منفذ هجوم نوتردام طالب دكتوراه جزائري بايع «داعش»

فرنسا تنشئ «المركز الوطني لمكافحة الإرهاب» وتعيد تشكيل الأجهزة الاستخباراتية

الأمن الفرنسي يطوق كاتدرائية نوتردام (أ.ف.ب)
الأمن الفرنسي يطوق كاتدرائية نوتردام (أ.ف.ب)
TT

منفذ هجوم نوتردام طالب دكتوراه جزائري بايع «داعش»

الأمن الفرنسي يطوق كاتدرائية نوتردام (أ.ف.ب)
الأمن الفرنسي يطوق كاتدرائية نوتردام (أ.ف.ب)

ثلاثة فرنسيين قتلوا في هجوم لندن السبت الماضي، وثمانية جرحى، يضاف إليهم العمل الإرهابي الذي ضرب شرطيا أمام كاتدرائية نوتردام في باريس، أحد أكثر الأحياء ارتيادا في العاصمة الفرنسية... المحصلة التي يكررها المسؤولون، عقب كل حادث جديد، أن التهديد الإرهابي ما زال قائما؛ لا بل إنه ذاهب إلى مزيد من التصعيد مع الهزائم الميدانية التي تلحق بـ«داعش» في العراق وسوريا؛ وتحديدا في الموصل والرقة.
وكشفت التحقيقات أمس أن منفذ هجوم المطرقة جزائري في الأربعين من عمره ويدرس الإعلام. وتركز تحقيق الشرطة الفرنسية على السيرة غير العادية للمنفذ الذي أعلن ولاءه لتنظيم متطرف وكان غير معروف لدى أجهزة الأمن؛ حيث قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية كريستوف كاستانير أمس لإذاعة «ار تي ال»، إن الرجل الذي يدعى «فريد.ي» وعمره 40 عاما «لم تظهر عليه دلائل تطرف»، مؤكدا أن كل شيء يشير إلى فرضية «العمل المنفرد».
وقبل ذلك، عاش في السويد؛ حيث تزوج وعمل لإذاعة محلية، كما أنه ادعى أنه عمل سابقا في الإعلام في الجزائر. ولعل أهم ما عثرت عليه الشرطة في الغرفة التي كان يسكن فيها في مدينة سيرجي تسجيل فيديو يعلن فيه مبايعته لتنظيم داعش، الأمر الذي يأتي بالدليل على أن العمل الذي قام به يعد عملا إرهابيا. وكان المدعو فريد قد ضرب شرطيا بمطرقة قبل أن يطلق عليه شرطي آخر النار ويصيبه في صدره وما زال يعالج في أحد المستشفيات الباريسية. وأمس، أمرت النيابة العامة بوضعه قيد التوقيف ووجهت إليه اتهامات رسمية بالقيام بمحاولة اغتيال لموظف رسمي، على علاقة بعمل إرهابي، والانتماء إلى مجموعة إرهابية.
وتنكب السلطات الفرنسية في الوقت الراهن على دراسة كيفية التعامل مع ما يسمون «أشبال الخلافة» وهم الأطفال الذين تم تلقينهم آيديولوجية «داعش» وتلقوا تدريبا عسكريا وبعضهم قام بعمليات إرهابية، وكذلك مع القاصرين من عائلات المتطرفين المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية. وقد نجح عدد من هؤلاء في العودة إلى الأراضي الفرنسية، بينما تحاول عائلات أخرى الرجوع عبر طرق ملتوية لتفادي توقيفها لدى عبورها الحدود الفرنسية.
من جانبه، قال وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب إن الرجل الذي كان أيضا يحمل سكيني مطبخ، هتف: «هذا من أجل سوريا»، في إشارة على الأرجح إلى التحالف العسكري الدولي الذي تشارك فيه فرنسا للقضاء على المتطرفين في سوريا والعراق. وقال مصدر قريب من التحقيق إن فريد ليست لديه «سوابق نفسية»، وفق ما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأكد آرنو ميرسييه، المسؤول عن أطروحة المهاجم الجامعية والذي يعرفه منذ 2013: «فريد الذي عرفته يختلف تماما عن كل ما يوصف به».
وفي الجزائر، قال صحافي كان مسؤولا عن منفذ الهجوم، أمس، للوكالة ذاتها إنه «من غير المعقول أن يكون (فريد.ي) متطرفا». وقال كمال مجوب، مدير مكتب بجاية في صحيفة «الوطن» الناطقة باللغة الفرنسية: «لا أستطيع أن أصدق أن فريد ينتمي لـ(داعش) أو له أي انتماء مع أي منظمة من هذا النوع. هذا غير معقول».
وأكد معظم سكان المبنى الذي يعيش فيه فريد أنهم لم يكونوا يعرفونه. واحد منهم فقط وصفه بأنه «رجل متكتم جدا (...) يسكن هنا منذ سنة ونصف أو سنتين». وأضاف، طالبا عدم كشف هويته: «لم يكن ملتحيا، بل يرتدي ملابس أقرب إلى أساتذة المدارس. شخص لا يثير الشبهات».
وفي سياق متصل، كان الرد الفرنسي الأولي الذي صدر عقب الهجوم، من قصر الإليزيه بعد اجتماع مجلس الدفاع برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون وحضور رئيس الحكومة والوزراء ورؤساء الأجهزة المعنيين؛ إذ أقر المجلس إنشاء «المركز الوطني لمكافحة الإرهاب» الذي سيكون مرتبطا مباشرة برئيس الجمهورية. وسبق لماكرون أن وعد خلال حملته الانتخابية بإنشاء مركز كهذا حددت أمس مهمته الأساسية بتحديد «استراتيجية مكافحة التهديد الإرهابي» في الداخل والخارج و«توفير دعم إضافي لها» من خلال المركز الجديد الذي عهدت إدارته إلى بيار بوسكيه دو فلوريان. وفي الاجتماع عينه، أقرت تسمية السفير برنار أيميه، السفير الحالي لدى الجزائر وقبلها لدى تركيا ولبنان، مديرا لجهاز المخابرات الخارجية المكلف جمع المعلومات الاستخباراتية ومحاربة التجسس. ويتمتع الجهاز المذكور بمجموعات كوماندوز للعمليات الخارجية يحظر القانون الفرنسي على الصحافة الحديث عنها.
وشرح المسؤولون مهام «المركز» الجديد لمحاربة الإرهاب الذي يضع الإليزيه في موقع المواجهة، وأولاها التواصل الدائم مع رئيس الجمهورية، وإيجاد خلية من 20 شخصا في مرحلة أولى تعمل تحت إشرافه وتكون على اتصال مع كل الأجهزة والوزارات المعنية.
وقالت مصادر الإليزيه إن لـ«المركز» 3 مهام رئيسية: تكثيف تحليل المعلومات الاستخباراتية لتوفير رؤية واضحة «للمسؤولين السياسيين والأمنيين» للتهديد الإرهابي، والتأكد من تقاسم المعلومات المتوافرة بين مجموع الأجهزة الرئيسية الموجودة وعددها 4 وتنسيق العمل بينها. يضاف إلى ذلك السهر على متابعة التنسيق والتعاون الحاصلين بين الأجهزة الفرنسية والأجهزة الخارجية الأوروبية وغير الأوروبية انطلاقا من القناعة الفرنسية من أن محاربة الإرهاب يجب أن تكون شاملة. وعمليا، سيضم مدير المركز إلى المجلس الأعلى للدفاع وسيكون على جهازه العمل ليل نهار والتواصل الدائم مع رئيس الجمهورية وتقديم مقترحات وخيارات له. وتخلص مصادر الإليزيه خطة ماكرون بأمرين: توفير انطلاقة جديدة ومزيد من الفعالية للأجهزة المولجة محاربة الإرهاب في فرنسا، الذي أوقع 238 قتيلا ومئات الجرحى في العامين الأخيرين، واختيار المسؤولين القادرين على العمل معا والذين يتمتعون بخبرات أمنية واضحة.
ويترافق تسلم الإليزيه لملف الإرهاب مع التخطيط للخروج من حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015.
وفي الأيام الماضية، أقر مجلس الوزراء تمديد العمل بها حتى 1 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وخطة باريس التي من المقرر أن تقدم إلى مجلس الوزراء في 21 من الشهر الحالي هي استصدار قانون جديد يتضمن تدابير أمنية تعد كافية للمحافظة على الأمن ومحاربة الإرهاب، ما سيمكن الحكومة من وقف العمل بحالة الطوارئ إذا أتاحت الظروف الأمنية ذلك.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