زين الدين زيدان التألق مستمر

من الملاعب الخضراء إلى مواقع التدريب والإشراف

زين الدين زيدان التألق مستمر
TT

زين الدين زيدان التألق مستمر

زين الدين زيدان التألق مستمر

لا يختلف اثنان على أن زين الدين زيدان كان أفضل لاعب في عصره... كيف لا وهو الذي حصد كأس العالم عام 1998 ودوّن اسمه في تاريخ دوري أبطال أوروبا لكرة القدم بهدف من الأجمل في نهائي 2002. إلا أن النجم الفرنسي - الجزائري الأصل عاد قبل أيام ليدوّن اسمه في قائمة الشرف مدرباً لفريق نادي ريال مدريد الإسباني، بعدما أصبح أول مدرب منذ 27 سنة يحتفظ بلقب المسابقة القارية الأبرز.
ولئن كان الفوز بلقبين أوروبيين يمثل إنجازاً رائعاً لأي مدرب، فإن ما حققه زيدان يعد إنجازاً شبه استثنائي، خصوصاً أنها أول تجربة له كمدرّب مع فريق أول، في أعقاب توليه مسؤولية الجهاز الفني لريال مدريد في يناير (كانون الثاني) 2016، خلفاً للإسباني رافائيل بينيتيز، وبعدما تتلمذ على يدي الإيطالي كارلو أنشيلوتي.
والجدير بالذكر، أنه بعد أقل من خمسة أشهر في المنصب، بات زيدان أول فرنسي يحرز لقب دوري الأبطال لاعباً ثم مدرباً، ولقد أكمل موسمه الأول بـ«كأس السوبر» الأوروبية، قبل أن يختم عام 2016 بانتزاع كأس العالم للأندية. وبعد سنة، أضاف زيدان إلى رصيده لقب الدوري الإسباني (الأول لريال منذ 2012) والاحتفاظ بلقب دوري الأبطال، محققاً لـ«النادي الملكي» ثنائية أحزرها للمرة الأخيرة عام 1958.
لم يكن أكثر المتفائلين يتوقعون الصعود الصاروخي الذي حققه زين الدين زيدان الشاب الفتي المتحدر من أصول جزائرية، الذي كان أقاربه ينادونه باسم «يزيد» في طفولته. فالطفل الذي نشأ في منطقة كاستلان بمدينة مرسيليا الفرنسية التي أقام فيها أهله بعد هجرتهم من الجزائر عام 1960، خالف كل التوقعات وحرق المراحل في مسيرته الكروية، سواءً كان ذلك على المستطيل الأخضر أو عند خط التماس في مقاعد الجهاز الفني.
ما حققه زيدان المدرّب، في الحقيقة، لم يستطع أي مدرب تحقيقه منذ أريغو ساكي مع نادي إيه سي ميلان الإيطالي عامي 1989 و1990، بل وبات زيدان أول مدرب يحققه في الصيغة الحديثة لمسابقة دوري الأبطال التي دخلت حيّز التطبيق عام 1993. ويذكر أن ساكي حقق إنجازه وهو في سن الرابعة والأربعين من العمر، وها هو زيدان يكرر التجربة في السن نفسها. أما الفارق الأساسي بين الرجلين فهو أن ساكي ما كان معروفاً على نطاق واسع كلاعب، بينما فرض زيدان اللاعب اسمه في سجل عظماء اللعبة.

مشوار النجومية
عشية المباراة النهائية ضد فريق نادي يوفنتوس الإيطالي في العاصمة الويلزية كارديف، التي فاز بها ريال مدريد 4 - 1، قارن زيدان بين حياته وفيلم سينمائي، فقال «لو قلتم لي وأنا يافع إنني سأختبر كل هذا، ما كنت لأصدقكم». وفعلاً، قد تكون بداية زيدان مع النجومية قد تأخرت بعض الشيء بعد انتقاله من نادي بوردو الفرنسي إلى يوفنتوس الإيطالي عام 1996، إلا أن مشواره كمدرب لم يستغرق أكثر من 18 شهراً ليبلغ القمة.
من كان يستطيع أن يقول في يناير 2016، عندما تلقى زيدان اتصالا من فلورينتينو بيريز، رئيس ريال مدريد، يطلب منه فيه - أو بالأحرى يرجوه – القبول بتولي المسؤولية العصيبة خلفاً لرافائيل بينيتيز، أن يحقق النجم الفرنسي اللامع هذا الإنجاز وعلى هذا النحو.
لقد كانت جماهير ملعب سانتياغو بيرنابيو، معقل ريال مدريد، في ذلك الوقت تهتف باستمرار ضد رئيس النادي وتطالبه بالرحيل. أما زيدان فتولى هذه المهمة رغم خبرته القليلة في عالم التدريب، فإنه بفضل الاحترام الذي يتمتع به كأحد أساطير اللعبة تمكن من تهدئة الأجواء في المدرجات وكذلك داخل غرفة خلع الملابس. ومن ثم، أعاد فريق النادي العريق مرة أخرى للمنافسة وأنهى ذلك الموسم بطريقة غير متوقعة، إذ توّج بلقب دوري الأبطال إثر تغلبه على فريق نادي أتليتكو مدريد، «جاره» اللدود في العاصمة الإسبانية، بركلات الترجيح في المباراة النهائية.
يرى كثيرون أن زيدان مدير جيد للاعبين أكثر منه مديراً فنياً. ومنتقدوه يتحدثون دائماً عن «حسن طالعه» ويصفونه بـ«المدرب المحظوظ». وبعد نجاحه في تخطي عقبة الموسم الأول بنجاح، واجه زيدان بشجاعة تحدياً جديداً هذا الموسم، وتمكن من قيادة ريال مدريد للفوز بأول لقب له في الدوري الإسباني منذ 2012 وأنهى الموسم بقوة كبيرة بفضل سياسة التناوب الواسعة التي يتبناها والتي شارك فيها جميع اللاعبين بالفريق.

