انتخابات بريطانيا: بين رهان ماي... وصعود كوربين

عثرات المحافظين وتغيب ماي عن المناظرات التلفزيونية عزّزا فرص «المفاجآت»

انتخابات بريطانيا: بين رهان ماي... وصعود كوربين
TT

انتخابات بريطانيا: بين رهان ماي... وصعود كوربين

انتخابات بريطانيا: بين رهان ماي... وصعود كوربين

أربكت رئيسة الوزراء تيريزا ماي المشهد السياسي البريطاني بإعلانها، قبل 6 أسابيع، تنظيم انتخابات عامة مبكرة، متراجعة بذلك عن تصريحاتها السابقة الرافضة لتغيير الحكومة للمرة الثالثة خلال 3 سنوات. وبرّرت ماي دعوتها إلى انتخابات مبكرة في 18 أبريل (نيسان) الماضي بسعيها لتحقيق غالبية أكبر قبل المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، مستغلة بذلك الشعبية الكبيرة التي كان المحافظون، حين ذلك، يحظون بها وفق استطلاعات الرأي. إذ كان المحافظون يتقدمون بنحو 20 نقطة مئوية على حزب العمال المعارض، كما كانت تحظى ماي بقبول شعبي تجاوز حتى شعبية رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر في عزّها، وفق بعض الاستطلاعات. إلا أن هذا التقدم غدا موضع شكوك خلال الأسابيع الماضية، وخصوصاً منذ عرض حزب العمال جدول أعماله اليساري، وعقب الجدل حول مشروع ماي المتعلق بالرعاية الصحية للمسنّين، ورفضها المشاركة في المناظرات التلفزيونية.
ومع اقتراب موعد الاقتراع، تدفع هذه التطورات إلى التساؤل عما إذا كان من الممكن أن تخسر ماي الرهان الذي أطلقته في أبريل الماضي أم لا.

يصوّت البريطانيون يوم 8 يونيو (حزيران) الحالي في انتخابات عامة جديدة، هي الثانية منذ 7 مايو (أيار) 2015، لانتخاب نوابهم لـ650 مقعداً في مجلس العموم البريطاني. وبخلاف الانتخابات العامة السابقة، لن يختار البريطانيون نوابهم انطلاقاً من القضايا التقليدية كالاقتصاد والصحة والتعليم فحسب، بل سيصوّتون كذلك وفقاً لبرامج الأحزاب من مفاوضات خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي.
تيريزا ماي، التي تسلمت رئاسة الحكومة البريطانية عقب تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو الماضي واستقالة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، كانت قد دعت إلى تنظيم انتخابات مبكرة سعياً إلى تحقيق فوز مزدوج. الأول من شأنه أن يعطيها تفويضاً صريحاً لخوض مفاوضات الخروج - أو «بريكست»، والثاني يستغل ضعف حزب العمال وانقسامه حول زعامة جيريمي كوربين لإزاحته من المشهد السياسي.
* مرشحة «بريكست»
اليوم تعد ماي في الأوساط السياسية والشعبية البريطانية مرشحة «بريكست» بامتياز، إذ تجاوب الناخبون معها خلال الفترة الأولى من تسلمها رئاسة الوزراء بإيجابية كبيرة، لأنها وازنت في نظرهم بين الالتزام بتطبيق إرادة الغالبية بالخروج من الاتحاد الأوروبي من جهة، وتمسكها بحماية مصالح بريطانيا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عبر الحفاظ على علاقة وثيقة بجيرانها الأوروبيين من جهة أخرى.
كذلك حظيت ماي باحترام الناخبين لتمسكها بتنفيذ إرادتهم بعدما كانت من قبل في معسكر البقاء. إذ سبق لها أن قالت ماي في أبريل من العام الماضي إن «البقاء في الاتحاد الأوروبي يجعلنا أكثر أمناً، وأكثر ازدهاراً، وأكثر تأثيراً خارج حدودنا»، إلا أنها قبلت نتيجة الاستفتاء الشعبي، بل أصبحت أحد رموز الخروج بعبارة «بريكست يعني بريكست» التي دخلت القاموس السياسي البريطاني في يناير (كانون الثاني) الماضي.
