السوق الشعبية النسائية في الدمام.. حين تمتزج الثقافة بعطر التاريخ

يفتح أبوابه في سبتمبر.. ويوفر فرص عمل لنحو 200 سيدة

منظر عام لتصميم السوق التي من المتوقع أن تكتمل بعد نحو 4 أشهر بمدينة الدمام، المباسط النسائية تعد جزءا أصيلا من ثقافة الأسواق القديمة في السعودية
منظر عام لتصميم السوق التي من المتوقع أن تكتمل بعد نحو 4 أشهر بمدينة الدمام، المباسط النسائية تعد جزءا أصيلا من ثقافة الأسواق القديمة في السعودية
TT

السوق الشعبية النسائية في الدمام.. حين تمتزج الثقافة بعطر التاريخ

منظر عام لتصميم السوق التي من المتوقع أن تكتمل بعد نحو 4 أشهر بمدينة الدمام، المباسط النسائية تعد جزءا أصيلا من ثقافة الأسواق القديمة في السعودية
منظر عام لتصميم السوق التي من المتوقع أن تكتمل بعد نحو 4 أشهر بمدينة الدمام، المباسط النسائية تعد جزءا أصيلا من ثقافة الأسواق القديمة في السعودية

تفوح رائحة البخور وقطع المستكة العطرة بين أجواء المباسط النسائية، أو دكة البيع التي تقف عليها النساء في الأماكن المفتوحة، والتي يسميها السعوديون (بسطات)، وهي تعد جزءا أصيلا من ثقافة الأسواق القديمة في البلاد، ومشهدا تراثيا لافتا منذ القدم، حيث تفرش السيدات بضائعهن للمارة، والتي غالبا ما تضم بعض الملبوسات النسائية التراثية، وقطع السجاد المخصص لأداء الصلاة، إلى جانب المأكولات المطبوخة أو المعلبة، وبعضهن يفضلن بيع أقمشة الحجاب والبراقع السوداء والجلابيب.
ويبدو أن هذا المشهد المعتاد في الأسواق الشعبية المفتوحة في طريقه إلى دخول عصر جديد، خاصة في مدينة الدمام، وذلك مع إعلان قرب افتتاح واحد من أكبر الأسواق الشعبية النسائية في المنطقة، والذي من المنتظر أن يرى النور خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، في تحفة معمارية جديدة تستمد ملامحها من الهوية التاريخية للمكان، وهو ما يبدو واضحا عبر التصميم التراثي الذي انتهجته أمانة المنطقة الشرقية ليكون وجها للسوق النسائية الشعبية، ومعلما سياحيا في الوقت ذاته.
ومن المتوقع أن تسهم هذه السوق في تنظيم عمل السيدات من صاحبات البسطات النسائية، وأن تكون بمثابة النافذة التسويقية لمنتجاتهن، وتضمن توفير بيئة آمنة لهن، إلى جانب تعزيز قيمة هذه المهنة من الجانب الثقافي والتاريخي، وهو ما دفع إلى تتويج المشروع قبل اكتماله، حيث حصدت أمانة المنطقة الشرقية هذا الأسبوع المركز الأول على مستوى السعودية، في جائزة «سيتي سكيب جدة» 2014 العالمية، عن فئة المشاريع الثقافية والاجتماعية، ممثلة في مشروع السوق الشعبية النسائية التاريخية، من حيث إعادة تأهيلها وتطويرها لتكون مقصدا ومعلما على الخريطة المحلية والإقليمية السياحية.
ويتحدث لـ«الشرق الأوسط» محمد الصفيان، وهو المتحدث الإعلامي لأمانة المنطقة الشرقية، عن دوافع هذا الفوز بقوله «القيمة الثقافية والمجتمعية للمشروع جاءت من كونه يلامس الجانب الإنساني في فكرة وأهداف السوق الشعبية النسائية، فهو مشروع موجه للمستفيدات من النساء ذوات الدخل المحدود، ويضم المشروع 165 مبسطا لهن، سيتم تأجيرها لهن بأسعار رمزية، وهذا دعم تقدمه الأمانة لهؤلاء السيدات».
وبسؤال الصفيان عن الوقت المتوقع لاكتمال المشروع وبدء عملية التأجير، أفاد بأن ذلك سيتم بعد نحو أربعة أشهر من الآن، مما يعني أن الوقت المتوقع لافتتاحه هو في شهر سبتمبر المقبل. وحول عدد الوظائف التي ستوفرها السوق النسائية الشعبية، يقول «من المتوقع أن يوفر أكثر من 200 فرصة وظيفية للنساء»، مشيرا إلى أن فكرة السوق ومحاورها تلامس الجانب الاجتماعي أكثر من الجوانب الربحية.
