مؤلف مسلسل «كلبش»: طبيعة المرحلة تحتاج لتقديم هذه الشخصية

شخصية رجل الشرطة تحتل بطولة 7 أعمال درامية هذا العام

مؤلف مسلسل «كلبش»: طبيعة المرحلة تحتاج لتقديم هذه الشخصية
TT

مؤلف مسلسل «كلبش»: طبيعة المرحلة تحتاج لتقديم هذه الشخصية

مؤلف مسلسل «كلبش»: طبيعة المرحلة تحتاج لتقديم هذه الشخصية

من الملاحظات الدرامية في مسلسلات الموسم الحالي تسليط الضوء على تقديم شخصية رجل الشرطة، حيث يوجد تركيز بشكل كبير على تناول شخصية الضابط في أكثر من عمل هذا العام، منها ما ينقل الجانب الاجتماعي والعاطفي في حياته، وأخرى تحاول إبراز دوره البطولي والعملي.
في العام الماضي قدم 5 أعمال شخصيات ضابط الشرطة، أما هذا العام ترصد الدراما 7 نماذج لرجل الشرطة، ومن ضمن هذه الأعمال مسلسل ظل الرئيس الذي يقوم ببطولته ياسر جلال ومحمود عبد المغني والاثنان يقدمان شخصية الضابط، وعلى نفس النهج أيضا مسلسل الزيبق الذي يقدم ضابط المخابرات ويقوم ببطولته كريم عبد العزيز وشريف منير، وأيضا مسلسل كلبش الذي يقوم ببطولته أمير كراره ويقوم بدور الضابط الذي أجاده بشكل مقنع، والعمل من تأليف دكتور «باهر دويدار» الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: بالفعل شخصية الضابط موجودة في أعمالي الدرامية منذ ثلاث سنوات، وهذه مجرد صدفة لكن المختلف هذا العام أن يكون البطل الرئيسي والشخصية المحورية للعمل هي شخصيه شرطية أما العامان السابقان قدمتها بشكل غير رئيسي في الموضوع وكان في عملي الميزان وحق ميت، وتقديم هذه الشخصية له علاقة بالواقع حيث إن دراما الجريمة أصبحت منتشرة في الوقت الحالي، ولأن الضابط التابع لجهاز الشرطة هو المكلف بكشف هذه الجريمة والتعامل معها لذلك أصبحت الشرطة موجودة بقوة في الدراما، والتواجد ليس في الدراما العربية ولكنها توجد في الدراما الأجنبية.
ويضيف: بالتأكيد الدراما الآن تذهب إلى دراما البوليس و«السسبنس» بشكل كبير وهذا واضح في الكثير من الأعمال الدرامية، وأصبحت شخصية الضابط حاضرة في المجتمع بشكل جاد ومباشر وقوي الآن، والتعامل مع هذه الشخصية في الوقت الحالي أصبح مطلوبا ومهما لأننا نريد أن نعرض الواقع ولا نقف مع أحد ضد أحد، والمتغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة في دراما الجريمة يجب أن نعمل عليها بشكل كبير.
ويكمل «الكاتب»: هناك مشكلة في تناول هذه النوعية من الدراما لأن هناك انقساما داخل المجتمع في رؤيتها لهذه الشخصية البعض يراها بشكل إيجابي وحيوي ومهم، وجهة أخرى تراها بشكل سلبي ويكون ضدهم طول الوقت، لذلك كتبت سيناريو مسلسل «كلبش» الذي يعتبر العمل الأول الذي يقرب المسافة بين هذا وذاك، وهذا هو التحدي الذي وضعت نفسي فيه لأنني لن أنال الرضا بشكل كامل من كافة الأطياف، ولكني حاولت نقل هذه الشخصية بشكل واقعي بكل مميزاتها وعيوبها، وقررت دخول «لب» الشخصية بكل تفاصيلها وعملت بشكل مهني وواقعي حول هذه الشخصية بمشاكلها وطريقة تعاملها مع رؤسائها وجيرانها وأهلها وداخل بيتها وفي قسم الشرطة مكان عملها، وهذا العمل مختلف عما يقدم من باقي المسلسلات التي تتناول نفس الشخصية.
