لا بد من مراجعة كل القناعات الثقافية والفكرية

لا بد من مراجعة كل القناعات الثقافية والفكرية
TT

لا بد من مراجعة كل القناعات الثقافية والفكرية

لا بد من مراجعة كل القناعات الثقافية والفكرية

لم تأت فكرة القومية العربية من فراغ أو صدفة، وإنما كان وراء ذلك رجال فكروا في كيفية بناء جسر واحد يعبر عليه كل العرب، جسر يمتد من الخليج إلى المحيط. ولكي يتحقق هذا الحلم الذي يخرج العرب من بوتقة التفكير الضيق، والمكان المغلق، والتقوقع في حضن الدولة العثمانية وما تحمله من فكر لم يسهم في تقدم العالم العربي، لا بد من نشر الوعي بأهمية الوحدة العربية في إطار المشتركات الكثيرة الذي يمكنها تذليل الصعوبات، كاللغة والجغرافيا والإرث التاريخي والدين وغيرها، وهذا ما أخذته القيادات العربية فيما بعد واتكأت عليه في الدفاع عن فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا كان للعرب صولات وجولات متفرقة بين الحين والآخر في الدفاع عن الأرض العربية المحتلة، أو في الحروب التي دارت بين العرب من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، فإنه يؤكد دور العالم العربي آنذاك حين كانت الهيبة العربية التي تتمظهر في خمسينات وستينات القرن العشرين على الرغم من الوجود الأجنبي احتلالاً أو انتداباً أو حماية لبعض الدول العربية، إذ كانت القيادات العربية متماسكة متفقة تجاه القضية الكبرى، قضية فلسطين، بل أصبح الشعب العربي الملتف حول قياداته العربية فخوراً بهذا الانتماء العروبي، لذلك تعددت نضالات الشعب العربي بحسب الموقع والدور والتخصص، حيث كل ذلك ينطلق من مبادئ القومية العربية التي تعني انتماء كل فرد على الأرض العربية بعيداً عن دينه أو عرقه أو طائفته أو قوميته.
وما أن وقعت الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1967 وما نتج عنها من انكسار العزيمة العربية التي كانت آمالها معلقة على الجيش العربي آنذاك، حتى أحدثت صدمة كبرى ليس للقيادات العسكرية فحسب، وإنما كانت هزيمة الفكر والقومية والعاطفة العربية، إذ بدأت الإرهاصات لدى الشعب العربي تبرز بانفراط سبحة العالم العربي وترامي حباته، فضعف الانتماء، ومرض الوجدان العربي، واضطرب الفكر القومي، وانهزم الحلم المشترك، وتضعضع العمل المستقبلي، وهنا جاء دور الفئات المثقفة باختلاف تخصصاتها وتوجهاتها ومجال عملها وانتماءاتها السياسية أو الفكرية أو الآيديولوجية.
ومع مرور الوقت واستيعاب الصدمة وقبول الهزيمة بدأت المساهمات المتعددة في الكثير من مجالات الفكر والأدب والفن التشكيلي والدرامي والسينمائي والمسرحي، وتقدم دورها في ظل البحث عن آليات وطرائق خروج الشعب العربي من محنته، وكيفية علاج اضطراب الوجدان العربي، وأهمية تفكيك أسباب كل التوجسات الثقافية والفكرية، لذلك لم يقفوا عند دراسة الهزيمة بقدر ما اهتموا بمعرفة الذهنية العربية وبنية التفكير، وكيفية التعامل معها في ظل الإحباطات الكثيرة، وفقدان الثقة في المشروع العربي. من هنا جاءت معالجة الهزيمة بمعرفة العدو ودوره في تعزيز مكانته الجغرافية والاقتصادية والسياسية لدى زعماء العالم الغربي، ومدى إمكانياته في السيطرة على مفاصل الاقتصاد العالمي، كما حاولت الكتابات الأدبية من شعر وسرد ومسرح طرح الهزيمة وتقديم بعض الحلول لمعالجة الحالة العربية، كما فعلت السينما العربية التي كرست البعد الرومانسي في جل الأعمال الفنية من جهة، والأعمال التي تؤكد على نضال الشعب العربي ضد أي احتلال كالثورة الجزائرية مثلاً.
وإذا كان هذا في ستينات القرن الماضي، فما هو دورنا نحن الكتاب حالياً؟ ألا ينبغي مراجعة كل القناعات الثقافية والفكرية المنضوية تحت سقف العروبة والقومية، وطرح أسئلتنا عليها، لمعرفة مدى أهميتها إن كانت تتواكب والمرحلة الحالية أم تبقى أفكارنا حبيسة الماضي وقيوده؟ أتصور على كل كاتب أياً كان مجاله أن يستوعب حركة التغيير في المجتمعات كلها، وأن نفكر معاً بصوت مسموع من أجل بناء مشروع عربي لا ينفي ما كان، وإنما يجدد في الفكر والعطاء والعمل، بنبش الماضي والتراث والتاريخ والحياة العربية السابقة من أجل المحاورة والوصول إلى مشروع يقي العالم العربي من كل هذا التطرف الذي يلغي المختلف ديناً وطائفة وعقيدة وقومية وعرقاً، فلم يعد العالم العربي بعيداً عن العالم والكون في ظل الثورة المعلوماتية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
* ناقد بحريني



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.