فرار جماعي للحوثيين في نهم بعد تحرير «المدفون»

عناصر من قوات الجيش اليمني في تعز (رويترز)
عناصر من قوات الجيش اليمني في تعز (رويترز)
TT

فرار جماعي للحوثيين في نهم بعد تحرير «المدفون»

عناصر من قوات الجيش اليمني في تعز (رويترز)
عناصر من قوات الجيش اليمني في تعز (رويترز)

تمكن الجيش الوطني اليمني من استعادة سيطرته على مواقع استراتيجية جديدة، عند البوابة الشرقية لصنعاء، خلال الساعات الأولى من فجر الجمعة، في وقت كشفت فيه مصادر خاصة عن محاولة الانقلابيين دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل أخذ جثث لقيادات كبيرة مقربة من زعيم جماعة الحوثيين.
وقالت مصادر ميدانية إن معارك ضارية تمكنت قوات الجيش خلالها من فرض سيطرتها على جبل الصافح بالكامل، وتباب في جبل الكحل في نهم شرقي صنعاء، في ظل الفرار الجماعي للميليشيات الانقلابية من مناطق المواجهات نحو منطقة المدفون.
وكشف العميد الركن محمد غالب السوادي، قائد اللواء 310 في نهم، عن عجز الميليشيات وتكبدها الكثير من الخسائر الفادحة في العتاد والأرواح، قائلا إن الانقلابيين لم يعد بإمكانهم إحراز أي تقدم، بل يحاولون تأخير قوات الجيش الوطني عن التقدم نحو صنعاء.
وقال السوادي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش الوطني بات على مقربة من مفرق قطبين في أرحب، ويسعى لاستكمال السيطرة على تبة القناصين والصافح.
وتحدث القائد العسكري عن الأسباب التي تبطئ تقدم قوات الجيش الوطني، بالقول إن وعورة الجبال وصعوبتها ونوعية الأسلحة والأعيرة النارية التي يمتلكها العدو، بالإضافة إلى كمية الألغام المزروعة في الجبال ومناطق المواجهات تعد من أهم العوامل التي تعيق تقدم الجيش بشكل وتوغله بشكل كبير في الجبهة.
ويخوض اللواء 301 المعارك في عمق 25 كيلومترا من ميمنة جبهة نهم، وتمكن اللواء العسكري من فرض سيطرته خلال معارك الأشهر الماضية من استعادة السيطرة على أهم المواقع والجبال الاستراتيجية، منها بادين ورشح والنخر الأول والثاني وصابح ودوة ويام والعياني. وكشف القائد العسكر والميداني عن استخدام أفراد اللواء العتاد العسكري الذي تمكن من اغتنامه والاستيلاء عليه خلال المعارك السابقة، بالإضافة للاستفادة من مواقع ومراكز قيادة ومشافي ميدانية كانت للانقلابيين وباتت خاضعة لسيطرة الجيش الوطني بعد توغله من 25 إلى 30 كم بعمق ميمنة الجبهة. وأضاف السوادي، أن معنويات الجيش الوطني مرتفعة وكبيرة، في حين يعيش الانقلابيين حالة من الانهيارات الواسعة التي تعصف بصفوفهم.
وتكبدت الميليشيات خسائر كبيرة في العتاد والأرواح، وبخاصة في المعارك التي دارت من جبال بابين وحتى العياني ودوة، وأدت المعارك إلى سقوط قيادات ميدانية كبيرة قريبة من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي وذات ثقل اجتماعي وعسكرية بالنسبة للجماعة، بحسب ما قاله السوادي.
وبالتزامن مع المعارك الضارية في نهم، صعدت مقاتلات التحالف خلال 24 الساعة الماضية من عملياتها العسكرية وغاراتها الجوية على مواقع عسكرية يسيطر عليها الانقلابيين في العاصمة صنعاء، واستهدفت 8 غارات جوية مواقع وتجمعات للميليشيات في مناطق الضبوعة ومسورة ومفرق قطبين في نهم، بالتزامن مع غارات أخرى استهدفت معسكرا تدريبيا في منطقة البطان غربي بحيص في أرحب.
وقال سكان محليون: إن غارات جوية عنيفة استهدفت مخازن أسلحة في معسكر السواد جنوبي صنعاء، في وقت طالت فيه غارات أخرى مواقع في تابعة لألوية الحماية الرئاسية في جبل النهدين ودار الرئاسة. وهزت دوي انفجارات عنيفة المناطق المحيط بمناطق الاستهداف، فيما استمر التحليق المكثف لمقاتلات التحالف لساعات عدة في سماء المدينة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.