بعد انحسار العمليات العسكرية على الجبهات القريبة من معاقله في دمشق والمنطقة الوسطى والمنطقة الساحلية، بدأ النظام السوري يستشعر خطورة ما ينتظره من تحدّ اقتصادي، مع تجاوز نسبة الفقر 80 في المائة من السوريين في الداخل، وشلل القطاع الصناعي المنتج جراء التدمير، واستشراس «أمراء الحرب».
ومنذ استعادة النظام سيطرته الكاملة على مدينة حلب مطلع العام الحالي، ضاعفت حكومة النظام مساعيها لدى رجال الأعمال والصناعيين السوريين في الداخل والخارج ممن توقف أو تراجع عملهم في سوريا، لاستئناف نشاطهم، مع وعود بتقديم التسهيلات اللازمة.
وقالت مصادر صناعية لـ«الشرق الأوسط»، إن أحد كبار الصناعيين ممن غادروا البلاد «رفض العروض المغرية التي قدمها النظام له للعودة وتشغيل مصانعه»، مبديا عدم ثقته بسلامة الأوضاع، لكنه وافق على بيع مصنعه الذي تعرض لتدمير جزئي ونهب لآلاته وتجهيزاته الأساسية في ريف دمشق، بنصف قيمته، إلى أحد كبار رجال الأعمال المحسوبين على النظام. وبحسب المصادر هناك عدة رجال أعمال محسوبين على النظام في دمشق واللاذقية يقومون بشراء المصانع المتوقفة عن العمل والمدمرة في ريف دمشق وحمص وحلب، بأسعار بخسة قياسا إلى قيمتها الحقيقية. ما يشير بحسب المصادر إلى عزم النظام على خلق «واقع وتحالفات اقتصادية جديدة للمرحلة المقبلة في معركته من أجل البقاء». وأضافت المصادر إلى أن هذا الأمر لا يغيب عن أذهان الاقتصاديين الدمشقيين ولذا فإن فيهم من قبل العودة إلى سوريا وبدأ يعمل على استئناف نشاطه، باعتبار أن السوق «متعطشة وواعدة» وأيضا «كي يحجز مكانا في المرحلة القادمة».
وبحسب أرقام وزارة الصناعة في حكومة النظام، قدرت قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بمؤسساتها وشركاتها والجهات التابعة، منذ عام 2011 حتى نهاية شهر مارس (آذار) الماضي بأكثر من 905 مليارات ليرة سوريا، منها أضرار مباشرة بقيمة 500 مليار ليرة، وأضرار غير مباشرة بنحو 405 مليارات ليرة. (الدولار يعادل 530 ليرة).
وضمن مساعي حكومة النظام لضخ الحياة في الصناعة المحلية، أعلنت عن وضع خطة لإنشاء 30 منطقة صناعية خلال عام 2017. ليكون قسم كبير منها جاهزاً مع نهاية العام، مع نسب تنفيذ متفاوتة بينها، ما بين 20 في المائة إلى 80 في المائة. وتقع تلك المناطق ضمن سيطرة النظام، في محافظات السويداء وطرطوس واللاذقية والقنيطرة. وذلك جزء من مشروع وضع عام 2006 لإنشاء 112 منطقة صناعية في مختلف المحافظات السورية، إلا أنه توقف مع اندلاع الحرب.
وبحسب تصريحات مسؤولين في حكومة النظام، فإن تلك المناطق سيتم إنشاؤها لتشغيل الحرفيين والصناعيين المحليين، وليست لإقامة استثمارات وصناعات خارجية.
ورغم ما تبذله حكومة النظام من مساع لإعادة الحياة إلى الصناعات السورية لا سيما الصغيرة منها، فإنها تصطدم بواقع الانفلات الأمني في مناطق سيطرة النظام، وتسلط «أمراء الحرب»، وخروجهم عن طاعة قيادات النظام لا سيما في المنطقة الوسطى والساحل، وهو أحد أهم الأسباب التي تجعل الصناعيين يحجمون عن العودة إلى سابق عهدهم بالعمل أو عن توسيع أعمالهم إضافة لضعف ثقتهم بالنظام «الذي لا يؤتمن جانبه» بحسب صاحب مصنع منظفات، قال إن الحكومة عرضت عليه تسهيلات كثيرة ليستأنف تشغيل معمله بالطاقة القصوى، لكنه ما زال مترددا، ويميل للعمل بالحد الأدنى للحفاظ على موقعه في السوق المحلية ليس أكثر؛ معتبرا كل ما يقدم من تسهيلات محض «وعود من دون ضمانات»، أما على الأرض فهناك «جمارك باهظة على المواد الأولية المستوردة، وهناك عصابات ترفيق وحواجز للنهب والسلبطة وأجور نقل مرتفعة، وهروب لليد العاملة الشابة بسبب الخدمة العسكرية والاحتياط».
وكان رئيس حكومة النظام عماد خميس لدى زيارته مؤخرا إلى ريف حماة، قد أعلن عن تقديم تسهيلات تشجيعية كبيرة للراغبين من الصناعيين في العمل بالمنطقة الصناعية، منها تقديم الأرض مجانا، إضافة إلى إعلانه عن خطة للإقراض من المصارف العامة، وضعت بالتنفيذ نهاية مايو (أيار) الماضي، واصفا الصناعيين بأنهم «شركاء حقيقيون بالتنمية وعملية الإعمار» مؤكداً استعداد حكومته لتلبية سائر متطلبات واحتياجات القطاع الصناعي والتجار. وكان رد هؤلاء عليه بأنه يجب حل مشكلات الإجراءات الروتينية للحصول على التراخيص، ووضع حد للمضايقات الجمركية، وإنهاء معاناة النقل وتأمين الطرق.
وفي هذا الخصوص يخوض رئيس اتحاد غرف الصناعة فارس شهابي، النائب في مجلس الشعب عن حلب، «معارك ضارية مع الشبيحة واللجان الأمنية في حلب»، مع أن الشهابي يعد أحد صناعيي حلب ممن دافعوا بشراسة عن النظام، متهما المعارضة بتدمير معامل حلب والتي قدر عددها عام 2001 بستين ألف معمل ومنشأة. وكتب الشهابي أكثر من مرة على موقع «فيسبوك» عن الانفلات الأمني الكبير الذي يعانيه التجار والصناعيون في مدينة حلب. وقال: «لن يستمر نهب المؤسسات العامة والخاصة على الطرقات». وتمكن الشهابي من إقناع النظام بإصدار توجيه للجنة العسكرية والأمنية في حلب، لتأمر بوقف العمل بنظام الترفيق داخل وخارج حلب، إلا أن ذلك جرّ على الشهابي مزيدا من العداء واتهامات المنتفعين له بـ«العمالة».
والترفيق هو قيام مجموعات أمنية بمرافقة سيارات البضائع على الطرقات، كي لا يتم إيقافها أو عرقلتها من قبل الحواجز الأمنية والعسكرية، مقابل مبالغ مالية تحدد حسب قيمة البضائع المنقولة.
وبحسب أرقام غرفة الصناعة، هناك أكثر من 15 ألف منشأة صناعية تابعة للقطاع الخاص عادت للعمل في حلب.
«أمراء الحرب» يعقدون تحالفات جديدة... استعداداً لـ«إعادة الإعمار»
«أمراء الحرب» يعقدون تحالفات جديدة... استعداداً لـ«إعادة الإعمار»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة