عودة «النصرة» إلى مشروع إنهاء الفصائل المعتدلة والسيطرة على إدلب

اشتباكات في الشمال السوري بعد هجوم {تحرير الشام} على مواقع «فيلق الشام» و«الفرقة 13»

عودة «النصرة» إلى مشروع إنهاء الفصائل المعتدلة والسيطرة على إدلب
TT

عودة «النصرة» إلى مشروع إنهاء الفصائل المعتدلة والسيطرة على إدلب

عودة «النصرة» إلى مشروع إنهاء الفصائل المعتدلة والسيطرة على إدلب

لا تكاد تهدأ الخلافات بين الفصائل السورية المعارضة من جهة و«هيئة تحرير الشام»، التي تهيمن عليها جبهة «النصرة»، من جهة ثانية في منطقة وخصوصا في الشمال السوري، حتى يعود الاقتتال بينهما إلى منطقة أخرى. وكانت مسرح أحدث الجولات يوم أول من أمس مدينة معرة النعمان في محافظة إدلب. وتؤكد المعارضة السورية، كما الخبراء، أن خطة «النصرة» هي القضاء على الفصائل المعتدلة في الشمال السوري وخصوصاً في محافظة إدلب.
كانت الاشتباكات التي بدأت الخميس استمرت يوم أمس، بين «تحرير الشام» من جهة و«فيلق الشام» و«الفرقة 13» من جهة أخرى، وذلك بعدما داهمت عناصر من «الهيئة» معرة النعمان عند صلاة المغرب بهدف السيطرة على مقرات لـ«الفيلق» و«الفرقة» لتدور على إثرها اشتباكات عنيفة بين الطرفين، قضى خلالها أكثر من 5 مقاتلين من فيلق الشام، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وأوضع أبو علي عبد الوهاب، القيادي في «الجيش الحر» في محافظة إدلب، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً «إن الهيئة شنت هجومين منفصلين على مقر ما تبقى من الفرقة 13 وقتلت 4 أشخاص وآخر تابع لـ«فليق الشام»، مما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة. وأضاف أن»سيناريو عام 2011 الذي قام به النظام في إدلب يتكرّر اليوم إنما على أيدي عناصر «النصرة» الذين أطلقوا النار أيضاً على المظاهرات التي خرجت رافضة هذا الاقتتال.
ويتّفق كل من عبد الوهاب وعبد الرحمن الحاج، الخبير في الجماعات المتطرفة، على اعتبار أن «النصرة» اتخذت قرارا بإنهاء جميع الفصائل المعارضة لها في إدلب. وحسب عبد الوهاب «خطتّها السيطرة على المنطقة لصبغ ما تبقى من الثورة بفكر القاعدة والإرهاب»، فيما يرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هجوم «النصرة» الأخير جاء على خلفية قتل والد أحد قيادييها ومعلومات لديها أن هناك اتفاقا للقضاء عليها.
من جانبه، أوضح الحاج أن جبهة النصرة لديها استراتيجية تفكيك الفصائل في الشمال، وهي تعمل على تفكيك تلك القريبة من تركيا واحدة تلو الأخرى، كما يحصل مع «فيلق الشام» القريب من تركيا، لا سيما أن هناك محاولة لضم فصائل «مؤتمر آستانة» إلى «الائتلاف الوطني»... و«الفيلق» يلعب دورا رئيسيا في ذلك. ثم أن «أحرار الشام» تمثّل أكبر عقبة أمام استفراد الهيئة في الشمال، وبالتالي سيسهّل إنهاؤها إنهاء أي فصيل آخر. وأشار إلى أن «اللافت في الأمر أن (النصرة) في الشمال تقوم بمحاربة الإخوان المسلمين الممثلين بـ(فيلق الشام) بينما تتحالف مع فيلق الرحمن الذي يمثلهم في الغوطة الشرقية».
ويرى عبد الرحمن أن «النصرة» تبحث دائما عن أعذار لتنفيذ مشروعها في ابتلاع الفصائل وتريد فرض واقع على تركيا بحيث لا يكون لها القدرة على التحكم في إدلب وما حولها»، مضيفاً: «لكن من الواضح أن بقاء قوة كبيرة مثل أحرار الشام التي أبدت انحيازاً أكبر نحو أنقرة سيحول دون تحقيق طموحها في وقت قريب، وهو ما ظهر خلال هذه المعارك، حيث تدخلت (الأحرار) لمنع سيطرة الهيئة على المعرة، وإن كان ذلك من دون حصول مواجهات كبيرة بينهما».
