مثقفون عرب: أسئلة النكسة لا تزال حاضرة

50 عاماً على هزيمة67... ما الذي تغير ثقافياً؟ (1-2)

في حرب 67 لم تهزم الدبابات وحدها بل هزمت الكتب والقصائد وما زال أثر النكسة ساريا بقوة في الأدب (أ.ف.ب) - أحمد عبد المعطي حجازي - أحمد الخميسي
في حرب 67 لم تهزم الدبابات وحدها بل هزمت الكتب والقصائد وما زال أثر النكسة ساريا بقوة في الأدب (أ.ف.ب) - أحمد عبد المعطي حجازي - أحمد الخميسي
TT

مثقفون عرب: أسئلة النكسة لا تزال حاضرة

في حرب 67 لم تهزم الدبابات وحدها بل هزمت الكتب والقصائد وما زال أثر النكسة ساريا بقوة في الأدب (أ.ف.ب) - أحمد عبد المعطي حجازي - أحمد الخميسي
في حرب 67 لم تهزم الدبابات وحدها بل هزمت الكتب والقصائد وما زال أثر النكسة ساريا بقوة في الأدب (أ.ف.ب) - أحمد عبد المعطي حجازي - أحمد الخميسي

يقول أحد الكتاب المشاركين في هذا الملف، المخصص بمناسبة مرور خمسين عاما على هزيمة 5 يونيو (حزيران)، إنها كانت هزيمة ثقافية بالدرجة الأولى، هزيمة لذهنيات وممارسات كرست ثقافة سادت على مدى سنوات طويلة ومهدت لأسباب الهزيمة، التي بدت حتمية. إنها لم تكن هزيمة عسكرية، فهذا جانبها المرئي فقط، الذي لم يكن سوى إعلان صارخ عنها. هل تغيرت هذه الذهنيات والممارسات بعد مرور خمسين سنة، هل ما تزال البنى الفكرية والثقافية من ناحية الجوهر، ولم يتغير سوى الإطار الخارجي، رغم التغيرات والتبدلات التي مرت بها المنطقة العربية والعالم أيضاً؟
هنا آراء عدد من الكتاب العرب:

