الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمالات خوض حرب جديدة في قطاع غزة

فلسطينيون يقذفون قنبلة مسيلة للدموع ألقتها القوات الإسرائيلية خلال مواجهات في شمال غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يقذفون قنبلة مسيلة للدموع ألقتها القوات الإسرائيلية خلال مواجهات في شمال غزة (إ.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمالات خوض حرب جديدة في قطاع غزة

فلسطينيون يقذفون قنبلة مسيلة للدموع ألقتها القوات الإسرائيلية خلال مواجهات في شمال غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يقذفون قنبلة مسيلة للدموع ألقتها القوات الإسرائيلية خلال مواجهات في شمال غزة (إ.ب.أ)

رفع الجيش الإسرائيلي من جاهزيته القتالية على حدود قطاع غزة، بعد تقديرات مشتركة لقادة الجيش وقادة جهاز «الشاباك (الأمن العام)»، بأن تصعيدا قريبا سيحدث في القطاع.
وعزز الجيش الإسرائيلي، بحسب تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، من مستوى جاهزيته بشكل ملموس، وقام بتدريبات مفاجئة في فترات متقاربة، استعدادا لحرب محتملة يمكن أن تسعى لها حركة حماس.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إنه خلال النقاشات الداخلية التي يجريها الجيش الإسرائيلي و«الشاباك»، تتشكل قناعة بإمكانية حدوث تصعيد في القطاع. ويدعم هذه القناعات كثير من التقارير الاستخباراتية التي تستند إلى واقع الوضع الإنساني المتردي في القطاع، الذي يرافقه واقع اقتصادي أصعب. ويترافق هذا كله مع مشكلات عميقة في البنى التحتية تمس بأهم احتياجات السكان، مثل الماء والكهرباء، ناهيك بالضغط السياسي والمالي الذي تمارسه السلطة الفلسطينية على حماس، ويعتقد أنه يزيد من تأزم الوضع. يضاف إلى ذلك، الأزمة التي تعيشها دولة قطر، البلد المضيف لقيادات حماس والداعم لها، ويواجه مقاطعة عربية وضغوطا دولية؛ أحد أهم أسبابها دعم كيانات مثل حماس. ونتيجة لذلك، يسود الاعتقاد بأن حماس ستعمل على شن حرب جديدة في القطاع، من أجل التخلص من جميع الضغوط واستعادة التعاطف والدعم السياسي والمالي.
وتريد حماس تعزيز مكانتها من جديد في العالم العربي، بعد أن بدأ العديد من الدول يشير إليها على أنها كيان «إرهابي».
وتعتقد حماس، بحسب مسؤولين في «الشاباك»، أن الصور التي ستخرج من غزة ستساعدها على تعزيز مكانتها مرة ثانية، وقد تعيدها إلى قلب الإجماع العربي، بعدما تعود إلى صدارة العناوين في وسائل الإعلام.
ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حماس قد تستغل المشروع الإسرائيلي: «العائق» الذي ستبدأ تل أبيب في إقامته على حدود غزة خلال أسابيع قليلة، ويتضمن إنشاء جدار عميق في جوف الأرض، من شأنه أن يقضي على مشروع الأنفاق التي حفرها الجناح العسكري للحركة، فتحاول التشويش على بناء الجدار وصولا إلى تصعيد شامل.
وتقول «يديعوت أحرونوت» إن محفزات التصعيد عالية جدا، ويمكن التكهن بأنه في الفرصة الأولى ستسمح حماس للتنظيمات بإطلاق الصواريخ من غزة، على مشروع الجدار بهدف تشويش العمل فيه.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي: «حماس لن تتخلى عن أي وسيلة من أجل الحفاظ على منجزاتها».
وبحسب مصادر أخرى، حذرت إسرائيل سلفا، وأرسلت رسائل لحماس، مفادها بأنها لن تسمح بوقف المشروع حتى لو كان الثمن تصعيدا جديدا.
ويرى معظم المحلّلين؛ السياسيين والعسكريين، في إسرائيل، أن الحرب مقبلة، خصوصا أن من يدير القطاع اليوم هو يحيى السنوار، وهو معروف في إسرائيل على أنه متشدد وصاحب آراء متطرفة وعنيفة، ويسعى إلى ترك بصمة واضحة.
لكن وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أكد من جانبه، أن إسرائيل غير معنية بالتصعيد، ومع ذلك، قال محذرا: «أي حرب جديدة ستعني تدمير كل البنية العسكرية لحماس». وأضاف: «الجيش الإسرائيلي لا يخطط لاجتياح قطاع غزة في حال اندلاع حرب أخرى مع حركة حماس، لكن إذا اضطرت إسرائيل لدخول حرب أخرى مع المنظمة الفلسطينية الإسلامية المسيطرة على غزة، فستكون هذه حرب حماس الأخيرة». وقال أيضا: «سندخل وندمر بناهم التحتية الإرهابية ثم سنخرج». ويأمل ليبرمان في عدم خوض حرب جديدة، مفاخرا بعام «من السكون والهدوء فيما يتعلق بالأمن. كان الأكثر هدوءا منذ 1967».
وفي غزة، لا تكشف حماس عن خططها الجديدة. ويقول مراقبون إن الحركة لا تفضل الذهاب إلى مواجهة في ظل الوضع المتردي للسكان هناك، لكنها قد تضطر إلى ذلك إذا زادت الضغوط عليها عربيا وإسرائيليا وفلسطينيا أيضا.
ولذلك يوصي قادة الأمن الإسرائيلي بالمقابل، بتخفيف الضغط عن «طنجرة الضغط» في إشارة إلى القطاع.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.