في قطاع يصنفه السعوديون بالأهم رقابيا بين أجهزة الدولة، ويؤملون منه الحد من الفساد ومحاربته والقضاء عليه، مضى عامان على انطلاق العمل في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ولمس المتابعون جهودا لتأسيس أرضية تنطلق من خلالها استراتيجية وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى التوعية والتثقيف وتعزيز القيم في هذا الخصوص.
«الشرق الأوسط» التقت محمد بن عبد الله الشريف، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، في حوار تحدث فيه عن الآمال المعقودة على جهازه لمكافحة الفساد، والإجراءات التي اتخذت لسد منافذه وتجفيف منابعه، موضحا فيه أن الهيئة ترتبط ارتباطا مباشرا بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي تبنى إنشاءها، إذ تستمد منه سلطتها واستقلالها التام، ما أسهم في إزالة العراقيل التي تواجهها، من خلال عدم تجاوب بعض الجهات، حين صدرت أوامر ملكية تؤكد أهمية التجاوب، مشيرا إلى ورود 100 بلاغ يوميا إلى الهيئة عن الفساد، وقضايا أخرى يستند إليها كمؤشرات حول سير العمل في القطاع الحكومي.
وكشف الشريف عن أن قانوني إقرار الذمة المالية لكبار مسؤولي الدولة وكذلك قواعد كيفية حماية المبلغين ومكافأتهم، قد جرى الانتهاء من صياغتها ورفعت إلى خادم الحرمين الشريفين للنظر فيها ومن ثم اعتمادها.
* بعد عامين من العمل.. ما الأثر الذي أحدثته الهيئة في نشر الوعي والنزاهة ومحاربة الفساد؟
- بداية، أشكرك شخصيا، وأثمن لصحيفة «الشرق الأوسط» ما تسهم به من جهود في التعريف بالهيئة، وبالتالي زيادة الوعي لدى المتلقي بمهامها ودورها في مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، آملا في أن يسهم هذا اللقاء في تزويد القارئ بالمفيد، وتحقيق الهدف المنشود.
أما عن الأثر الذي أحدثته الهيئة في نشر الوعي بتعزيز قيم النزاهة ومحاربة الفساد خلال العامين الماضيين، فإن الهيئة تنطلق في نهجها بمجال التوعية والتثقيف، وتعزيز قيم النزاهة، من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 43، وتاريخ 1 - 2 - 1428هـ، وتنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 165، وتاريخ 28 - 5 - 1432هـ، اللذين يؤكدان أهمية توعية الجمهور بالوقوف ضد الفساد، وتعزيز السلوك الأخلاقي، بتنمية الوازع الديني؛ للحث على قيم النزاهة وحمايتها ومحاربة الفساد، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وخطباء المساجد، والعلماء، والمؤسسات التعليمية.
كما دعت الاستراتيجية لإعداد حملات توعية وطنية تحذر من الفساد، والتأكيد على دور الأسرة في تربية النشء، وبناء مجتمع مسلم مناهض لأعمال الفساد، بالإضافة إلى حث المؤسسات التعليمية على وضع مفردات في مناهج التعليم العام والجامعي، وتنفيذ برامج توعوية وتثقيفية بصفة مستمرة في تلك المؤسسات، تركز على الناحية الأخلاقية، وتتعلق بحماية النزاهة والأمانة، ومكافحة الفساد، وتجريم إساءة استخدام السلطة لتحقيق مصالح شخصية، وحث المواطن والمقيم على التعاون مع الجهات المعنية بمكافحة الفساد، والإبلاغ عن جرائم الفساد ومرتكبيها، والعمل مع مؤسسات المجتمع المدني لتنمية الشعور بالمواطنة، وبأهمية حماية المال العام، والمرافق، والممتلكات العامة، بما يحقق حسن إدارتها والمحافظة عليها.
ولتحقيق ذلك، قامت الهيئة بتنظيم عدد من المؤتمرات، والندوات، والدورات التدريبية، وورش العمل المختلفة حول الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، ونوعت إصداراتها ومطبوعاتها التوعوية، بما يسهم في ذلك، واستغلت شبكات التواصل الاجتماعي لتعزيز دورها التوعوي والتثقيفي، متطلعة إلى أن يكون الأثر والمردود إيجابيا لدى المتلقي؛ مما يسهم في تعزيز الرقابة الذاتية، وتعميق المبادئ والقيم الأخلاقية لديه.
وبفضل الله، ثم تضافر الجهود، استطاعت الهيئة خلال عمرها القصير، وعبر كل تلك الوسائل التي ذكرتها آنفا، والتي أثبتت فاعليتها في نشر الوعي الذي تنشده الهيئة، أقول إنها استطاعت أن تخلق وعيا لدى المتلقي، أثبته لنا رجع الصدى لرسائلنا عبر تلك الوسائل، وردود الفعل على أي بيان نصدره أو إعلان ننشره.
* كيف تغلبتم على نقص الكوادر في بداية عملكم؟ وما أكثر القطاعات التي استقطبتم منها؟
- اعتمدنا في بداية عمل الهيئة مصدرين لاختيار الكفاءات التي ستنضم إليها، المصدر الأول هو خريجو الجامعات وبعثات خادم الحرمين الشريفين، وكان هناك تنسيق مسبق حصلت الهيئة بموجبه على قوائم الخريجين الذين حصلوا على تقديرات امتياز، أو ما هو قريب منها، والمصدر الثاني هو البحث عن الكفاءات المشهود لها بالنزاهة والأمانة في الجهات الحكومية، بحيث تطلب كإعارة للهيئة لمدة محدودة، لكي يستفيد منها الخريجون الجدد، لإكسابهم بعض الخبرات والتجارب والمهارات السابقة في ممارسة العمل على الطبيعة.
وعلى الرغم من صعوبة الشروط المفروضة على من يعمل بالهيئة، ومنها التحلي بالحكمة والأمانة والنزاهة والحياد كصفات يتصف بها موظف الهيئة، وعدم صدور أي حكم عليه في جريمة مخلة بالأمانة حتى لو رد إليه اعتباره، وتقديم إقرار ذمته المالية، فإن منح الهيئة صلاحية اختيار موظفيها بنفسها سهل مهمتها في انتقاء من تنطبق عليهم الشروط من بين آلاف الكفاءات الوطنية التي تزخر بهم أرجاء الوطن.
أما بالنسبة لأكثر القطاعات التي استقطبت الهيئة منها موظفيها، فإن الهيئة راعت في ذلك التنوع، ولم تركز على جهة معينة أو تخصصات تعليمية محددة؛ بل استقطبت من الجهات ذات النشاط المشابه، ومن الهيئات الحكومية، والقطاع الخاص، والقطاع الحكومي عموما، دون تمييز بين تلك المؤسسات التعليمية؛ بل كان المنطلق للاختيار هو الوصف الوظيفي لكل وظيفة، ومدى توافق متطلبات شغل الوظيفة مع المرشح المتقدم.
* تتزايد الآمال المعقودة على الهيئة لمكافحة الفساد.. كيف تواجه الهيئة تلك الأعباء وما دور المجتمع في هذه المواجهة؟
- يعلم الجميع أن مكافحة الفساد مستمرة ومتواصلة، وتتطلب تعاون الجميع، لا سيما سد المنافذ التي قد يتسلل من خلالها، ونحن نعول في الهيئة على المواطن كشريك أساسي في مكافحة الفساد والإبلاغ عنه، بالإضافة إلى الجهات المعنية التي نشترك معها في محاصرته وتجفيف منابعه، لا سيما التأكيد على تنقية أعمال الخدمات العامة للمواطنين من الفساد والإهمال والتأخير، والتأكد من وصولها إلى المواطن بأفضل مستوى.
وأود أن أشير إلى أن الخطوات التي خطتها الهيئة، ما كانت لتتم لولا الدعم المستمر والدائم، الذي تلقاه من لدن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وهو ما نعول عليه كثيرا في مواجهة ما يلقى على الهيئة من أعباء، وما يصادفها من عقبات، وهو دعم لا محدود، دلت عليه تلك الأوامر والتعاميم التي تصدر بين الحين والآخر لدعم الهيئة، والتأكيد على ضرورة التجاوب معها من قبل جميع الجهات والأجهزة الحكومية.
وأؤكد أن أهم دعم تلقاه الهيئة هو ارتباطها بخادم الحرمين الشريفين مباشرة، الذي ضمن لها الاستقلال التام ماليا وإداريا، لتشمل اختصاصاتها جميع القطاعات الحكومية، ولا يستثنى من ذلك كائن من كان.
* ما طبيعة وحجم التعاون بين الهيئة وبقية القطاعات الرقابية؟
- لو استرجعت إجابتي عن سؤالك الأول، ستلحظ بجلاء أن مسؤولية حماية النزاهة ومكافحة الفساد تقع على عاتق الجميع دون استثناء، وهي تتحقق بشكل أفضل بتعزيز التعاون بين الأجهزة المختلفة، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص وبشكل مستمر، خاصة بين الهيئة والأجهزة الرقابية المختصة، فقد نصت المادة الرابعة من تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، على أن تتعاون تلك الجهات مع الهيئة في مجال عملها - في شأن أي استفسار أو إجراء - بما يحقق تكامل الأدوار واتساقها، في سبيل تنفيذ اختصاصات كل منها المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد.
وقد يظن البعض أن العلاقة بين الهيئة والأجهزة الرقابية الأخرى، متضاربة أو فيها ازدواجية؛ ولكن هي في حقيقتها علاقة تكاملية؛ إذ ليس هناك تعارض في نصوص الأنظمة؛ لأنه عندما يوضع نظام تراعى نصوص الأنظمة الأخرى.
أما عن التعاون بين الهيئة وتلك الجهات، فلا تخلو من عراقيل تمثلت في بداية الأمر في عدم امتثالها لنص المادة الخامسة من تنظيم الهيئة التي تقضي بالتجاوب معها وإبلاغها عما اتخذته على ملاحظاتها خلال ثلاثين يوما، بيد أن ذلك قد تحسن في الفترة الأخيرة نتيجة صدور أوامر ملكية تؤكد أهمية التجاوب مع الهيئة، ونأمل أن يتكامل التعاون في سبيل تلاحم الجهود بين الهيئة وشركائها؛ لأنها وجدت لتكملة جهودها في الوقاية من الفساد وسد منافذه، والتحري عنه وكشفه.
* متى سيجري الإعلان عن لائحة إقرار الذمة المالية لمسؤولي الدولة؟ وهل ستشمل الوزراء؟
- جاء في تنظيم الهيئة نص يوجب على الموظف الإدلاء بإقرار ذمته المالية، بالإضافة إلى أنه يقسم قسما منصوصا عليه في نظام الهيئة، ونعني بالإدلاء بالذمة المالية هو أن يعلن ما يملك وفقا لوثائق يقدمها بما يملكه وقت دخول الخدمة، ويجدد هذا كل ثلاثة أعوام، ويقارن بما ورد في إقرار الذمة الأول، وينظر هل ظهر عليه ثراء ملموس ظاهر غير عادي، أو تطور ليس من الأمور العادية، وهناك إقرار أخير عندما تنتهي علاقته بعمله، حيث لا تقبل استقالته النهائية وإخلاء طرفه ولا تصفية حقوقه، إلا بعد أن يقارن ويفحص مع الإقرار الذي قبله، وقد طبق هذا على موظفي الهيئة.
كما أن هناك نصا في تنظيم الهيئة يقضي بإعداد قواعد لإقرار الذمة المالية على بعض فئات موظفي الدولة، يشمل كل من يباشر أموالا عامة، أو يتخذ قرارات لها مساس بالأموال العامة، ويشمل ذلك بعض فئات كبار المسؤولين من وزراء وغيرهم، وقد جرى إعداد تلك القواعد ورفعها إلى خادم الحرمين الشريفين.
* كيف تقيمون التواصل بينكم وبين موظفي الدولة في الإبلاغ عن الفساد؟ وهل تلمسون توجسا لدى البعض من إخطار الهيئة بالمخالفات؟
- نص تنظيم الهيئة على أن تضع الهيئة قواعد لتلقي البلاغات من المواطنين والموظفين والمقيمين حول ممارسات الفساد، وكذلك وضع قواعد لكيفية حماية المبلغين ومكافأتهم، ووضعنا هذه القواعد، ورفعت إلى خادم الحرمين الشريفين، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الهيئة منذ بدأت عملها، وهي تتلقى البلاغات حول ممارسات الفساد، وتتحقق منها، وتتخذ ما تراه حيالها من الإجراءات، بما في ذلك مكافأة المبلغين التي يثبت صحة بلاغاتهم إما بمكافأة مادية أو معنوية. أما التوجس الذي ذكرته في سؤالك، فلم تجده الهيئة؛ لأنها تتكفل بحمايتهم من أن يضاروا بسبب بلاغاتهم إذا كانت جادة وموضوعية.
* كم بلغ حجم البلاغات التي وصلت إلى الهيئة خلال العامين الماضيين؟ وما نسبة ما تأكدتم من صحتها؟
- هناك ما بين ثمانين ومائة بلاغ ترد يوميا؛ لكنها ليست كلها عن قضايا فساد، وإنما تعكس ثقة المواطن في الهيئة، وإبلاغها عن أي مخالفات أو أوجه للقصور أو إهمال، وبعضها لا يدخل ضمن اختصاصات الهيئة؛ لكن الهيئة تنظر إليها كمؤشرات حول سير إجراءات العمل في الأجهزة الحكومية، حتى وإن كان بعضها لا يدخل ضمن اختصاصات الهيئة.
* كيف يمكن مواجهة ترسية المشاريع على كبرى الشركات وتسليمها لمقاولي الباطن لاستكمال تنفيذها؟ وهل تصنفون ذلك بأنه فساد؟
- إذا كانت ترسية المشاريع على كبرى الشركات تجري وفق القواعد النظامية، فلا ضرر في ذلك، والشركات الكبرى أقدر من غيرها على تنفيذ المشاريع؛ لما تملكه من إمكانات، أما التنازل من الباطن، فتحكمه نصوص نظامية تقضي بموافقة الجهة صاحبة المشروع على ذلك خطيا، وإذا وجدت تجاوزات تخالف ذلك يجري التحقق منها ومعاقبة الشركات التي تخالف العقود المبرمة معها.
* هل تواجهون حرجا في التثبت من الفساد ببعض الجهات؟
- يقضي الأمر الملكي الذي أنشئت بموجبه الهيئة، ونصوص تنظيمها، بألا يستثنى من اختصاصاتها كائن من كان، ممن تشملهم تلك الاختصاصات، ولم تجد الهيئة صعوبة أو حرجا في التحقق من أي ممارسات فساد تجري في أي جهة كانت أو مسؤول أو فرد؛ إذ إن الهيئة ليست مرتبطة بأي جهة أخرى، ولا تخضع لرقابة أي جهة، وإنما ارتباطها بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مباشرة، وتستمد منه سلطتها واستقلالها التام عن الجهات المشمولة باختصاصاتها.
