مصر تدشن عهداً جديداً للسياحة العلاجية

وضع مصر على خريطة السياحة العلاجية، وتوجيه البوصلة إليها بصفتها مقصدا عالميا للاستشفاء والاسترخاء، يبدو هو الشغل الشاغل للقطاع السياحي في البلاد خلال عام 2017، بعد أن أصبح التوجه الحالي هو استغلال ما تتمتع به المحافظات المصرية من إمكانيات علاجية طبيعية ومقومات استشفائية، والترويج لها خارجيا، وهو ما ترجم مؤخرا في المشاركة المصرية في فعاليات المعرض السياحي «سوق السفر العربي» دولة الإمارات، وهي المشاركة التي هدفت إلى إبراز أهمية السياحة العلاجية والاستشفائية في مصر؛ نظراً لما تمتلكه من مقومات وإمكانيات كبيرة في هذا المجال.
وكخطوة أولى للنهوض بهذا المنتج السياحي، كانت استضافة مصر قبل نحو شهرين نجم كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي، وإطلاقه حملة السياحة العلاجية من تحت سفح الهرم، حيث شارك النجم العالمي في حملة «تور آند كيور» لعلاج مرضى فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي C، وهو ما لفت الأنظار للتجربة المصرية الناجحة في هذا المجال.
في هذا الإطار، تحاول مصر استغلال هذه التجربة العلاجية، التي وصفتها منظمة الصحة العالمية بالتجربة الرائدة، والتي تشيد بها في جميع المحافل الدولية. ودعا وزير الصحة المصري في أكثر من مناسبة كل مريض مصاب بفيروس «سى» على مستوى العالم للقدوم إلى مصر للحصول على العلاج بتكلفة ضئيلة بالمقارنة بالتكلفة العالمية، وبلا قوائم انتظار وبأطباء مصريين وأدوية محلية الصنع. وأشار إلى أن مصر قامت بعلاج مليون مريض بفيروس سى، وهو العدد الذي يفوق ما تم علاجه بالعالم؛ وهو ما يؤهل مصر لأن تكون قبلة لعلاج هذا المرض.
وفي خطوة ثانية لوضع مصر على خريطة السياحة العلاجية العالمية، استضافت مدينة شرم الشيخ الشهر الماضي مؤتمرا دوليا بعنوان «مصر والسياحة العلاجية»، الذي ناقش كيفية وضع مصر في مسارها الصحيح فيما يخص السياحة العلاجية، وكيف تكون قبلة لها خلال الفترة المقبلة.
وأكدت الحكومة المصرية خلال المؤتمر، أن البلاد تزخر بمقومات هائلة وكنوز لا مثيل لها في العالم، مؤكدة أن قدوم المرضى من كل دول العالم لتلقي العلاج بمصر هو سياحة استشفائية وعلاجية،ومستعرضة ما تتميز به مصر بمقومات كبيرة، مثل العيون الكبريتية والمعدنية بسيناء وسفاجا، وفي العين السخنة والغردقة والفيوم، التي يستفيد المتردد عليها من رذاذ أبخرة الكبريت المتصاعدة من داخل العيون، والاستمتاع بمياهها الدافئة المندفعة من باطن الأرض، التي تحتوي على مواد كبريتية لها القدرة على علاج الأمراض الروماتيزمية على وجه الخصوص.
وكذلك العلاج بالرمال في سفاجا والقصير والوادي الجديد، التي بالفعل تم استغلالها في الاستشفاء في علاج الكثير من الأمراض مثل الصدفية والروماتويد.
ولم يكن هذا المؤتمر هو الوحيد الذي يعقد في هذا الاتجاه، حيث نظمت مؤتمرات أخرى محلية في أكثر من محافظة مصرية، للنقاش حول كيفية تطوير مناطق بعينها لتكون جاذبة للسياحة العلاجية، وأبرزها «واحة سيوة» الواقعة بصحراء مصر الغربية، التي يُستهدف إلى تحويلها مركزا عالميا من مراكز السياحة العلاجية والبيئية واحتلال مكانة على خريطة السياحة الاستشفائية.
وفي خطوة ثالثة للنهوض بالسياحة العلاجية، كان استضافة خبراء ومتخصصين عالميين في هذا المجال؛ بهدف الاستفادة من خبراتهم، فمؤخرا استضافت محافظة جنوب سيناء وفدا مجريا برئاسة الدكتور جيبور بيب، عمدة مقاطعه هيفيز، التي تعد من أشهر مراكز السياحة العلاجية على مستوى العالم، حيث تفقد الوفد منطقة «حمام موسى» بطور سيناء؛ لدراسة إقامة أكبر منتجع للسياحة العلاجية على مساحة 638 ألف متر مربع، يضم 60 شاليها على شاطئ البحر ومستشفى وفندقا وواحة من النخيل تضم 5 آلاف شجرة نخيل، ويستفيد من مياه الحمام، التي تسجل نسب شفاء كبيرة للحالات المرضية التي عولجت بها.