يوفنتوس...ومنتخب فرنسا
بدأ نجم زين الدين زيدان يسطع مع يوفنتوس الإيطالي خلال النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي. إلا أن صانع الألعاب الموهوب فرض نجوميته على الساحة العالمية مساء 12 يوليو (تموز) 1998 على ملعب «ستاد دو فرانس» في ضاحية سان دوني الباريسية في نهائي كأس العالم بين منتخبي الدولة المضيفة فرنسا وحاملة اللقب البرازيل. مجريات ذلك المساء جعلت من «زيزو» معبود الجماهير الفرنسية، بعدما قاد منتخب فرنسا لفوز تاريخي 3 - صفر، كان له منها هدفان من رأسية بعد ركلة ركنية.
من ناحية أخرى، عرف زيدان نشوة الفوز وخيبة الخسارة في المحطة نفسها، نهائي مونديال 2006 في ألمانيا أمام إيطاليا. يومذاك كان النجم الكبير يخوض مباراته الأخيرة، ولقد سجل هدف الافتتاح لفرنسا من ركلة جزاء على طريقة «بانينكا» في مرمى حارس المرمى المخضرم جانلويجي بوفون. إلا أنه بعدما تعرض لمخاشنة وتلاسن أقدم على «نطح» المدافع الإيطالي ماركو ماتيراتزي، مما دفع الحكم إلى طرده ببطاقة حمراء، فخرج من الملعب مطأطأ الرأس، وهو يرمق الكأس الذهبية بطرف عينيه.
وبالفعل، أكمل فريقه المباراة بعشرة لاعبين وخسرها أمام المنتخب الإيطالي بركلات الترجيح 3 - 5 بعد وقت إضافي انتهى بالتعادل 1 - 1.
وعلى الرغم من مرور 11 سنة على الحادثة وإنجازاته الكثيرة كلاعب فإن زيدان ما زال عاجزاً عن الهروب من تلك الذكرى، ومع اقتراب موعد كل مونديال تتوالى عليه الأسئلة... حيثما ذهب أو مهما فعل، والجميع يرغبون الخوض في أسباب تلك الحادثة.

قيمة عاطفية
يحمل تحقيق زيدان إنجازه أمام يوفنتوس قيمة عاطفية خصوصاً للفرنسي. فبعد تجاربه مع فريقي ناديي كان وبوردو الفرنسيين، تألق النجم الفرنسي مع يوفنتوس، النادي العريق الكبير في مدينة تورينو الإيطالية. وفي صفوفه (بين 1996 و2001) تحوّل إلى أحد النجوم القلائل من غير الإيطاليين الذين تتغنى بهم جماهير فريق «السيدة العجوز»، وهي الفترة التي أحرز فيها إضافة إلى كأس العالم 1998، كأس أوروبا 2000، وجائزة «الكرة الذهبية» 1998.
جسدياً، لم يتغير زيدان كثيراً منذ تلك الفترة، ربما باستثناء أنه أصبح حليق الرأس بالكامل. لكن على المستوى الشخصي، بات تواصل زيدان مع الآخرين، أكانوا لاعبين أم صحافيين، أفضل من أي وقت. ففي تقديمه الرسمي كمدرّب لريال، حرص زيدان على تقديم صورة عائلية إذ وزّع الابتسامات على الحاضرين، وجلس إلى جانبه زوجته فيرونيك وأبناؤه الأربعة، وبينهم إنزو الذي أطلق عليه والده اسمه تيمنا بالنجم الأوروغواياني إنزو فرانشيسكولي، مُلهم «زيزو» الشاب كروياً. واليوم إنزو زيدان أحد اللاعبين الناشئين في تشكيلة ريال، ولقد استدعاه زيدان من ضمن 25 لاعباً للمشاركة في نهائي دوري الأبطال.
لقد أراد زيدان من خلال صورته في المؤتمر الصحافي أن يظهر أن «النادي الملكي» نادٍ عائلي، وأنه كمدرب سيكون مختلفاً عن سلفه رافائيل بينيتيز ويطوي صفحته.
في المقابل، شكك كثيرون بقدرة زيدان على تحمل مسؤولية ناد بضخامة ريال مدريد يضم مستوى استثنائياً من النجوم والاحترافية... والمتطلبات. إلا أن زيدان خالف كمدرب، كما فعل سابقا كلاعب، كل توقعات المشككين.
وهنا، يلفت ما قاله عنه زميله السابق في يوفنتوس، الأوروغواياني الدولي باولو مونتيرو «زيدان يستحق نجاحه. لقد ظهر الآن أنه مدرب كبير... هذه مباراته النهائية الثانية (في دوري الأبطال) أو الثالثة إذا احتسبنا تلك التي خاضها عندما كان مساعداً لأنشيلوتي. ورغم كل ما حققه... يبقى مثلما هو، لم يتغير».

