«داعش» بين فقدان الوهج واستمرار تكتيكاته

طموحه بدأ في التقهقر منذ استهداف قوات التحالف بغاراتها مناطق قوى التنظيم

أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة  (أ.ف.ب)
أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة (أ.ف.ب)
TT

«داعش» بين فقدان الوهج واستمرار تكتيكاته

أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة  (أ.ف.ب)
أحد عناصر {قوات سوريا الديمقراطية} يزيل علماً لـ {داعش} في الرقة (أ.ف.ب)

يتعرض تنظيم داعش لهزّة قوية تسببت في إرباك لاستراتيجياته التي شكلت هويته منذ بداية ظهوره كتنظيم متطرف، هدفه اتضح من خلال اسمه «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وحمل أملاً ينبع للمتطرفين عبر انعدام الأمن واستفحال حالة العنف وسط الارتباك، لتتغير التسمية فيما بعد إلى «الدولة الإسلامية» فحسب منذ إعلان التنظيم ذلك في 29 يونيو (حزيران) عام 2014 بطموحٍ مبالغ فيه لإقامة خلافة عالمية. ذلك الطموح بدأ في التقهقر منذ بدء استهداف قوات التحالف بغاراتها مناطق قوى التنظيم. الأمر الذي تعكسه تصريحات المسؤولين خلال اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش» في 21 مارس (آذار) الماضي، حيث أوضح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن «من أهم استراتيجيات مكافحة التنظيم وقف تمدده إلى خارج المنطقة وطموحاته في إقامة (الخلافة)»، وأن «ما يجمع بين المسؤولين المناهضين لـ(داعش) في الاجتماع ذاته هو التزامهم بهزيمة قوة الشر العالمية».
هذا الطموح يبدو أنه فقد وهجه في الآونة الأخيرة بعد أن بدأ التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة والاستمرار بالقيام بهجمات عشوائية تظهر أشبه بعمليات فردية لمجرمين مختلي العقول، سواء عبر الطعن أو إطلاق النار على المدنيين عبر العالم.
يظهر ذلك من خلال العملية الإرهابية التي نفذت في لندن أمام البرلمان البريطاني في 22 مارس من قبل البريطاني خالد مسعود، صاحب الاسم الفعلي أدريان راسل، بعمر تجاوز 52 عاماً، ومن خلال عملية تعد مرتكبة من قبل «ذئب منفرد»، وإن كان تنظيم داعش قد نسب الهجوم إلى نفسه على أنه استهداف لرعايا دول التحالف بناء على مطالب لتنفيذ ذلك كرد على هجماتهم على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
وقد جاء هجوم لندن في ذكرى هجمات بروكسل التي اتخذت النسق ذاته، وذلك في محاولة واهية للادعاء باستمرار تماسكه كتنظيم وقدرته على إرهاب العدو، أو كما أفادت تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأن الحادثة تعد بمثابة هجوم على الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان وسيادة القانون، كما وصفت مرتكب الهجوم بأنه قام بالتنفيس عن جام غضبه بأسلوب عشوائي ضد الأبرياء.
وهذا الاستمرار في الاستهداف العشوائي على يد أشخاص مضطربين نفسياً ومؤدلجين ومحملين بثقافة الضغينة والسعي في إلغاء وجود الآخرين، يتوقع أن يستمر كآخر رمق للتنظيم بعد أن ازدادت صعوبة تنفيذ الهجمات الإرهابية بعد تشديد الأمن على الصعيد الدولي، وبعد أن تم تضييق الحصار عليهم في مناطق نفوذهم السابقة.