وكما تحدث مؤلف مسلسل «كلبش» عن هدف العمل قائلا: الهدف الرئيسي من المسلسل هو إبراز شخصية الضابط وكأننا نعرفها منذ زمن بالتركيز على التفاصيل، لكي يتعود المشاهد عليها ويعرفها، ولذلك تعمدت إظهار عمل الضابط في أكثر من قطاع داخل جهاز الشرطة، حيث تناولت عمله في الريف، ثم عمله بالعمليات الخاصة ثم في المباحث بالقاهرة، وتناولته أيضا خلال الأحداث وهو مقهور ثم هو قاهر ثم تعامله مع حبيبته، فهذه التفاصيل التي يتم إظهارها هي أهم ما في المسلسل وهذه تيمة موجودة في كل أعمالي حيث إنني بقدر الإمكان أحاول أن أقترب من الواقع الذي نعايشه في حياتنا كل يوم.
وأكمل: حتى الآن ردود الفعل مطمئنة من الجمهور وأسعدني كثيرا إشادة البعض من العاملين في جهاز الشرطة المصرية، والفضل يرجع إلى فريق العمل بالكامل بداية من الفنان المتميز «أمير كراره» الذي أجاد دور الضابط بشكل محترف ومعه المخرج «بيتر ميمي» لأن هذا المجهود ليس مجهود كتابة فقط ولكن تجسيد الشخصية وتوظيفها من أهم عوامل نجاحها فهي شخصية صعبة.
كما تقدم شخصية ضابط أمن الدولة في مسلسل الحالة «ج» ويقوم أحمد زاهر المشارك في البطولة بدور الضابط والعمل من بطولة حورية فرغلي، وتحدث مؤلف العمل فايز رشوان عن تقديمه شخصية الضابط في الأحداث قائلا: بالتأكيد ليس المقصود تقديم أكثر من عمل هذا العام لشخصية رجل الشرطة، ولكن هناك أيضاً مسلسلات بها الكثير من المهن منها الدكاترة والمهندسون والموظفون، جميع الشخصيات موجودة في الدراما، وإذا قدم أكثر من عمل هذه الشخصية من بين ثلاثين مسلسلا فهذا أمر طبيعي.
ويستطرد: أما عن مسلسل الحالة «ج» فهو اسم شرطي بحت حيث يمثل حالة الطوارئ داخل الشرطة والجيش، والقصة تدور حول ملفات فساد مسكوت عنها منذ اندلاع ثورة يناير، وأحد أبطال العمل ضابط أمن الدولة الذي خرج من الخدمة لفقدانه الذاكرة بسبب حادث، فهو أحد العناصر الأساسية وأقدم في المسلسل طبيعة حياته بعيداً عن مهنته كتفاصيل حياته الشخصية وأحواله المادية وهل المرتب الذي يتقاضاه يكفيه أم لا، كما أحكي عن علاقته بأصحابه ثم نرى حياته وماضيه داخل الخدمة وما فعله عندما كان ضابطا، هل هذا الماضي سوف يتركه أم سوف يؤثر عليه ويطارده، كما أن طبيعة المرحلة الحالية تتطلب تسليط الضوء على هذه الشخصية بكل أبعادها، وجهاز الشرطة بجميع إداراته في النهاية هم أبناؤنا منهم المخطئ والخارج عن القانون، ومنهم الذي يحقق القانون فلا بد من حدوث عملية مصالحة بينهم وبين أفراد المجتمع، لكن العمل يحتوي على توليفة من الأشخاص يعملون في مهن مختلفة منها بطلة العمل فهي لديها دكتوراه في إدارة الأعمال ويوجد من يعمل طبيب بلطجي وغيرها من المهن.