كما تخطط وزارة الصحة المصرية لتطوير حمام فرعون وعيون رأس سدر بجنوب سيناء أيضا؛ وذلك لإجراء أبحاث علمية عليها، بهدف الوصول إلى نتائج يمكن من خلالها الترويج للاستشفاء البيئي عالميا بشكل علمي مدروس.
إلى جانب هذه الإجراءات التي تساعد على نمو حركة السياحة العلاجية، توجد خطوة رابعة تتمثل في إعادة الاهتمام وتطوير مناطق بعينها بما يعزز إمكانيات مصر في مجال السياحة العلاجية، يأتي في مقدمتها «كابريتاج حلوان» (24 كم جنوب القاهرة)، الذي كان لمياهه الكبريتية مفعول السحر في علاج الكثير من أمراض المصريين والأجانب، عبر الانغماس في الحمامات الكبريتية والعلاج بالطمي الكبريتي وبالكهرباء والحمام المائي الكهربي وأيضا الأشعة تحت الحمراء.
وحاليا تتم دراسة إقامة مشروع تطوير للمكان بعد أن أصابه الإهمال لسنوات طويلة، بعد أن ظل لسنوات واحدا من أشهر المعالم السياحية الشهيرة في نطاق القاهرة الكبرى، بل إنه كان مشتى عالميا ومقصدا جاذبا للكثير من المصريين والأجانب.
كما تتبنى الحكومة المصرية تطوير عدد من المستشفيات يمكنها تقديم معظم الخدمات الطبية والفندقية الفائقة، وتسويقها دوليا، وفي إطار ذلك تم اختيار 16 مستشفى مجهزا بأحدث الأجهزة والفرق الطبية، لتسويق خدماتها لتنشيط السياحة العلاجية لمصر.
ولتفعيل هذه التوجهات والإجراءات، يقول هشام الدميري، رئيس هيئة تنشيط السياحة المصرية: «يتم حالياً إعداد قانون خاص بالسياحة العلاجية في مصر، يرتبط بالنسق القيمي وسلوكيات مقدمي الخدمة الطبية والخدمة السياحية، وتشكيل مجموعة عمل تضم وزارات السياحة والصحة والبيئة لبحث سبل تنمية هذا المنتج السياحي، وتنظيم تراخيص مزاولة المهنة وتشغيل رحلات طيران منتظمة للمناطق النائية التي تمتلك مقومات السياحة العلاجية».
وفي مجال السياحة الاستشفائية، لفت إلى الاهتمام بالعيون الكبريتية بحلوان التي من أبرز نماذج السياحة الاستشفائية للعلاج الطبيعي والروماتيزم، والواحات البحرية بما تمتلكه من آبار وعيون، مثل بر حلفا والآبار الرومانية، وواحة سيوة التي تشتهر بعيون المياه المعدنية، هذا إلى جانب سفاجا التي تعد من أفضل الأماكن لعلاج الأمراض الجلدية مثل الصدفية ولعلاج الروماتويد.
من جانبه، يقول الخبير السياحي هشام شوقي لـ«الشرق الأوسط»: «يظل ملف السياحة العلاجية أحد أهم المنتجات السياحية التي يمكن أن تدر إرادات مرتفعة لقطاع السياحة المصري، لكن مصر في حاجة إلى إعادة النظر في المقام الأول إلى البنية الأساسية الخاصة بالمستشفيات، وإضافة عدد من المستشفيات ذات الطابع الدولي مع ربطها بفكرة السياحية الاستشفائية، بحيث يحصل السائح على العلاج في المستشفيات، ويحصل على النقاهة بمقاصد استشفائية مثل الواحات أو أسوان أو عيون المياه الكربيتية».
وثمن الخبير التوصيات التي خرجت من مؤتمر «مصر والسياحة العلاجية» بشرم الشيخ، قائلا إنه إذا فُعلّت هذه التوصيات ودخلت سريعا حيز التنفيذ؛ فإنها ستعمل على وضع مصر بقوة على خريطة السياحة العلاجية العالمية، مبينا أن أهم هذه التوصيات إنشاء كيان مؤسسي تحت مسمى الهيئة القومية للسياحة العلاجية، وتدشين موقع إلكتروني يضم مواقع السياحة العلاجية كافة بالبلاد، والعمل على وضع خطة شاملة وإطلاق حملات دورية مدروسة للترويج للسياحة العلاجية بالخارج، وإنشاء قاعدة بيانات كاملة للجهات المقدمة للرعاية الطبية، وتطبيق معايير الجودة العالمية عليها، والتعاقد مع الهيئات الخاصة المقدمة للخدمة، ومساعدة الراغبين في القدوم لمصر للعلاج في الحصول على تأشيرة الدخول وتذليل أي معوقات.
كما أوصى المؤتمر بأهمية التوسع في العلاج بالأعشاب، وضرورة إنشاء منتجع استشفائي عالمي للعلاج بالأعشاب في مدينة سانت كاترين، وإنشاء مصنع بيئي لتصنيع بعض الأدوية من الأعشاب الموجودة هناك.