وصفة رايس لإنجاح الديمقراطيّة... نصف الكأس المملوء

وزيرة الخارجية الأميركية السابقة تصدر كتابها الجديد في وقت حاسم

كوندوليزا رايس - غلاف الكتاب
كوندوليزا رايس - غلاف الكتاب
TT

وصفة رايس لإنجاح الديمقراطيّة... نصف الكأس المملوء

كوندوليزا رايس - غلاف الكتاب
كوندوليزا رايس - غلاف الكتاب

عندما يكون موضوع الحديث السياسة الخارجيّة للولايات المتحدة، لا سيما بعدما تولت فيه إدارة جديدة مقاليد السلطة في البلاد حاملة شعار «أميركا أولاً»، موحية بذلك بتحولات أساسيّة في صياغة علاقات الإمبراطورية العظمى بالعالم، تكون كوندوليزا رايس بالتأكيد واحدة من قلّة من الخبراء الذين يُعتد بهم في هذا المجال، ولذا يبدو موعد صدور كتابها الجديد «الديمقراطيّة: حكايا من الطريق الطويل نحو الحرية» وكأنه جاء بمواقيت حاسمة، إذ يقدم للإدارة الجديدة دفاعاً صارخاً مجيداً عن «الديمقراطيّة» كرسالة أخلاقية، ترى رايس أنه ينبغي لجهود السياسة الخارجية الأميركية الانضواء دائماً تحت رايتها مهما تغيرت الألوان الحزبية للقائمين على سلطة الحكم فيها.

كوندوليزا رايس، الأستاذة البارزة بجامعة ستانفورد المرموقة، وزيرة خارجية الولايات المتحدة خلال الولاية الثانية من عهد الرئيس جورج دبليو بوش، الدبلوماسية الأميركية البارعة، تقول في مقدمة كتابها إنها تنتمي إلى جيل عايش اندفاع شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينيّة للنضال لنيل الحريّة، وفي الوقت ذاته بزوغ حركة الحقوق المدنيّة على الساحة الأميركية «التي أعطت فرصاً لأشخاص مثلي»، وهي الأميركيّة من أصل أفريقي، وانتمت إلى الطبقة الأميركيّة الوسطى. وتضيف بنغمة شبه صوفية: «لا شيء أكثر إثارة للحماس من تلك اللحظة التي يحصل الناس فيها على حقوقهم، وينعموا بالحريّة».
مفاهيم «الحريّة» و«الديمقراطيّة»، كما تُتداول في الفضاء السياسي الأميركي، ارتبطت تقليدياً بالحزب الديمقراطي أكثر منها بالحزب الجمهوري، لكن جمهورية جورج دبليو بوش وجدت فيها سلاحاً هاماً لتجييش العالم حول نهج جديد في السياسة الأميركيّة بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ولاحقاً الحرب على أفغانستان والعراق. ومع أن نتائج التدخلات الخارجيّة الأميركيّة، المباشرة وغير المباشرة، منذ ذلك الوقت تحت شعارات «الحريّة» و«الديمقراطيّة» تلك أنتجت كوارث وخيبات أمل تامة من العراق إلى ليبيا، وتسببت في نزاعات أهليّة دمويّة، أو رِدّة للحكم الشمولي في أوكرانيا وسوريا ومصر، وصولاً إلى تركيا، إلا أن إيمان رايس لم يتزعزع أبداً في الأهمية الاستراتيجيّة لتوظيف هذه المفاهيم كإطار للسياسة الخارجيّة الأميركيّة الآن أكثر ربما من وقت توليها حقيبة خارجيّة السيد دبليو بوش، خلال العقد الأول من القرن الحالي. وهي تبرر تلك الخيبات المتكررة، وحتى الأخطاء - كما وصفت الترويج لتنفيذ انتخابات في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة التي أفرزت وصول (متطرفين)، على حد تعبيرها - «بكون الترويج لتمكين الديمقراطيّة ليس بالأمر السهل، لكنّه بالتأكيد ليس مستحيلاً، أو غير أساسي». وتشير رايس إلى نصف الكأس المملوء محتفية بصفوف الناخبين الطويلة في كثير من الدّول الأفريقيّة التي لم تعد الانقلابات العسكريّة فيها الوسيلة الأهم لتعاقب الحاكمين، وتروي ضمن «حكاياها» قصص نجاح - ولو جزئي - لكن بالتأكيد ذات أهمية تاريخيّة لمصلحة الديمقراطيّة، كما في كولومبيا وتونس وكينيا وتنزانيا وساحل العاج.
رايس بالطبع ليست عندها أية أوهام بشأن الترويج لمفاهيم «الحريّة» و«الديمقراطيّة» في خدمة سياسة الدّولة الأعظم، فهذه المفاهيم لا شك أدوات لا غايةً بحد ذاتها، تضمن منح السياسة الخارجيّة الأميركيّة نوعًا من مغزى أخلاقي، بينما هي في الوقت ذاته أفضل حماية لمصالح الإمبراطوريّة، ونوعاً من قوة سائلة (ناعمة) هائلة تسهل مدّ مظلة الهيمنة الأميركيّة إلى مناطق نفوذ أوسع.
وصفة رايس لإنجاح عمليّات التحوّل إلى الديمقراطيّة، وفق كتابها، تكمن في تعزيز دور المؤسسات المحليّة عبر قطاعات القضاء والأمن والأحزاب السياسيّة والصحافة الحرّة، وعقيدتها أن تجذّر هذه المؤسسات في الديمقراطيّات الناشئة، وتقاطع مساهماتها عبر النطاق العام، هو تقريباً السبيل الوحيد للوصول لنقطة اللاعودة نحو تبني المجتمعات الناشئة للمنهج الديمقراطي، وأن الفشل بتأسيس ذلك على نحو مبّكر هو نوع من التحضير لخيبة أمل أخرى في تاريخ التحول إلى الديمقراطيّة.
لكن رايس تقول كذلك إن المساعدات الخارجيّة قد تكون حاسمة في بناء قدرة هذه المؤسسات المحليّة على التعامل مع التحديّات الكبرى التي قد تواجهها، وتصف أهمية ذلك من خلال جهود مؤسسة تحدي الألفيّة التي أطلقت إبّان الولاية الثانية للرئيس جورج دبليو بوش، وقدّمت حينها مساعدات كثيرة للحكومات التي تتعهد بتنفيذ إصلاحات لتمكين صيغِ حكم رشيد شفاف. وهي تضرب مثلاً في حكومة ليبيريا المنتخبة بعد حروب أهليّة طويلة، التي مكنتها مساعدات مؤسسة تحدي الألفيّة بالذات من تفعيل قدرة الحكومة المحليّة على مواجهة انتشار وباء الإيبولا القاتل عام 2014. وتذهب رايس إلى طرح حكايا موازية عن ضعف قدرة السلطات النيجيريّة على مواجهة سرطان الإرهاب في البلاد كعرض لفشل العمليّة الديمقراطيّة، وانتشار الفساد، وغياب الحكم الرّشيد.
لا شك أن خبرة رايس العميقة في صناعة التحولات إلى الديمقراطيّة تلقتها من خلال مشاركتها الفّعالة أولاً كخبيرة في الشؤون الروسيّة، ولاحقاً كأعلى أصوات السياسة الخارجيّة للإمبراطوريّة ضمن فريق دبليو بوش، بعد أن خبا نجم الصقور أمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد. كان الاتحاد السوفياتي قد انتهى حينها إلى الزّوال، وتطلّب الموقف من السلطة الأميركيّة الشروع في اتخاذ بعض الخيارات الأساسيّة لصياغة السياسة الخارجيّة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة. اختارت حينها الولايات المتحدة - رغم غياب (العدو) الاشتراكي - سياسة توسيع نطاق مناطق النفوذ الغربي، من خلال تبني الدعوة لنشر الديمقراطيّة كرسالة أخلاقيّة للرأسمالية الليبراليّة التي بدا وقتها أنها ستحقق نوعاً من «نهاية للتاريخ»، وتفرض «عولمتها» على أرجاء المسكونة في إطار نظام عالمي جديد. كانت رايس من أهم «العقول» التي صاغت سياسة الولايات المتحدة تلك، وهي سياسة تحولت بمثابة الإطار العام لثلاثة عهود متتالية - رغم فروقات شكليّة قليلة - سواء في أيام الولاية الثانية لجورج دبليو بوش، مروراً بأيام الرئيس كلينتون، وانتهاء بعهد الرئيس أوباما.
انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب - أقله في الأيام المائة الأولى من العهد الجديد - كشف النقاب عن توجه لتعديل منهج السياسة الخارجيّة الأميركيّة هذا نحو مسار أكثر انعزالاً، معادٍ لسياسات الانفتاح والعولمة، صدامياً ومؤْثراً المصالح الأميركيّة المباشرة على أي سياسات ذات طابع أخلاقي - نظري، مصحوباً بشيء من الفوضى وسيطرة القرارات التكتيكيّة قصيرة المدى على العمل الاستراتيجي الأميركي، على نحو أثار مخاوف أقرب حلفاء الولايات المتحدة قبل خصومها.
من هنا، يأتي سِفْرُ حكايا رايس الأخير - إحدى أهم معماريي النظام العالمي الجديد ما قبل ترمب - ليعيد طرح نظريّة الترويج «للديمقراطيّة» على صُنّاع القرار المستجدين بوصفها سلاحاً ماضياً، وسوراً عظيماً يحمي مصالح الإمبراطوريّة العتيدة. وكان قد أثبت فعاليّة دائمة في خدمة النّفوذ الأميركي، رغم كل التكاليف الباهظة إنسانياً واقتصادياً في المجتمعات المستهدفة، وأنه حتى لو كان شعار النظام الجديد «أميركا أولاً»، فإن منطق الأشياء يقول إن رفع شعارات الترويج للديمقراطيّة وحريّة الشعوب يخدم بالأساس أميركا أولاً، وربما أخيرًا أيضا. في الوقت ذاته يقّدّم السِفْرُ الرايسي نافذة هامة لكل معني بفهم تطور الفكر الأميركي السياسي المعاصر، حلفاء وضحايا» للاطلاع على وجهة نظر صانعي القرار في حكايا عرّافتهم ضمن سردها لأحداث عاشتها خلال تلك الطريق الطويل والشاق نحو «الحريّة»، بتعريفها الأميركي حصراً.



«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.