منفذو اعتداءات لندن نفذوا خطتهم رغم البلاغات السابقة ضدهم

الشرطة تلقت تحذيرات من بات زعيم الخلية

شاه بات زعيم الخلية الإرهابية (يسار) اعتدى العام الماضي على أحد العاملين في مجال مكافحة الإرهاب (نيويورك تايمز)
شاه بات زعيم الخلية الإرهابية (يسار) اعتدى العام الماضي على أحد العاملين في مجال مكافحة الإرهاب (نيويورك تايمز)
TT

منفذو اعتداءات لندن نفذوا خطتهم رغم البلاغات السابقة ضدهم

شاه بات زعيم الخلية الإرهابية (يسار) اعتدى العام الماضي على أحد العاملين في مجال مكافحة الإرهاب (نيويورك تايمز)
شاه بات زعيم الخلية الإرهابية (يسار) اعتدى العام الماضي على أحد العاملين في مجال مكافحة الإرهاب (نيويورك تايمز)

عثرت الشرطة على مواد دعائية تروج لتنظيم داعش في حقيبة أحد منفذي اعتداءات لندن الأخيرة أثناء محاولته الصعود إلى طائرة في إيطاليا. وأفاد أحد عملاء وكالة المباحث الفيدرالية «إف بي آي» بأنه حذر من المتهم الثاني منذ عامين، وتبين أن المتهم الثالث، الذي قوبل طلبه اللجوء إلى بريطانيا بالرفض، قد تسلل إلى بريطانيا عبر آيرلندا. وبرزت التحذيرات التي ظهرت الثلاثاء الماضي بشأن هؤلاء الإرهابيين الثلاثة بعد أن استخدموا شاحنة بيضاء في عملية الدهس التي جرت بإحدى ضواحي العاصمة لندن قبل أن يترجلوا منها لطعن كل من صادفهم، الأمر الذي ضاعف من الضغوط على الشرطة، وأيضا على رئيسة الوزراء لتفسير ما حدث. فما اتضح منذ الاعتداء الذي جرى مساء السبت هو تكرار لما حدث في السابق، فالشاب الذي قتل سبعة أشخاص قبل أن تطلق الشرطة النار عليه لترديه قتيلا كانت الشرطة قد تلقت بلاغات سابقة عنه. وأثار ذلك عاصفة استهجان بشأن منظومة الأمان في البلاد بعد أن تجاهلت تلك البيانات وأهملتها وربما أضاعتها. وتسببت تلك المفاجآت في وضع تيريزا ماي، التي شغلت منصب وزيرة الداخلية والمسؤولة عن مكافحة الإرهاب لست سنوات كاملة قبل أن تصبح رئيسة للوزراء، تحت المنظار قبل يومين فقط من إجراء الانتخابات العامة. وحتى وزير خارجيتها بوريس جونسون، الذي كان أيضا محافظا للندن، وأثناء مقابلة شخصية مع قناة «سكاي نيوز» الإخبارية، أثار السؤال نفسه الذي يدور في ذهن الكثيرين هنا: «كيف بحق السماء تركنا هذا الرجل وغيره حرا طليقا وسط منظومة الأمن؟ ماذا حدث؟».
كانت بعض هذه التحذيرات واضحة لأنها خرجت عن أشخاص تثق الشرطة البريطانية في قدرتهم على تحديد الإرهابيين. وأفاد أسامة حسن، متطرف إسلامي سابق يعمل حاليا على مساعدة الشرطة البريطانية في إثناء المتطرفين عن مواصلة السير في اتجاه التطرف، بأنه دخل في شجار بأحد متنزهات لندن منذ أقل من عام مع أحد منفذي الاعتداءات الأخيرة ويدعى خرام شزاد بات. الغريب أن شقيق بات ويدعى سعد كان يعمل مع شرطة مكافحة الإرهاب مقابل أجر، تراخى في الإبلاغ عن نشاطات شقيقه بعد أن بلغ من التطرف مبلغا.
كانت هناك تحذيرات أخرى أيضا من بات زعيم الخلية (27 عاما) الذي عمل في عدة وظائف منها سلسة مطاعم وجبات كنتاكي «كي إف سي» وعمل متدربا لستة أشهر في خدمة العملاء بقطار أنفاق لندن. ورزق بات بطفله الثاني قبل أسابيع من الاعتداء، بحسب إفادة الجيران.
وفي عام 2015، كتب عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» ويدعى جيسي مورتون، تقريرا لمديره في الولايات المتحدة، قال فيه إنه من الضروري مراقبة بات بسبب تنامي نشاطه ودوره في غرف دردشة المتطرفين التي تديرها منظمة «المهاجرون» المحظورة في بريطانيا بسبب صلتها بالإرهاب.
وقال مورتون، المنتسب السابق لتنظيم القاعدة الإرهابي من نيويورك، الذي كان يتولى إرسال الأعضاء الجدد وقضى سنوات في السجن قبل أن يوافق على التعاون مع جهات إنفاذ القانون باسم مستعار: «رد مديري على البلاغات التي أرسلتها قائلا إن ما قمت به عمل ممتاز، ثم أرسل بالبلاغ إلى المقر الرئيسي».
أضاف مورتون، الذي افتتح مؤسسة «باراليل نيتورك» التي تعمل في مجال مكافحة التطرف، أنه كان من غير الواضح له ما إذا كان مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل بتلك البلاغات إلى المسؤولين البريطانيين. لكن حتى لو لم تصل تلك البلاغات، فقد تلقى المسؤولون البريطانيون تحذيرات كافية عن نشاطات بات، فقد لاحظ جيرانه وأصدقاؤه التغييرات التي طرأت على تصرفاته، من ضمنهم أم لثلاثة أطفال تدعى إيريكا غابساري تعيش بالبناية نفسها، حيث قالت إنها دخلت في مواجهة مع بات منذ عامين بعدما حاول إقناع ابنها باعتناق الإسلام.
وتتذكر عندما شاهدته في حديقة عامة تحدث إليها قائلا: «أنا مستعد أن أفعل أي شيء في سبيل الله، حتى لو كان هذا الشيء هو قتل أمي». أضافت الأم أنها اتصلت بالخط الساخن للشرطة وأرسلت صورة بات التي التقطتها له، إلا أنها لم تتلق ردا بعد ذلك.
وفي إيطاليا، سمحت الشرطة للمتهم الثاني يوسف زغبة العام الماضي بالمرور رغم أنه كان يحمل مواد دعائية لتنظيم داعش.
وزغبة إيطالي من أصل مغربي كان يحاول السفر إلى سوريا للمشاركة في القتال في صفوف «داعش» غير أنه أوقف بمطار بولونيا الإيطالي، وكان بحوزته تذكرة طيران ذهاب فقط، وعثرت السلطات على مواد دعائية إلكترونية لـ«داعش»، بحسب مسؤول سابق في الاستخبارات الأوروبية طلب عدم ذكر اسمه. ألقي القبض على زغبة بمطار بولونيا وصودرت متعلقاته، غير أن القاضي أفرج عنه بعدما لم يجد سببا لاعتقاله وأعاد إليه متعلقاته، بحسب المدعي العام ببولونيا، غيسيبو ماتو. أضاف ماتو أنه رغم ذلك فقد ظل «زغبة شخصا مشتبها به في نظر السلطات البريطانية. لقد فعلنا كل ما بوسعنا فعله، لكن لم يكن هناك ما يدل على أنه إرهابي». وفي السياق نفسه، أفاد مسؤول أمني أوروبي متقاعد كان يحتفظ بنتائج التحريات، كان زغبة حرا في التحرك في إيطاليا وأصبح عضوا في شبكة «مهاجرون» التي لم تكن معروفة في ذلك الحين، وكانت تلك الشبكة سببا في التعارف بين زغبة وبات، وأصبحت الشبكة أكبر ماكينة تجنيد جهادي في أوروبا، حيث إن نحو ثلث المتطرفين الذين انضموا إلى «داعش» في سوريا في السنوات الأخيرة مروا عبر شبكة «المهاجرون». وتبين أن أنجم شرودي، المحامي الذي أصبح لاحقا واعظا دينيا متطرفا، على صلة بنحو نصف العمليات الإرهابية التي ضربت بريطانيا، منها تفجيرات لندن 2005 ومقتل الجندي البريطاني لي رغبي.
*خدمة «نيويورك تايمز»



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