه مانيفستو حملته الانتخابية لضرب مصداقيته، فكان أن تحول إلى برنامج عمل شديد الجاذبيّة للطبقة العاملة في المملكة المتحدة، كما جرت الرياح بما لا تشتهي السفن بالنسبة لصحافة اليمين التي شنّت حرباً شعواء انتهت كلها إلى تلميع صورة الرجل وفقدان تلك الصحف لمصداقيتها عند الجمهور. وهكذا عندما جرت الانتخابات أخيراً، فقدَ الحزب الحاكم أغلبيته البرلمانية، وذهب مضطراً لحفظ ماءِ سلطته لاهثاً وراء تحالف مع حزب آيرلندي يميني مغمور للتمسك بالسلطة بأغلبيّة هشة، بينما حقق حزب العمّال أفضل نتيجة له منذ عام 1945 - عندما فاز بالانتخابات العامة حينها - وانتزع مرشحو الحزب عشرات المقاعد من المحافظين وغيرهم، بل هم فازوا بتمثيل منطقة كينغستون وتشيلسي في قلب لندن الأثرياء، وأصبح جيريمي كوربين المرشح الأوفر حظّاً لقيادة جبهة تقدميّة تتلقف السُّلطة من المحافظين إن هي أفلتت منهم لأي سبب.
لم تكُ تلك اللحظة في تاريخ السياسة البريطانيّة نتاج نوع من السحر أو حتى سوء الحظ للمحافظين. لقد كانت تتويجاً لمسيرة فريق صغيرٍ متماسك داخل (غابة) حزب العمال الشائكة يقوده جيريمي كوربين، وهو حقق تراكم انتصارات مذهل في إطار صراعات حزبه خلال السنتين الأخيرتين من خلال خلية عمل نابهة غاصت في تفهمٍ عميقٍ لتحولات مزاجات الناخبين البريطانيين وأساليب التأثير عليهم عبر أجواء النيو ميديا وتكنولوجيات التواصل الحديثة.
كتاب «المرّشح» للصّحافي البريطاني أليكس نونز الذي صدر حديثاً في لندن يقدّم - ما هو خارج فضاء الدراسة الأكاديميّة البحتة - رواية شديدة التشويق كأنها عمل أدبي مزركش بالخيال لسيرة صعود جيريمي كوربين العصيّة على التصديق: من مجرد نائب راديكالي دائم عبر الدورات الانتخابيّة لمجلس العموم البريطاني، إلى أهم زعيم لحزب العمّال منذ أيام الرّاحل توني بين (الأب الرّوحي لكوربين). ورغم أن الكتاب صدر أثناء الحملة الانتخابيّة الأخيرة - وبالتالي فهو لا يغطي المرحلة -، فإنه مرجع أساسي لفهم نجم الطبقة العاملة الصاعد وبنية الحركة التي يقودها.
يذهب نونز بعيداً ليلقي بالضوء على أسباب يجادل أنها تفسّر تلك الأحداث التي أعادت تشكيل العمل السياسي في بريطانيا المعاصرة، وستكون دليل عمل لكل الأحزاب السياسيّة الطامحة إلى السلطة لا سيما الحركات العماليّة واليساريّة التي تنتمي لمدرسة الاشتراكيّة الديمقراطية في أوروبا.
وبالنسبة لنونز فإن ظاهرة كوربين جاءت نتيجة إحساس عميق بالغضب في أوساط ناشطي حزب العمال وجمهوره من الأداء الباهت والمركزيّة غير المبررة لتيار جناح اليمين (جماعة توني بلير) وانخراط الأخيرين التام في مشاريع الحروب الأميركية بالشرق الأوسط، وتمريرهم للسياسات النيوليبراليّة الموروثة منذ أيام ثاتشر - رئيسة الوزراء البريطانيّة الرّاحلة - وسوء إدارتهم إبّان الأزمة الماليّة العالميّة التي ضربت العالم عام 2008 وبقيت مفاعيلها حتى الوقت الراهن. وبالنسبة لنقابات العمّال التي تشكل جزءاً مهماً من الحزب - وهي المتّجهة يساراً بحكم الضغوط الاقتصادية وسياسات التقشف التي اعتمدتها السلطات في مواجهة مفاعيل أزمة الـ2008 - وكذلك بالنسبة لتيار يسار الحزب والقواعد الشعبيّة، فإن تلك القيادة اليمينيّة اعتبرت تمثلاً لأسوأ الشياطين، وسرّ نكبات الحزب المتتالية.
تسببت تلك الأجواء المسمومة بنوعٍ من حرب أهليّة داخل حزب العمال، مما دفع بعض نوابه الوسطيين في البرلمان إلى قبول ترشيح كوربين لمنصب القيادة بعد الانتخابات العامة عام 2015 - التي كانت منحت المحافظين أغلبية مريحة على حساب العمال بالذات - وذلك كنوع من محاولة أخيرة للمحافظة على وحدته في مواجهة خطر الانشقاق من خلال السماح ليسار الحزب بتقديم مرشح لهم. كانت تلك نوعاً من مناورة فارغة، إذ إن كتلة نواب الحزب في البرلمان تعاطت قناعة شبه تامة بأن كوربين شخصية غير قابلة للنجاح في الانتخابات الداخليّة، ناهيك عن الانتخابات العامة. يمين الحزب كان قد دفع وقتها باتجاه تغيير أنظمة الانتخاب الداخليّة بحيث يمنح كل عضو صوتاً واحداً بينما عارضها يسار الحزب بشدة لإبقاء الثقل بيد النقابات. وكحلم سوريالي عجيب، كان ذلك التغيير بالأنظمة بالذات هو ما جعل فوز كوربين بمنصب القيادة ممكناً. فالرجل ببساطته وصدقه وانحيازه لقضايا المواطنين العاديين وهواجسهم كان أكثر قرباً لقواعد الحزب الشعبيّة - ولاحقاً بالطبع لقطاع عريض من الناخبين البريطانيين - مقارنة بأولئك المتأنقين المتحذلقين من يمين الحزب الطامعين بالوصول إلى مناصب السلطة من دون كبير اهتمام بهموم ومتاعب المواطنين الحقيقيّة.
