الهجمات على طهران... وعلاقاتها الشائكة مع «داعش»

توجه التنظيم للعمليات في إيران ضرورة استراتيجية له بعد فشله في العراق وسوريا

تشييع  ضحايا الهجمات الإرهابية على مقر البرلمان وضريح خميني الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
تشييع ضحايا الهجمات الإرهابية على مقر البرلمان وضريح خميني الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
TT

الهجمات على طهران... وعلاقاتها الشائكة مع «داعش»

تشييع  ضحايا الهجمات الإرهابية على مقر البرلمان وضريح خميني الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
تشييع ضحايا الهجمات الإرهابية على مقر البرلمان وضريح خميني الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

أثارت الهجمات التي شنها تنظيم داعش على مقر البرلمان الإيراني وضريح الخميني، وأسفرت عن مقتل 12 شخصاً وجرح 42 آخرين، الكثير من التساؤلات حول سبب استهداف التنظيم إيران الآن بعد أن تجاهلتها الهجمات منذ بدء تأسيس «داعش». الأمر الذي قد يشي بنقلة استراتيجية للتنظيم باستهدافها المباشر للكيانات السياسية والدينية لإيران، وإلغاء وصاية تنظيم القاعدة بحرصه على عدم المساس بإيران. بالأخص بعد أن تراجع نفوذ «داعش» في كل من العراق وسوريا واستحالت هجماته إلى عشوائية تستهدف كل بقاع العالم. فالعالم أجمع هو عدو لـ«داعش»، والهجمات وجّهت لكل من طهران ولندن في شهر رمضان الذي وقع هو الآخر ضحية للتنظيم بعد أن أصبح على مر السنوات شهر يعتزم فيه تكثيف هجماته.
لا يعد اختيار شهر رمضان توقيتاً للهجمات الداعشية بأمر جديد، إذ يأتي امتداداً لنهج التنظيم في استغلاله للكثير من المناسبات الدينية سواء يتم اختيارها لاكتظاظها بعدد كبير من الضحايا المحتملين، كما حدث مع الأقباط في مصر، أو اختيار مناسبة دينية كشهر رمضان وهو رمز الصبر والعبادة، ليستحيل عبر حملات إعلامية مكثفة إلى وقت مناسب لتحريض المنتمين إلى التنظيم أو المتعاطفين معه لشن هجمات إرهابية. كتصريح المتحدث الرسمي السابق باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني في 22 مايو (أيار) 2016. حين دعا أعضاء التنظيم لشن هجمات إرهابية في أوروبا: «ها قد أتاكم رمضان شهر الغزو والجهاد شهر الفتوحات فتهيؤوا وتأهبوا لتجعلوه شهر وبال في كل مكان على الكفار، وأخص جنود الخلافة وأنصارها في أوروبا وأميركا». هذه التصريحات التحريضية تلتها هجمات إرهابية مكثفة من قبل «داعش» ففي شهر رمضان وحده في عام 2016 وحده، استهدف التنظيم عبر هجماته بقاع متفاوتة ما بين مطار أتاتورك في إسطنبول، والسعودية التي تعرضت لهجمات متتابعة في يومين متتاليين أبرزها موقف سيارات لقوات الطوارئ قرب الحرم النبوي، ومسجد للشيعة في محافظة القطيف، وتفجير داخل مواقف إحدى مستشفيات مدينة جدة، بالإضافة إلى هجمات إرهابية كثيرة في العراق.
ولفترة طويلة ظهر ما هو أشبه بإسقاط إيران من أجندة الهجمات الإرهابية بدءاً من تنظيم القاعدة وامتداداً إلى «داعش»، إذ لم تتعرض إيران لأي هجمات إرهابية من قبلهما وذلك على الرغم من التنافر الإيراني الداعشي من حيث التوجه الطائفي، إلا أن المواجهة ما بينهما اكتفت بالتواجد على الساحة العراقية والسورية. وتعود آخر هجمة إرهابية تعرضت لها بلاد فارس إلى تاريخ 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2009. أثناء لقاء مسؤولين من الحرس الثوري بوجهاء في محافظة سيستان بلوشستان، مما أدّى إلى مقتل 29 شخصاً بينهم ضابط كبير. وقد نسب الاعتداء إلى جماعة جند الله السنية البلوشية التي تطالب باستقلال إقليم بلوشستان عن إيران. وسبق ذلك بنحو العام والنصف في أبريل (نيسان) 2008 انفجار في مسجد الحسين بمدينة شيراز أثناء الصلاة مما أودى بحياة 14 شخصا وإصابة ما يزيد عن 200 شخص وتبنته منظمة شبه مجهولة تحت مسمى «جنود الجمعية الملكية الإيرانية». فيما بدا احتمال مهاجمة إيران من قبل تنظيم داعش غير متوقع، مما تسبب بتشكيك المحللين السياسيين لمدى جدية التهديدات التي وجهها «داعش» لإيران عبر تسجيل مرئي باللغة الفارسية في 27 مارس (آذار) 2017 بعنوان: «بلاد فارس بين الماضي والحاضر»، والإعلان عن تشكيل قوة عسكرية مثلتها «كتيبة سلمان الفارسي» تهدف إلى تهديد أمن إيران، واتهام نظامها بمطاردة واضطهاد المسلمين السنة.
* «داعش» ليس «القاعدة»
