حزب ماكرون يكتسح نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية

اكتسح حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية أمس، فيما وصفه مراقبون بـ«تسونامي سياسي».
وبحسب هذه التقديرات، فإن حزب «إلى الأمام» يأتي في الطليعة، جامعاً ما بين 32.2 و32.9 في المائة، يليه حزب الجمهوريون بما يتراوح بين 20.9 إلى 21.5 في المائة، ثم الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بـ13.1 إلى 14 في المائة، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وتتوقع هذه التقديرات حصول حزب ماكرون في نهاية الدورة الثانية على ما بين 390 و445 نائباً، من أصل 577 تتألف منها الجمعية الوطنية.
وسط تدابير أمنية مشددة مماثلة لتلك التي جرى العمل بها في جولتي الانتخابات الرئاسية، توجه الفرنسيون أمس إلى مكاتب الاقتراع الـ67 ألفاً في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، وسط مؤشرات على تراجع نسبة المقترعين، قياساً لما كانت عليه في الرئاسيات. وسيعود الناخبون مجدداً إلى المكاتب المذكورة الأحد المقبل، في الجولة الثانية والأخيرة من هذه الانتخابات التي يتوقع أن تمنح الرئيس إيمانويل ماكرون الأكثرية النيابية التي يحتاج إليها لوضع برنامجه وإصلاحاته الموعودة موضع التنفيذ.
وأفادت أرقام وزارة الداخلية أن نسبة المشاركة حتى الساعة الخامسة تراجعت بشكل كبير، قياساً لما كانت عليه في عام 2012، إذ بلغت 40.75 في المائة مقابل 48.31 في المائة في عام 2012، و49.28 في المائة في عام 2007. والواضح أن اهتمام الناخبين الفرنسيين بالتشريعيات مستمر في التراجع منذ أن وضعت بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة، وتم اختصار ولاية رئيس الجمهورية إلى 5 سنوات، بدل 7 سابقاً. فمنذ انتخابات عام 2002، حيث بلغت نسبة المشاركة الشاملة 64 في المائة، استمر التراجع انتخاباً وراء انتخاب لتصل النسبة في عام 2012 إلى 57 في المائة. وقبل إقفال مراكز الاقتراع، وقياساً لأرقام الساعة الخامسة، فقد رجح الخبراء أن تكون المشاركة هي الأضعف منذ عام 1958.
ويرى الخبير في الشؤون الانتخابية إيف ماري كان أن استطلاعات الرأي أظهرت أن الفرنسيين «غير مهتمين حقيقة» بهذه الانتخابات لمجموعة من الأسباب؛ أولها أن الكثيرين منهم يعتبرون أنها «حسمت سلفاً» لصالح مرشحي حزب الرئيس إيمانويل ماكرون «الجمهورية إلى الأمام»، الذي تتوقع الاستطلاعات أن يحصل مع حليفه «الحزب الديمقراطي» على أكثر من 400 نائب، من أصل 577 نائباً.
ويضيف الخبير المذكور أن ضعف المشاركة «لا يخدم النظام الديمقراطي» لأنه من جهة يدخل الشك في شرعية الانتخابات وحقيقة التمثيل، ومن جهة ثانية فإنه «يضعف الحكومة» التي ستحصل على الثقة من مجلس نيابي رسمت فوقه علامات استفهام. أما السبب الثاني، فيرجعه البعض إلى «تعب» الفرنسيين من الانتخابات المتلاحقة التي لن تنتهي إلا الأحد المقبل.
ومن الناحية الانتخابية المحضة، فإن ارتفاع نسبة الممتنعين عن الانتخاب ينعكس آلياً على أعداد المرشحين القادرين على الفوز منذ الدورة الأولى. إذ يتعين على هؤلاء الحصول على أصوات 50 في المائة من المسجلين. وهذا الأمر يصبح صعباً مع ارتفاع نسبة الامتناع. كذلك تنعكس على المرشحين الذين لا يحتلون المرتبتين الأولى والثانية، إذ إن حقهم في المشاركة في الدورة الثانية تتطلب حصولهم على الأقل على 12.5 في المائة من المسجلين على اللوائح الانتخابية.
وكما في المرتين السابقتين، فإن جولة الأمس جرت في ظل حالة الطوارئ المعمول بها في فرنسا منذ 14 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015. وينتظر أن يعمد مجلس النواب الجديد إلى تمديدها، وفق طلب الحكومة، حتى الأول من نوفمبر المقبل. وترافقت الجولة الأولى مع عودة ملف الإرهاب إلى الواجهة، إذ عمدت النيابة العامة المتصلة بالإرهاب إلى توجيه اتهامات رسمية لثلاثة أشخاص لعلاقتهم بالعملية الإرهابية التي حصلت قبل ثلاثة أيام فقط من الجولة الرئاسية الأولى. كما أن ساحة كاتدرائية نوتردام شهدت الثلاثاء الماضي هجوماً إرهابياً بمطرقة استهدف شرطياً أصيب بجروح، فيما قبض على الجاني الذي اعترف أنه من مبايعي تنظيم داعش، وأنه سلك هذه الطريق بسبب تأثره بدعاية «داعش» على شبكة الإنترنت.
