خيارات متعددة أمام سيف الإسلام... لكنه ما زال مطلوباً محلياً ودولياً

مسؤول في آخر حكومة للقذافي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «بين أهله وعشيرته»

خيارات متعددة أمام سيف الإسلام... لكنه ما زال مطلوباً محلياً ودولياً
TT

خيارات متعددة أمام سيف الإسلام... لكنه ما زال مطلوباً محلياً ودولياً

خيارات متعددة أمام سيف الإسلام... لكنه ما زال مطلوباً محلياً ودولياً

قال الطيب الصافي، المسؤول في آخر حكومة لمعمر القذافي، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن سيف الإسلام، نجل القذافي، تم الإفراج عنه بالفعل، وفقا لقانون العفو العام الصادر من البرلمان، وإنه انتقل «بين أهله وعشيرته»، لكن النيابة الليبية أعلنت في المقابل أن سيف الإسلام (44 عاما) ما زال مطلوبا لأنه جرى الحكم عليه في عام 2015 غيابيا، ومطلوب القبض عليه لتتم محاكمته حضوريا.
وأثارت الأنباء عن إطلاق سراح نجل القذافي ردود فعل متباينة بشأن مستقبله في ليبيا وما يمكن أن يفعله في دولة تعمها الفوضى وتنازع السلطات.
وأكد الصافي، الذي كان يشغل موقع نائب رئيس الوزراء الليبي، قائلا من مقر إقامته في طبرق في شرق ليبيا، إن سيف الإسلام تم الإفراج عنه وفقا لقانون العفو الصادر عن البرلمان، و«هو الآن موجود في وطنه وبين إخوته من القبائل الليبية وأبناء عمومته»، لكن الصافي رفض، مثل كثير من قيادات النظام السابق، تحديد مكان وجود نجل القذافي في الوقت الراهن.
وقال مسؤول عسكري في «الجيش الوطني» الذي يقوده المشير خليفة حفتر، لـ«الشرق الأوسط» إن «سيف ربما زار أقاربه في اليومين الماضيين، وهم منتشرون في عموم ليبيا؛ من بني وليد إلى سبها، ولديه عائلات كبيرة في غرب طرابلس وأقارب في شرق البلاد أيضا».
ومن واشنطن، قال الخبير الأميركي في شؤون منطقة الشرق الأوسط، شريف الحلوة، إن سيف الإسلام «يمتلك كروت ضغط لابتزاز الغرب، ولا أعتقد أنه سينجح على المدى الطويل». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «سيف قد يكون أداة جيدة لتقسيم ليبيا». وأدى غموض المقر الجديد لإقامة سيف الإسلام في تردد بعض السياسيين والمحللين في الداخل الليبي في التعاطي مع نبأ قرار العفو، خصوصا أنه سبق الإعلان عن الإفراج عنه، الصيف الماضي، وثبت فيما بعد عدم صحة الواقعة. وقال طارق القزيري، وهو إعلامي وأحد مستشاري الحوار والاتفاق السياسي الذي أنتج المجلس الرئاسي الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، إنه في حال تأكد العفو عن سيف الإسلام، «فستكون أمامه 3 خيارات مبنية على أسس إما قبلية أو سياسية، أو بالتحالف مع حفتر وهو الخيار الأضعف».
من جانبه، شدد الصافي على صحة العفو عن سيف الإسلام، وقال إن هذا من شأنه أن يفتح صفحة جديدة لطي صفحة الخلافات والاحتراب بين الليبيين... «هذا الأمر سيكون له تأثير إيجابي، بالتأكيد، على الوضع السياسي والوضع العسكري في ليبيا، باعتبار أنه يمثل رؤية في التنمية والإصلاح، ورؤية في إصلاح ذات البين، ورؤية في السلم الاجتماعي، وهذه هي المنطلقات التي عرفناه بها».
وعرض نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات مصورة قصيرة لنجل القذافي وهو يتلقى التهاني من مجموعة من الرجال والشبان في مكان لم يعرف. وبدا بصحة جيدة وعليه علامات الفرح، بينما كان بعض مستقبليه يرفعون صور القذافي وأعلاما خضراء للدولة في مدة حكم والده التي استمرت 42 عاما، كما هتف آخرون بشعارات مؤيدة لنظام القذافي. وعرضت قناة «الجماهيرية» التلفزيونية التي كانت وسيلة إعلام رئيسية في عهد القذافي، لقطات بدا فيها بعض المحتفلين بالعفو عن سيف الإسلام من مناطق قبلية يقع بعضها في غرب طرابلس، مثل ورشفانة والصيعان.