يَصِفُ نونز المزاج في القاعة الكبيرة، حيث احتشد أعضاء الحزب لمعرفة نتائج تلك الانتخابات الداخليّة لمنصب الرئيس التي تقدم إليها ثلاثة من عتاة جناح اليمين في مواجهة مرشح اليسار، النائب جيريمي كوربين. قرأ إيان ماكنيكول السكرتير العام الأرقام النهائية التي حصل عليها المرشحون فانقسمت القاعة بين صراخ مبتهج من بعض أجزائها، بينما خيّم صمت قبورٍ على الأجزاء الأخرى. لقد حدثت المعجزة، وفاز كوربين بأغلبية كبيرة لتبدأ يومها رحلته نحو نجوميّة قد تنتهي به قريباً رئيساً لوزراء الإمبراطوريّة العجوز.
يقدّم الكاتب الكثير من التفاصيل الفطينة عن يوميات العمل في فريق كوربين بقيادة اليساري المخضرم جون ماكدونيل، وعن نجاح ماكينة الحزب ببناء وجود شديد الفعاليّة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وبين قطاعات الشباب، ومقابلات مع الأشخاص الذين كان لهم دور في قصة الصّعود المذهلِ هذه، وكذلك توصيف لقدرة كوربين المثيرة للإعجاب على التكيف في تقديم صورته العامة للجمهور من نائب متمرد في أجواء السلطة البريطانيّة الحاكمة، إلى زعيم ذي شعبية تكاد أغلبيّة من البريطانيين ترى فيه أفضل رئيس وزراء ممكن للبلاد، لا سيّما بعد تلبد سماء المملكة بالأجواء السياسيّة والاقتصاديّة الصعبة.
«المرشح» يتجاوز حد السيرة السياسيّة لجيريمي كوربين زعيم اليسار البريطاني الجديد، ليشكل أبجدية لا غنى عنها لكل راغب بفهم تحولات الحياة السياسية في المملكة المتحدة بشكلها المستحدث. لقد غيّر كوربين - وفريقه - اللعبة بالكامل.



قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»
TT

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.

في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.

 

باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!

 

من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!

قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.

أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!

هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!

 

د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي

ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.

وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».

قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.

أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.

وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).

لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.

 

عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية

ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.

ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.

وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.

 

كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة

ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.

تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.

والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.

في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.

مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.

 

حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي

من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.

وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.

وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.

وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.

وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.

جمانة الطراونة

 

جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»

الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:

«في الليلِ

أرى شخصاً آخرَ

لا أَعْرِفُـهُ

يَتَعَقَّبُني

فأغذُّ خطايَ،

وأسرعُ

أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:

– اصحبْني ظلاً

فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».

أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.