أوكرانيا تنقل نزاعها مع روسيا إلى الإعلام والإنترنت

فرض عقوبات على مواقع إلكترونية لإضعاف بروباغاندا الكرملين

أسهم «موقع ياندكس» الروسي تراجعت في السوق
أسهم «موقع ياندكس» الروسي تراجعت في السوق
TT

أوكرانيا تنقل نزاعها مع روسيا إلى الإعلام والإنترنت

أسهم «موقع ياندكس» الروسي تراجعت في السوق
أسهم «موقع ياندكس» الروسي تراجعت في السوق

أصبح الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي ساحة مواجهة رئيسية في النزاعات السياسية والعسكرية الدائرة في أكثر من مكان في العالم. وتشهد على ذلك التطورات الأخيرة في النزاع الدائر منذ سنوات بين الجارتين روسيا وأوكرانيا، حيث أعلنت السلطات الأوكرانية مؤخراً فرض حزمة عقوبات جديدة ضد عدد كبير من وسائل الإعلام الروسية، بما في ذلك ضد إعلاميين، ومواقع كبرى على الإنترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي الروسية، وكل هذا في إطار تصدي السلطات الأوكرانية لما تقول إنه «ماكينة بروباغاندا الكرملين».
وكان الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو وافق في منتصف مايو (أيار) الحالي، على قرار مجلس الأمن والدفاع القومي الأوكراني، حول عقوبات فردية ضد ممثلي وسائل الإعلام الروسية، تحظر السلطات الأوكرانية دخولهم البلاد، وأي تعاملات تجارية أو مالية معهم.
وضمت قائمة العقوبات 17 شخصية من كبار الشخصيات في الإعلام الرسمي، ومنهم قسطنطين إرنست، مدير القناة الروسية الفيدرالية الأولى، ومارغاريتا سيمونيان، رئيسة تحرير مجموعة «آر تي» (روسيا اليوم سابقاً)، ودميتري كيسيلوف، مدير مؤسسة «روسيا سيغودنيا»، وهو أحد أكبر رموز البروباغاندا الرسمية، ومعهم أوليغ دوبرودييف، مدير عام المؤسسة العامة الروسية للإذاعة والتلفزيون، التي تضم قنوات التلفزيون الإخبارية الحكومية الروسية الرئيسية، مثل قناة «روسيا - 1» التي شملت العقوبات كذلك مديرها العام أنطون زالتوبولسكي، وكثيرين غيرهم.
وعلى مستوى المؤسسات، شملت العقوبات الأوكرانية حظر مواقع إنترنت روسية كبرى مثل «ياندكس» الموقع متعدد الخدمات، صحافة، ومال وبريد، والكثير غيره، وكذلك مواقع مجموعة «mail.ru»، التي تضم صفحات تواصل اجتماعي، وتشكل أكبر مخدم بريد إلكتروني، ليس في روسيا فحسب، بل وعلى مستوى الجمهوريات السوفياتية السابقة عموماً. وطالت العقوبات كذلك حظر موقع التواصل الاجتماعي الروسي «Bkontakt»، وهو موقع مفضل لدى مئات ملايين المستخدمين في الفضاء السوفياتي، ويعتمد بصورة رئيسية على اللغة الروسية، إلى جانب لغات عالمية أخرى، ومثله كذلك موقع التواصل «Odnaklasniki»، كما شملت العقوبات «مخبر كاسبرسكي» للبرمجيات ومضادات الفيروسات.
وتحظر العقوبات استخدام تلك المواقع في أوكرانيا، والحجز على أصولها في أوكرانيا، وكذلك حظر الصفقات التجارية التي تجري عبرها، ومعها، وغيره. وتطالب العقوبات وزارة الخارجية الأوكرانية إبلاغ المؤسسات المعنية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى، بالعقوبات الأوكرانية، وأن تبحث معهم مسألة اعتمادهم عقوبات مماثلة، ضد الشخصيات والمؤسسات، في قائمة العقوبات الأوكرانية.