برز دور تنظيم داعش في قلب العراق وقد استخدمت شعائر طائفية تطالب المسلمين السنة بالنهوض ومواجهة الشر الذي يمثله ما وصفتهم بـ: «الروافض» و«الخونة» و«عملاء إيران» إلى جانب تكفير وتجريم الأنظمة العربية والمسلمة وتحويل العالم أجمع كعدو لهم في مواجهة المنتمين للتنظيم وهم وحدهم على طريق الصواب، فيما يظهر التفاوت ما بينه وتنظيم القاعدة في تركيز الأخير على استهداف الدول الغربية وحدها وعلى رأسها الولايات المتحدة مع وجود حرص على عدم استهداف إيران بشكل عام والشيعة في العراق. العلاقة الشائكة ما بين إيران والتنظيمات المتطرفة السنية يظهرها تصريح أبو محمد العدناني المتحدث السابق باسم تنظيم داعش، ظهر في تسجيل صوتي معنون «عذراً أمير القاعدة» يعود بتاريخه إلى 11 مايو 2014، رافضاً سياسة تنظيم القاعدة التي حرصت على توجيه تنظيم داعش بعدم توجيه ضربات للشيعة بشكل عام ولإيران بشكل خاص. «ظلت الدولة الإسلامية تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضباً، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين، تتحمل التهم بالعمالة لألد أعدائها لإيران، لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان، امتثالا لأمر القاعدة، للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران».
وتعكس هذه التصريحات حرص المتحدث الرسمي السابق لـ«داعش» دحض الاتهامات التي تلتف حول التنظيم وتورطه بعلاقة مع إيران، إذ أن ذلك يتنافى مع الرسالة الداعشية التي تجلت منذ بداية تأسيس التنظيم وصرح أبو بكر البغدادي في أكثر من مناسبة حول تخوين الشيعة وضرورة استهدافهم في العراق، الأمر الذي تسبب بتصاعد الطائفية وإراقة الدماء. ليعزو العدناني بذلك سبب التحفظ في توجيه هجمات لإيران إلى توجيهات «القاعدة» لهم، ويظهر ذلك عبر توصيات أحد أبرز قياديي «القاعدة» أيمن الظواهري بعدم المساس بإيران ويظهر ذلك عبر رسالة شديدة اللهجة وجهها لأبي مصعب الزرقاوي في عام 2005 وأكد فيها بأن: «الشيعة ليسوا هدفاً لتنظيم القاعدة» وذلك في رد على مطالبة الزرقاوي مهاجمة إيران. فيما طالب بعدم إثارة إيران عبر استهداف الشيعة في العراق.
هنا يجوز التساؤل حول سبب حدوث الهجمات في هذا التوقيت على وجه الخصوص، فتصريحات أبو محمد العدناني، الذي قتل في حلب، قديمة تعود إلى عام 2014. وتظهر إعلان تمرد على توجيهات التنظيم الذي يعد ليس فقط الأب الروحي للتنظيم، وإنما جزء منه قبل أن يصبح له كيانه المستقل. في تسجيل صوتي بعنوان: «فستذكرون ما أقول لكم» تحدث أبو الحسن المهاجر لأول مرة بصفته المتحدث الرسمي للتنظيم خلفاً للعدناني مهددا إيران: «لقد بلغ الشر من دولة المجوس إيران منتهاه واستطار الشرر فعم البلاد وساء العباد، ففتكت بأهل السنة في العراق والشام عبر وكلائها وخبرائها ومستشاريها فأمسى السني بين مكبّل قابع وذليلٍ خانع تابع ولم يكف هذا إذ لم يكن لها من المسلمين رادع بعد الله غير دولة الإسلام».
* ضرورة استراتيجية
توجيه تنظيم داعش هجمات إرهابية لإيران بات «ضرورة استراتيجية» للتنظيم بعد فشله في إقامة خلافة مزعومة, في كل من العراق وسوريا، وفرار الكثير من زعماء التنظيم خارج الموصل، فاستهداف إيران يعد بمثابة نجاح للتنظيم يغطي على هزائمه المتتالية وتقهقر عملياته, وبالأخص مع تنامي دور إيران في كل من العراق وسوريا من خلال زيادة عدد الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، وقد تأسس عدد منها بهدف محاربة تنظيم داعش، فيما استهدف عدد منها السنة بشكل عام في العراق دون تمييز بين المتطرفين والمدنيين بدافع انتقامي مما أجج من الطائفية التي أشعلتها «داعش» فيما قبل. وكما هو معروف برزت ميليشيات شيعية في سوريا بدعم إيراني بهدف دعم نظام بشار الأسد. وبشكلٍ عام بات استهداف الدول خارج مناطق الصراع أسهل على تنظيم داعش بعد أن وجهت قوات التحالف الدولي ضربات قوية للتنظيم عبر غارات جوية وبرية مكثفة ضيقت الخناق عليه في أماكن قوته في العراق وسوريا. ومن جهة أخرى فإن من السهل تنفيذ مثل هذه الهجمات كونها عشوائية مباغتة وبمثابة انتقام لكل من تورط في توجيه هجمات لـ«داعش». وإن كانت قدرة التنظيم على تكرار مثل هذه العمليات الإرهابية ليست بالأمر السهل بالأخص بعد تشديد الاحترازات الأمنية في الدول التي تمتلك قدرات أمنية قوية، وتعتمد على مدى تغلغل أعضاء التنظيم في هذه الدول.
لذلك من الصعب التكهن في تكرار عمليات «داعشية» في إيران، وستحدد الفترة القادمة توجه التنظيم ومدى إمكانياته القيام بذلك، فقد تطرقت بيانات وتسجيلات تنظيم داعش الأخيرة التي هددت إيران عبرها بوجود أعضاء متطرفين شرقي العراق ينتمون لكتيبة سلمان الفارسي عازمين على مهاجمة إيران. وقد عكس بيان الحرس الثوري توعد إيران وملاحقتها للمتسببين بالهجمات الإرهابية: «لن نترك إراقة الدماء من دون ثأر، ولن نتردد لحظة في صيانة أرواح الشعب». وأظهر تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جهته ذلك الغموض الذي يكتنف طبيعة العلاقة ما بين إيران والتنظيمات الإرهابية التي تخالف توجهاتها، إذ عقب إبدائه تعاطفه مع ضحايا التفجيرات ذكر ترمب بأن «رعاة الإرهاب يقعون ضحية له». وذلك في إشارة إلى التورط الإيراني في دعم الإرهاب في المنطقة، وقد أثار تعليقه اللغط والاستنكار وأشعل غضب المسؤولين الإيرانيين.


