«داعش» بين فقدان الوهج واستمرار تكتيكاته

طموحه بدأ في التقهقر منذ استهداف قوات التحالف بغاراتها مناطق قوى التنظيم

أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة  (أ.ف.ب)
أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة (أ.ف.ب)
TT

«داعش» بين فقدان الوهج واستمرار تكتيكاته

أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة  (أ.ف.ب)
أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة (أ.ف.ب)

يتعرض تنظيم داعش لهزّة قوية تسببت في إرباك لاستراتيجياته التي شكلت هويته منذ بداية ظهوره كتنظيم متطرف، هدفه اتضح من خلال اسمه «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وحمل أملاً ينبع للمتطرفين عبر انعدام الأمن واستفحال حالة العنف وسط الارتباك، لتتغير التسمية فيما بعد إلى «الدولة الإسلامية» فحسب منذ إعلان التنظيم ذلك في 29 يونيو (حزيران) عام 2014 بطموحٍ مبالغ فيه لإقامة خلافة عالمية. ذلك الطموح بدأ في التقهقر منذ بدء استهداف قوات التحالف بغاراتها مناطق قوى التنظيم. الأمر الذي تعكسه تصريحات المسؤولين خلال اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش» في 21 مارس (آذار) الماضي، حيث أوضح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن «من أهم استراتيجيات مكافحة التنظيم وقف تمدده إلى خارج المنطقة وطموحاته في إقامة (الخلافة)»، وأن «ما يجمع بين المسؤولين المناهضين لـ(داعش) في الاجتماع ذاته هو التزامهم بهزيمة قوة الشر العالمية».
هذا الطموح يبدو أنه فقد وهجه في الآونة الأخيرة بعد أن بدأ التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة والاستمرار بالقيام بهجمات عشوائية تظهر أشبه بعمليات فردية لمجرمين مختلي العقول، سواء عبر الطعن أو إطلاق النار على المدنيين عبر العالم.
يظهر ذلك من خلال العملية الإرهابية التي نفذت في لندن أمام البرلمان البريطاني في 22 مارس من قبل البريطاني خالد مسعود، صاحب الاسم الفعلي أدريان راسل، بعمر تجاوز 52 عاماً، ومن خلال عملية تعد مرتكبة من قبل «ذئب منفرد»، وإن كان تنظيم داعش قد نسب الهجوم إلى نفسه على أنه استهداف لرعايا دول التحالف بناء على مطالب لتنفيذ ذلك كرد على هجماتهم على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
وقد جاء هجوم لندن في ذكرى هجمات بروكسل التي اتخذت النسق ذاته، وذلك في محاولة واهية للادعاء باستمرار تماسكه كتنظيم وقدرته على إرهاب العدو، أو كما أفادت تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأن الحادثة تعد بمثابة هجوم على الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان وسيادة القانون، كما وصفت مرتكب الهجوم بأنه قام بالتنفيس عن جام غضبه بأسلوب عشوائي ضد الأبرياء.
وهذا الاستمرار في الاستهداف العشوائي على يد أشخاص مضطربين نفسياً ومؤدلجين ومحملين بثقافة الضغينة والسعي في إلغاء وجود الآخرين، يتوقع أن يستمر كآخر رمق للتنظيم بعد أن ازدادت صعوبة تنفيذ الهجمات الإرهابية بعد تشديد الأمن على الصعيد الدولي، وبعد أن تم تضييق الحصار عليهم في مناطق نفوذهم السابقة.