ومن ثم، في تغييرها موقفها من عضوية الاتحاد الأوروبي، كسبت ماي قبولاً واسعاً ضمن قاعدتها الحزبية. ولكن هذا القبول شكّل نقطة ضعف كذلك، إذ فتح الباب أمام منتقديها في صفوف حزبها وصفوف المعارضة التي تعتبر أنها ليست أهلاً لقيادة مفاوضات الخروج مع بروكسل كونها لم تصل لرئاسة الوزراء عبر انتخابات عامة. والقصد، أنها تفتقر إلى تفويض شعبي.
* رهان... وعثرات
بهدف تبديد هذه الشكوك، قرّرت زعيمة حزب المحافظين خوض انتخابات عامة مبكرة، وافق عليها مجلس النواب بأغلبية الثلثين، غير متوقعة أن تتحوّل هذه العملية الديمقراطية إلى اختبار لشعبيتها ومدى قدرتها على إقناع الناخبين.
وحقاً، شهدت الحملة الانتخابية عدة عثرات في المعسكر المحافظ، بدأت أولاً مع عرض برنامج الحزب الذي أثار جدلاً حول مشروع التغييرات في المساعدات الاجتماعية للمسنّين، قبل أن تتعرّض ماي للانتقاد حول الاقتطاعات التي أجرتها الحكومة المحافظة على صعيدي الشرطة والخدمات العامة منذ عام 2010، في أعقاب اعتداء مانشستر الإرهابي الدامي الذي أوقع 22 قتيلاً في 22 مايو الماضي. أيضاً لقي اتهام زعيم حزب العمال جيريمي كوربين لماي بالتهرّب من المواجهة، بعدما رفضت المشاركة في مناظرة تلفزيونية الأسبوع الماضي عبر تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مع مسؤولين سياسيين آخرين.
وفي استطلاعات الرأي تُرجمت هذه الصعوبات غير المرتقبة إلى تقارب فاجأ المتابعين بين المحافظين والعمال. ومع أن معظم الاستطلاعات ما زالت تتوقع فوز حزب المحافظين، فإن الغالبية التي يسعى إلى الحفاظ عليها أصبحت موضع شك. وللعلم، إذا فشل المحافظون في تعزيز غالبيتهم في البرلمان، أو الحفاظ عليها على الأقل، فإن ذلك قد يترجم بـ«برلمان معلّق» يضم كتلة كبيرة من الأحزاب المعارضة.
معلقة عن أحدث استطلاعات الرأي التي تتوقّع تراجعاً حاداً في عدد مقاعد المحافظين، قالت أليشيا كيرنز، المرشحة المحافظة عن منطقة ميتشام أند موردن، بجنوب العاصمة لندن، لـ«الشرق الأوسط» إنها لا تثق في استطلاعات الرأي في بريطانيا. وهو رأي وافقت عليه أنجيلا راينر وزيرة الثقافة في «حكومة الظل» العمالية أيضاً.
وتابعت كيرنز أنه «لا يجب أن نتقاعس. الانتخابات تُكسب في الشارع وفي المقاهي وفي التجمّعات وفي أماكن العمل»، حاثّة الناخبين على التصويت وإقناع أصدقائهم بالإدلاء بأصواتهم «كي نتفادى كارثة حكومة ائتلافية»، حسب تعبيرها.
* «ظاهرة» كوربين
من ناحية أخرى، لم تكن عثرات الحزب الحاكم وحدها المسؤولة عن إرباك التوقعات بفوز كاسح للمحافظين أمام حزب العمال، أبرز أحزاب المعارضة. بل إن الصعود المفاجئ لجيريمي كوربين، الزعيم اليساري المتشدد للعمال، وتسجيل الحزب نحو 3 ملايين ناخب إضافي، بينهم مليون ناخب شاب لم يتجاوزوا الـ25 سنة، أسهم بدوره في زيادة غموض المشهد السياسي.
وبعد أن مني العمال بالهزيمة الانتخابية الثانية على التوالي في عام 2015، اتجه الحزب أكثر فأكثر إلى اليسار السياسي، واستطاع كوربين تجميع ترشيحات كافية لخوض المنافسة وقيادة الحزب في اتجاه جديد. ومن ثم، انقسمت الكتلة النيابية للحزب بفعل حملة كوربين لإعادته إلى جذوره الاشتراكية، والابتعاد به عن برنامجه الوسطي المؤيد للأعمال الذي دعمه رئيس الوزراء الأسبق توني بلير.