أجمل الأهداف
بالنسبة للاعب فاز بكأس العالم وأحرز هدفا من أجمل الأهداف في تاريخ نهائيات دوري أبطال أوروبا ورفع أيضاً الكأس القارية مع منتخب بلاده، فإن زين الدين زيدان ربما بخس حق نفسه عندما قال بعد التتويج بنهائي دوري الأبطال «لم أسجل الكثير من الأهداف». وبتواضع ردّ على سؤال عمّن سيكون «النجم» لو جمعته تشكيلة واحدة للفريق مع كريستيانو رونالدو بقوله «كريستيانو طبعاً.. فهو يسجل الأهداف».
قد تدعم إحصاءات النجم البرتغالي كلام مدربه، ذلك أنه سجل 40 هدفا أو أكثر في كل موسم على مدار المواسم السبعة الأخيرة. أيضاً، كان كريستيانو رونالدو أخطر أسلحة ريال مدريد الهجومية في نهائي كارديف أمام يوفنتوس، ولذا لم يحاول زيدان إخفاء هذا الأمر، إذ علّق «لاعبو الوسط مهمون بالطبع. الكل مهم في مركزه... لكن في المباريات الكبرى تتوقع من المهاجمين التسجيل، والمؤكد أن الأهداف هي كل شيء في كرة القدم». وأردف: «أنا لم أسجل الكثير من الأهداف، ومع أنني أحرزت بعض الأهداف الحاسمة.. لكنها ليست أهدافاً كثيرة».
على أي حال، ما زال هدفا زيدان في نهائي كأس العالم 1998 وهدفه الرائع بتسديدة مباشرة بقدمه اليسرى في مرمى فريق نادي باير ليفركوزن في نهائي دوري الأبطال 2002 من الأهداف العالقة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة المحبة لكرة القدم.
وبينما تحوّل رونالدو، الذي اشتهر على مدار سنوات بدوره في مركز الجناح وصناعة اللعب، إلى اللعب في مركز المهاجم الصريح، ظل زيدان يدير اللعب من خط الوسط. وهو رغم افتقاره للسرعة، فإن سجلّ زيدان التهديفي يدعو للاحترام فخلال 155 مباراة لعبها مع ريال مدريد سجل زيدان 37 هدفاً، كما أحرز 24 هدفاً في 151 مباراة مع يوفنتوس. وفي سنواته الأولى مع كان وبوردو سجل 95 هدفا في 506 مباريات. وهزّ الشباك 31 مرة في 108 مباريات مع منتخب فرنسا، وهذا سجل يفخر به الكثير من المهاجمين الدوليين.

التحدي الثالث
زيدان الهادئ نجح في تخطي التحديات المختلفة منذ توليه المسؤولية الفنية لريال مدريد. ونجح في بث روح القتال والنهم للحصول على فوز توّج به غريمه التاريخي برشلونة.
وبذلك يكون ريال مدريد قد أنهى موسما حالما تحت قيادة مديره الفني الفرنسي.
والآن، يستعد زيدان لتحديه الثالث، الذي يرجح أن يكون الأكثر صعوبة، وهو يتمثل في الحفاظ على النهم وإقناع لاعبي الريال بمواصلة الانتصارات في إطار روح التضامن والأجواء الطيبة داخل الفريق، بالإضافة إلى إيمان الجميع بفكرة واحدة، ألا وهي تحقيق الألقاب.
ولن يكون هذا بالأمر السهل على زيدان، فهناك لاعبون يطالبون باللعب بشكل أكبر، هذا بجانب إنعاش الجانب الذهني، الذي يتعرض للإنهاك دائما تحت تأثير لمعان الكؤوس ونشوة الفوز بالألقاب.

بطاقة هوية
اسمه الكامل: زين الدين يزيد زيدان
الأصل: جزائري من قرية اغيمون بمنطقة القبائل شرقي الجزائر العاصمة.
مكان وزمان الولادة: مرسيليا (فرنسا) يوم 23 يونيو (حزيران) 1972
وضعه العائلي: متزوج من فيرونيك فيرنانديز منذ 1994 ولهما 4 أبناء هم إنزو ولوكا وثيو وإلياز
الأندية التي لعب لها: كان وبوردو (فرنسا) ويوفنتوس (إيطاليا) وريال مدريد (إسبانيا)
مبارياته الدولية مع منتخب فرنسا: 108 مباريات



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.