استمرار نهج التكتيكات
وعلى الرغم من التغير في الاستراتيجيات الداعشية، فإن التكتيكات تظل ذاتها دون تغيير. يظهر ذلك من خلال سعي التنظيم في استقطاب الآخرين وإقناعهم بالأهداف الداعشية على النهج ذاته من شيطنة العدو وإظهاره كأهداف لا بد من إنهاء حياتهم والانتقام منهم.
منذ عام 2016 من خلال منشورات التنظيم ورسائله الإلكترونية كمجلة «دابق» التي دعت مناصري «داعش» والمنتسبين إليه إلى مهاجمة كل من يخالفهم باستخدام السلاح، سواء باستخدام البنادق والمتفجرات أو حتى السكاكين. في سعي نحو الاستمرار في استخدام توليفة التخوين وإقصاء الآخر وشرعنة قتله، وبالأخص الأقليات التي يسهل تخوينها وتكفيرها وتحويلها إلى أعداء مستهدفين، وفي الوقت نفسه يتسبب ذلك في بلبلة وإثارة غضب الأقليات. ففي منطقة الشرق الأوسط يأتي استهداف الأقباط في مصر والشيعة في السعودية، وفي العراق الجيش العراقي والشيعة والأكراد.
فيما دعا التنظيم أخيراً مناصريه إلى استهداف اليهود في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وذلك عبر عنصر المباغتة سواء بالطعن أو إطلاق النار العشوائي عليهم. الأمر الذي يتفاقم ويصبح شيطنة الأغلبية في الدول الغربية كأعداء للمسلمين ينبغي استهدافهم بالأخص في الآونة الأخيرة مع تصاعد صوت اليمين وتزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين المطالبين بحقوقهم.

تكرار الرسائل الإعلامية
تظل الرسائل الإعلامية أو الدعائية للتنظيمات الإرهابية ذاتها لا تختلف كثيراً عن التنظيمات السابقة، سواء عبر استخدام المنشورات والكتيبات الإلكترونية، أو البث المرئي الذي يظهر أشخاصاً عاديين اعتنقوا الفكر الداعشي وآمنوا به، وقرروا نبذ حياتهم العادية مع ذكرٍ لمبررات ذلك قبل الإتيان بعملية انتحارية. مع ابتعاد للظهور المرئي وتقليل التصريحات لقادة «داعش» كأبوبكر البغدادي. إذ يظهر كأن التنظيم أكثر شعبوية في محاولة لاستقطاب لعدد أكبر من الأشخاص، عن «القاعدة» الذي كان أشبه بتنظيم نخبوي يعظم من شأنه قادته وخطاباتهم كأسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وإن تفوق «داعش» عن غيره بالطبع في قدرته على التغلغل إلى الآخرين ومحاولة فهم نفسياتهم وما ينتقصهم في حيواتهم، ومحاولة التعامل معهم بطرق مختلفة حسب أوضاع المكان وطباع الشخوص.
في بث مرئي داعشي جديد ظهر في شهر مارس تحت عنوان «وأنتم الأعلون»، ظهر هذا الامتداد لمحاولة استقطاب الآخرين من خلال تسليط الضوء على نماذج لمتطرفين يفترض أن يمتازوا بالهدوء ونبذ العنف كطبيب طاعن في السن وآخر طفل خطا للتو مرحلة المراهقة. فطبيب الأسنان أبو سالم المصلاوي يأتي بمظهر هادئ وهو يرتدي المعطف الأبيض ويقرر فجأة نبذ عمله ويتساءل: «فما فائدة معالجة المرضى؟»، ومع تعليق بارتفاع قدر الإنسان بمقدار إيمانه لا بمقدار عمله وشهاداته الجامعية. الأمر الذي يعلل فيما بعد سبب التحاقه بعملية انتحارية بسيارة مفخخة استهدفت الجيش العراقي كأنه الخيار الوحيد لمقاومة الوضع الراهن.
ويقابله من جهة أخرى مقطع للطفل أبو فاروق العراقي، الذي يصف بغضب رغبته بتفجير والده لتهديده له في حال استمراره البقاء مع التنظيم، ومن ثم يقوم بعملية انتحارية في الموصل. نماذج تدل على اختفاء براءة طفل وإيمان طبيب من المفترض أن يبحث عن معالجة الحالات الإنسانية ليستحيل الكره والقتل هدفاً أسمى وأهم. وهو أسلوب ليس بجديد في إشارته إلى تجارب «استشهادية» سابقة ومحاولة تخليد ذكرهم وتشجيع الآخرين على القيام بمثل هذه العمليات التي تظهر كأنها رحلة مشوقة. وقد برع تنظيم داعش في تخفيفه من التصوير المروع لجثث ووجوه الانتحاريين بعد مقتلهم، الأمر الذي كان «القاعدة» يقوم به في السابق، وقد يتسبب في تخويف من يخطط للالتحاق بمثل هذه العملية.

