عقدت رئيسة الوزراء البريطاني تيريزا ماي آخر تجمعاتها، أمس (الأربعاء) تمهيداً لاقتراع يصعب التكهن بنتائجه، بعد حملة طغت عليها اعتداءات إرهابية مما أجبر الأحزاب الرئيسية على التوقف عن حملاتها مؤقتاً احتراماً للضحايا. وعلقت الحملة الانتخابية مرتين؛ الأولى بعد الاعتداء في مانشستر الذي أسفر عن سقوط 22 قتيلاً في 22 مايو (أيار)، والثانية غداة الاعتداء الذي أسفر عن سقوط سبعة قتلى السبت في لندن.
وتأتي الانتخابات في وقت تواجه البلاد تحدياً آخر، أي «بريكست»، الذي يصعب التكهن حول نتيجته، وأي منعطف سيأخذ خلال سنتين من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، الذي قررت بريطانيا الخروج منه. «بريكست» كان السبب وراء هذه الانتخابات المبكرة التي دعت إليها المحافظة تيريزا ماي من أجل «تقوية» يديها في المفاوضات مع بروكسل.
ويرى المحللون أنه من الصعب جداً التكهُّن بانعكاسات هذه الاعتداءات على نتائج الاقتراع. ويعتبر المحافظون في بعض الأحيان أكثر مصداقية بشأن القضايا الأمنية، خصوصاً في مواجهة زعيم عمالي يؤكد علناً مواقفه التي تفضل محادثات السلام في جميع مواطن النزاعات بدلاً من المجابهات، مثل جيريمي كوربن. لكن وقوع هجمات متكررة نفذها أشخاص جميعهم تقريباً معروفون من السلطات، والانتقادات لخفض عدد قوات الشرطة منذ 2010 لا تخدم مصلحة المحافظين.
وبدا كوربن البالغ من العمر 68 عاماً ومن قدامى حزب العمال، أنه خصم أقوى وأكثر حيوية مما كان يعتقده البعض، بما في ذلك في داخل معسكره. وقد خاض حملة تركزت خصوصاً على الصحة والمساعدة الاجتماعية واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
وفي المناظرات التلفزيونية ظهر أقرب إلى الناس من رئيسة الوزراء البالغة من العمر 60 عاماً، التي تهربت من كل المواجهات المباشرة واكتفت بتكرار تصريحات بشكل آلي، كما قالت الوكالة الفرنسية في تحقيقها أمس حول الانتخابات. وارتكبت ماي عدداً من الأخطاء، فقد اضطرت للتراجع عن أحد إجراءات برنامجها الذي يقضي بزيادة مساهمة كبار السن في برنامج العناية الصحية، وهو موضوع بالغ الحساسية. كما رفضت ماي أي مناظرة مباشرة مع خصمها العمالي الذي تحداها للقيام بذلك.
واعترف المرشح المحافظ في يوركشير (شمال) على هامش زيارة أخيرة لماي بأن تبدُّل موقفها في برامج الميزانيات الاجتماعية أثار بلبلة. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذا أدى إلى تغيير خطة» حملة المحافظين. وعبر مرشحون محافظون آخرون للصحف دون أن يكشفوا أسماءهم عن استيائهم من الأخطاء التي ارتكبتها ماي طوال الحملة. وحاولت ماي إعادة ملف «بريكست» إلى صلب الحملة مع تقدم العماليين، لكن من دون جدوى إذ إن الاعتداءات أعادت مجدداً قضية الاقتطاعات في ميزانية الشرطة وبشكل أوسع في الوظائف الحكومية، إلى الواجهة.
وقال الخبير في استطلاعات الرأي جون كورتيس إن حزب العمال حصد أصواتاً بين أنصار «بريكست» ومعارضيه على حد سواء، موضحاً أن عملية المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي «لن تكون بالضرورة القضية الوحيدة التي يفكر فيها الناخبون (اليوم)».
ويأمل المحافظون في انتزاع أكبر عدد ممكن من الأصوات من حزب الاستقلال المعادي لأوروبا، ثالث قوة سياسية في البلاد في 2015، لكنه يواجه صعوبات منذ رحيل زعيمه نايغل فاراج الذي يتمتع بحضور قوي.
في الشمال، يأمل القوميون الاسكوتلنديون في الحزب الوطني الاسكوتلندي في الإبقاء على هيمنتهم في برلمان ويستمنستر لمواصلة الدعوة إلى استفتاء حول الاستقلال. أما الحزب الليبرالي الديمقراطي المعادي بشدة للخروج من أوروبا فيأمل في تحسين تمثيله (تسعة نواب) لكن دون أن ينجح في فرض نفسه ملاذاً لمعارضي «بريكست» خلال الحملة.
وأمس، استقبلت صيحات الاستهجان رئيسة الوزراء تيريزا ماي أثناء زيارتها أكبر سوق للحوم في لندن في ساعات النهار الأولى من اليوم الأخير للحملة الانتخابية.
وكانت ماي تزور سميثفيلد ماركت للحوم في وسط لندن برفقة زوجها فيليب عندما بدأ عدد من اللحامين بإطلاق صيحات الاستهجان والتهكم ويصيحون: «صوتوا للعمال»، كما لاحظت «رويترز» في تقريرها.
وكتبت ماي في تغريدة على «تويتر» وهي في السوق: «سوف أحافظ على اقتصادنا قوياً لمساعدة الشركات الصغيرة». ووعدت ماي بقيادة «قوية ومستقرة» خلال عملية مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، ولكن القضايا المحلية هيمنت على جزء كبير من حملتها الانتخابية.
واستمرت ماي بالابتسام بينما كانت تصافح لحامين آخرين كانوا يرتدون الأبيض ويقفون عند واحدة من منصات البيع الكثيرة في السوق. ودعت ماي إلى الانتخابات المبكرة في أبريل (نيسان) لزيادة هامش أغلبية حزبها في البرلمان وتعزيز موقفها في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن حملتها الانتخابية تعثرت في الأسابيع الأخيرة الماضية جراء سلسلة من الإخفاقات السياسية. وقبل سبعة أسابيع أعلنت ماي على نحو مفاجئ إجراء الانتخابات في الثامن من يونيو (حزيران) بهدف زيادة كتلتها البرلمانية قبل بدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكسب مزيد من الوقت للتعامل مع أثر قرار الانفصال.
لكن الحملة الانتخابية شهدت عدداً من الانعطافات غير المتوقعة من بينها أكبر هجوم دموي في بريطانيا منذ عام 2005، والتراجع الحاد لشعبية ماي وفق نتائج استطلاعات الرأي التي كانت تتفوق فيها بأكثر من 20 نقطة مئوية. وقالت ماي: «امنحوني دعمكم في مراكز الاقتراع غداً (اليوم) حتى أخوض معركة بريطانيا في بروكسل... إذا سارت المفاوضات على نحو خاطئ فستكون العواقب وخيمة». وقالت ماي مرارا إنها الوحيدة القادرة على إبرام صفقة ناجحة لبريطانيا، وإن خصومها سيلحقون أضراراً كبيرة باقتصاد البلاد خلال المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
لكن إذا لم تستطع ماي تأمين 17 مقعداً، التي فاز بها سلفها ديفيد كاميرون عام 2015، فستكون قد خسرت مقامرتها الانتخابية وستضعف سلطتها سواء داخل حزب المحافظين أو خلال المحادثات مع باقي زعماء الاتحاد الأوروبي.
وعندما أذهلت ماي خصومها السياسيين وأسواق المال بدعوتها لانتخابات مبكرة، أظهرت نتائج استطلاعات الرأي أنها قد تحقق فوزاً كاسحاً يشبه ذلك الذي حصلت عليه مارغريت ثاتشر عام 1983 بأغلبية بلغت 144 مقعداً. لكن نتائج استطلاعات الرأي أظهرت تقلُّص شعبيتها على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية. وأظهرت أحدث استطلاعات أن حزبها متقدم بما يتراوح بين نقطة واحدة و12 نقطة مئوية.
أما خصمها اليساري جيريمي كوربن، فقال للناخبين إنهم لديهم «24 ساعة لإنقاذ خدمة الصحة الوطنية» التي تعرضت لخفض العمالة والخصخصة في الأعوام الماضية.
«بريكست» والاعتداءات الإرهابية هاجس الناخبين البريطانيين
«بريكست» والاعتداءات الإرهابية هاجس الناخبين البريطانيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة