مجمع الفنون بالقاهرة يكتسي حلة جديدة

مجمع الفنون بالقاهرة  يكتسي حلة جديدة
TT

مجمع الفنون بالقاهرة يكتسي حلة جديدة

مجمع الفنون بالقاهرة  يكتسي حلة جديدة

بعد عمليات ترميم وصيانة وتطوير حافظت على طرازه المعماري الفريد، اكتسى مجمع الفنون (قصر عائشة فهمي) حلة جديدة، وافتتحه أخيرا الكاتب الصحافي حلمي النمنم وزير الثقافة يرافقه د. خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية، بحضور لفيف من قيادات وزارة الثقافة ومجموعة من الفنانين والأدباء وشخصيات عامة ودبلوماسية.
يعد المجمع بؤرة إشعاع ثقافي بالعاصمة القاهرة، ويقع بحي الزمالك الراقي ويتمتع بإطلالة ساحرة على نهر النيل. وذكر سرور أنه مع عودة (مجمع الفنون) لممارسة هذا الدور مجدداً بعد تطويره وترميمه، فإن تاريخه وسجله الحافل بالإنجازات كان محفزاً لنا في كل خطوة من خطوات الإعداد والتخطيط لإعادة إحياء هذا الدور والإضافة إليه بما يتواءم ويتواكب مع المرحلة ومتطلباتها وتطلعات فناني مصر، حيث تمثل عودة المجمع للحياة الثقافية، تأكيداً على ريادتها وقوتها الناعمة. ولفت سرور إلى أنه بعودة المجمع ستعود نافذة مهمة للتعريف بكنوز متاحفنا، كما سيتعاظم الطموح بالسعي لمزيدٍ من الزخم والحراك في المشهد التشكيلي الآني وتقديم تجارب ونجوم جُدد، فالمجمع يحوي في مضمونه أكثر من كونه مساحة للفن والفكر والإبداع.
وصاحب حفل الافتتاح معرض فني كبير يحمل عنوان «من كنوز متاحفنا» يضم مجموعة خاصة جداً من أبرز المقتنيات الفنية العالمية ولرواد مصريين في عرض تشكيلي يُمثل فرصة للفنانين والنقاد والجمهور للتعرف على هذا الإرث الفني الضخم الذي تحويه متاحف مصر، وسيستمر عرض الأعمال لمدة ثلاثة أشهر تقريباً بقاعات المجمع الواقع على كورنيش الزمالك.
يشار إلى أن (قصر عائشة فهمي).. بناه علي باشا فهمي كبير ياوران الملك فؤاد لابنته عائشة وأطلق عليه قصر الخلد وذلك عام 1907، في عام 1958 انتقلت ملكيته لوزارة الثقافة، وفى سنة 19755 قام الأديب يوسف السباعي وزير الثقافة آنذاك بضم القصر إلى هيئة الفنون والآداب - قطاع الفنون التشكيلية حالياً، وفى سنة 1978 صدر قرار جمهوري لتخصيصه متحف لجواهر أسرة محمد علي، وتم إلغاءه بقرار جمهوري آخر سنة 1986 (وذلك بعد تخصيص قصر فاطمة حيدر بالإسكندرية متحفاً للجواهر) ليعود مرة أخرى تحت تصرف وزارة الثقافة ليصبح بذلك مجمع الفنون، وكان له دور كبير في الكشف عن نجوم التشكيليين من جيل الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، هذا وقد تم تسجيل القصر كمبنى أثري في عام 2010.



حين طلب مني الأمن أن أرسم صورة «المعلم»

عتاب حريب
عتاب حريب
TT

حين طلب مني الأمن أن أرسم صورة «المعلم»

عتاب حريب
عتاب حريب

في عام 2011 كنت على موعد للحصول على فيزا لإقامة معرض في نورث كارولينا بدعوة من جامعة دافيدسون وحصلت على الفيزا في آخر يوم قبل إغلاق السفارة بدمشق.