مع هذا، نجح كوربين ليس فقط في اجتذاب آلاف الأنصار الجدد غالبيتهم من الشباب المتحمس لبرنامجه الانتخابي اليساري، بل في التواصل من جديد مع نشطاء اليسار الذين كانوا قد تخلوا عن الحزب في عهد بلير. وبعدما كان محط سخرية قبل أشهر قليلة، عزّز كوربين صفوف حزبه بمناصريه اليساريين وحشد دعماً كافياً مكنه من النجاة من «محاولة انقلاب» قادها الجناح المعتدل في الحزب خلال العام الماضي.
وبدا هذا الحماس الجديد لصالح حزب العمال واضحاً من خلال عشرات اللقاءات الجماهيرية في مختلف أنحاء البلاد، حيث اجتذب كوربين الآلاف، وأيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ارتفعت أصوات وسائل الإعلام التقليدية والمؤسسة السياسية «الفاسدة». وفي حديث لوكالة «رويترز»، قال مصدر في الحملة الانتخابية العمالية إن «الزخم وراء كوربين يتزايد منذ بدأ سريان قواعد البث الإعلامي في الانتخابات قبل شهر، التي تضمن تخصيص فترة من البث لقادة الأحزاب... كما أن الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي لتجمعات كوربين تلقى رواجاً واهتماماً كبيرين ضمن نشطاء حزب العمال المحليين ومتطوّعين من النقابات العمالية وناخبين مترددين جذبهم فضولهم إلى الحزب».
* جدل «بريكست»
في أي حال، تتفق كل الأحزاب المتنافسة في الانتخابات البريطانية العامة على ضرورة احترام إرادة الشعب البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تختلف بدرجات متفاوتة حول شروط الخروج و«الخطوط الحمراء» في المفاوضات مع بروكسل (حيث عاصمة الاتحاد).
ويمكن تلخيص برنامج «بريكست» لكل من المحافظين والعمال في 4 محاور أساسية. إذ يرى المحافظون وجوب انسحاب بريطانيا من السوق الأوروبية الموحّدة والاتحاد الجمركي، وأن تنظم مفاوضات خروج سلسة منظمة خلال السنتين المقبلتين، مشددين على أن «الخروج من دون صفقة أفضل من الخروج بصفقة سيئة»، وعلى المصادقة على مشروع قانون للاستعاضة عن قوانين الاتحاد الأوروبي بقوانين خاصة بالمملكة المتحدة.
أما بالنسبة للعمال، فإنهم مع إعادة النظر في أولويات «الخروج» للتأكيد على تمسك بريطانيا بالبقاء في السوق الأوروبية الموحّدة، وبضمان حقوق الأوروبيين المستقرّين في بريطانيا والبريطانيين الذين يعيشون في أوروبا، ومواصلة العمل بالقوانين الأوروبية المتعلقة بحقوق العمال وحماية البيئة. كما يرفض العمال الخروج من الاتحاد الأوروبي دون صفقة.
بعكس الحزبين الرئيسيين، يطالب حزب الديمقراطيين الأحرار (وسط) بعرض الصفقة النهائية للخروج من الاتحاد الأوروبي على الناخبين عبر استفتاء عام جديد يتيح التراجع عن الخروج. وينادي الحزب القومي الاسكوتلندي بزعامة نيكولا ستورغن بمشاركة اسكوتلندا في طاولة المفاوضات وبإبقائها ضمن السوق الأوروبية الموحّدة.
وتشكل «بريكست» نقطة جدال جوهرية بين ماي وكوربين. إذ شددت رئيسة الوزراء أخيراً انتقاداتها للزعيم العمالي على خلفية مفاوضات الانسحاب، مع تقلص تقدم المحافظين في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات التشريعية المرتقبة. وادعت ماي أنه بينما هي جاهزة لإجراء المفاوضات التي ستبدأ بعد 11 يوماً من انتخابات 8 يونيو، فإن الزعيم العمالي «سيجد نفسه وحيداً وغير جاهز في غرفة مفاوضات الاتحاد الأوروبي». وفي خطاب ألقته الثلاثاء الماضي في مدينة وولفرهامبتون بوسط بريطانيا، قرب مدينة برمنغهام، أعادت رئيسة الوزراء تركيز النقاش مجدداً حول هذا الموضوع. إذ قالت ماي: «أنا حاضرة وجاهزة للذهاب، ولكن جيريمي كوربين ليس جاهزاً... واحد منا فقط لديه التصميم لتحقيق إرادة الناس وتنفيذ بريكست، وواحد منا فقط يملك الخطة لجعل بريكست ناجحاً».