في المقابل، أعلن بيان للقائم بأعمال النائب العام في طرابلس، إبراهيم مسعود، أن سيف الإسلام محكوم عليه غيابيا بتاريخ 28 يوليو (تموز) 2015، و«مطلوب القبض عليه» لتتم محاكمته حضوريا. وصدر الحكم وقتذاك بالإعدام على خلفية الدور الذي لعبه في قمع الانتفاضة ضد والده عام 2011. وطالب البيان بإحضار سيف الإسلام «نظرا لأن بعض التهم التي حكم بشأنها يتطلب العفو عنها توافر تنازل خاص من أولياء الدم، بالإضافة إلى أن قانون العفو لا يكون إلا من خلال إجراءات واستيفاء لشروط قانونية تختص بتنفيذها السلطة القضائية دون منازع في الاختصاص». لكن بيان النيابة لم يذكر إن كان لديها ما يؤكد أو ينفي أنه تم إطلاق سراح سيف الإسلام بالفعل. وأعلنت «كتيبة أبو بكر الصديق» قبل يومين أنها أفرجت عن سيف الإسلام يوم الجمعة الماضي، بعد أن كان محتجزا منذ نحو 5 سنوات، تحت حراستها في مقرها بمدينة الزنتان الواقعة على بعد 170 كيلومترا جنوب غربي طرابلس. وكانت الكتيبة التي يقودها العقيد العجمي العتيري، الموالي لحفتر، رفضت طول الفترة الماضية تسليم سيف الإسلام إلى سلطات طرابلس المنقسمة على نفسها، حيث تتصارع على الحكم فيها حكومتان وعدة ميليشيات منفلتة.
وفي تحرك يمكن أن تكون له خلفيات عسكرية تتعلق بترتيبات حفتر المقبلة في الطريق إلى العاصمة، قرر العقيد إدريس مادي، آمر غرفة عمليات المنطقة الغربية التابعة للجيش الوطني، إلغاء «كتيبة أبو بكر الصديق» التي تضم نحو مائتي مقاتل، وإلحاق أفرادها وأسلحتها وآلياتها بمقر المنطقة العسكرية الغربية.
وأدان كل من المجلس العسكري والمجلس البلدي في الزنتان إطلاق سراح نجل القذافي، وقالا في بيان إن ما تم «تواطؤ وخيانة لدماء الشهداء»، في إشارة لمن قُتلوا أثناء الانتفاضة المسلحة التي أطاحت بحكم القذافي بمعاونة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بينما سادت حالة من الترقب في مدينة مصراتة، ذات التسليح القوي، والتي تعد من ألد أعداء النظام السابق، ولديها محتجزون في سجونها من أنصار القذافي.
من جهتها، طالبت منظمة «هيومان رايتس ووتش» السلطات الليبية بتعقب سيف الإسلام، وقالت سارة لي ويتسون، مديرة المنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنه «على السلطات الليبية، التي لا تزال ملزمة بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، التأكيد بشكل عاجل إن كان تم الإفراج عنه، والكشف عن مكانه حاليا».
وصعد سيف الإسلام على سطح الحياة السياسية بقوة في السنوات الست التي سبقت سقوط نظام والده، حيث ترأس في ذلك الوقت مشروع ما يعرف بـ«ليبيا الغد»، وعرف بأنه أكثر انفتاحا من والده ومجموعة قيادات الحرس القديم. وأشرف على الإفراج عن معتقلين متهمين بالتطرف، حيث تولى غالبيتهم قيادة الانتفاضة التي أودت بسلطة والده وحياته في نهاية المطاف.
ووفقا لمصادر قبلية وسياسية ليبية، فقد عُقدت عشرات الاجتماعات بين زعماء ليبيين من أنصار النظام السابق، في داخل البلاد، وفي المهجر، خصوصا في مصر وتونس، خلال اليومين الماضيين، لوضع ترتيبات جديدة بناء على الإفراج عن سيف الإسلام. وعلمت «الشرق الأوسط» أن عدة تكتلات من نظام القذافي أجرت لقاءات سريعة لوضع مبادئ عامة وعرضها على سيف الإسلام للبت فيها قبل اتخاذ موقف بتأييده أو معارضته.