سافرت عام 2012 ورجعت إلى دمشق، وكانت المظاهرات والاحتجاجات تعم المدن السورية والقرى وأنا أعيش في دمشق أحاول أن أساعد بجهد شخصي أبناء الريف المتضرر والمحاصر، فهناك الكثير من المهنيين والمعارف الذين تضرروا وبحاجة لكثير من الطعام والمستلزمات. كنت أحملها بسيارتي وأحمل معها روحي وأمضي وفي رأسي سيناريوهات العالم كلها. أحضر أجوبة على كل احتمالات الحواجز والشبيحة وعناصر الأمن، عما كنت أكتب بحس ساخر على فيس بوك وأناهض الفساد والقتل. أنا امرأة متمردة بطبعي على الظلم وأمشي عكس التيار، أعشق الحرية والسفر لأعود إلى بلدي بشوق أكثر. هناك تحديات كثيرة كانت أمامنا في بلد كل زاوية فيها حاجز أمني وشبيحة. كانت رعاية ملائكية تنقذني دوماً من رش للرصاص على سيارتي في حاجز حرستا ووضع عبوة ناسفة قرب سيارتي أمام بيتي بعد أن نزلت منها، وتصويب البندقية عليَّ في تأبين باسل شحادة. هربت بأعجوبة. هذه ليست بطولات أرويها ولكن كان حماساً وواجباً علي. ويوماً كنت على حدود لبنان للسفر إلى المغرب لإقامة معرض. أخذوني من الحدود وبدأت التحقيقات معي عن كتاباتي على صفحتي بفيسبوك. وانتهى التحقيق بالتوقيع على ورقة بعدم كتابة أي شيء. وفي اليوم التالي أُلغي منع السفر. وعندما عدت استدعوني مرة أخرى. قلت للمحقق ضاحكة لم أكتب شي مثل ماوعدتكم، فقال لي: رسمتِ. لقد شاهد لوحة فيها قطعة ممزقة من كلمة الثورة التي على الجريدة، فأجبته باستغباء: هذه الجريدة الوطنية ليش ممنوع نحطها، فقال لي: أعرف ما تريدين أن تقولي مع هذه الشخبرة. يصف لوحاتي بـ«الشخابير».

ثم قال لي: نريدك أن ترسمي لنا صورة المعلم، فقلت له: أنا أرسم مناظر وزهوراً لا أرسم حيوانات ولا بشراً واسأل عني مرة باسل الأسد فقد طلب مني ومن مجموعة من الفنانين رسم أحصنته فرفضت لأني لا أعرف، فأجابني: لا أنت فنانة قديرة رح ترسميها فقلت له سأحاول سأطلب من أحد يجيد رسم البورتريه، فقال لي: لا أنت يجب أن ترسميها وتوقعي عليها اسمك.

بقيت أشهراً أماطل ويسألني دائماً على الهاتف: ما خلصتِ، ألاقي الأعذار كل مرة بالكهرباء والتدفئة وعدم جفاف الألوان بالبرد. كنت أنام وأصحو في رعب وسخرية أيضاً. أحياناً أفكر أن أرسم حماراً وفوقه أرسم صورته بألوان تزال بالماء وأرسلها بعد أن أخرج من البلد مع رسالة «امسح الصورة تجد المعلم». المهم كان هذا مسلياً لي في أوقات القلق والتوتر إلى أن قدمت استقالتي من عملي وطلبت من الأمن موافقة أمنية للسفر لمرة واحدة قبل انتهاء الفيزا، وحصلت عليها.

قبل يومين من تحرير حلب كنت في حالة شوق مكبوت لسوريا، وأتمنى بشدةٍ العودة. وكنت أحاول أن أقنع نفسي بأن وضعي في أميركا جيد وصرت مواطنة أميركية وعندي جواز سفر مثل جناحين أطير به بين البلدان بكل سلاسة. وأقنعت نفسي من أول يوم أتيت إلى شيكاغو أنني سأبدأ حياة جديدة وتناسيت بيتي بالشام ومرسمي ولوحاتي وذكرياتي وأصدقائي الذين لم يبق منهم إلا القليل في دمشق. أخوتي قاطعتهم لاختلافي معهم في المبدأ فقد كانوا يقفون مع النظام.

وزاد فقداني لابني الذي قُتل عام 2014 كرهاً لتلك البلاد التي لفظتنا ولم تقدم لنا إلا العنف والنبذ والقتل والتهميش. أنا قدمت الكثير لسوريا، وكنت أقوم بأعمال تطوعية مع الأطفال والشباب لتأجيج روح الفن والحب والحياة والحرية. كنت أعيش مع أجيال متتابعة في عملي معلمة فنون في مدارس سوريا ومعاهدها وجامعاتها.

تحرير حلب كان فرحاً مشوباً بالخوف... أتابع ليل نهار كل وسائل التواصل. لم أعد أنام. عاد الأدرنالين للصعود مثل بدايات الثورة عام 2011 والترقب والحماس، وكنت أقول لنفسي إن لم يصلوا إلى دمشق لن أفرح. كنت ذلك اليوم أبكي، ولم أخرج إلى الشارع لأن دموعي كانت لا تتوقف.

فجأة الحلم عاد، واليأس اختفى، وصار عنا مستقبل مختلف. صار عندي وطن أعود إليه مع أبنائي وأحفادي. صار عندي أمل أعود لأعرف أين قتل ابني وأين رفاته، أعود لأقبل بناته حفيداتي اللاتي لم أرهن منذ سافرت.

* فنانة تشكيلية