استمرار نهج التكتيكات
وعلى الرغم من التغير في الاستراتيجيات الداعشية، فإن التكتيكات تظل ذاتها دون تغيير. يظهر ذلك من خلال سعي التنظيم في استقطاب الآخرين وإقناعهم بالأهداف الداعشية على النهج ذاته من شيطنة العدو وإظهاره كأهداف لا بد من إنهاء حياتهم والانتقام منهم.
منذ عام 2016 من خلال منشورات التنظيم ورسائله الإلكترونية كمجلة «دابق» التي دعت مناصري «داعش» والمنتسبين إليه إلى مهاجمة كل من يخالفهم باستخدام السلاح، سواء باستخدام البنادق والمتفجرات أو حتى السكاكين. في سعي نحو الاستمرار في استخدام توليفة التخوين وإقصاء الآخر وشرعنة قتله، وبالأخص الأقليات التي يسهل تخوينها وتكفيرها وتحويلها إلى أعداء مستهدفين، وفي الوقت نفسه يتسبب ذلك في بلبلة وإثارة غضب الأقليات. ففي منطقة الشرق الأوسط يأتي استهداف الأقباط في مصر والشيعة في السعودية، وفي العراق الجيش العراقي والشيعة والأكراد.
فيما دعا التنظيم أخيراً مناصريه إلى استهداف اليهود في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وذلك عبر عنصر المباغتة سواء بالطعن أو إطلاق النار العشوائي عليهم. الأمر الذي يتفاقم ويصبح شيطنة الأغلبية في الدول الغربية كأعداء للمسلمين ينبغي استهدافهم بالأخص في الآونة الأخيرة مع تصاعد صوت اليمين وتزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين المطالبين بحقوقهم.

تكرار الرسائل الإعلامية
تظل الرسائل الإعلامية أو الدعائية للتنظيمات الإرهابية ذاتها لا تختلف كثيراً عن التنظيمات السابقة، سواء عبر استخدام المنشورات والكتيبات الإلكترونية، أو البث المرئي الذي يظهر أشخاصاً عاديين اعتنقوا الفكر الداعشي وآمنوا به، وقرروا نبذ حياتهم العادية مع ذكرٍ لمبررات ذلك قبل الإتيان بعملية انتحارية. مع ابتعاد للظهور المرئي وتقليل التصريحات لقادة «داعش» كأبوبكر البغدادي. إذ يظهر كأن التنظيم أكثر شعبوية في محاولة لاستقطاب لعدد أكبر من الأشخاص، عن «القاعدة» الذي كان أشبه بتنظيم نخبوي يعظم من شأنه قادته وخطاباتهم كأسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وإن تفوق «داعش» عن غيره بالطبع في قدرته على التغلغل إلى الآخرين ومحاولة فهم نفسياتهم وما ينتقصهم في حيواتهم، ومحاولة التعامل معهم بطرق مختلفة حسب أوضاع المكان وطباع الشخوص.
في بث مرئي داعشي جديد ظهر في شهر مارس تحت عنوان «وأنتم الأعلون»، ظهر هذا الامتداد لمحاولة استقطاب الآخرين من خلال تسليط الضوء على نماذج لمتطرفين يفترض أن يمتازوا بالهدوء ونبذ العنف كطبيب طاعن في السن وآخر طفل خطا للتو مرحلة المراهقة. فطبيب الأسنان أبو سالم المصلاوي يأتي بمظهر هادئ وهو يرتدي المعطف الأبيض ويقرر فجأة نبذ عمله ويتساءل: «فما فائدة معالجة المرضى؟»، ومع تعليق بارتفاع قدر الإنسان بمقدار إيمانه لا بمقدار عمله وشهاداته الجامعية. الأمر الذي يعلل فيما بعد سبب التحاقه بعملية انتحارية بسيارة مفخخة استهدفت الجيش العراقي كأنه الخيار الوحيد لمقاومة الوضع الراهن.
ويقابله من جهة أخرى مقطع للطفل أبو فاروق العراقي، الذي يصف بغضب رغبته بتفجير والده لتهديده له في حال استمراره البقاء مع التنظيم، ومن ثم يقوم بعملية انتحارية في الموصل. نماذج تدل على اختفاء براءة طفل وإيمان طبيب من المفترض أن يبحث عن معالجة الحالات الإنسانية ليستحيل الكره والقتل هدفاً أسمى وأهم. وهو أسلوب ليس بجديد في إشارته إلى تجارب «استشهادية» سابقة ومحاولة تخليد ذكرهم وتشجيع الآخرين على القيام بمثل هذه العمليات التي تظهر كأنها رحلة مشوقة. وقد برع تنظيم داعش في تخفيفه من التصوير المروع لجثث ووجوه الانتحاريين بعد مقتلهم، الأمر الذي كان «القاعدة» يقوم به في السابق، وقد يتسبب في تخويف من يخطط للالتحاق بمثل هذه العملية.