من جانبه، شدد الطيب الصافي على أن «الإفراج عن سيف الإسلام مسألة مهمة وأساسية، وحقه الطبيعي أن يطبق عليه قانون العفو العام، باعتبار أنه مواطن ليبي تنطبق عليه القوانين التي تصدرها الجهة التشريعية في ليبيا». وتابع قائلا إن «هذا الأمر سيكون له تأثير إيجابي بطبيعة الحال، وبالتأكيد على الوضع السياسي والوضع العسكري في ليبيا، باعتبار أن المهندس سيف الإسلام يمثل رؤية في التنمية ورؤية في الإصلاح ورؤية في إصلاح ذات البين (...)، وساهم في حل كثير من المشكلات على المستوى المحلي وعلى المستوى الدولي». وأضاف أن سيف الإسلام «سوف يوحد كل القوى السياسية لمحاربة الدواعش ومحاربة الظلاميين ومحاربة أعداء الحياة». وكشف عن أن هناك قيادات أخرى من النظام السابق سوف يتم الإفراج عنها قريبا، وقال: «بإذن الله، سيتم الإفراج عن قيادات أخرى في الفترة القريبة المقبلة... نتطلع إلى أن هذا العيد يكون عيدين، ويتم الإفراج عن كل الزملاء».
ومن مدينة مصراتة، التي ما زالت تتشكك في نبأ الإفراج عن سيف الإسلام، قال القزيري: «أعتقد أنه، إذا صح نبأ الإفراج عنه، سيكون مبدئيا محصورا بين 3 خيارات؛ الخيار الأول أن يحاول فرض نفسه ميدانيا، بتجميع أتباع، ومحاولة حيازة الجغرافيا، من خلال الاعتماد على وجود أنصار للنظام السابق، ومتعاطفين مع النظام السابق، أمام حالة الفشل الراهن». وأضاف أن «هذا الخيار يرشح سيف الإسلام لأن يكون له دور، وله وجود، وهيمنة في جنوب ليبيا وفي وسطها».
ويقصد القزيري بهذا الوجود المحتمل لنجل القذافي، أن تتشكل كتلة ثالثة تضاف إلى كتلتي الشرق والغرب المتصارعتين على السيطرة على ليبيا. وقال إن سيف الإسلام «إذا ركز على الجنوب والوسط، فسيضاف عنصرا ثالثا مع الغرب والشرق، بحيث تكون للجنوب كتلة سياسية محددة أو متبلورة».
وتابع أن الخيار الثاني المحتمل أمام سيف الإسلام أن «يجنح للسلم، ويحاول طرح خطاب تواصلي تسامحي تفاوضي حواري، وهذا سوف يمهد له سياسيا. ولو اتخذ هذا المسار فسيكون مفيدا سياسيا، وسيعطيه أسبقية في أي محاولة للانتخابات وغيره، لأن مناطق وتكتلات مثل ورفلة، وورشفانة، وغرب ليبيا على الحدود التونسية، ووسط ليبيا في سرت وغيرها، وفي الجنوب؛ هذه كلها قد تشكل قوى داعمة انتخابية بالنسبة له». أما خيار التحالف مع حفتر، فقال القزيري: «إذا لجأ إلى دعم المشير حفتر، وهذا خيار وارد، فإنني لا أتوقع أن يكون مفيدا بالنسبة له». أما شريف الحلوة، فقال إن سيف الإسلام «يحتاج إلى توخي الحذر، كما أن «هناك بالتأكيد كثيرا من الناس الذين يريدون قتله، إذا قرر الانخراط في السياسة، وهذا من شأنه أن يُعقِّد الوضع أكثر من ذلك». وأوضح قائلا: «أنا لا أعتقد أنه يمكن أن يلعب دورا قياديا في شرق ليبيا. فبالنسبة لكثير من الناس هو ابن القذافي؛ رمز لإهمال إقليم برقة. ومع ذلك، إذا كان هناك شخص يريد تقسيم ليبيا، فسيف الإسلام هو أداة جيدة لتحقيق ذلك». وأضاف أن سيف الإسلام «يمتلك كروت ضغط لابتزاز الغرب، ولا أعتقد أنه سينجح على المدى الطويل». وتابع أنه «على الجانب الآخر، هناك بعض الحالمين في الغرب وفي منطقة الشرق الأوسط، الذين يعتقدون أن وقوفهم مع سيف، يمكن أن يحيي أعمالهم في ليبيا».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.