«داعش» بين فقدان الوهج واستمرار تكتيكاته

طموحه بدأ في التقهقر منذ استهداف قوات التحالف بغاراتها مناطق قوى التنظيم

أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة  (أ.ف.ب)
أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة (أ.ف.ب)
TT

«داعش» بين فقدان الوهج واستمرار تكتيكاته

أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة  (أ.ف.ب)
أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة (أ.ف.ب)

يتعرض تنظيم داعش لهزّة قوية تسببت في إرباك لاستراتيجياته التي شكلت هويته منذ بداية ظهوره كتنظيم متطرف، هدفه اتضح من خلال اسمه «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وحمل أملاً ينبع للمتطرفين عبر انعدام الأمن واستفحال حالة العنف وسط الارتباك، لتتغير التسمية فيما بعد إلى «الدولة الإسلامية» فحسب منذ إعلان التنظيم ذلك في 29 يونيو (حزيران) عام 2014 بطموحٍ مبالغ فيه لإقامة خلافة عالمية. ذلك الطموح بدأ في التقهقر منذ بدء استهداف قوات التحالف بغاراتها مناطق قوى التنظيم. الأمر الذي تعكسه تصريحات المسؤولين خلال اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش» في 21 مارس (آذار) الماضي، حيث أوضح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن «من أهم استراتيجيات مكافحة التنظيم وقف تمدده إلى خارج المنطقة وطموحاته في إقامة (الخلافة)»، وأن «ما يجمع بين المسؤولين المناهضين لـ(داعش) في الاجتماع ذاته هو التزامهم بهزيمة قوة الشر العالمية».
هذا الطموح يبدو أنه فقد وهجه في الآونة الأخيرة بعد أن بدأ التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة والاستمرار بالقيام بهجمات عشوائية تظهر أشبه بعمليات فردية لمجرمين مختلي العقول، سواء عبر الطعن أو إطلاق النار على المدنيين عبر العالم.
يظهر ذلك من خلال العملية الإرهابية التي نفذت في لندن أمام البرلمان البريطاني في 22 مارس من قبل البريطاني خالد مسعود، صاحب الاسم الفعلي أدريان راسل، بعمر تجاوز 52 عاماً، ومن خلال عملية تعد مرتكبة من قبل «ذئب منفرد»، وإن كان تنظيم داعش قد نسب الهجوم إلى نفسه على أنه استهداف لرعايا دول التحالف بناء على مطالب لتنفيذ ذلك كرد على هجماتهم على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
وقد جاء هجوم لندن في ذكرى هجمات بروكسل التي اتخذت النسق ذاته، وذلك في محاولة واهية للادعاء باستمرار تماسكه كتنظيم وقدرته على إرهاب العدو، أو كما أفادت تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأن الحادثة تعد بمثابة هجوم على الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان وسيادة القانون، كما وصفت مرتكب الهجوم بأنه قام بالتنفيس عن جام غضبه بأسلوب عشوائي ضد الأبرياء.
وهذا الاستمرار في الاستهداف العشوائي على يد أشخاص مضطربين نفسياً ومؤدلجين ومحملين بثقافة الضغينة والسعي في إلغاء وجود الآخرين، يتوقع أن يستمر كآخر رمق للتنظيم بعد أن ازدادت صعوبة تنفيذ الهجمات الإرهابية بعد تشديد الأمن على الصعيد الدولي، وبعد أن تم تضييق الحصار عليهم في مناطق نفوذهم السابقة.