النقلة الاستراتيجية عبر الدعاية
وينجح البث المرئي في الآونة الأخيرة في تصوير ما يحدث كأنه أشبه بتفاخر أشخاص أقوياء واثقين في قدراتهم، كما يردد المتحدث في التسجيل الداعشي الأخير: «إنه عصر الملاحم جاء يزهو بالقتال»، وقد جاء هذا العصر «وأذاق فيه جنود الخلافة أحزاب الكفر أصناف العذاب والبلاء»، وهو وصف مبالغ فيه كسجيل يتهاوى عليهم من كبد السماء. فيما يظهر إسقاط للرؤية الداعشية المختلفة في الآونة الأخيرة ومحاولة لتأكيد أن استهدافهم في العراق وسوريا بهجمات عنيفة أوشكت على القضاء على أماكن وجودهم هناك. فكما يذكر المتحدث في البث المعنون «وأنتم الأعلون»: «وما علموا أن الأرض التي ابتلعت الآلاف من نخبهم وآلياتهم وأموالهم لم تكن يوماً ولن تكون هدفاً لقتالنا». وفي ذلك تتضح محاولات التنظيم التظاهر بالتماسك وعدم الضعف. «أما نحن فما قاتلنا يوماً من أجل الأرض وإنما نقاتل لإعادة الخلافة وإقامة شرع الله. نقاتل لنحكم الأرض كلها بما أنزل الله. لا نفاوض إلا بالمدافع ولا نحاور إلا بالبنادق. لا نساوم ولا نستجدي فلن نتكلم إلا بالقوة». وتعكس مثل هذه الرسالة تحوير الرسالة المحورية للتنظيم وتحويل أهدافه الآيديولوجية من إقامة خلافة إسلامية تمتد عبر المناطق التي تحتلها في سوريا والعراق، إلى الالتزام فقط بالقتال من أجل إعادة الخلافة وإقامة شرائع الدين القويم، وذلك من أجل أن يتماشى ذلك مع ما ينفذه التنظيم من استهداف عشوائي لمناطق مختلفة في العالم، فإن ذلك حتماً لن يحقق المبتغى السابق في إرساء معالم الخلافة الإسلامية. فالأمر أصبح مجرد محاولة مستميتة للبقاء يذكرها المتحدث الداعشي في البث ذاته: «فنكون أو لا نكون».
إلا أن تلك الطموحات لا يظهر أنها ستصمد، فحتى الفيديو ذاته لم يتكثف وجوده على الساحة الإلكترونية، الأمر الذي يدل على بدء تقهقر قوة التنظيم وانصرافه عن محاولة الاستقطاب أو تهويل الآخرين بالصراع على البقاء. تلك المحاولة هي مجرد مبالغة وتضخيم مدى تماسكهم ومحاولة الادعاء باستمرار قدرتهم على إثارة البغض وإقصاء الآخر.
الأمر الذي قد يتلاشى تماماً إن تمكنت قوات التحالف فعلاً من قتل أبو بكر البغدادي، إذ لا يظهر وجود شخص آخر يماثله في مقدار قدرته على تأليب الآخرين وإثارة نقمتهم ورغبتهم في تنفيذ أوامر «أميرهم». كما صرح وزير الخارجية الأميركي باعتباره أن مقتله «مسألة وقت». التصريح الذي جاء بعد أن دعا أبو بكر البغدادي أتباعه فيما سماه «خطبة الوداع»، وذلك في 28 فبراير (شباط)، بالفرار من الموت المؤكد في العراق والتخفي في المناطق الجبلية، ومن ثم مغادرة العراق، أو إن عجزوا عن القيام بذلك تفجير أنفسهم، وذلك بعد تضييق الخناق عليهم من قبل القوات العراقية.
وبشكل عام، فإن صمد تنظيم داعش لمدة أطول وهو أمر يشكك في إمكانية حدوثه، فإنه حتماً سيكثف من محاولات نسج رسائل دعائية تستهدف أعواناً ومناصرين له في خارج المناطق التي كان يسيطر عليها في السابق، وسيمعن في التواصل ومحاولة جذب المهمشين والمضطربين فكرياً أو دينياً الباحثين عن وسط متطرف يقوم باحتضانهم، كالمتطرف البريطاني الأخير أدريان أو خالد، وإن ظهر ضعف وعدم اهتمام بنشر الرسائل الإعلامية في الآونة الأخيرة، والانشغال بمحاولة إنقاذ ما تبقى من هيكل التنظيم الذي فر حتى قادته من الأرض التي كانت هدفاً أساسياً نسجت استراتيجيات التنظيم من أجل تحقيقه.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.