وأكد المؤلف: الحالة «ج» عمل لقصص حقيقية وتوقعت أن يكتب تنويه على تتر العمل بذلك، ولكن للأسف القائمون على الإنتاج لم يفعلوا ذلك خوفاً من أي ملاحقات قضائية، وأقدم شخصيات كثيرة واقعية من الخمس الماضية، كما أرصد هذه الشخصيات التي كانت لديها قضايا رأي عام وأتناولها بطريقة معينة.
وكشف: نحن تأخرنا في خروج هذه الفكرة وتناولها نتيجة طبيعة المرحلة التي كانت تفرض القيود على تناول هذه الشخصيات قبل عام 2011 حيث كانت هناك عوائق كثيرة أما الآن انفتحت هذه الفجوة وهذه القيود وأصبح الفنان هو رقيب نفسه وهو الذي يعلم أن البلد تمر بظروف صعبة ويجب مراعاتها حتى نخرج لبر الأمان، ويحزنني قول البعض عن أن هناك توجها حكوميا لتناول هذه المواضيع وكأن وزارة الداخلية هي التي تنتج هذه الأعمال لكي تظهرها بالشكل الذي تريد أن تقدمه، وهذا «كلام فارغ» حيث إن ضمير الكاتب والفنان هو الذي يحركه.
وعن سبب اتجاه المؤلفين لهذه الشخصية في الآونة الأخيرة يقول: الذي يجعل المؤلفين يهتمون بتقديم شخصية ضباط الشرطة، وهي أن الشخصية تعتبر المدخل السهل للمؤلف لكي يعمل مسلسل أكشن وبوليسي، وعندما يقدم هذه النوعية من الدراما يكون عن طريق تجسيده في دور صحافي أو محامٍ أو ضابط ولا تخرج عن هذه الشخصيات الثلاث، ويكون أكثر واقعية والمدخل المقنع للدراما هو الضابط لأنه يأتي لنا بالأكشن والحركة وتعقب الجرائم، ولن يخلو كل موسم عن عدد من المسلسلات تقدم هذه النوعية من الدراما.
ومن جهته علق الناقد الفني طارق الشناوي قائلا: الدراما تحاول بقدر المستطاع أن تكون موجودة على نفس الموجة مع الجمهور، في ظل وجود الحوادث الإرهابية وبعض خلايا إخوانية مع نشرات الأخبار التي لا تخلو إذاعتها من خبر إما مطاردة مجموعة إرهابية أو نجاح عملية إرهابية والقضاء على بؤرة إرهابية، كل ذلك جعل كتاب الدراما الاتجاه إلى تقديم رجال الشرطة في الأعمال الفنية.
وأضاف: كما يوجد جزء آخر وهو صورة ضابط الشرطة، فكان اختيار موعد ثورة 25 يناير لم يكن عشوائيا فكانت في عيد الشرطة وهذا مقصود، بالتالي حدث نوع من الثأر بين الثورة والشرطة، ومن أجل قيام الدولة لا يصح أن يكون أحد جناحي القوة الصلبة المتمثلة في الجيش والشرطة والجناح الثاني بينه وبين الناس خصومة، وبالتالي أحد الأهداف المعلنة بشكل غير رسمي هو تحسين صورة الضابط حتى يحدث توافق على المستوى الواقعي ولذلك دائما نجد في السنوات الأخيرة محاولات لتقديم صورة ضابط شرطة بوجه إيجابي، وحتى لو قدم بوجه سلبي تحرص الدراما على الجانب الآخر تقديم شخصية إيجابية لتصل الرسالة للجمهور، ناهيك على أن وجود ضابط الشرطة يعمل حالة تشويقية وهو من أهم أسلحه الكتابة الدرامية لضمان متابعة المشاهد.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)