رمضان يحلّ ضيفاً عزيزاً على بيوت اللبنانيين

يستقبلونه بحفاوة رغم الضائقة المالية التي يعانون منها

فانوس رمضان يتقدم زينة الشوارع والبيوت في لبنان
فانوس رمضان يتقدم زينة الشوارع والبيوت في لبنان
TT

رمضان يحلّ ضيفاً عزيزاً على بيوت اللبنانيين

فانوس رمضان يتقدم زينة الشوارع والبيوت في لبنان
فانوس رمضان يتقدم زينة الشوارع والبيوت في لبنان

مشهدية الزينة التي تكللّ بيوت اللبنانيين والأحياء التي يسكنونها، وكذلك زحمة الناس في السوبر ماركت، تشكل مجتمعة لوحة ملونة تدلّنا من بعيد بأننا صرنا في حضرة الشهر الفضيل. وعلى الرغم من الميزانيات الخجولة التي صار اللبنانيون يرصدونها للترحيب به في ظل الضائقة المالية التي يعانون منها، ولا سيما الطبقة الشعبية منهم، إلا أنهم يرفضون أن يقللوا من الحفاوة التي ترافق وصوله، ولو أنها تأتي هذا العام تحت عنوان «كل يوم بيومه».
«لا أفكر بالتكلفة العالية التي أتحملها بفرح من أجل استقبال هذا الشهر الكريم» تقول ريام منيمنة التي لا تتوانى كعادتها في كل عام عن القيام بالاستعدادات اللازمة للشهر الكريم. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أزيّن منزلي بأكمله من أبواب ونوافذ بإضاءة ملونة وبفوانيس رمضان؛ كونها تعكس سعادة أفراد عائلتي بوصول هذا الشهر المبارك. أما شرفات المنزل فترتدي حلّة جديدة من أثاث وديكورات إيذانا ببدايته، فتحمل أجواء البهجة التي تغمرنا على مدى الأيام الثلاثين للشهر الفضيل».
وكما ريام، كذلك سارة فاخوري، وهي ربة منزل تعيش وحيدة في منزلها في منطقة الكولا؛ كون أولادها يستقرون خارج البلاد. فهي تتمسك بإهداء مطبخها أواني وصحوناً جديدة لمناسبة وصول شهر رمضان. وتقول في سياق حديثها: «هو أمر أتفاءل به، ويغمرني بسعادة كبيرة؛ فهذا الشهر الفضيل يعني التجدد والعطاء ولمّة الأسرة؛ ولذلك لا أتردّد عن شراء أصناف من أواني المطبخ الجديدة احتفاء به، فاستخدمها على موائد الفطور والسحور».
يتوجه غالبية اللبنانيين إلى التعاونيات التجارية ودكاكين المطاحن الصغيرة لشراء مئونة هذا الشهر من أرز وتمور وسكر وحبوب، إضافة إلى رزمات «قمر الدين» وقناني عصير الجلّاب والبرتقال.
وتقول ندى مجذوب، التي التقيناها في أحد المراكز التجارية الكبرى في شارع فردان: «هي منتجات لا يمكننا الاستغناء عنها على موائدنا الرمضانية، فصحيح أن البعض يشتريها بكميات كبيرة إلا أنني ألتزم بمبدأ (كل يوم بيومه)، لأؤمّنها لأفراد عائلتي حسب الطلب». وأضافت: «في الماضي كنا نستعد لهذا الشهر قبل فترة من موعد وصوله، أما اليوم فصرنا نكتفي بشراء حاجياتنا يوميا، ومن دون مبالغة في التبذير؛ نظرا لغلاء الأسعار وإمكاناتنا المحدودة».
ومن العادات والتقاليد التي يتمسك بها اللبنانيون على الموائد الرمضانية، هي تحضيرهم لأصناف أطباق معينة يحبها الكبار والصغار معا كسلطة «الفتّوش»، و«نقوع قمر الدين» مع المكسرات، و«فتة الحمّص باللبن».
ويفيد أبو إبراهيم بائع الخضراوات لـ«الشرق الأوسط» بأن «أسعار الخضراوات ترتفع بشكل جنوني، بسبب طبق (الفتّوش) الذي لا يمكن الاستغناء عنه على موائد رمضان» ويضيف: «جميع الأسعار تتضاعف، بل إنها تفوق المعقول أحيانا كثيرة، والبعض يعتبرنا ننتهز الفرصة للربح، إلا أننا نبيع منتجاتنا بهذه الأسعار، كما يفرضه علينا باعة الجملة في أسواق الخضراوات في بيروت، فنسبة الطلب تصبح بين ليلة وضحاها تفوق نسبة العرض بكل بساطة».
أما وصول شهر رمضان مع بداية موسم الصيف وليس في منتصفه، فيشكل نوعا من الراحة للصائمين الذين يجدون في الطقس المعتدل فرصة للقيام بفريضة الصوم على أكمل وجه، مع الحفاظ على ديناميكيتهم ونشاطهم بعيدا عن وطأة الحر والشعور بالكسل.
وفي حديث مع أحمد عباس، يقول: «ابتداء من هذه السنة سيحمل شهر رمضان أجواء طقس طريّة، أقل قساوة من سابقاتها فتساعد الصائم على أداء واجباته بشكل أسهل، وهذا الأمر يستفيد منه عادة الأولاد الذين يتمسّكون باتباع الصوم طيلة الشهر الكريم على الرغم من عمرهم الفتيّ».
ويتابع عباس وهو جدّ لحفيدين، عمر ونبيل اللذان يحبّان مشاركته الصوم: «نحن الكبار في السن قد يكون لدينا قدرة أكبر على التحمل، إلا أن اعتدال درجات الحرارة تنعكس إيجابا علينا كبارا وصغارا». ويرى الجد (70 سنة)، بأن هناك أشخاصا لا يعرفون الطرق السليمة من أجل ممارسة الصوم بعيدا عن أي انعكاسات سلبية قد يتعرضون لها، ويقول: «هناك من يأكل حتى التخمة، ومن يشرب حتى الانتفاخ، فيصاب بالنعاس ويتملّكه الشعور بالإرهاق والكسل؛ لذلك سأزودكم بنصائح في هذا الخصوص. فلا بد أن نحرص على عدم الشعور بالشبع أثناء وجبة الإفطار لترك المجال لتناول وجبات خفيفة بينها وبين وجبة السحور. كما أنه على الصائم الإكثار من تناول الماء بين هاتين الوجبتين للتعويض عن فقدانها عند التعرّق. كما أنه لا يجب أن ننسى التخفيف من تناول الملح والسكّر في الطعام لأنّ زيادتها تتسبب بالعطش».



المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
TT

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)

حافظ السعوديون على مظاهر عيد الفطر السعيد التي كانت سائدة في الماضي، كما حرص المقيمون في البلاد من المسلمين على الاحتفال بهذه المناسبة السنوية وفق عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم، أو مشاركة السكان في احتفالاتهم بهذه المناسبة السنوية، علماً بأن السعودية تحتضن مقيمين من نحو 100 جنسية مختلفة.
ويستعد السكان لهذه المناسبة قبل أيام من حلول عيد الفطر، من خلال تجهيز «زكاة الفطر»، وهي شعيرة يستحب استخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين، ويتم ذلك بشرائها مباشرة من محال بيع المواد الغذائية أو الباعة الجائلين، الذين ينتشرون في الأسواق أو على الطرقات ويفترشون الأرض أمام أكياس معبئة من الحبوب من قوت البلد بمقياس الصاع النبوي، والذي كان لا يتعدى القمح والزبيب، ولكن في العصر الحالي دخل الأرز كقوت وحيد لاستخراج الزكاة.
وفي كل عام يتكرر المشهد السائد ذاته منذ عقود في الاحتفال بعيد الفطر السعيد ومع حلوله اليوم في السعودية تستعيد ذاكرة السكان، وخصوصاً من كبار السن ذكريات عن هذه الفرائحية السنوية أيام زمان، وفق استعدادات ومتطلبات خاصة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة.

السعوديون يحرصون على الإفطار الجماعي يوم العيد (أرشيفية - واس)

وحافظت بعض المدن والمحافظات والقرى والهجر في السعودية على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي؛ إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علماً بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.
ويحرص السكان على المشاركة في احتفالية العيد التي تبدأ بتناول إفطار العيد في ساعة مبكرة بعد أن يؤدي سكان الحي صلاة العيد في المسجد يتوجه السكان إلى المكان المخصص للإفطار، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية، كما تقيم إمارات المناطق والمحافظات إفطاراً في مقراتها في ساعة مبكرة من الصباح يشارك بها السكان من مواطنين ومقيمين.

الأطفال أكثر فرحاً بحلول العيد (أرشيفية - واس)

وبعد انتهاء إفطار العيد يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم، فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيّم الهدوء على المنازل، ويحرص المشاركون في الإفطار على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحياناً القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.
وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في بعض المدن والقرى بعد أن اختفت منذ خمسة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية، منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، كما تم إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عقود عدة تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب، وحلّت محلها هدايا كألعاب الأطفال أو أجهزة الهاتف المحمول أو النقود.