ثم كرّرت ماي تأكيد أهدافها التفاوضية فيما يتعلق بالانسحاب من أوروبا، التي تشمل انسحاب بريطانيا من السوق الأوروبية الموحّدة وإنهاء سلطة محكمة العدل الدولية. وشدّدت مجدداً على أنها تفضل أن ترحل على أن تقبل اتفاقاً سيئاً مع الاتحاد الأوروبي، قائلة إن رفض كوربين أن يقوم بذلك يعني «القبول بأي شروط، مهما كانت غير منطقية».
وفي هذا الصدد، حذر محللون، وفق وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب)، من أن الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاقية تجارية جديدة قد يسبب ضرراً كبيراً لاقتصاد بريطانيا، وهو موقف كرّره العمال بعد خطاب ماي. وقال النائب العمالي تشوكا أومونا: «في هذه الانتخابات، من الحيوي ألا نمنح الحكومة شيكاً على بياض من أجل بريكست فوضوي وصعب، يمكن أن يضر باقتصادنا».
وبدوره، ردّ كوربين في مؤتمر صحافي بلندن على مضمون كلام ماي، واعتبره مغلوطاً، متهماً رئيسة الحكومة بالسعي إلى «مواجهة» مع بروكسل يمكن أن تكلّف بريطانيا غالياً. وأيضاً، استخدم خصوم ماي تصريحات مسؤولين أوروبيين بأن مقاربتها لمفاوضات الخروج «منفصلة عن الواقع» لانتقادها، إذ قالت صحيفة «فرنكفوتر ألغماينه تسايتونغ» الألمانية، مطلع الشهر الماضي، إن مباحثات ماي مع جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، وميشال بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد في لندن كانت «سيئة». وتابعت الصحيفة أن يونكر «خرج من الاجتماع متشائماً جداً»، ناقلة عنه قوله: «لقد غادرت 10 داونينغ ستريت وأنا متشكك بشكل أكبر بعشرة أمثال ما كنت عليه من قبل». في المقابل، رد متحدث باسم الحكومة البريطانية في بيان: «لا نعترف بهذه الرواية... وكما أوضح كل من رئيسة الوزراء وجان كلود يونكر، كان هذا الاجتماع بناءً قبل انطلاق المفاوضات رسمياً».
مع هذا، اعتمد نواب من المعارضة على المقال لانتقاد سياسة ماي. واعتبر وزير خزانة «حكومة الظل» جون ماكدونيل أن المقال «مقلق جداً»، وأنه يؤكد الطريقة «المتهورة» التي تجري بها ماي المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. بينما أكد تيم فارون، زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، المؤيد لأوروبا، أن الحكومة تتجه بالبلاد «نحو بريكست قاسٍ وكارثي».
* المناظرات التلفزيونية
في سياق ثانٍ، قبل أيام من الانتخابات التشريعية، ركز خصوم رئيسة الوزراء البريطانية انتقاداتهم على تغيبها عن المناظرات التلفزيونية مع قادة الأحزاب المتنافسة. ووصف الزعيم العمالي كوربين تغيب ماي بأنه «إشارة ضعف»، بينما رأته زعيمة حزب «الخضر» البيئي كارولين لوكاس تعبيراً عن «جبن كبير». وللعلم، في المناظرة التي نظمها تلفزيون «بي بي سي» ودعي إليها زعماء الأحزاب الرئيسية السبعة، اختارت رئيسة الوزراء أن تمثلها وزيرة الداخلية آمبر رد، مفوّتة بذلك فرصة الرد مباشرة على انتقادات أحزاب المعارضة أمام ملايين المشاهدين. وفي محاولة منها لتبرير إحجامها عن خوض أي مناظرة تلفزيونية، كرّرت ماي ما أعلنته منذ انطلاق الحملة الانتخابية بأنها تفضل التواصل مع الناخبين مباشرة، وليس مع زعماء الأحزاب الأخرى. لكن هذا الرد لم يقنع تيم فارون الذي قال إنها «دعت إلى انتخابات مبكرة لمصلحتها الخاصة ومصلحة الحزب المحافظ، وهي تخشى إلى حد كبير خوض نقاش معنا».