النقلة الاستراتيجية عبر الدعاية
وينجح البث المرئي في الآونة الأخيرة في تصوير ما يحدث كأنه أشبه بتفاخر أشخاص أقوياء واثقين في قدراتهم، كما يردد المتحدث في التسجيل الداعشي الأخير: «إنه عصر الملاحم جاء يزهو بالقتال»، وقد جاء هذا العصر «وأذاق فيه جنود الخلافة أحزاب الكفر أصناف العذاب والبلاء»، وهو وصف مبالغ فيه كسجيل يتهاوى عليهم من كبد السماء. فيما يظهر إسقاط للرؤية الداعشية المختلفة في الآونة الأخيرة ومحاولة لتأكيد أن استهدافهم في العراق وسوريا بهجمات عنيفة أوشكت على القضاء على أماكن وجودهم هناك. فكما يذكر المتحدث في البث المعنون «وأنتم الأعلون»: «وما علموا أن الأرض التي ابتلعت الآلاف من نخبهم وآلياتهم وأموالهم لم تكن يوماً ولن تكون هدفاً لقتالنا». وفي ذلك تتضح محاولات التنظيم التظاهر بالتماسك وعدم الضعف. «أما نحن فما قاتلنا يوماً من أجل الأرض وإنما نقاتل لإعادة الخلافة وإقامة شرع الله. نقاتل لنحكم الأرض كلها بما أنزل الله. لا نفاوض إلا بالمدافع ولا نحاور إلا بالبنادق. لا نساوم ولا نستجدي فلن نتكلم إلا بالقوة». وتعكس مثل هذه الرسالة تحوير الرسالة المحورية للتنظيم وتحويل أهدافه الآيديولوجية من إقامة خلافة إسلامية تمتد عبر المناطق التي تحتلها في سوريا والعراق، إلى الالتزام فقط بالقتال من أجل إعادة الخلافة وإقامة شرائع الدين القويم، وذلك من أجل أن يتماشى ذلك مع ما ينفذه التنظيم من استهداف عشوائي لمناطق مختلفة في العالم، فإن ذلك حتماً لن يحقق المبتغى السابق في إرساء معالم الخلافة الإسلامية. فالأمر أصبح مجرد محاولة مستميتة للبقاء يذكرها المتحدث الداعشي في البث ذاته: «فنكون أو لا نكون».
إلا أن تلك الطموحات لا يظهر أنها ستصمد، فحتى الفيديو ذاته لم يتكثف وجوده على الساحة الإلكترونية، الأمر الذي يدل على بدء تقهقر قوة التنظيم وانصرافه عن محاولة الاستقطاب أو تهويل الآخرين بالصراع على البقاء. تلك المحاولة هي مجرد مبالغة وتضخيم مدى تماسكهم ومحاولة الادعاء باستمرار قدرتهم على إثارة البغض وإقصاء الآخر.
الأمر الذي قد يتلاشى تماماً إن تمكنت قوات التحالف فعلاً من قتل أبو بكر البغدادي، إذ لا يظهر وجود شخص آخر يماثله في مقدار قدرته على تأليب الآخرين وإثارة نقمتهم ورغبتهم في تنفيذ أوامر «أميرهم». كما صرح وزير الخارجية الأميركي باعتباره أن مقتله «مسألة وقت». التصريح الذي جاء بعد أن دعا أبو بكر البغدادي أتباعه فيما سماه «خطبة الوداع»، وذلك في 28 فبراير (شباط)، بالفرار من الموت المؤكد في العراق والتخفي في المناطق الجبلية، ومن ثم مغادرة العراق، أو إن عجزوا عن القيام بذلك تفجير أنفسهم، وذلك بعد تضييق الخناق عليهم من قبل القوات العراقية.
وبشكل عام، فإن صمد تنظيم داعش لمدة أطول وهو أمر يشكك في إمكانية حدوثه، فإنه حتماً سيكثف من محاولات نسج رسائل دعائية تستهدف أعواناً ومناصرين له في خارج المناطق التي كان يسيطر عليها في السابق، وسيمعن في التواصل ومحاولة جذب المهمشين والمضطربين فكرياً أو دينياً الباحثين عن وسط متطرف يقوم باحتضانهم، كالمتطرف البريطاني الأخير أدريان أو خالد، وإن ظهر ضعف وعدم اهتمام بنشر الرسائل الإعلامية في الآونة الأخيرة، والانشغال بمحاولة إنقاذ ما تبقى من هيكل التنظيم الذي فر حتى قادته من الأرض التي كانت هدفاً أساسياً نسجت استراتيجيات التنظيم من أجل تحقيقه.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».