وأمس، جرت الدورة الأولى بسلام، وأشرف عليها 50 ألف رجل شرطة ودرك أوكلت لهم مهمة توفير أمن 67 ألف مركز اقتراع منتشر على كل الأراضي الفرنسية.
ومنذ افتتاح المكاتب عند الساعة الثامنة صباحاً، توجه المسؤولون والسياسيون، كل في منطقته، إليها. فاقترع الرئيس ماكرون في منتجع «لو توكيه» البورجوازي المطل على بحر المانش، مصحوباً بزوجته بريجيت. في حين انتخب رئيس الحكومة في أحد مكاتب مدينة لو هافر التي كان لفترة طويلة نائباً عنها، ثم رئيساً لبلديتها. وغابت طيلة يوم أمس التصريحات السياسية التي يمنعها القانون، كما يمنع الكشف عن أية نتيجة حتى الساعة الثامنة، أي حتى إقفال آخر مركز اقتراع.
وفي عددها ليوم السبت، عنونت صحيفة «ليبراسيون» اليسارية صفحتها الأولى عن نتائج الانتخابات كالتالي: «تسونامي أم موجة»؟ وهي بذلك عكست الانطباع العام الذي تكون من خلال استطلاعات الرأي المتلاحقة التي أجريت منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية. وترشح 6 وزراء من الحكومة الحالية لهذه الانتخابات، التي عليهم أن يفوزوا فيها إذا أرادوا الاحتفاظ بحقائبهم الوزارية. وثمة قاعدة أعاد التذكير بها رئيس الحكومة إدوار فيليب، تقول إن أي وزير «يرسب» في الانتخابات يخرج من الحكومة.
وتنصب الأنظار بالدرجة الأولى على الوزير ريشار فران، الذي لحقت به اتهامات بالفساد قبل أن يصبح نائباً، وعندما كان يتولى إدارة مجموعة من شركات التأمين غرب فرنسا. وعقب ذلك، فتح بحقه تحقيق قضائي تمهيدي. والأمر نفسه لحق بالحزب الديمقراطي الذي يرأسه وزير العدل فرنسوا بايرو، شريك «الجمهورية إلى الأمام» في الحكم وفي الانتخابات. وتدور الشكوك حول توظيف مساعدين لنوابه في البرلمان الأوروبي الذي منه كانوا يتلقون رواتبهم، بينما يعتقد أنهم كانوا يعملون للحزب.
ويجمع المراقبون على القول إن هذه الانتخابات لا تشبه أية من سابقاتها، لأنها ستخلط الأوراق السياسية، وستغير المشهد التقليدي في فرنسا رأساً على عقب. ويرى هؤلاء أن عملية «تصفية الحسابات» لن توفر أي حزب، بما في ذلك الجبهة الوطنية التي تدار بأسلوب ستاليني. وحتى الدورة الثانية، يستمر «السلام المسلح» داخل الماكينات الحزبية، لكن المعارك الداخلية ستنطلق بعد إعلان النتائج النهائية، وبعد أن تظهر الكوارث السياسية التي لحقت بالأحزاب على حقيقتها.
وينتظر أن تهب العواصف سريعاً على الحزب الاشتراكي، الذي من المنتظر أن تهبط شعبيته إلى 8 في المائة، بعد أن كانت له الأكثرية في المجلس النيابي السابق، والمتوقع له أن يختفي في صيغته الراهنة، ويغير اسمه، وأن ينشق إلى تيارين: الأول يتجه يساراً، والثاني سيضم أصحاب التوجهات الليبرالية، أمثال رئيس الحكومة السابق مانويل فالس، وكثير من الوزراء السابقين في حكومته. فضلاً عن ذلك، لا يستبعد أن يلتحق عدد من النواب المنتخبين بـ«الأكثرية الرئاسية».
كذلك، سيصيب الزلزال حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل الذي «لم يستوعب بعد» خروج مرشحه الرئاسي منذ الدورة الأولى، وهي سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة. ويرى دومينيك روسو، أستاذ القانون الدستوري، أن حصول ماكرون على الأكثرية المطلقة سيكون بمثابة «نجاح سياسي منقطع النظير، وسيعني لفترة من الزمن تدمير الأحزاب السياسية التقليدية». وفي أي حال، فإن ماكرون لم يخف أبداً رغبته في إحلال «زمن سياسي جديد» يختفي من أفقه اليمين واليسار التقليديان لأنه يريد تخطيهما، وهو ما عمد إلى القيام به مع تشكيل أولى حكوماته.