بدوره، قال رئيس الوزراء الأوكراني فلاديمير غرويسمان: إن إلغاء العقوبات ممكن، لكن «عندما تتراجع روسيا عن مخططاتها»، وأضاف: «عندما أسمع جدلا حول العمل لاحقا بسياسة العقوبات، أجيب بأنه علينا اليوم أن نواجه البروباغاندا الروسية؛ ولهذا فرضنا العقوبات بسبب عدم احترام (الجانب الروسي) للقانون الدولي، وبسبب انتهاكهم حدود دولة ذات سيادة»، ويقصد أوكرانيا، وشدد على أن إعادة النظر بقرار العقوبات «يصبح ممكنا عندما تسحب روسيا قواتها، وأسلحتها من جنوب - شرق أوكرانيا». وقالت الكتلة النيابية لحزب الرئيس بوروشينكو في مجلس الرادا (البرلمان الأوكراني): إن «قرار الرئيس بفرض عقوبات كانت متوقعاً، ومن شأنه أن يحد من تدفق الموارد المالية من البلاد، وأن يعطل عمل البروباغاندا الروسية».
من جانبها، أدانت موسكو قرار العقوبات الجديد، واتهمت ماريا زاخاروفا السلطات الأوكرانية، بأنها من خلال تلك العقوبات «تستخدم كل الوسائل المتاحة للتأثير على المواطنين». وفي ردود فعل المنظمات الدولية رأت «Human Rigjts Watch» في العقوبات «انتهاكا لا يمكن المسامحة عليه لحقوق الأوكرانيين باختيار المعلومات»، ودعت تانيا كوبر، الخبيرة المختصة في المنظمة بالدول الأوروبية وآسيا الوسطى، الرئيس الأوكراني بيوتر بوروشينكو إلى إلغاء قرار العقوبات على الفور، وقالت: إن القرار «وجّه ضربة خطيرة لحرية الكلمة في أوكرانيا». وفي الولايات المتحدة، قالت وزارة الخارجية: إن حرية التعبير عن الرأي تشكل عنصراً رئيسيا في أي ديمقراطية سليمة، ودعت السلطات الأوكرانية إلى اللجوء لوسائل أخرى بغية حماية المصالح القومية للبلاد، وفي الوقت نفسه اتهمت الخارجية الأميركية وسائل الإعلام الروسية باستخدام معلومات مفبركة لزعزعة الوضع في أوكرانيا.
وتهدد العقوبات مجموعة «mail.ru» بخسارة نحو 25 مليونا من مستخدميها، وقالت المجموعة: إن «نحو 25 مليون مواطن أوكراني يتواصلون مع أصدقائهم في أوكرانيا وخارجها عبر موقعنا، والآن سيحرمهم قرار العقوبات من هذا التواصل». ماليا، لا تنوي «mail.ru» إدخال تعديلات على حساباتها؛ لأن مشاركة الشركات الأوكرانية في رأس مال المجموعة محدود جداً، ولن يؤدي غيابه إلى وضع مالي طارئ يتطلب أي إجراءات. أما موقع ومخدم «ياندكس» الروسي الشهير، فإنه لم يتمكن من تفادي التداعيات السلبية للقرار، ومنذ الإعلان عن فرض عقوبات جديدة، تراجعت قيمة أسهم «ياندكس» في التداولات في بورصة موسكو نحو 3 في المائة.
وبعيداً عن الجانب المالي - التجاري، فإن حجب السلطات الأوكرانية لأكبر وأهم مواقع ومخدمات وصفحات إنترنت روسية، يعني حرمان المستخدمين الأوكرانيين من صفحات اعتادوا على استخدامها في حياتهم اليومية، للتواصل وللحصول على معلومات. وأكد أكثر من خبير في مجال الإنترنت، أن الأوكرانيين سيجدون وسيلة لتجاوز الحظر والولوج إلى المواقع الروسية بشكل ما.
وأقرت الحكومة الأوكرانية بأنها لا تملك إمكانية لفرض حجب شامل على مواقع التواصل الاجتماعي الروسية. وقال دميتري شيمكيف، نائب رئيس الديوان الرئاسي الأوكراني، على هامش منتدى في أوكرانيا: «يجب أن ندرك أنه من الناحية التقنية لا يمكن حظر موقع ما 100 في المائة، وهذه حقيقة يدركها الجميع»، مؤكداً أنه «ومع ذلك سنتمكن من حجب العدد الأكبر من المستخدمين عن مواقع التواصل الاجتماعي الروسية». ويرى مراقبون أن السلطات الأوكرانية تسعى عبر العقوبات الجديدة إلى تحقيق أهداف عدة، بينها التقليل من اعتماد المواطنين الأوكرانيين على وسائل الإعلام الروسية الممولة من الكرملين، مصدراً رئيسيا للمعلومات، وكذلك التقليل من الاعتماد على اللغة الروسية؛ ذلك أن اللغة الروسية رئيسية في التواصل بين المواطنين من مختلف الجمهوريات السوفياتية السابقة، الذين تمثل المواقع الروسية بديلا مناسباً لهم عن مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر».



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.