* معركة استطلاعات الرأي
والآن قبل أيام معدودات من موعد الاقتراع، ترسم استطلاعات الرأي صورة مُربكة عن اتجاهات الانتخابات، فمن جهة يشير بعضها إلى أن المحافظين سيحققون فوزاً مريحاً، بينما يتوقع بعضها الآخر مفاجأة تعطي حزب العمال مقاعد جديدة. وفي حين تتحكم عوامل عدة في مصداقية استطلاعات الرأي، بما حجم عيّنة المستطلعين وهامش الخطأ وتوقيت إجراء الاستطلاع، فإن العامل الأكثر إثارة - وربما الأكثر تأثيراً - قد يكون نسبة إقبال الناخبين الشباب والطبقات العاملة.
موقع مؤسسة «يوغوف» كان في استطلاع نشرت حصيلته صحيفة «التايمز» الأربعاء الماضي أن المحافظين قد يخسرون 20 مقعداً مقابل فوز العمال بـ30 مقعداً إضافياً. وأفادت «يوغوف» على «تويتر» أول من أمس معلقة على النتائج: «ما زالت هناك 8 أيام حتى يوم الانتخابات، وأي تغيّر طفيف قد يسفر عن غالبية جيدة للمحافظين». ومع أن المحافظين سيظلون القوة الأولى في البرلمان وفق معظم الاستطلاعات، فإن خسارتهم 20 مقعداً قد تحرمهم من الغالبية المطلقة. ونشير هنا إلى أن حصيلة استطلاع «يوغوف» استقبلت بتحفظ في المعسكر المحافظ. وقالت ماي خلال زيارة لمدينة بليموث (جنوب غربي إنجلترا) إن «الاستطلاع الوحيد المهم هو الذي سيجرى 8 يونيو» المقبل. ومن جهتها، حذرت صحيفة «التايمز» من هذه التوقعات التي أجريت في غضون أسبوع وشملت نحو 50 ألف شخص، معتبرة أنها تتضمن «هامش خطأ كبيراً»، إذ هناك احتمال آخر بفوز كبير للمحافظين.
وإلى جانب استطلاعات الرأي، تلقي وسائل الإعلام بثقلها في الحملات الانتخابية. وكانت مجلة «الإيكونوميست» الأسبوعية المرموقة قد أعلنت أول من أمس دعمها للديمقراطيين الأحرار المؤيدين لأوروبا، متخلية عن المحافظين. واعتبرت المجلة في افتتاحية لها أن حزبي المحافظين والعمال «ابتعدا» عن الليبرالية، مشددة على مواجهتها «خياراً مزعجاً» نظراً إلى أن الديمقراطيين الأحرار لا يشغلون الآن سوى 9 مقاعد نيابية لا غير، ولا فرصة لديهم بالفوز في هذا الاستحقاق. ويذكر أن «الإيكونوميست» كانت قد دعمت الزعيم المحافظ ديفيد كاميرون في الانتخابات العامة الأخيرة في 2015، لكنها رفضت دعم خلفه رئيسة الوزراء تيريزا ماي بسبب مواقفها المؤيدة الآن للانسحاب الاتحاد الأوروبي والحد من الهجرة. إذ قالت إن «ماي تعد للخروج من السوق الموحدة (...)، وتصر على تخفيض الهجرة الصافية إلى الثلث تقريباً».
وفي المقابل، لم توفر المجلة الزعيم العمالي اليساري من الانتقاد، قائلة إنه «يقدم نفسه بصورة الراديكالي في حين أنه فعلاً أكبر المحافظين والأكثر خطورة». وأضافت أن «كوربين أمضى حياته مدّعياً الدفاع عن المضطهدين، بينما كان يدعم مضطهديهم»، على غرار فيديل كاسترو وهوغو شافيز.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.