استمرار نهج التكتيكات
وعلى الرغم من التغير في الاستراتيجيات الداعشية، فإن التكتيكات تظل ذاتها دون تغيير. يظهر ذلك من خلال سعي التنظيم في استقطاب الآخرين وإقناعهم بالأهداف الداعشية على النهج ذاته من شيطنة العدو وإظهاره كأهداف لا بد من إنهاء حياتهم والانتقام منهم.
منذ عام 2016 من خلال منشورات التنظيم ورسائله الإلكترونية كمجلة «دابق» التي دعت مناصري «داعش» والمنتسبين إليه إلى مهاجمة كل من يخالفهم باستخدام السلاح، سواء باستخدام البنادق والمتفجرات أو حتى السكاكين. في سعي نحو الاستمرار في استخدام توليفة التخوين وإقصاء الآخر وشرعنة قتله، وبالأخص الأقليات التي يسهل تخوينها وتكفيرها وتحويلها إلى أعداء مستهدفين، وفي الوقت نفسه يتسبب ذلك في بلبلة وإثارة غضب الأقليات. ففي منطقة الشرق الأوسط يأتي استهداف الأقباط في مصر والشيعة في السعودية، وفي العراق الجيش العراقي والشيعة والأكراد.
فيما دعا التنظيم أخيراً مناصريه إلى استهداف اليهود في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وذلك عبر عنصر المباغتة سواء بالطعن أو إطلاق النار العشوائي عليهم. الأمر الذي يتفاقم ويصبح شيطنة الأغلبية في الدول الغربية كأعداء للمسلمين ينبغي استهدافهم بالأخص في الآونة الأخيرة مع تصاعد صوت اليمين وتزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين المطالبين بحقوقهم.

تكرار الرسائل الإعلامية
تظل الرسائل الإعلامية أو الدعائية للتنظيمات الإرهابية ذاتها لا تختلف كثيراً عن التنظيمات السابقة، سواء عبر استخدام المنشورات والكتيبات الإلكترونية، أو البث المرئي الذي يظهر أشخاصاً عاديين اعتنقوا الفكر الداعشي وآمنوا به، وقرروا نبذ حياتهم العادية مع ذكرٍ لمبررات ذلك قبل الإتيان بعملية انتحارية. مع ابتعاد للظهور المرئي وتقليل التصريحات لقادة «داعش» كأبوبكر البغدادي. إذ يظهر كأن التنظيم أكثر شعبوية في محاولة لاستقطاب لعدد أكبر من الأشخاص، عن «القاعدة» الذي كان أشبه بتنظيم نخبوي يعظم من شأنه قادته وخطاباتهم كأسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وإن تفوق «داعش» عن غيره بالطبع في قدرته على التغلغل إلى الآخرين ومحاولة فهم نفسياتهم وما ينتقصهم في حيواتهم، ومحاولة التعامل معهم بطرق مختلفة حسب أوضاع المكان وطباع الشخوص.
في بث مرئي داعشي جديد ظهر في شهر مارس تحت عنوان «وأنتم الأعلون»، ظهر هذا الامتداد لمحاولة استقطاب الآخرين من خلال تسليط الضوء على نماذج لمتطرفين يفترض أن يمتازوا بالهدوء ونبذ العنف كطبيب طاعن في السن وآخر طفل خطا للتو مرحلة المراهقة. فطبيب الأسنان أبو سالم المصلاوي يأتي بمظهر هادئ وهو يرتدي المعطف الأبيض ويقرر فجأة نبذ عمله ويتساءل: «فما فائدة معالجة المرضى؟»، ومع تعليق بارتفاع قدر الإنسان بمقدار إيمانه لا بمقدار عمله وشهاداته الجامعية. الأمر الذي يعلل فيما بعد سبب التحاقه بعملية انتحارية بسيارة مفخخة استهدفت الجيش العراقي كأنه الخيار الوحيد لمقاومة الوضع الراهن.
ويقابله من جهة أخرى مقطع للطفل أبو فاروق العراقي، الذي يصف بغضب رغبته بتفجير والده لتهديده له في حال استمراره البقاء مع التنظيم، ومن ثم يقوم بعملية انتحارية في الموصل. نماذج تدل على اختفاء براءة طفل وإيمان طبيب من المفترض أن يبحث عن معالجة الحالات الإنسانية ليستحيل الكره والقتل هدفاً أسمى وأهم. وهو أسلوب ليس بجديد في إشارته إلى تجارب «استشهادية» سابقة ومحاولة تخليد ذكرهم وتشجيع الآخرين على القيام بمثل هذه العمليات التي تظهر كأنها رحلة مشوقة. وقد برع تنظيم داعش في تخفيفه من التصوير المروع لجثث ووجوه الانتحاريين بعد مقتلهم، الأمر الذي كان «القاعدة» يقوم به في السابق، وقد يتسبب في تخويف من يخطط للالتحاق بمثل هذه العملية.