مقالات ذات صلة

تركيا تستبعد أي دور لفرنسا في ملف الأكراد بشمال شرقي سوريا

آسيا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في إسطنبول (رويترز)

تركيا تستبعد أي دور لفرنسا في ملف الأكراد بشمال شرقي سوريا

استبعد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أي دور للقوات الفرنسية في سوريا عادّاً أن الولايات المتحدة هي المحاور الوحيد لبلاده.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي والحشد الشعبي بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

القوات العراقية تعلن مقتل نائب والي كركوك في تنظيم «داعش»

أعلنت القوات العراقية عن إطلاق عملية عسكرية لإنهاء وجود بقايا خلايا داعش في وادي زغيتون بين محافظتي كركوك وصلاح الدين.

حمزة مصطفى (بغداد)
أفريقيا وحدة خاصة من قوة عسكرية شكلتها نيجيريا وتشاد والكاميرون والنيجر وبنين لمواجهة «بوكو حرام» (القوة العسكرية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام»)

نيجيريا تتحدث عن «دول» تمول الإرهاب وتدعو إلى «تحقيق» أممي

أعلنت دول حوض بحيرة تشاد القضاء على المئات من مقاتلي جماعة «بوكو حرام» الموالية لتنظيم «داعش»، ورغم ذلك لم تتوقف الهجمات الإرهابية في المنطقة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
الولايات المتحدة​  وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا (أ.ف.ب)

وزير الدفاع الأميركي: نحتاج لإبقاء قواتنا في سوريا لمواجهة تنظيم داعش

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لوكالة أسوشيتد برس إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إبقاء قواتها في سوريا لمنع تنظيم داعش من إعادة تشكيل تهديد كبير.

«الشرق الأوسط» (قاعدة رامشتاين الجوية (ألمانيا))
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تكشف عن 4 مطالب دولية في سوريا

كشفت تركيا عن إجماع دولي على 4 شروط يجب أن تتحقق في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد وهددت بتنفيذ عملية عسكرية ضد القوات الكردية في شمال سوريا وسط دعم من ترمب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».