من جهته، قال محمد أبو زيد، المتحدث باسم «حركة أحرار الشام» لـ«وكالة الأنباء الألمانية» إن الاقتتال بين الفصائل في إدلب «أمر وارد جدا في ظل اتساع المساحة وغياب سلطة مركزية تضبط الأوضاع بشكل كامل». وهو ما يؤيده به عضو ومستشار المكتب السياسي لـ«أحرار الشام» إياد الشعار، معتبراً أن «النظام يتاجر إعلاميا بإدلب عبر تصويرها كإمارة يقطنها كبار «الجهاديين» «أو قندهار سوريا».
ونفى الشعار للوكالة نفسها أن تكون لـ«تحرير الشام»، اليد العليا بإدلب، وشدد على أنها «لا تملك أكثر من عشرين مقرا في كل المحافظة»، وأن حركته هي الفصيل الأقوى والأكثر عددا حيث تضم 44 ألف مقاتل منهم 17 ألفا في إدلب، فضلا عن سيطرتها على ثلاثة معابر حدودية مع تركيا منها معبر باب الهوى وعدد من الحواجز والنقاط الأمنية والمكاتب السياسية والخدمية.
أما القيادي بالجيش الحر فارس البيوش فيقول: «نعم هيئة تحرير الشام ليست الأقوى عدديا، ولكنها الأفضل من حيث قوة المقاتلين وإمكانياتهم وجاهزيتهم البدنية والتسليحية ولا سبيل للتغلب عليها عسكريا إلا بالتدخل التركي».
وعن المجموعات التي تدربها تركيا يقول «هدف أنقرة من المجموعات التي تدربها حاليا، والتي يقترب قوامها من ثلاثة آلاف عنصر، هو القضاء على الفكر القاعدي بمناطق سيطرة المعارضة وفي مقدمتها إدلب، وليس كما يتردد عن عزمها استخدام تلك المجموعات كذراع عسكري لها في إدلب لفرض وصايتها عليها».
ويؤيد رامي عبد الرحمن أن «هيئة تحرير الشام» هي «القوة الأبرز في إدلب سواء كفصيل يسيطر على الحواجز الأمنية أو من حيث انتشار مكاتبه، فضلا عن، وهو الأهم، سيطرة ناشطين وإعلاميين مقربين منه على هيئات إعلامية ومنظمات إغاثية يقصدها أغلب الأهالي والمهجرين تحديدا». وأضاف لـ«وكالة الأنباء الألمانية» أن «ميزان القوى العسكرية في إدلب بعد الهيئة يتوزع ما بين فصيلي أحرار الشام وجيش الإسلام والحزب الإسلامي (الصيني) التركستاني، يليهما فيلق الرحمن والجيش الحر».
وحول المواجهات التي بدأت مساء الخميس واستمرت يوم أمس، نقلت «شبكة شام» المعارضة عن مصادر ميدانية قولها، أن أرتالاً عدة تابعة لـ«الهيئة» هاجمت بشكل مفاجئ مقرات الفرقة 13 في مدينة معرة النعمان، وسط إطلاق نار كثيف مع الرشاشات الثقيلة، حين حاصرت مقرات تابعة للفرقة 13 وفيلق الشام، ومخفر الشرطة الحرة في المدينة، قامت على إثرها باعتقال العقيد «تيسير السماحي» أحد قادة الفرقة 13 ورئيس مخفر الشرطة الحرة في المدينة، وعدمت إلى تصفيته، بحسب المرصد. وأشارت «الشبكة» إلى أن عدة مقرات تابعة لـ«الفرقة 13» و«فيلق الشام» تعرضت للهجوم من قبل عناصر الهيئة، التي سيطرت على عدد منها، فيما تعرضت مظاهرة لأهالي المدينة خرجت في الحي الشمالي تطالب بوقف الاشتباكات، لإطلاق نار من قبل عناصر الهيئة، وسط حملة اعتقالات طالت الكثير من عناصر الفرقة 13، ومداهمات مستمرة لمنازل المدنيين.
وأرجع المصدر هجوم الهيئة لاتهام الفرقة بقضية مقتل والد أكرم الترك القيادي في الهيئة طعناً بالسكاكين من قبل ملثمين يوم الأربعاء، إضافة لسلسلة الإشكالات السابقة بين الهيئة والفرقة 13 والتي عقبت قيام الهيئة بالاعتداء على مقرات الفرقة قبل أكثر من عام وسيطرتها على المستودعات كاملة، ومحاولة اغتيال قائد الفرقة المقدم أحمد السعود، وعدم البت في جميع القضايا العالقة بين الطرفين.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».