النقلة الاستراتيجية عبر الدعاية
وينجح البث المرئي في الآونة الأخيرة في تصوير ما يحدث كأنه أشبه بتفاخر أشخاص أقوياء واثقين في قدراتهم، كما يردد المتحدث في التسجيل الداعشي الأخير: «إنه عصر الملاحم جاء يزهو بالقتال»، وقد جاء هذا العصر «وأذاق فيه جنود الخلافة أحزاب الكفر أصناف العذاب والبلاء»، وهو وصف مبالغ فيه كسجيل يتهاوى عليهم من كبد السماء. فيما يظهر إسقاط للرؤية الداعشية المختلفة في الآونة الأخيرة ومحاولة لتأكيد أن استهدافهم في العراق وسوريا بهجمات عنيفة أوشكت على القضاء على أماكن وجودهم هناك. فكما يذكر المتحدث في البث المعنون «وأنتم الأعلون»: «وما علموا أن الأرض التي ابتلعت الآلاف من نخبهم وآلياتهم وأموالهم لم تكن يوماً ولن تكون هدفاً لقتالنا». وفي ذلك تتضح محاولات التنظيم التظاهر بالتماسك وعدم الضعف. «أما نحن فما قاتلنا يوماً من أجل الأرض وإنما نقاتل لإعادة الخلافة وإقامة شرع الله. نقاتل لنحكم الأرض كلها بما أنزل الله. لا نفاوض إلا بالمدافع ولا نحاور إلا بالبنادق. لا نساوم ولا نستجدي فلن نتكلم إلا بالقوة». وتعكس مثل هذه الرسالة تحوير الرسالة المحورية للتنظيم وتحويل أهدافه الآيديولوجية من إقامة خلافة إسلامية تمتد عبر المناطق التي تحتلها في سوريا والعراق، إلى الالتزام فقط بالقتال من أجل إعادة الخلافة وإقامة شرائع الدين القويم، وذلك من أجل أن يتماشى ذلك مع ما ينفذه التنظيم من استهداف عشوائي لمناطق مختلفة في العالم، فإن ذلك حتماً لن يحقق المبتغى السابق في إرساء معالم الخلافة الإسلامية. فالأمر أصبح مجرد محاولة مستميتة للبقاء يذكرها المتحدث الداعشي في البث ذاته: «فنكون أو لا نكون».
إلا أن تلك الطموحات لا يظهر أنها ستصمد، فحتى الفيديو ذاته لم يتكثف وجوده على الساحة الإلكترونية، الأمر الذي يدل على بدء تقهقر قوة التنظيم وانصرافه عن محاولة الاستقطاب أو تهويل الآخرين بالصراع على البقاء. تلك المحاولة هي مجرد مبالغة وتضخيم مدى تماسكهم ومحاولة الادعاء باستمرار قدرتهم على إثارة البغض وإقصاء الآخر.
الأمر الذي قد يتلاشى تماماً إن تمكنت قوات التحالف فعلاً من قتل أبو بكر البغدادي، إذ لا يظهر وجود شخص آخر يماثله في مقدار قدرته على تأليب الآخرين وإثارة نقمتهم ورغبتهم في تنفيذ أوامر «أميرهم». كما صرح وزير الخارجية الأميركي باعتباره أن مقتله «مسألة وقت». التصريح الذي جاء بعد أن دعا أبو بكر البغدادي أتباعه فيما سماه «خطبة الوداع»، وذلك في 28 فبراير (شباط)، بالفرار من الموت المؤكد في العراق والتخفي في المناطق الجبلية، ومن ثم مغادرة العراق، أو إن عجزوا عن القيام بذلك تفجير أنفسهم، وذلك بعد تضييق الخناق عليهم من قبل القوات العراقية.
وبشكل عام، فإن صمد تنظيم داعش لمدة أطول وهو أمر يشكك في إمكانية حدوثه، فإنه حتماً سيكثف من محاولات نسج رسائل دعائية تستهدف أعواناً ومناصرين له في خارج المناطق التي كان يسيطر عليها في السابق، وسيمعن في التواصل ومحاولة جذب المهمشين والمضطربين فكرياً أو دينياً الباحثين عن وسط متطرف يقوم باحتضانهم، كالمتطرف البريطاني الأخير أدريان أو خالد، وإن ظهر ضعف وعدم اهتمام بنشر الرسائل الإعلامية في الآونة الأخيرة، والانشغال بمحاولة إنقاذ ما تبقى من هيكل التنظيم الذي فر حتى قادته من الأرض التي كانت هدفاً أساسياً نسجت استراتيجيات التنظيم من أجل تحقيقه.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».