وعن نقطة البداية لانطلاقة فكرة إقامة السوق النسائية الشعبية، يقول الصفيان «يأتي ذلك بناء على رؤى وأهداف وضعتها أمانة المنطقة الشرقية وتمت ترجمتها إلى تصاميم تم تحقيقها من قبل استشاري المشروع وفريق العمل من قبل الأمانة، من خلال تحقيق عدد من الأهداف، تمثلت في إعادة احياء السوق التاريخية النسائية الشعبية والتي تجاوز عمرها ما يقارب 40 عاما، وذلك لوضعها مرة أخرى على الخريطة العمرانية والسياحية لحاضرة مدينة الدمام».
ويوضح الصفيان تفاصيل ذلك بقوله «روعي من خلال التصميم تحقيق مبدأ الاستدامة، والذي تمثل في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، كما روعي ربط المشروع عمرانيا بأنشطة المشاريع المجاورة للمشروع والمحيطة به وجعلها منظومة استثمارية تكاملية واحدة، وكانت جودة المخرجات الحضرية والمعمارية تعكس هوية المنطقة الشرقية مستخدمة اللغة والمفردات التي ميزت مفرداتها ولغتها المعمارية، بحيث تصبح السوق مقصدا سياحيا ضمن بيئة تحقق احتياجات المشاة وذوي الاحتياجات الخاصة بطريقة آمنة، مما يسهل ويشجع على الحركة داخل السوق».
وأفاد الصفيان بأن الأمانة حرصت كذلك على عمل مركز تدريب حرفي لهذه الفئة من المجتمع في نفس مكونات المشروع لمساعدتهن في تطوير مهارتهن ودعم استثمار منتجاتهن من خلال عرضها وبيعها في الأكشاك والمباسط المخصصة لذلك، وتابع بالقول «بالإضافة إلى ذلك يحتوي المشروع على 75 محلا تجاريا بأنشطة متنوعة، بما فيها مقاه شعبية درست مواقعها بعناية لتحقيق تكامل الأنشطة الخدمية والتجارية للمشروع، في الوقت الذي تتوسط فيه المشروع ساحة أعدت لاحتضان المناسبات والاحتفالات التي تدعم فكرة وأهداف المشروع والتي تقام على مدار السنة مثل الحفلات الشعبية وإقامة المعارض والمناسبات الوطنية وغيرها من مناسبات أخرى».
يذكر أنه تم إنجاز ما نسبته 80 في المائة من مرحلة تنفيذ مشروع السوق الشعبية في مدينة الدمام، وأنه من المتوقع أن يبدأ التشغيل فيه بعد نحو أربعة أشهر، كما أن المشروع هو عبارة عن مجمع تجاري وشعبي، يقع على شارع الملك خالد، بحي القزاز في مدينة الدمام، بمساحة إجمالية تقدر بـ17000 ألف متر مربع تقريبا، ويتكون من طابقين، ويتضمن أنشطة تجارية متنوعة مثل: محال تجارية، وورش للذهب، وصالة عرض مجوهرات، ومعهد تعليم صياغة الذهب، ومباسط نسائية ورجالية، ومواقف سيارات، إضافة إلى الخدمات اللازمة والمساندة للسوق.
ويحتوي الطابق الأرضي للسوق على محلين كبيرين، و7 محلات متوسطة، و48 محلا صغيرا، و165 بسطة شعبية، إضافة إلى دورات المياه ومصلى ومقهى (بوفيه) ومقهى شعبي، فيما يحتوي الطابق الأول على مكاتب إداري، ومكاتب المدربين، وفصل تدريب، وقاعة تدريب، وصالة متعددة الأغراض، وروعي في السوق أهمية توفير جلسات داخلية وخارجية مظللة وتوفير الخدمات المساندة للنشاط من مقاعد الجلوس والاستراحة والتخزين والتخلص من النفايات.
وبحسب ما يوضح الصفيان، فقد تم تطوير وتنسيق الموقع العام بما يتلاءم مع وظيفة السوق، ومراعاة أهمية المشروع من الناحية الجمالية والسياحية، وتم الأخذ في الاعتبار عند التصميم متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة، بحسب قوله، كما تم الأخذ بوسائل السلامة واحتياجات الأمن حسب اشتراطات الدفاع المدني وتوفير مخارج للطوارئ، وتمت مراعاة تميز شكل المبنى معماريا نظرا لأهمية الموقع والمحافظة على إبراز الهوية المعمارية التقليدية ودراستها بطريقة علمية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)