المعارضة الفنزويلية تسعى لتحييد الجيش

رفضت المشاركة في تشكيل «جمعية تأسيسية» دعا إليها مادورو

قوات مكافحة الشغب تواجه متظاهرين لدى محاولتهم التقدم إلى منشأة عسكرية في كراكاس مساء أول من أمس (أ.ف.ب)
قوات مكافحة الشغب تواجه متظاهرين لدى محاولتهم التقدم إلى منشأة عسكرية في كراكاس مساء أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

المعارضة الفنزويلية تسعى لتحييد الجيش

قوات مكافحة الشغب تواجه متظاهرين لدى محاولتهم التقدم إلى منشأة عسكرية في كراكاس مساء أول من أمس (أ.ف.ب)
قوات مكافحة الشغب تواجه متظاهرين لدى محاولتهم التقدم إلى منشأة عسكرية في كراكاس مساء أول من أمس (أ.ف.ب)

توجه متظاهرون معارضون للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مساء أول من أمس إلى منشأة عسكرية رئيسية في العاصمة كراكاس بهدف مطالبة الجيش بالبقاء على الحياد في وعدم رفع السلاح ضد المتظاهرين. لكن شرطة مكافحة الشغب بادرت بإطلاق الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لمنع المتظاهرين من التقدم نحو منشأة لوس بروسيريس، وذلك في أحدث سلسلة من أعمال العنف المستمرة منذ نحو شهرين. وكان مفترضاً أن ينظم المحتجون مظاهرات جديدة أمس بناء على دعوة من قادة المعارضة.
وتسعى المعارضة إلى استمالة دعم القوات المسلحة، إحدى الركائز الرئيسية لحكومة الرئيس مادورو الرافض لدعوات المعارضة المطالبة بانتخابات مبكرة. وانضم عسكريون متقاعدون إلى المتظاهرين الذي حاولوا السير باتجاه منشأة لوس بروسيريس التي تضم وزارة الدفاع وتقع على مقربة من قاعدة عسكرية كبيرة في كراكاس.
وقال فريدي غيفارا، أحد قادة المعارضة ونائب رئيس البرلمان، إن التظاهرة الأخيرة كانت تسعى «للمطالبة بألا ترفع القوات المسلحة السلاح وألا تكون متواطئة مع الديكتاتورية». ودعا غيفارا الجيش لرفض «جمعية تأسيسية» سيتم انتخاب أعضائها في يوليو (تموز) تكون مهمتها وضع دستور جديد، وقال إن خطط مادورو سوف «تقضي على الديمقراطية الفنزويلية إلى الأبد».
ورشق متظاهرون ملثمون شرطة مكافحة الشغب بقنابل المولوتوف في مشاهد أصبحت مألوفة بعد شهرين تقريباً من أعمال الشغب. وأول من أمس، توفي رجل في الـ33 من العمر متأثراً بإصابته الخميس في التظاهرات في مدينة كابوداري (غرب)، مما يرفع عدد القتلى خلال 8 أسابيع من المواجهات إلى 58. كما أصيب عدد من الأشخاص في العاصمة أول من أمس بينهم النائب المعارض كارلوس باباروني الذي أصيب في الساق بأداة حادة. ووجهت النائبة العامة لويزا أورتيغا أصابع الاتهام للشرطة العسكرية عن مئات الإصابات ووفاة واحدة على الأقل.
وكان الرئيس مادورو قد اقترح الخميس على قادة المعارضة التحاور مع الحكومة في إطار عملية الجمعية التأسيسية التي أطلقها، لكن المعارضة ترفضها رفضاً قاطعاً. وقال مادورو خلال اجتماع عام في كراكاس: «أؤكد دعوتي إلى الحوار»، كاشفاً عن أسماء القادة الأربعة للمعارضة الذين دعاهم إلى طاولة الحوار. وأضاف مادورو الذي خلف الرئيس الراحل هوغو شافيز (1999 - 2013): «أؤكد استعدادي لإجراء مناقشات في إطار الجمعية الوطنية التأسيسية» مع مسؤولي المعارضة. لكنه أوضح «أنهم خائفون» لأنهم «يعرفون (...) أن الثورة تنتصر عليهم في أي انتخاب».
وتطالب المعارضة منذ أشهر بانتخابات عامة مبكرة، وتنظم مظاهرات يومية تقريباً، دعماً لهذا المطلب. وتفيد استطلاعات الرأي بأن 7 من كل 10 فنزويليين، يتمنون استقالة مادورو في الوقت الراهن. وأعلنت المعارضة التي تسيطر على البرلمان أنها لن تشارك في عملية الجمعية التأسيسية التي دعا إليها مادورو، لأنها تعتبر القانون الانتخابي المعد لتعيين أعضائها «منحازاً». وستعين ثلث هؤلاء الأعضاء قطاعات خاصة من المجتمع تتمتع فيها الحكومة بنفوذ كبير.
وبالإضافة إلى انتخاب الجمعية التأسيسية، المحدد في يوليو، أعلن المجلس الوطني الانتخابي الذي تتهمه المعارضة بخدمة مصالح الفريق الرئاسي، أن انتخابات الحكام التي كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) 2016، ستجرى في 10 ديسمبر المقبل. والعملية المؤدية إلى تشكيل الجمعية التأسيسية قد انطلقت، على رغم الرفض التام للمعارضة المشاركة فيها. وأعلن المجلس الوطني الانتخابي الخميس أن تسجيل المرشحين سيجرى في الأول والثاني من يونيو (حزيران) المقبل. وتقوم المعارضة منذ الأول من أبريل (نيسان) الماضي بحملة مظاهرات في كل أنحاء فنزويلا، للمطالبة بانتخابات عامة واستقالة مادورو. وفي هذه المظاهرات، قتل 57 شخصاً وأصيب نحو ألف بجروح وأوقف أكثر من 2800 شخص، كما تقول منظمة «فورو بينال» غير الحكومية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