من القاهرة، يقول الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، لـ«الشرق الأوسط»: «لم تكن (النكسة) مجرد هزيمة عسكرية، بل كانت هزيمة عسكرية كاشفة لما خسرناه في مجالات حياتنا المختلفة، خسرنا الديمقراطية. لأن خسارة الديمقراطية بسبب الحكم العسكري هي التي أدت للهزيمة، ولأننا إلى أن وقعت الهزيمة لم نكن نعلم شيئا عن إمكاناتنا وعلاقتنا مع العالم ولم نكن نحاسب المسؤولين عن أوضاعنا بشكل عام. الصحافة المصرية منذ 1952 لم تكن حرة ولم يكن الصحافي يملك أن يعرف الحقائق ولا المثقفون ولم يكن الكتاب المصريون قادرين على توجيه سؤال أو نقد للمسؤولين ونعلم ما حدث لمن حاولوا ذلك».
ويستطرد: «لن أتحدث عن التنكيل والتعذيب... السياسات هي التي أدت للهزيمة. ردود الفعل في الشعر والرواية والنثر والمسرح والسينما أظن أنها كانت تدرك حقيقة ما حدث إلى حد كبير. في شعري تحديدا، عبرت عن خيبة أمل خصوصا في ديواني (مرثية للعمر الجميل). لم يكن هذا العمر جميلا إلا بالوهم، وكنت أنظر في هذه الأوهام وأصارح نفسي بأن هذه الأوهام التي كنت أظنها أحلاما ماتت ولذلك كنت أرثيها في شعري، وخصوصا في قصيدة بهذا العنوان أوجه فيها الكلام للزعيم عبد الناصر، وأقول له: من ترى يحمل الآن عبء الهزيمة فينا - المغني الذي طاف يبحث للحلم عن جسد يرتديه - أو هو الملك المدعي أن حلم المغني تجسد فيه؟!». (وكان الشاعر قد كتب هذه القصيدة في الذكرى الأولى لرحيل عبد الناصر). ويضيف حجازي: «في دواويني السابقة على النكسة كنت أستشعر الأوضاع الفاسدة والسيئة والسلبية التي يمكن أن تؤدي بنا إلى الهزيمة، فمثلا في ديواني (لم يبق إلا الاعتراف) موجود كذلك هذا الشعور بالخوف والقلق، من الممكن أن تكون نبوءات تكشف عما وقع لنا في 5 يونيو (حزيران) 1967 وطبعا لست وحدي في ذلك، بل انعكس أيضا في شعر أمل دنقل وصلاح عبد الصبور».
وحول آثار الهزيمة بعد خمسين عاما على حصولها، يقول: «لا تزال آثار الهزيمة موجودة. ولا شك أن 73 كان انتصارا حقيقيا لكننا لم نستكمل هذا الانتصار العسكري، هذا الانتصار الذي كان يجب أن يقودنا لمراجعة حياتنا وما خسرناه كي نعوضه ونعود عن مسببات الهزيمة والخسارة، لم يحدث ذلك. بل بالعكس في السبعينات والثمانينات والتسعينات، بدلا من أن نعود إلى الديمقراطية ونكتشف أن الحريات التي خسرناها والتي أدت خسارتنا لها إلى الهزيمة، لا تزال مقموعة حتى اليوم وذلك رغم قيام ثورتي 2011 و2013. والدليل هذا الإرهاب الذي استشرى وتواترت جرائمه، أراه أثرا من آثار 1967، هي في الواقع نتائج لهزيمة سابقة هي غياب الديمقراطية».
أما الروائي أحمد الخميسي، فيقول: «أثر النكسة في الثقافة المصرية والعربية عامة كبير جدا، وأثرها واضح وجلي في الأدب بشكل خاص. لقد فردت ثورة يوليو (تموز) - أيا كانت خلافاتنا معها - أشرعة ثقافية قائمة على التحرر الوطني، والتصنيع، والاكتفاء الذاتي، وتحرير المرأة، والعدالة الاجتماعية النسبية، ونشر التعليم المجاني، وعلى أن القضية الفلسطينية قضية مركزية، وأن العروبة انتماء قومي وثوري وتاريخي. وفجرت الثورة قبل النكسة طاقات أدباء بلا عدد ارتبط الأدب لديهم بقضايا المجتمع، فظهر يوسف إدريس بروائعه التي لا تتكرر، ونعمان عاشور، وألفريد فرج، وكوكبة ضخمة في الشعر والنقد والسينما، وكان سعر الكتاب في المتوسط لا يتجاوز قروشا قليلة، ومن ثم كان الكتاب يصل إلى جمهور واسع من فئات الشعب ويشق للمعرفة والتنوير طريقا. الآن، وعلى مدى نصف قرن، تبدلت كل الركائز».
ويضيف: «ومنذ أن أطلق توفيق الحكيم كتابه (عودة الوعي) تحركت عملية مراجعة كاملة وتجريف لكل القيم الثقافية والأدبية. الأدب الذي كان مشغولا بالإنسان البسيط في مصر، أخذ يحوم حول (ذات الكاتب)، وهواجسه، وتم عزل الأدب عن دوره الاجتماعي، الأكثر من ذلك أنه كانت لدينا في الستينات نحو 15 مجلة ثقافية متخصصة في شعب لا يزيد تعداده على ثلاثين مليونا، الآن لدينا شعب يكاد يصل إلى مائة مليون وكل ما لدينا ثلاث مجلات ثقافية. في 67 لم تهزم الدبابات وحدها، بل هزمت الكتب والقصائد، وما زال أثر النكسة ساريا بقوة في الأدب، واضحا في الضياع الذي تستشعره الآن في روايات وأعمال الأدباء الشباب، وفقدان الطريق على المستوى السياسي والفلسفي والأدبي، ومن ثم أمسى الأدب ينشغل بعناوين جنسية صارخة لشبه أعمال أدبية، وبالغرائب، وبكل ما هو فردي، من دون أن يلمس نقاط التقاطع بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي، ما هو فردي وما هو عام. لقد ظهرت وانتشرت مدارس أدبية مثل (الواقعية القذرة) التي ترى أن دور الأدب هو تصوير قبح الحياة، ومدارس ضد الحلم التاريخي بعالم فاضل، مثل (ديستوبيا) (عكس اليوتوبيا) ومدارس تمجد الشكل واللغة على حساب العمل والمضمون. بالطبع أثر النكسة ما زال ممتدا، ويمكن ملاحظته كل يوم وفي أعمال كثيرة، بعضها تعبير سلبي عن النكسة، وبعضها تعبير إيجابي كما في رواية «واحة الغروب» لبهاء طاهر. نحن نحصد الآن حقول النكسة التي لم تمنحنا سوى فاكهة مرة المذاق».



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.